*تشارلز مانسون العقل المدبر
ليس هناك في تاريخ الجريمة جريمة أكثر غرابة من تلك التي حوكم عليها عدد من أفراد «عائلة مانسون» في الولايات المتحدة الأميركية، فيما بين عامي 1970 و1971، فقد تراءى للعقل المدبر والمنحرف للجريمة، تشارلز مانسون، أن قتل عدد من أفراد المجتمع الراقي في مدينة لوس أنجيليس، سيكون بمنزلة الشرارة التي تشعل ثورة من جانب الزنوج ضد مؤسسة البيض في الولايات المتحدة، وعندما يفشل السود في حكم البلاد، فإنهم سيطلبون العون من «مانسون» وأتباعه، الذين يكونون أثناء الحرب الشعواء والفوضى التي ستعم الولايات المتحدة، مختبئين في «وادي الموت» في ولاية كاليفورنيا، ولكن خيال مانسون الجامح لم يتحقق، وانتهى الأمر به وبمعاونية الأربعة إلى تلقي أحكام بالإعدام في واحدة من أغرب المحاكمات التي شهدتها تلك الولاية. والحقيقة أن حياة مانسون المبكرة لم تكن حياة عادية بجميع المعايير، فهو ابن غير شرعي لرجل سكير وامرأة إباحية دخلت السجن بسبب عملية سطو مسلح في وقت لم يكن ابنها تشارلز تعدّى الثالثة من العمر، وعندما بلغ الابن سن الثالثة عشرة ارتكب هو نفسه جريمته الأولى، فسطا على محل بقالة، واستمر بعد ذلك مسلسل جرائمه الذي كان معظمه بعيداً عن العنف باستثناء ممارسة فعل فاحش في عام 1952، ضد صبي أصغر منه سناً تحت تهديد السلاح، وأمضى لذلك معظم سنوات شبابه في مؤسسات إصلاحية.
خلف القضبان
في الحادي والعشرين من مارس 1967، وبعد إمضاء عشرة أعوام خلف القضبان بسبب محاولته صرف شيك مزور، وعندما أشرف على استكمال مدة العقوبة، تضرع تشارلز مانسون إلى مسؤولي السجن كي يبقوه فيه، لأنه أصبح منزله الوحيد، ولكن أمام عدم إمكان تنفيذ طلبه هذا، أطلق سراحه، فتوجه إلى مدينة سان فرانسيسكو واستطاع خلال أشهر عدة، أن يستقطب حول أفراد عائلته، وشكل منهم ومن غيرهم من قبلوا مجاراته جماعة تمارس الحفلات الخلاعية وتأخذ حبوب الهلوسة وتنظم رحلات جماعية لتعاطي المخدرات، وكان يتخللها بين الفينة والأخرى محاضرات يلقيها مانسون حول موسيقى البيتلز، ومع اقتراب موعد شن معركته الفاصلة مع المجتمع، والتي أطلق عليها عبارة ليس لها معنى هي «هيلتر سكلتر». وكان مانسون يتمتع بسيطرة تامة على أفراد «العائلة»، ويملي عليهم كل شيء، من أدق الأمور إلى أكبرها، وكان أفراد «العائلة» يرون فيه نوعاً من القدسية، ويعتقدون بأنه يتمتع بصفات شبيهة بصفات السيد المسيح، وهي صورة دأب مانسون على تشجيعها. وعقب الطواف في الغرب الأميركي بواسطة حافلة مدرسة قديمة على مدى ثمانية عشر شهراً استقرت «العائلة» أخيراً، في عام 1969 في مساكن متفرقة في مزرعة خربة ومهجورة في ضاحية «سيمي هيلز» في الشمال الغربي من مدينة لوس أنجيليس، تعرف باسم مزرعة «سبان»، وهناك عكف مانسون على وضع اللمسات الأخير على خطته الجهنمية لتفجير المعركة الأخيرة.
مذبحة شارون تيت
نقره على هذا الشريط لعرض الصورة بالمقاس الحقيقي
الممثلة شارون تيت
في مساء الثامن من أغسطس 1969، وضع مانسون الخطة موضع التنفيذ، واختار الأفراد الذين قرر توكيل المهمة إليهم، فطلب من ثلاث فتيات، هن سوزان أتكينز وباتريشا كرينوينكل وليندا كاسابيان، تأمين مجموعة إضافية من الملابس، وعدد من السكاكين الحادة، وفي الوقت نفسه بحث تفاصيل خطته مع عضو رابع من «العائلة»، هو تشارلز واطسون، المعروف باسم «تكس»، ومن ثم غادر الأربعة في سيارة فورد قديمة، وكان «تكس» يعرف بالضبط ما الذي سيقوم به، أما الفتيات الثلاث فكنَّ لا يعرفن ما هي وجهتن ولا أنهن على وشك المشاركة في جريمة من أبشع جرائم العصر، بعدها بثلاثة أرباع الساعة تقريباً، بعد منتصف الليل بقليل، في التاسع من أغسطس، توقفت السيارة أمام منزل الممثلة شارون تيت التي اشتهرت بدورها في فيلم «وادي الدمى» في ضاحية «بيلير» الراقية، وكانت شارون تقيم في المنزل مع زوجها المخرج رومان بولانسكي، والذي كان في لندن من أجل التحضير لفيلمه التالي، وتستضيف في نفس الليلة صديقين، هما امرأة ثرية تدعى أبيجيل فولجر وعشيقها فويتك فرايكويسكي، ومصفف شعرها جي سيربنج. بعد أن قطع مانسون خطوط الهاتف عن المنزل تسلق هو وعصابته فوق السور، وشرعوا في صعود التلة التي تقود إلى المنزل، وفجأة توقفت سيارة مجهولة عند المدخل فقفز واطسون إلى حيث وقفت السيارة، ومد يده عبر نافذتها المفتوحة، وأفرغ 4 رصاصات في رأس السائق، وبذا سقطت الضحية الأولى فيما بات يعرف باسم جرائم «تيت - لابيانكا»، وكان الضحية شاباً في الثامنة عشرة من العمر يدعى ستيفن بيرنت تصادف وجوده في المكان غير المناسب في اللحظة غير المناسبة، وفيما انتظرت ليندا كاسبيان في السيارة اقتحم الثلاثة الآخرون منزل تيت، وانهالوا طعنا بسكاكين حادة على جميع من كان في داخل المنزل وسط موجة من الصراخ والعويل، وكان الضحايا يتراكضون أمام مهاجميهم كالدجاج الذبيح، وعندما انتهت المذبحة بلغ عدد الطعنات التي تلقاها الضحايا الأربعة 102 طعنة، وكان آخر من لفظ أنفاسه الممثلة شارون تيت التي قضى عليها واطسون فيما كانت سوزان أتكينز ممسكة بها، ومن ثم استخدمت سوزان قليلاً من دماء تيت في كتابة كلمة «خنازير» على الجدار، وفي اليوم التالي اكتشفت الجريمة خادمة، وصلت صباحاً إلى المنزل من أجل تنظيفه، فخرجت منه وهي تصرخ كالمجانين، وخلال ساعات قليلة عثر المحققون الذين غص المكان بهم، وجود جثتين على المرج في الخارج تعودان لفولجر وفرايكويسكي، وفي الداخل، على مقربة من إحدى الأرائك في غرفة الجلوس الرئيسية، اكتشفوا جثة شارون تيت التي كانت حاملاً، وجثة جي سيربنج وقد لف حبل حول عنقه وغُطيَت رأسه بمنشفة.
سوزان اتكينز تتوسط ليندا و باتريشا
في أثناء ذلك أعرب مانسون أثناء استقباله الجناة لدى عودتهم إلى المزرعة عن انزعاجه بسبب ما وصفه بالفوضى التي رافقت المهمة الأولى، وطلب من الفتيات المسارعة إلى إزالة آثار الدماء التي علقت بهن وبالسيارة، وقرر أن يشارك في المهمة التالية التي قرر أن ينفذها في اليوم التالي بنفسه، وضم إليه إضافة إلى المجموعة التي نفذت جريمة الليلة الماضية، من أفراد «العائلة»، كلاً من كيلم تفتس ولسلي فان هوتن، وفي نفس الوقت طلب من كاسابيان أن تطوف الحي بحثاً عن ضحايا جدد فعثرت على لينو وروزماري لابيانكا. واختار مانسون للتنفيذ كلاً من واطسون وكرينونكل وفان هوتن فيما انتظر هو نفسه في السيارة.
في اليوم التالي عثرت الشرطة على لينو لابيانكا مقتولاً بـ12 طعنة سكين وطعنات عدة بشوكة طعام، وكانت هناك سكين مغروسة في رقبته وكلمة «حرب» مكتوبة على بطنه، وعثرت أيضاً على زوجته روزماري لابيانكا قتيلة، وفي جسدها طعنات عدة موزعة على صدرها ورقبتها، وعلى جدار غرفة الجلوس في منزل العائلة كتبت بالدم عبارة «الموت للخنازير»، وكلمة «انهضوا»، وظهر على باب الثلاجة عبارة «هلتر سكلتر». لم تتمكن الشرطة من معرفة الجناة إلا بعد شهر وبالصدفة عندما أغار شرطيان على مــزرعة «العــائلة» وألقيا القبض على 24 فرداً من أفرادها، بناء على إخبارية تتعلق بارتكاب عمليات تخريب وسرقة، وكان بين الذين تم إلقاء القبض عليهم رئيسها تشارلز مانسون (وكان يلبس ملابس مصنوعة من جلد غزال)، وسوزان أتكينز. وأثناء وجودها في مقر مؤقت للاعتقال في مدينة لوس أنجيليس، في السادس من أكتوبر، أسرَّت أتكينز بأخبار الجريمتين إلى نزيلة أخرى اسمها فيرجينا جراهام، وأخبرتها بأسماء عدد آخر من المشاهير الذي سيلقون مصير شارون تيت، بمن فيهم اليزابيت تايلور وريتشارد بيرتون وتوم جونز وستيف ماكوين وفرانك سيناترا، وعن طريق نزيلة أخرى كانت صديقة لجراهام وصلت أخبار الجناة إلى الشرطة.
وفي نفس الوقت تقريباً، كان أحد رجال الشرطة الذين يتابعون جريمة لابيانكا يحقق مع عضو في عصابة لسائقي الدراجات النارية، اسمه آل سبرينجر، وتصادف أن مانسون سبق أن حاول تجنيد آل سبرينجر في «العائلة»، وأخبره وهو يعرض عليه أن يختار من تروق له من 20 فتاة في مزرعته، بأنه أودى بحياة أشخاص عدة، وتطوع آل سبرينجر باطلاع الشرطي على ما سمعه بنفسه من مانسون، وأخبره بالعبارة التي وجدت مكتوبة على ثلاجة تيت، وكانت الشرطة قد أخفت أمر العبارة عن وسائل الإعلام، وعندها أدرك المحققون أنهم عثروا على الجناة، وبعد غارات عدة شنها رجال شرطة بقيادة المدعي العام فينسنت بوجليوسي على مزرعة «العائلة»، وبناء على الاعترافات التي أدلت بها سوزان أتكينز لزميلتها في المعتقل، تمكنت الشرطة من حصر المنفذين بأربعة من المجرمين، وهم سوزان أتكينز وباتريشا كرينونكل ولسلي فان هوتن وتشارلز «تيكس» واطسون، بالإضافة إلى العقل المدبر تشارلز مانسون، وسرعان ما تم إلقاء القبض على فان هوتون وواطسون وباتريشا كرينوينكل فيما تطوعت كاسابيان بتسليم نفسها.