ii DareeN ii
♥ ادارية سابقة .. واخت عزيزة وغالية ♥
إعداد: عبد الله عيسى
عهد قد أفل من دون شك، أعني زمن صولات وجولات السفن الخشبية الشراعية الكويتية وذلك لوفاة الكثير من أهله سواء كانوا نواخذة أو بحرية على اختلاف رتبهم وأدوارهم، وكذا الاستادية والقلاليف صناع السفن، كما للتقصير في حفظ تراثهم تارة وللنسيان لتعاقب السنين تارة أخرى اثر في طي عدد غير يسير من صفحات تاريخنا البحري، فلم يتبق لنا ممن ندرك أيامهم، سوى ما علق بمخيلة أهل البحر من الرعيل الأول من سوالف مبعثرة عن خدمتهم بمهن البحر المختلفة على السفن عبر البحار والبنادر غير عابئين بأهواله وأنوائه.. قائمين على أعمالهم بكل إخلاص وتفان، فنالوا تقدير وإعجاب كل من تعامل معهم.
الباحث في التراث والتاريخ البحري جابر عبدالله حسين يسرد بعضا من أحاديثهم الشائقة بقصد ان نستشف من خلالها صورة الكويت ما قبل ظهور النفط، كما نتلمس العبرة ونستقي من خبرتهم ونجني الفوائد الجمة من عصارة تجاربهم مع الحياة التي عاشوها كادحين.. وأخيرا الاستمتاع بما تحمله تلك الأحاديث من عبق ماضينا العريق.. وسنتطرق في هذا العدد الثالث إلى المعالمة والمجادمة والسكونية والنهامة الذين عملوا في بوم الداو وأفنوا شبابهم ليصنعوا للكويت تاريخا بحريا حافلا وتراثا نعتز به.
بما ان الداو من السفن التي تعبر البحار العميقة (غبه) فلقد كان النواخذة يستعينون بمساعدين لهم من المعالمة - جمع معلم - ممن لديهم الدراية باستعمال ادوات القياس، ويأخذ المعلم - تنطق أمعلم - مبلغا اضافيا كفرق عن النوخذة العادي الذي لا يجيد القياس وتطلق على هذه الزيادة (تعلوم) وهي لا تتجاوز في احسن الظروف 120 روبية، كما استعان النواخذة بمتخصصين باستعمال الاشرعة (نواخذة شراع)، والاشرعة على ظهر سفن السفر توضع في اكياس (خياش) من الصوف ويخيط عليها البحرية حاشية من الحبال حتى لا تتفتق وتوضع تحت (حدر) النيم ويستخدم نواخذة الشراع الاشرعة المناسبة حسب حالة الهواء.
ويستعين النوخذة احيانا بربان من اهالي البلدة نفسها اذا كان ينوي الابحار الى بندر لم يسبق له السفر اليه ومن الصعب الوصول اليه ملاحيا.
ومن المعالمة ونواخذة الشراع الذين ركبوا في بوم الداو:
المرحوم المعلم ماجد عبدالوهاب الماجد
من معالمة الكويت القدامى، بيته في جبلة، تحديدا مقابل بيت المرحوم التاجر حمد الخالد، كنيته (بويوسف)، عمل المعلم ماجد الماجد في عدة ابوام سفر منها بوم المرحوم علي الجوعان (كاكة) وبوم السجاري وفي بوم الداو مع النوخذة أحمد سليمان، وهو الذي تولى امر اعادة الداو بعد وفاة النوخذة من قوة بالهند الى الكويت.
كانت وفاة المعلم ماجد الماجد في اثناء خروجه في جالبوت صغير مع صديق له من عائلة اللوغاني ومعهم ابنه السكوني يوسف الماجد الذي كان وقتها صبيا، للغوص في الخيران، وقد تعب فجأة، وبعد فترة وجيزة لم يتمكنا من اسعافه فانتقل الى رحمة الله، وقد بذل يوسف الماجد جهدا مضنيا في سحب الجالبوت وعليه والده من الخيران الى الشعيبة التي وجد بها مساعدة من عائلة بن حقان اسهمت في دفن والده المعلم ماجد عبدالوهاب في قرية الفحيحيل، وذلك في النصف الاول من الثلاثينات.
المرحوم المعلم حسن الشطي
بيته في فريج (سعود) في جبلة، كنيته 'بوعلي'، عمل لسنوات في السفن التي تبيع الماء اثناء موسم الغوص، ثم كمعلم في (خشب) سفن الخرافي مع المرحوم النوخذة حسن اللنقاوي، ثم مع المرحوم النوخذة بن فرح، وركب في احد ابوام المرحوم عبداللطيف العثمان كنوخذة، وفي بوم للمرزوق اسمه 'الميمون' ومعه المجدمي العود سالم بن صالح والمجدمي الصغير راشد الرمح، كما عمل في الداو مع المرحوم النوخذة جاسم محمد المبارك كمعلم.
ابنه المرحوم النوخذة علي حسن الشطي من نواخذة السفر، ركب في بوم داوود المرزوق (فاروق) اوشار المرحوم الاستاد حسين الغضبان، وفي بوم المرحوم عبدالعزيز المرزوق (المنصور)، كما تنوخذ في بوم للمرحوم التاجر عبدالرحمن البدر حمولته 1200 من اوشار المرحوم الاستاد حجي احمد.
المرحوم النوخذة شراع حبيب غلوم حسين
نوخذة شراع قديم، عمل بالداو مساعدا للنوخذة احمد سليمان ثم مساعدا للنوخذة جاسم محمد المبارك، كما عمل لسنوات في بوم صغير ملك الصقر كنوخذة. كلف من قبل التاجر عبدالعزيز حمد الصقر باحضار مركب له من لبنان فسافر الى بيروت وعاد بالمركب الذي يستوعب لحمولة مقدارها 1000 طن الى الكويت، اخوه هاشم ركب نوخذة في بوم المرحوم التاجر ثنيان الغانم المسمى (بوتنور) وابوام اخرى.
المرحوم نوخذة شراع سعيد بن شيبة
شقيق النوخذة المعروف محمد بن شيبة، كنيته (بو ابراهيم) عمل ببوم طارق والداو كنوخذة شراع. مع النوخذة محمد شيبة.. وفي ابوام اخرى.
المجادمة
(المجادمة) ومفردها 'مجدمي' تعني مجازا رئيس البحارة.. فبعد ان 'يضم' يختار النوخذة مجدميا للسفينة.. يبدأ المجدمي في اختيار بحارته 'ضمهم' على حساب علاقاته الشخصية.. ومقدرا عدد افراد البحرية المناسبين على حسب حجم السفينة.. ومن مهام المجدمي تهيئة واعداد السفينة للسفر والاشراف على توزيع العمل.. وعلى ترتيب الحمولة.. ويكون حلقة الوصل بين البحرية والنوخذة.
وممن عمل كمجدمي عود اي كبير او مجدمي صغير مساعدا للاول في الداو نذكر منهم:
المرحوم المجدمي العود ياقوت المانع
يقع بيته بالحي القبلي 'جبلة' تحديدا في الوطية' على مسافة ليست ببعيدة عن مستشفى الارسالية الاميركية 'الامريكاني'، كنيته 'بوفيروز'.. وفيروز راعي عدة معروف.
ياقوت المانع مجدمي قديم عمل في الفترة التي عمل بها المرحوم النوخذة احمد سليمان بالداو.. كما ركب في بغلة بن رضوان وسفن 'خشب العثمان' وبالاخص بوم المرحوم النوخذة يوسف العثمان (موافج) وغيرها.
المرحوم المجدمي العود حسن المحميد
كنيته 'بوعلي' ركب كمجدمي صغير بالداو.. حينما كان المجدمي العود هو ياقوت المانع، كما ركب في بوم المرزوق كمجدمي عود مع النوخذة عيسى يعقوب بشارة وفي سفن اخرى.
المرحوم المجدمي العود احمد محمد العبدالهادي
احد اشهر مجادمة الكويت ويحلو للبعض بتلقيبه شيخ المجادمة.. بيته بالمرقاب.. وكنيته 'بومحمد' 'تجدم' اي اصبح مجدميا على يد مجدمي عود قديم قيل اسمه 'مرهون' ركب في ابرز سفن الغوص.. وكذلك في سفن السفر المشهورة منها على سبيل المثال.. بغلة المرحوم النوخذة ناصر عبداللطيف بن عيسى (القطوة) وبوم المرحوم فلاح الخرافي (مجموة) ومعه اخوه عبدالهادي مجدمي صغير.. وفي بوم الصقر (طارق) مع المرحوم النوخذة عيسى بن مطر ومعه المرحوم علي بن عيسى مجدمي صغير وفي الداو.. وغيرهما.. اخوه المرحوم المجدمي العود عبدالهادي محمد العبدالهادي من كبار المجادمة بالكويت ايضا.
توفي المجدمي احمد العبدالهادي حوالي عام 1976.
المرحوم المجدمي العود حجي أكبر
من المجادمة المخضرمين، يقع بيته بشرق (فريج البلوش).. كنيته 'بو محمد'، عمل في سفن سفر عديدة منها بوم المرحوم النوخذة عبدالعزيز المشعل (ممتاز) وبغلة 'بن رضوان' وبوم 'بن رشدان' والداو، وهومن المجادمة الذين يحرص نواخذة الابوام الكبيرة على ضمهم في سفنهم.
اخوه حسين عمل (راعي سكان) في بغلة بن رضوان وبوم بن رشدان لسنوات طويلة، اما ابنه حميد حجي اكبر، فقد توفي غرقا بحادثة طبعة بلال الصقر الشهيرة 1943. وتوفي حجي اكبر حوالي عام 1986.
المرحوم المجدمي العود جاسم الوزان
ركب كمجدمي عود في سفن (خشب المرزوق)، لسنوات، وسنة واحدة في بوم المرحوم شاهين الغانم (كاكه) وبوم المرحوم يوسف العثمان (موافج) وقيل ركب كمجدمي عود بالداو.
المرحوم المجدمي العود داوود سليمان
مجدمي قديم، بيته بجبلة وكنيته 'بو سليمان' عمل لسنوات بالداو برتبة مساعد ثان، مجدمي صغير مع المجدمي العود ياقوت المانع، كما ركب في سفن اخرى.
المرحوم المجدمي العود راشد بن حمدان
عمل المرحوم المجدمي العود راشد بن حمدان كبحار ثم مجدمي، في سفن غوص عدة من ابرزها عمله في بوم المرحوم عبدالله بن ناصر بورسلي (نايف) اكبر بوم غوص بالكويت، كما عمل كمجدمي في بعض سفن الصقر ومنها ركوبه كمجدمي في بوم الصقر (فاروق) مع المرحوم النوخذة عبدالله عبدالعزيز القطامي، الذي نزل عن البوم لمرضه فركب بدلا منه المرحوم النوخذة سليمان علي المهيني، وذلك في السنة التي انقذوا فيها نصف بحرية بوم بوقماز، عند غرق بوم بوقماز بالمحيط عام 1947 وهو العام الذي انفصلت فيه جمهورية باكستان عن الهند، وقد نقلوهم الى كروار (نوا بمبي) هذا وركب راشد بن حمدان بالداو موسما واحدا.
المرحوم المجدمي بن فرح
ركب كمجدمي صغير مع المجدمي العود احمد العبد الهادي، في السنتين الاخيرتين بالداو.
علما بأن سفن السفر الكبيرة يكون بها مجدمي عود ومجدميان صغيران ففي عام 1923 كان مجادمة الداو.
المجدمي العود ياقوت المانع
المجدمي الصغير حسن المحميد
ومعهم المجدمي داوود سليمان.
واحيانا يكون المجدمي الثالث ليس الا سوى بحار يعاونهم وتطلق عليه تسمية 'مسواق' وتنطق القاف بالكاف الفارسية وبالطبع الداو ليس البوم الوحيد الذي عمل فيه ثلاثة مجادمة في الموسم نفسه، فمثلا بوم بن راشدان (غالب) كان فيه بأحد المواسم المجادمة 'عبدالرحمن العميري - ياقوت المانع - أحمد العبدالهادي'.
السكونية
شأنها شأن سفن النقل البحري التجاري (السفر) الكبيرة الحجم فان عدد السكونية ببوم الداو كان اربعة في كل موسم.. وقيل قبل 'خباب الداو' اي تصغيره كان عدد السكونية ستة!
والسكوني او راعي السكان وكلا التسميتين صحيح، ومهمتهما ان يقودا عجلة السفينة (الجرخ) وجمعها 'جروخ' وبالتالي يحركون الدفة (السكان) المثبتة بمؤخرة السفينة، وكم من راعي سكان اكتسب خبرة كراعي سكان ثم اصبح نوخذة بعد سنوات من عمله.. هذا ويحرص النواخذة والمجادمة على ضم اصحاب الخبرة من السكونية وذلك لاهمية دورهم.
وهذه قائمة ببعض اسماء 'السكونية' ماسكي الدفة الذين عملوا بالداو على سبيل المثال:
المرحوم راعي السكان حسين المانع
المرحوم راعي السكان حمود الفرحان
المرحوم راعي السكان بوادريس
المرحوم راعي السكان غلوم حسن قبازرد:
المرحوم غلوم حسن قبازرد (بو احمد) من سكان الحي الشرقي (شرق).. كان مثالا لمن تدرج بأكثر من مهنة بحرية.. فقد كان والده المرحوم حسن قبازرد من نواخذة القطاعة وامتلك بومين منها، عمل في احد هذين البومين ابنه النوخذة غلوم قبازرد عندما بلغ العشرين من عمره.. ولعدة سنوات متواصلة كنوخذة قطاعة.. وابعد مكان وصل اليه في ذلك البوم القطاع سواحل مسقط بعمان.
سحب الداو إلى كراتشي
تم سحب الداو وبوم المرزوق إلى كراتشي وإلى مرفأ يعرف ب 'قاز بندر'.. وكانت المخاوف من ان تأمر السلطات هناك بمصادرة البومين أو فرض غرامات او السجن.. خصوصا ان مصادرة الابوام بعد توجيه تهمة التهريب اليها كانت موجودة.. وقد صودرت ابوام كويتية عدة وفرضت عليها غرامات.
ولكن بعد جهود ومتابعة من المرحوم عبدالرحمن بن شاهين الغانم لقضية اتهام بوم الداو بالتهريب استمرت ستة اشهر.. وكان بن شيبة وبحريته متواجدين بكراتشي تمكن من كسب القضية.. فسمح للداو بمغادرة كراتشي.. وكان بوم المرزوق مرافقا له 'سنيار' والسنيار عادة تكون لاجتياز المياه العميقة من المحيط 'الغبة' حتى تدرك السفن الساحل العماني.
غير ان الداو ما كاد يجتاز حوالي 60 ميلا بحريا حتى بدأ الماء يدخل في جوفه بكثرة 'البوم ما يود ماي' وكان الوضع لا يسمح بمواصلة الرحلة.. فعاد بن شيبة بالبوم الى كراتشي مرة اخرى.
وعادة في كراتشي ترسو السفن في رصيف ميناء 'كماري' المخصص للبواخر.. حتى تعطى لها الرخصة.. فينتقلون الى الجانب الآخر من الميناء والمسمى 'قاز بندر' وهو المكان الذي رسا به الداو للمرة الاخيرة.
وبعد ايام أمر بن شيبة بترك الداو عند المجدمي احمد العبدالهادي والعودة بباقي البحرية الى الكويت.. فاستقلوا من كراتشي مركبا اسمه 'بروده' او 'باروده' ايهما اصح وقيل اسم المركب 'داره' وقد صادفوا في هذه الفترة البحرية الناجين من غرق بوم ثنيان الغانم 'الوسمي' وهي الحادثة المعروفة بطبعة بلال.
ومن بعد المركب.. تم توزيع الداو على اربع سفن واخذ كل راعي سكان معه حوالي 10 بحارة، فمثلا:
ركب راعي السكان غلوم حسن قبازرد في بوم بوقماز 2،000 من ومعه 10 من بحرية الداو وكان نواخذهم المرحوم درويش اسماعيل البلوشي. وكذلك في بوم مع المرحوم النوخذة محمد عيسى بورحمة المتوفى 1968.
بينما بقي المجدمي احمد العبدالهادي عند الداو سنة كاملة او تزيد قليلا حتى طلب منه ان يأخذ آلات الداو ويعود.. وقد استخدمت مثلا.. الكيت التابعة للداو لاحقا لبوم الصقر (مشهور).
