بمبة المفترسة
New member
- إنضم
- 20 أغسطس 2008
- المشاركات
- 2,932
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 0
تنتصر أغلب قصص الهنود الحمر(**)للتشخيص الرمزي لمشمولات الوجود والذات. تمثل تخترقه في الغالب علاقة متوترة مع الآخر.. علاقة موسومة بالقلق في معظم الأحيان جراء شعورهم بالخوف من المحو والتلاشي نضرا لعدم قدرتهم على رد سطوة الفرد الأبيض..فدرامية هذا الشعب تتمثل بالأساس في إحساسهم باليتم الوجودي رغم عراقة تاريخهم وعمق حضارتهم(الأزديك والأنكا نموذجين).. قومية تستشعر توقعا كاسحا لحدوث الشر والمآسي.. توقع مشروع لأنهم محاطين بجنسيات تعاديهم ..وكان من الطبيعي _وهم يواجهون آلة الوحش الأبيض_إما أن يتراجعوا إلى أدغال الغابات والبراري الصعبة الاقتحام وهو ما يفسر حضور الطبيعة بشكل لافت للانتباه في قصصهم.أو ينضمون ثورات على الخصم لرد الاعتبار. وفي هذا السياق يفهم لجوء قصصهم لبعض الرموز الثائرة وعلى قمتها المتمرد المكسيكي” زاباتا” الذي قاد الثورة بجنوبي المكسيك،فيما كان يقودها ثائر آخر في الشمال هو”بانتشو فيلا”.كما لجئوا لرموز موازية إما لتشخيص عدو أو لإيحالة على خصم تسبب لهم في جروح مدى الحياة كما هو رمز اللون الأسود الدال عندهم على الزنوج المستقدمين من إفريقيا الأمر الذي جعل من أمريكا مجموعة من الفسيفساء العرقية.غير أن المثير للانتباه هو التعلق العشقي للمبدع الهندي الأحمر بالأرض وتقديس الطبيعة وإضفاء الكثير من الرموز عليها.رموز تحتاج لعملية فكرية مركبة جراء ارتباطها في الغالب بالشعائر الدينية و الممارسات السحرية والطقوس الخاصة بالمناسبات الزراعية..علما أن مصدر رموزهم المركبة والمستعصية على الفهم نتجت أولا لعزلة الهنود الحمر عن باقي العالم على مدار تاريخ طويل جدا.وثانيا لكثرة وصعوبة أسئلة الطبيعة العذراء هناك فكان الرمز وسيطا أسطوريا لفهم العالم والذات الهندية حيث تصورت أن الرمز يلتئم مع الشيء المرموز إليه بحيث يصبح الواحد بديل الآخر.ولنا خير مثال في أسطورة”الساغا”ذات المضامين المعقدة والمتشابكة والتي تناولت الرحلات الهندية الدرامية حيث لعبت الوحوش الغريبة دور الأبطال المضادة للفرسان..
1_الأرض وايحالاتها الرمزية:
يشبه ذهاب الهندي الأحمر إلى الحقل _عادة_ بتوجه العاشق لموعد غرام.فالأرض بالنسبة له هي البداية والنهاية،وعليه أن يخوض هذا السفر بين نقطتي الانطلاق والوصول بكامل العشق والحب.فالأرض هي الأم الرؤوم التي لا تكف عن العطاء والنماء ولذلك يكن لها حبا طاغيا وتقديسا استثنائيا.فهو يعتبر نفسه جزءا منها ولا ينفصل عنها..مصيره مرتبط بمصيرها وهذا التمثل للأرض هو الذي يميز الهندي الأحمر عن المستعمر الأبيض.فإذا كان الأول يقدس الطبيعة فان الثاني لا هم له سوى استغلال خيراتها إلى أبعد الحدود.ففي قصة”هيماويبي،الكاهن المقاتل”للقاصة المكسيكية ليزلي سيلكو(***)ترصد تبرم الهندي الأحمر عن كل تمظهرات المدنية الزائفة لأنه في الأساس يستمد هويته ودفئه من صفاء الريف ونقاوة الطبيعة العذراء.يقول السارد في ص77:”في الجبال العالية كانت جذور السوسن البري وبصلات الخزامى تنمو وسط نبات السرخن المتشابك والعشب الأخضر بجانب جداول الجبال(…)كان عمي يلبس نعلا منسوجا من نبات الصبار وكان هذا يجف سريعا.كان الرجل العجوز لا يستحسن الأحذية ويقول عنها أنها رديئة.وفي الشتاء كان ينتعل خفافا من جلد الغزال أما في الأشهر المعتدلة فكان يلبس تلك النعال المنسوجة من نبات الصبار.”إن حب الأرض هو النغمة الحساسة في مقام الكتابة السردية للهنود الحمر.فهي عندهم في مستوى أول هبة ربانية وفي مستوى ثان مصدر استمرار النوع البشري وغيره من الكائنات الحية لذا وجب الحفاظ على هذه الذاكرة البيئية وتقليد عطائها اللامتناهي وخيرها اللامحدود..الأمر الذي يبرر عشقه الصوفي لها واستشعاره أن جذوره تمتد لتتشعب في باطنها.لنعود لنفس القصة.يقول السارد ص70:”اكتشف”هيماويبي”أنه بعد هذه السنين كلها التي قضاها بدأ يتعلم الصلوات للأشجار والنباتات والحيوانات..”إن الأرض بالنسبة للهندي الأحمر ليست مادة محايدة يستخدمها للظفر بحاجاته المادية ولكنها تمتلك بعدا روحيا ولذلك تحديدا قدم الهنود الحمر أكثر من نصف ساكنتهم شهداء في حرب خرقاء مع الأمريكيين رفقة الزنوج إذ من المعروف أن نيوكاليفورنيا وتكساس ونيومكسيكو كانت كلها مكسيكية حتى فبراير 1848 وفي ذلك التاريخ ثم توقيع معاهدة غوادلوبي التي تنازلت مكرهة بموجبها المكسيك للولايات المتحدة بما يعادل نصف التراب المكسيكي مقابل مبلغ بئيس.غير أن المقاربة الموضوعية تقتضي ذكر بعض الاستثناءات التي تطرقت للأرض بهذا الولع والعشق من داخل النسق الأبيض..وعلى رأسهم الروائية الأمريكية”بيرل بيك”في روايتها”الأرض الطيبة”سنة1931 والتي رصدت فيها معاناة فلاح صيني وكفاحه حتى تخرج الأرض أطيب ما عندها لكن حياته ظلت رمزا للشقاء والبؤس .ومع ذلك تبقى هذه النماذج استثناءات وتتناول أرض الآخر وبحساسية مختلفة عن الهنود الحمر.غير أن الطبيعة المتغنى بها من لذن الهندي الأحمر لما حلت بها اللعنة البيضاء فارقت دفئها وصارت رمزا لسجن بلا قضبان فبات المشي على عشبها كما لو أنه رقص بأقدام جريحة.لنعد إلى بطل القصة وهو يتحدث عن مأمن يقيه وحشية البيض بالصفحة73:”كان الجو هناك أكثر برودة والجليد لم يدب بعد.كان الجليد يغطي كاحلي(…)كانت السماء كلها بيضاء وأشجار الحور عارية ورقيقة وبيضاء كالجليد المتجمد الأبيض.وتردد صدى العواء من منحدرات الجبال التي حولنا.وبعيدا اعتقدت أني سمعت عواء مجيبا..”فبين العواء والصمت وبين دفء الداخل وبرودة الخارج عدة ثنائيات ضدية حدها الأول ايجابي بينما الثاني سلبي(حركة/سكون_ صوت/صمت..) وهي ثنائيات معجمية تؤشر على ضياع الهندي الأحمر بين عزلة قائمة وألفة مأمولة.صحيح أن الطبيعة رجحت كفة الفرد الأبيض لكن الهندي الأحمر يملك ما لا يتوفر عليه الغازي الأبيض وهو إيمانه بالقضية قضية الأرض وشرعية الانتساب لها منذ الأزل.وهذا الصراع بين الطرفين ساهم إلى حد بعيد في البناء الدرامي المتصاعد للنص.
في قصة”قيصر والحرب”/”لسيمون.ج.أوتز” يعيدنا البطل”قيصر”للدور الذي لعبه الثائر المكسيكي”زباتا” حيث تمرد”قيصر”على خدمة الجيش الأمريكي وفر للجبل حيث السكينة والألفة والعودة إلى النبع الطبيعي ضاربا عرض الحائط كل ما يقال حول الوطنية المزعومة والواجب والشرف..غير أن محاصرته من لدن الجيش الأمريكي و أدغال الغابة اضطرته للاستسلام بقدوم فصل الشتاء القاتل حيث مات بسبب حسرته على عدم تقبله إخضاعه بالقوة لنظام لا يؤمن به.وفشل هذا البطل يعيدنا مرة أخرى لمقتل الثائر “زباتا”غدرا.بل إن الثورة المكسيكية_وهي نموذجا عن باقي الثورات الهندية_انتهت دون أن تحقق الطموحات الوطنية للمكسيكيين.وكانت النتيجة سقوط ديكتاتورية الفرد(بيرفوريو دياز)ومجئ ديكتاتورية”الحزب الثوري الدستوري”الذي حكم البلاد منذ1929 دون طرح قيمة مضافة سياسيا أو حتى رد الاعتبار للهندي الأحمر.إن موت البطل ورغبته في الدفن بعيدا عن المدينة يحيل على شوقه للعودة إلى حضن الأرض/ الأم وهي في لحظة صفاء بعيدا عن شرور الإنسان.وكما يقول الهنود الحمر أنفسهم إذا كانت المدينة من صنع الإنسان فان الريف من صنع الله. يقول السارد في ص83:”وأخيرا مات قيصر(…)لقد مات في فصل الشتاء في أحد المراعي البعيدة التابعة لأحد أقربائه..”
2_ رمزية اللون الأسود في قصص الهنود الحمر:
تكون المفردة رمزا حين توحي بشيء أكثر من معناها الواضح المباشر،وبذلك يكون لها جانب أو مظهر (لاشعوري)يصعب تحديده أو تفسيره بدقة وجلاء مادام الرمز يستمد قيمته أو معناه من الناس الذين يستخدمونه،بمعنى أن المجتمع هو الذي يضفي على الرمز معناه.فليس في الرمز خصائص ذاتية تحدد بالضرورة ذلك المعنى وتفرضه فرضا على المجتمع.وليس هناك في اللون الأسود مثلا ما يجعله بالضرورة رمزا للحداد،كما أنه ليس من الضروري أن يكون هذا اللون هو اللون الأصفر أو الأخضر أو غير ذلك حسبما يصطلح عليه المجتمع.”(1)غير أن الجراح الغائرة للهنود الحمر جراء اصطدامهم بالزنوج الأفارقة ربطت في اللاشعورهم اللون الأسود بالقوة والبطش والعدوانية.ففي الوقت الذي اصطدم الإسبان والبرتغاليين بمقاومة عنيدة من سكان أمريكا الأصليين وجدوا أنفسهم مضطرين لاستقدام آلاف من العبيد السود من إفريقيا.عبيد مواليين لأسيادهم البيض إلى حد أنهم كانوا ينضرون لأنفسهم”كفاتحين”أيضا لأمريكا.ولهذا كان احتكاكهم بالهنود الحمر عنيفا ومتسما بالعداوة.وفي هذا السياق نستحضر القصة الدالة جدا للقاصة “ليزلي سيلكو”الموسومة ب”ماعز العم توني”.يقول السارد ص76:”لم ينس التيس قط تلك الأقواس والسهام التي صوبناها نحوه بالرغم من أن الأقواس قد تصدعت وانكسرت وبالرغم من أن السهام المنحنية لم تصب هدفها.كان التيس أسود اللون كبير الحجم.كان عمي قد اشتراه من رجل أبيض(…)وفجأة هجم علي التيس وطرحني أرضا بركلة من ساقيه سال الدم حول عيني وأحسست بالوحل في فمي وعلى أنفي وشعرت بألم في رأسي(…)طلب مني عمي الاقتراب منه ونظر إلى الجرح الغائر فوق عيني عن كتب…”إن جميع إيحاءات هذه القصة تحيل على عنف الزنوج.فالتيس المملوك من لدن الرجل الأبيض،التيس القوي البنية والمتسبب في الندبة الباقية على جبين الهندي الأحمر لا يمكنها إلا أن تدل على الجراح المرافقة للهندي الأحمر مدى الحياة جراء اضطهادهم ومحاولة طمس هويتهم بقوة الحديد والنار التي يتقدمها الزنوج.والمفارقة في هذا السياق هو أن الزنوج الأفارقة عندما استقدموا كانوا عبيدا وكان الأجدر بهم أن يتحدوا مع الهنود الحمر ليتحررا معا من جبروت اللعنة البيضاء لكن صدامهما كان لصالح المستعمر الأبيض الذي استفاد من اليد العاملة السوداء وأرض الهندي الأحمر..وبالعودة إلى القصة يثير انتباهنا فرار التيس الأسود وبحثه عن قطعان حرونة مشابهة له وهو حدث يحيل على شعور العبيد السود بالحاجة إلى الانتماء لجماعة تشبهه وتمنحه فرصة تأكيد الذات.كما أن فرار العبيد في الواقع الأمريكي جاء نتاج سوء معاملتهم من لدن البيض وهو ما دفع بهم إلى اللجوء إلى مناطق وعرة وبعيدة عن العمران وكان cimarrones يطلق على هؤلاء الهاربين وهي كلمة تعني أصلا الحيوان الذي يرتد إلى التوحش بعد استئناس.في قصة”قيصر والحرب”لسيمون.ج.أورتز.تحضر الهضبة السوداء كمكان للعزلة والضياع حيث توجه القيصر في نهاية مسلسل هربه بعد رفضه الخدمة في الجيش الأمريكي وقس على ذلك رمزية اللون الأسود في قصة”بعد برهة يا تمساح”للقاص وليم استيليك.ص87:”حيث تحيل الحقيبة السوداء للصحفي الأبيض على الرغبة في تشويه تاريخ الهنود الحمر ..
3_لعنة المدينة: في مناخ الاضطهاد والبطش كان من الطبيعي أن يسود أوساط الهنود الحمر اليأس والإحباط والرفض المطلق لكل منتوجات المدينة كمركز للشر ومطبخ الحروب ومصنع الدمار في مقابل التعلق بالريف والطبيعة.ففي قصة”بعد برهة يا تمساح” للقاص “الهندي وليم استليك(ص87) يحضر صحافي من المدينة قصد تصوير حلقة تلفزيونية عن موت أمير قبيلة هندية بالجوع..أمير يجوع كي يشبع الفقير ويسند الضعيف حتى لقي حذفه جراء الكد وحمل هم الجميع..وعلى هامش هذا الموقف المفرط في الإنسانية والخصوصية رفض سكان قريته الهندية محاورة الصحفي الأبيض بحجة أنه لن يفهم ما معنى التفاني في خدمة المعوز ومساندة المحتاج من موقع الإمارة..معتبرين_وهم على حق_ أن المدينة مصدر تسميم الهواء وتشويه الطبيعة جراء سموم المعامل وعبث الآلة بالأشجار وما شابه.. ومن ثم فهي بالتأكيد سوف تسمم صفاء الإنسان الهندي الأحمر.ولهذه الاعتبارات كلها باتت المدينة تقف كتحد غير منظور لطهر القرية. يقول سارد قصة”بعد برهة يا تمساح ص90/91:”أنا ميت.فكر رجل المدينة.لا يمكن التقرب إلى هندي.(…)لا يمكنك الحصول على أي شيء من هذا الصنف من البشر.لديهم عالمهم الخاص.لماذا أرسلوني في مثل هذه المهمة إلى هؤلاء الهنود الملعونين؟(…)لن يفهم رجل المدينة،لكن رجل المدينة يريد أن يعرف عن الموت جوعا.نعم الأمير مات جوعا،ولكن ليس بالطريقة التي يمكن لرجل المدينة أن يفهمها.انه يريد وقائع لكن ما قيمة الوقائع إن هي خلت من الإحساس…”إن هذا الموقف من المدينة يتردد بشكل متواتر من طرف أغلب أبطال القصص الهندية والمسرودة في الغالب بضمير المتكلم الأمر الذي يقلص المسافة بين الكاتب والبطل بل ويوحدهما في رفض المدينة حيث ذهبت بعض الشخصيات إلى حد تمجيد الطبيعة وجعلها ملهمة للكتابة معتبرة أن أدغال الأمازون وضيعات المكسيك قادرة على مد المبدع ما لا تستطيع المدن العملاقة..إن تبرم شخوص هذه القصة عن التحاور مع الصحفي الأبيض هو رفض مبطن للمدينة وخوف على ر يفهم من الاتساخ رغم الإغراءات المادية للصحفي الأبيض. علما أن الناس البسطاء عادة ما يكونون ممتلئين بالغنى الإنساني.ونستحضر في هذا المقام توجه جماعة الهنود الحمر على هامش رفضهم لمحاورة الصحفي الأبيض إلى شجرة يستظلون بظلها وكأني بهم يحتمون بجذورها الضاربة في عمق الأرض.والشجرة في هذه القصة هي الوجه الآخر للطبيعة المحتمى بها في قصة”قيصر والحرب”لسيمون.ج.أورتز.والجدير بالذكر أن مقت الهنود الحمر للمدينة وتقديس الطبيعة تجلى أكثر في بنائهم لأهرامات ليست للملوك ولا للدفن ولكن لعبادة الشمس في “نيوتيهواكان” بل أكثر من ذلك ذهبوا إلى حد استعارة ألوان الطبيعة وأشكالها إذ أن هناك عادات شائعة عندهم يزينون فيها أجسادهم بالرسوم إذ يعتبرون ذلك في نظرهم بمثابة الجلد الثاني والذي يستعيضون به عن ملابس المعامل.جلد يعتبر وسيطا للتوحد مع ألوان الحقول وأطياف البراري الطبيعية..
في قصة”أكوما بيولو”للقاص سيمون.ج.أورتز”يرصد السارد المدينة الوحش”سان فرانسيسكو”التي تبتلع القادمين إليها وتنسيهم هويتهم الأصلية..مدينة تصر على سلخ جلد الزائر وشغله بالثراء الزائف والمجد السراب.علما أن القصة تسرد في أحد مفاصلها بصوت الجد الذي ناضل من أجل البقاء بالريف قصد الحفاظ على نقائه ونقاء المكان غير أن حفيدته لم تقو على مقاومة إغراءات المدينة فضاعت إلى الأبد.يقول السارد في ص85:”لقد جئت لأبحث عن حفيدتي..جاءت لتلتحق بالمدرسة في أوكلند لتتعلم إدارة الأعمال منذ شهور مضت .ولقد كتبت إلينا تخبرنا بأن كل شيء على ما يرام.ولكننا تلقينا رسائل من المدرسة تنبؤنا بأنها صارت لا تأتي إلى المدرسة منذ مدة.وبعدها توقفت هي عن مراسلتنا.سألت عنها السلطات لكنهم لا يعرفون عنها شيئا.جئت لأراها لكنني فشلت(…)كان الظلام يخيم على المدينة عندما اتجه الباص جهة الجنوب إلى بالوالتو..” . إن ضياع الحفيدة وهي رمز لمستقبل الهنود الحمر هو مصدر قلق الجد كحارس أمين لتراث هذه القومية التي تصارع لكي تصون هويتها من الذوبان والانمحاء في هجانة الهوية البيضاء. غير أن هذا الصراع لطهرانية الهوية أو لنقل الانتصار للريف على حساب المدينة لم يكن محسوما دائما وبالمطلق لصالح الطرف الأول.فالكتاب الهنود الحمر أنفسهم وجدوا ذاتهم ممزقة بين الإخلاص لثقافة هندية قحة ومن ثم الانفصال عن مجتمع البيض أو تحقيق الرواج في المجتمع السائد وبالتالي خذلان قبائلهم الأصلية.وهذا ما جعل كينونتهم الوجودية والإبداعية تعيش تمزقا دراميا بين حدي معادلة صعبة الحل وعسيرة الانجاز..
إحالات :
(*)الهنود الحمر تسمية خاطئة لكرستف كولمبوس الذي اعتقد وهو يضع قدمه لأول مرة على يابسة أمريكا ضانا أنه اكتشف طريقا جديدا للهند فكانت التسمية الخاطئة والصواب أنهم سكان أمريكا الأصليين..ومع ذلك سنأخذ بتسميته لشيوعها مع التشديد على التصويب أعلاه. (**)سنعتمد في هذه المقاربة على قصص هندية لكل من”ليزلي سيلكو”و”سايمون.ج.أورتز”و”وليم استليك” قصص واردة في العدد4 من مجلة”الثقافة الأجنبية”العراقية 1986.وسنكتفي بالإحالة على الصفحة داخل المقاربة.
(***)ولدت القاصة الهندية ليزلي سيلكو سنة1948 بنيومكسكو.نشأت وترعرعت في “لاكونا بيلو” من سلالة هجينة.ولمدينة “لاكونا” الفضل فيما وصلت إليه كقاصة.تقطن حاليا في كاجيكان بألاسكا.