بين دفتي كتاب "4"// العسكري الاسود //ليوسف ادريس

إنضم
16 يوليو 2010
المشاركات
4,416
مستوى التفاعل
3
النقاط
0



يوسف ادريس الذي جعل "العسكري الأسود" يأكل نفسه





أديب الأطباء وطبيب الأدباء .. يوسف إدريس الذي لقب بأمير القصة القصيرة المصرية ،
وكان يجمع بين رؤية الأديب والصحفي والمفكر وذو معرفة عميقة لواقع المجتمع المصري ،
يسلط عليه قلمه بالنقد والسخرية الأدبية ، وقدم للمكتبة العربية أعمالا شهيرة لا تزال تتمتع
بمقروئية عالية ومنها قصص "أرخص ليالي" ، "قاع المدينة" ، "بيت من لحم" ، و"دمهورية فرحات"
، وروايات منها "العيب" ،"الحرام" ، إلى جانب مسرحيات منها "ملك القطن" و"المخططين"
.. وتحمل السطور القادمة قراءة في واحدة من أشهر الروايات التي كتبها وهي "العسكري الأسود" 1955 .

الرواية وصفها أحد النقاد بـكونها "تجمع بين سمات دستوفسكي وسمات كافكا معا " والتي تمكن من خلالها
إدريس أن يرسم ملامح للألم المدفون في قلب الإنسان الذي لا يملك أن يبادل من يقهره بالمثل،
فأصبح من كثرة ما عاناه من قسوة متجمد الملامح، يتخذ وضع الدفاع والتأهب ضد الناس جميعا،
ولكن يحدث أن يتلاقى كل من الجلاد والضحية معاً بعد أن تبدل الموقف وأصبح من في موقف القوة في موقف ضعف وذل!.

الرواية تعتمد على سارد أساسي وهو يوسف ادريس نفسه ، وهو يقول: "كنت أنا وشوقي شابين من شباب
الجيل الذي اصطلحوا على تسميته بالجيل الحائر، تفتقت عنا الحرب العالمية الثانية لنجد أنفسنا هكذا زملاء
في كلية واحدة بنزعات سياسية وأراء في الناس والحياة"، وعلى الرغم من اختلاف طرقهم ووسائلهم إلا أن
ما جمع بين الاثنان السياسة والسعي لإنقاذ البلاد وتغيير مصير الشعب تغييراً جذرياً وإلى الأبد وهكذا بدأت
واستمرت علاقته بـ "شوقي" التي بدأت بإحدى مؤتمرات الطلبة بالكلية ثم توطدت بعد ذلك.

"شوقي" أحد زعماء الكلية ، يرحب بالجدل بابتسامة واثقة ولا يثور، ويتمتع بطاقة هائلة وثقة فيما يريد تحقيقه ،
ولكنه يلقى القبض عليه ويدخل السجن تمهيدا لمحاكمته ، في فترة يقول الكاتب عنها : " شهد جيلنا الحائر عامي 47، 48
والأحكام العرفية وعهود الإرهاب البشع المخيف.. تلك الفترة كانت أول ضربة جدية تلقاها جيلنا..
خرجنا من الحرب لنجد جيوش الاحتلال ترتع في أرضنا"

"وقد أعلن هذا الجيل الشاب عن ثورته وطالب بالجلاء الكامل والكفاح المسلح ولكن تعرض للضرب والقهر،
وفتحت السجون على أخرها، سلط الإرهاب بكل أشكاله، كمم الأفواه، أخمد الأصوات، أطلق العملاء، ويتابع "
بعد أن كانت كليتنا تموج بالمؤتمرات والخطب والثوار أصبحت تموج بالبوليس السياسي والإشاعات والخوف،
وحرب الأعصاب" ومن هنا تشتت شمل هذا الجيل فالبعض اقتيد للسجون والأخر هرب إلى الأرياف والمدن البعيدة،
والبعض هرب إلى داخل نفسه، وأثناء ذلك شاعت قصص التعذيب، وطار صيت "العسكري الأسود" وما يفعله
بالمساجين المعتقلين، وأصبح مبعث رعب هذا الجيل.

بعد شهور طويلة من اعتقاله لم يظهر "شوقي" إلا يوم الامتحان حيث فوجئ به صديقه يدخل خيمة الامتحان
ومعه جمع من زملائه مكبلين الأيدي بالحديد وجيش من الحراس ببنادق، وعلى الرغم من كل ذلك تمكن من اجتياز
الامتحان والنجاح بكلية الطب، إلا أنه ظل مسجوناً لا يقدم للمحاكمة ولا يواجه بتهمة، ولم يفرج عنه إلا بعد مدة طويلة.




الطبيب الهارب
بعد خروجه من السجن تغيرت شخصية "شوقي" تماماً واكتسب وجهه الجمود لا يتغير فيه سوى ابتسامته
الذي أصبح يوظفها حينما يحتاج إليها فقط، لم يكن "شوقي" كما قال صديقه ذلك النوع الذي تكفي بضعة شهور
في السجن أن تغيره وتدفعه للتنازل عن رأيه، فاكتسبت نظرته طابعاً مختلفاً عما كانت عليه، ذلك البريق الذي
كان بها اجتث من جذوره ولم يبق لعينيه حتى اللمعة التي تميز عيني كل كائن حي، كما تغيرت نبرة صوته فأصبح
لا يتحدث إلا همساً كمن يتوقع أن يرفض طلبه ، أصبح يعيش ليس بدافع التطور ولكن بدافع الهروب والفرار !

ويؤكد الراوي أنه حاول أكثر من مرة باعتباره صديقاً لشوقي منذ زمن ويعملان بنفس القسم وبنفس المستشفى
أن يستثير فيه البطل الذي كانه، أو أن يخرجه عن صمته ويعرف منه ما لاقاه خلف القضبان ولكن باءت كل المحاولات بالفشل.

العسكري الأسود
كان الصديقان كثيراً ما يلتقيان بمكتب الحكيمباشي أثناء فترة عمل "شوقي" بالمكتب الطبي هناك مساءً وفي
إحدى المرات التي اجتمعا فيها ، أخذ "شوقي" يقلب في الإشارات التليفونية التي ترسل للمكتب لتطلب توقيع
الكشف على العساكر أو الضباط المرضى، ثم أمسك بإحدى الدوسيهات الضخمة وسأل عنه
"عبدالله التومرجي" الذي قال" ده خلاص يابيه..الراجل بقى يهبهب زي الكلاب ويعوي زي الديابة"
- يقصد الشخص صاحب الدوسيه - ، وحاول أن يثني "شوقي" عن مهمة الكشف الطبي على صاحب الدوسيه
قائلاً " ده يا بيه مشكلته معقدة وحالته حال .. مالنا إحنا ما تسيبه للحكيمباشي لما ييجي الصبح يعرف شغله معاه"،
موضحاً أن صاحب هذا الدوسيه هو نفسه "العسكري الأسود" الذي شاع اسمه كثيراً بين أروقة السجون كمثال
لأداة الضرب والتعذيب.!

يبدأ النصف الأول من ملفه الضخم بجزاءات تتراوح بين الخصم والتكدير، ثم في الأوراق التي تليها تكثر انتقالاته
وانتداباته، تتبعها علاوات وترقيات وخطابات شكر وتقدير من وزير الداخلية ، ثم خطاب أرسلته المحافظة إلى
الحكيمباشي تطلب فيه توقيع الكشف الطبي عليه لإثبات عجزه الكامل تمهيداً لفصله من الخدمة.!

استقل ثلاثتهم السيارة الحكومية – شوقي وصديقه وعبدالله التومرجي- باتجاه بيت "عباس الزنفلي" لتوقيع الكشف
الطبي عليه لفصله من الخدمة بعد إثبات عجزه عن الاستمرار بها.

تذكر الراوي "العسكري الأسود" "الصعيدي الأسود الذي يضرب المعتقلين ومنظهره وهو يستمتع بتخريب كائن
حي وإنسان، والمضروب يتحول أمامه إلى كتلة اللحم المذعورة التي تصرخ في فزع أعمى فلا يفعل مشهدها أكثر
من أن يغريه بالضرب أكثر، والتمتع بلذة هدم الأخر حتى يأتي عليه تماماً".

وتطوع عبدالله التومرجي بإمدادهم بمعلومات عن "عباس" واصفاً مدى سطوته وخلال حديثه استشهد بإحدى الوقائع
التي تدل على وحشية هذا الرجل ، عندما أغلقت إحدى غرف الدور الثاني من مبنى المحافظة عليه هو وأحد المعتقلين
السياسيين ظل يضرب فيه ساعات وساعات ، ثم بدا الإنفعال والعصبية واضحاً على وجه "شوقي" الذي أفضى لصديقه
أخيراً بأحد أسراره أنه هو نفسه كان ذلك المعتقل السياسي الذي كان "عباس" يضربه من الصبح وحتى المغرب..
وقال أن هذا العسكري كان من يراه لا يصفه بأنه إنسان ولا آلة ؛ إذ الآلة لا تتلذذ برؤية التعذيب ، وهو من الخسة
لأنه يضرب شخص لا يملك حرية الرد عليه .

يهبهب كالكلب

عندما وصل الثلاثة إلى منزل "عباس" وبعد محاولات عديدة لطرق الباب دون أن يستجيب أحد فتح الباب
ودخلوا إلى صالة المنزل الفسيحة المجردة من الأثاث إلا القليل، وهناك التقوا بـ "نور" زوجة "عباس"
وتبادلوا الحديث معها فروت لهم كيف كان الناس يجتمعون في منزله ليطلبوا منه التوسط في العرائض والشكاوي
حتى أن العمدة بنفسه جاء له متوسلاً لكي يتوسط له في الإفراج عن شقيقه الطالب المعتقل، ثم تبدل الحال حتى
انصرف الجميع عنه.

وفجأة وأثناء حديث الزوجة انطلق عواء شديد أصابهم بالذعر ولكنه صادر عن رجل يقول المؤلف واصفاً إياه أنه "
يعبر بعوائه عن أشياء مكتومة داخله تتقطع نفسه وهو ينتزعها على هيئة عواء متصل لا يمكن أن تفرق بينه وبين العواء الحقيقي للذئب".

اندفع الجميع لحجرة "عباس" الذي وجدوه مكوماً على سرير متهالك بنظرات ساكنه كسكون الموت، ومع رؤيته
تغيرت فجأة حالة "شوقي" وكأنه دبت فيه الحياة مرة أخرى وعاد إلى طبيعته التي كان عليها قبل أن يسجن
وتحرك مقترباً من فراش "عباس" وشمله بنظرة شاملة متفحصة ثم سأله "أنت عباس؟" لم يرد الرجل بل سكب
على "شوقي" كمية من نظراته الميتة، فارتفع صوت "شوقي" حتى اقترب من الصراخ مكرراً سؤاله مرة أخرى،
ثم تسارعت أسئلته وانهالت على "عباس" مطالباً إياه بتذكره "مش فاكر العنبر؟ مش فاكر علق الساعة خمسة؟
مش فاكر الدم؟ فين كرباجك وديته فين؟ سمعني صوتك .. بص لي وانطق وإتكلم واصرخ.. ما تعملش ناسي
وإن عملت حالاً أفكرك".

وفجأة خلع شوقي قميصه وكشف عن ظهره الذي غطته الندوب البشعة طولاً وعرضاً وأثار الجروح المندملة
في مشهد بشع ، " وخلال صراخ "شوقي" وحملة الغضب التي سكبها على "عباس" فجأة تحرك الأخير وكأنه
دبت فيه الحياة وبدأ يعوي ثم تحول صوته كهبهبة الكلب ، ولم يجد من يفرغ فيه ثورته فأخذ يلطم وجهه ثم انقض
على ذراعه وغرس أسنانه في اللحم حتى أدماه فأصبح متهتكاً بشعاً.

وتختتم القصة بجملة قالتها واحدة من الجيران الذين تجمعوا ذلك اليوم حيث همست لإحدى الواقفات بجوارها
وهي ترى لحم "عباس" ممزق بين أسنانه "لحم الناس يا بنتي.. اللي يدوقه ما يسلاه..يفضل يعض انشالله
ما يلقاش إلا لحمه ..الطف يارب بعبيدك".


:aha:



 
التعديل الأخير:

Tom ♥ Jerry

*مساعدة مشرفات قسم المشاكل الاجتماعية*
إنضم
24 مايو 2010
المشاركات
19,810
مستوى التفاعل
11
النقاط
0
العمر
33
الإقامة
Faiilcha
الموقع الالكتروني
WWW.Q8YAT.COM
.



واااي القصه عجيبه حدهآ و تبجي و آكيد التفاصيل بالروايه آحلى و آحلى :eh_s(2): !
مشكووورة حياتي و متآبعتج


:eh_s(6):
 
إنضم
16 يوليو 2010
المشاركات
4,416
مستوى التفاعل
3
النقاط
0
رد : بين دفتي كتاب "4"// العسكري الاسود //ليوسف ادريس

هلا توم وجيري
حياااااااج
مشكورة على المرور
 
إنضم
16 يوليو 2010
المشاركات
4,416
مستوى التفاعل
3
النقاط
0
رد : بين دفتي كتاب "4"// العسكري الاسود //ليوسف ادريس

اب ؟؟؟؟؟؟