- إنضم
- 16 يوليو 2010
- المشاركات
- 4,416
- مستوى التفاعل
- 3
- النقاط
- 0
![](http://up.arab-x.com/Feb11/9Dy18612.gif)
أرادها قمراً لا يسطع كل يوم
عندما تحدث أنطون تشيكوف عن الزوجة المثالية
![](http://up.arab-x.com/Feb11/1N818612.jpg)
عندما بلغ الأديب الروسي أنطون تشيكوف الخامسة والثلاثين من عمره وكان ذلك عام 1895 أرسل إلى صديقه الصحفي "ألكسي سوفورين" يحدثه عن الزوجة المثالية التي يتمناها لنفسه، وفيها يقول:
" تريدني أن أتزوج ؟ حسنا، سوف أتزوج إذا كنت تريد لي ذلك، ولكن ها هي شروطي للزواج ؛ أن يظل كل شيء على ما هو عليه، وبتعبير أخر أن تعيش الزوجة في موسكو ، وأعيش أنا في الريف، وسوف أزورها، إنني لا أستطيع أن أتحمل ذلك النوع من النعيم المنزلي الذي يمضي من يوم إلى يوم، ومن صباح إلى مساء، أعدك بأن أكون زوجا رائعا، ولكني أريد زوجة تشبه القمر، لا تسطع في سمائي كل يوم ".
هكذا كان تشيكوف يفكر في الزواج، وهكذا يتمنى أن تكون علاقته بزوجته في حالة زواجه، حياة فيها قدر من حرية الحركة والتفكير والشعور، بحيث لا يفرض نفسه على زوجته في كل لحظة وكل ساعة، بل يريد كما يقول شبيهة بالقمر لا تسطع في سمائه كل يوم، فالقمر يغيب عن السماء أحيانا، ويسطع أحيانا بجزء من وجهه فيكون هلالا وليس بدرا كاملا.
وقد يخطر ببالنا عندما نقرأ هذه العبارة أن تشيكوف يريد هذا القدر من الحرية لتكون لديه فرصة في إنشاء علاقات نسائية متعددة لا يحاسبه عليها أحد، ولكن الحقيقة هي أن تشيكوف كما كان فنانا عظيما فقد كان إنسانا أخلاقيا من الدرجة الأولى، وكان من هؤلاء الذين يشعرون بالمسئولية الكاملة تجاه علاقته مع الآخرين، بحيث لا يسمح لنفسه أبدا بالإساءة إلى أحد.
وكانت مشكلة تشيكوف النبيل أنه كان مريضا بالسل، وكان طبيبا ويعلم بوضوح خطورة مرضه، وكان لا يحب أن يزعج زوجة ترتبط به وتتحمل معه ما يتحمله من آلام ومتاعب، كل ذلك على الرغ من أنه كان قد حقق شهرة أدبية واسعة، وأصبح اسمه متداولا بين أوساط المثقفين والمتعلمين بل وبين بسطاء الناس الذين يحبهم ويحبونه، والذين أتخذ منهم مادة لأدبه واستطاع أن يكتشف فيهم من المعاني الإنسانية الجميلة الرقيقة.
بسبب المرض ومن أجل ألا يفرض على من يتزوجها أن تتحمل همومه وآلامه، وأن تقضي حياتها جانب إنسان مريض، كان تشيكوف يرى أن الزواج غير مناسب له، كما أن مهنة الكتابة التي يمارسها تحتاج إلى الكثير من التأمل والابتعاد بقدر الامكان عن المشاكل اليومية التي تشغل الذهن وتشتت المشاعر.
![](http://up.arab-x.com/Feb11/Kap18612.jpg)
ظل تشيكوف متمسكا بموقفه من الزواج حتى ألتقى بالممثلة الشابة "أولجا" وكانت تمثل عددا من الأدوار الرئيسية في مسرحياته الشهيرة مثل "النورس البحري" و"الشقيقات الثلاث" و"الخال فانيا" ، وقد أحبته "أوليجا" وأحبها وظل الحب بينهما على شكل صداقة وثيقة استمرت ثلاث سنوات، وبعدها قرر الاثنان أن يتزوجا وكان ذلك في 25 مايو 1901 ، وكان هذا الزواج كما تمنى تشيكوف له أن يكون، فقد كانت زوجته تشبه القمر، فلا تسطع كل يوم في سمائه، لأنها لم تترك عملها في المسرح، وكان هذا العمل يضطرها أن تبتعد عن تشيكوف في بعض الأوقات، ثم تعود إليه بعد أن تزول هذه الظروف، وكان زواجهما وحبهما من أجمل القصص وأكثرها سعادة برغم ما يحيط بهما من آلام.. !
تمر هذا الشهر ذكرى ميلاد تشيكوف الذي ولد في 17 يناير 1860 وفي رواية أخرى ولد في 29 يناير 1860 في بلدة صغيرة اسمها " تاجا نروج" علي الشاطئ الشمالي الشرقي لبحر " الخرز".
كان جده عبداً منذ مولده، لكن بفضل براعته وعمله الدءوب استطاع أن يصبح مدير مصفاة السكر التي يملكها سيده، وكان قد تعلم القراءة والكتابة، واستطاع عام 1841 أن يشتري حريته وحرية زوجته وثلاثة من أبنائه بمبلغ كبير هو 700 روبل، وبقيت ابنته بعد أن دفع آخر نقوده، إلا أن مالكه كان كريماً فمنحه ابنته كجزء من الصفقة.
أما والده الذي علم نفسه العزف على الكمان ورسم الأيقونات الدينية ، فقد درب أبنائه على الغناء في جوقة الكنيسة قبل دخولهم المدرسة ، وقد بقي ذلك خالدا في ذاكرة تشيكوف حين قال: كنا نحن صغارا نشعر وكأننا محكومين نؤدي عقوبة الأشغال الشاقة طويلة الأمد.
![](http://up.arab-x.com/Feb11/crn18612.jpg)
كانت قسوة الأب وبطشه بأبنائه وزوجته ليست أكثر من وسيلة ليغرس فيهم الحقائق المقدسة علي حد تعبير الأب، وكمسيحي طيب كان عليه أن يستعمل العصا يومياً في تهذيب الجميع..!
عمل أنطون وأشقاؤه كصبيان في المتاجر، والتحقوا بالمدارس في نفس الوقت، لكن سياسة القبضة الحديدية للأب، دفعت الشقيقين الكبيرين لأنطون للهرب إلي موسكو، مما زاد الأب عنفاً وبطشاً ببقية أبنائه.
كان هدف تشيكوف دائماً – كما يذكر - أن يقول للناس بكل صدق "انظروا أنفسكم، تأملوها كم هي حياتكم سيئة ومملة، وهذا ما يجب أن يدركه الناس. وحينما يدركون ذلك، فإنهم بالتأكيد سيخلقون حياة جديدة أفضل".
روى يوما أحد مرضاه موقفا حدث معه فقال: " نقلت له زوجتي العجوز وعالجها وشفاها، ثم مرضت بدوري فعالجني وشفاني، ولما قدمت له أجرا رفض قبوله، فسألته: كيف ترفض الأجر، ومن أين ستعيش إن لم تتقاض أجرا منى ومن غيري؟ أنت لست بالرجل الغنى! هلا فكرت في مستقبلك قليلا". ولهذا فإنه لم يكن يملك قدرا متوسطا من المال الذي يمكنه من العيش في راحة دون أن يفكر في قوت يومه.
كان العمل هو لذة تشيكوف الكبرى، وطوال العشرين عاماً الأخيرة من حياته بقي يهتم بشئون الآخرين، فقد عمل علي طبع عشرات الأعمال الأدبية للكتاب الشباب، بل وكانت ترسل له مئات القصص التي يعلق عليها كتابة ويرسلها لأصحابها.
كان يقول "أشعر بالتيقظ والنشوة حين أدرك بأنني أمتلك مهنتين في كبري، فالطب هو زوجتي الشرعية، أما الأدب فهو عشيقتي. وحين أملّ إحداهما أتوجه إلى الأخرى لأقضي الليل معها".
في عام 1889 أصر تشيكوف علي أن يزور جزيرة "سخالين"، وهي مستعمرة في المحيط الهادي استعملت كمركز لعقاب المجرمين ومنفى للسياسيين، ليري بعينه ما الذي يجري في هذه الجزيرة الأسطورة والأبعد حتى من سيبريا، وذلك برغم حالته الصحية الهشة.
وبرغم مرض تشيكوف فقد شارك في المجاعة الكبرى التي حدثت في روسيا سنة 1891 حيث قال " لأجمع للجياع القوت واللباس، فأنا منكوب مثلهم وهم على شفا الموت وأنا كذلك، كلهم ضعاف وأنا أضعف، وهذا هو دوري كإنسان طبيعي" .
في يونيو 1904 وبعد أن ازدادت حالته الصحية تدهوراً أصر الأطباء علي ضرورة سفره إلي ألمانيا للعلاج، فصحبته "أولجا" زوجته وقضت معه شهراً تقريباً في منتجع صحي هناك. وفي احدي الليالي فوجئت به بعد منتصف الليل يجلس منتصباً في فراشه ويطلب الطبيب للمرة الأولى. وعندما وصل الطبيب، استجمع كل معلوماته في اللغة الألمانية وقال معتذراً للطبيب الذي جاء في الساعات الأولى من الفجر، قال له بالألمانية: أنني أموت!
كان الطبيب علي وشك أن يطلب اسطوانة أوكسجين، إلا أن تشيكوف قال له: "ما الفائدة لن تصل إلا بعد أن أكون قد أصبحت جثة هامدة".. لذلك طلب الطبيب زجاجة شمبانيا، التي احتسي منها تشيكوف كأساً والتفت إلي زوجته مبتسماً وقال لها: "منذ زمن بعيد لم أشرب الشمبانيا".
شرب تشيكوف كأسه الأخير، ثم استلقى بهدوء وبطء شديدين على جنبه الأيسر، وأغمض عينيه.
![](http://www13.0zz0.com/2011/02/06/19/881228261.gif)
التعديل الأخير: