أنـوآر الـكويـت
New member
- إنضم
- 9 يوليو 2008
- المشاركات
- 616
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 0
(المنهل العذب النمير في سيرة السراج المنير)
(المنهل): الموضع الذي فيه المشرب. (والعذب): المستساغ الشرب. و(النمير): الشراب الزكي الكثير، الناجع في الري.
ضرورة وحاجة البشرية إلى سيرة خير البرية.
أنه بحسب متابعة الرسول تكون العزة والكفاية والنصرة والقبول؛ كما أنها بحسب متابعته يكون في المعالجة الهداية والنجاح، وفي الآجلة النجاة والفلاح.
وقد اختار الله تعالى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم من ولد آدم، وهم أربعة وعشرون ومائة ألف نبي.
ثم اختار منهم الرسل عليهم السلام ، وهم ثلاثة عشر ثلاثمائة رسول.
ثم اختار منهم أولى العزم؛ وهم الخمسة المذكورون في سورتي (الأحزاب) والشورى): نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلى الله وسلم عليهم أجمعين.
ثم اختار منهم الخليلين: إبراهيم ، ومحمداً صلى الله عليهما وعلى آلهما وسلم.
ثم اختار منهم سيد ولد آدم: محمداً ، فهو خيار من خيار من خيار.
وإن الألباب والعقول، مضطرة لمعرفة سيرة الرسول ، لأنه لا سبيل إلى السعادة والنجاح، إلا في تصديق الرسول فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع وقرر.
أهمية السيرة النبوية:
وقد جعل الرب جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، سنة نبيه وسيرته عصمه لمن لجأ إليها، وجنة لمن استمسك بعروتها الوثقى وعض بالنواجذ عليها.
فهي الحرم الذي من دخله كان من الآمنين، والحصن الذي من لاذ به كان من الفائزين، ومن انقطع دونه كان من الهالكين.
حياته قبل البعثة:
نسب النبي :
إن نبينا هو خير أهل اللأرض نسباً على الإطلاق ، فلنسبه شرف وعلو يعانق السبع الطباق؛ فقومه أشرف الأقوام، وقبيلته أشرف القبائل والفئام.
فهو: محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وأبوه عدان: من ولد إسماعيل صابح القربان، ابن إبراهيم خليل الرحمن.
مولده ونشأته:
ولد محمد الخليل في عام الفيل ، وتوفي أبوه عبد الله وهو حمل في بطن أمه جنين، ثم توفيت أمه آمنة، ولم يستكمل لابنها إذ ذاك سبع سنين.
ثم كفله جده عبد المطلب، فإذا بداعي الموت يدعوه ويجد له في الطلب، وحفيده إذ ذاك قد ناهز الثمان، واليتم قد أحاط به واشتدت منه الأركان.
زواجه من خديجة بنت خويلد رضي الله عنها:
لما كمل لنبينا من العمر خمسة وعشرين، تزوج خديجة بنت خويلد وهي ثيب قد ناهزت إذ ذاك الأربعين، وهي أول حليلة سترها بلحافه وكسائه، وأول امرأة ماتت من نسائه، لم ينكح عليها ضرة.
أولاده وذريته:
إن خاتم النبيين والمرسلين كما رزق الوداد لخديجة سيدة نساء العالمين، فقد رزق منها الأولاد من بنات وبنين.
فأكبر الابنين: القاسم وبه كان يكنى سيد الثقلين ، ثم عبدالله الملقب بالطيب والطاهر، وقد ماتا صغيرين ونبي الله على فراقهما محتسب وصابر.
وأما بناته الأربع، ذوات القدر العلي الأرفع: فأكبرهن زينب، ثم رقية، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة رضي الله عنهن.
فأما زينب رضي الله عنها: فقد زوجها النبي لابن خالتها أبي العاص ابن الربيع رضي الله عنه، وأمه هالة بنت خويلد رضي الله عنها ، وقد أنجبت له: عليا وأمامة.
فلما كان السنة الثامنة: توفيت الكريمة بنت الكريم، فدخل عليها أبوها وهو على فراقها محزون وكليم.
وأما رقية رضي الله عنها: فقد زوجها النبي لعثمان بن عفان، ولنعم الزوج كان، وقد وهبها الله من عثمان ابنها عبدالله.
ثم مرضت رضي الله عنها بعد هجرتها إلى المدينة بعامين، فقام عثمان بتمريض زوجه ومن جعلت له قرة عين؛ فتوفيت ورسول الله منصرف منتصر في غزوة بدر، لتمتزج حلاوة النصر بمرارة الصبر.
وأما أم كلثوم رضي الله عنها: فقد زوجها رسول الله بعد موت أختها بستة أشهر لعثمان، فتوفيت عنه ولم تلد له، وكان ذلك سنة تسع في شعبان.
فكان عثمان يسمى: ذا النورين، لأنه استنار بشهاب قبس من نور سيد الثقلين.
وأما فاطمة رضي الله عنها – وهي اصغرهن -: فقد شرف بها رسول الله ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ فكان له نعم الصهر، فدخل بها بعد غزوة بدر؛ وولدت له الحسن والحسين وزينباً وأم كلثوم.
وجميع بنات النبي توفين قبله، إلا فاطمة رضي الله عنها فقد توفيت بعده بستة أشهر لتكون للصابرين قبلة.
وقد انقطع نسل سيد الثقلين، إلا ما كان من جهة ابنيه الحسن والحسين.
وجميع أولاد خاتم الأنبياء والمرسلين، من زوجه الودود الولود خديجة سيدة نساء العالمين.
لما كمل لخاتم النبيين – صلى وسلم عليه رب العالمين – تمام الأربعين ، وهي سن الكمال، الذي تنضج فيه عقول الرجال: أري في منامه رؤى الصلاح، وقد بغض إليه الأوثان والأصنام، وفطر على عبودية الملك العلام؛ فلم يزل على ذلك حتى أشرق عليه نور النبوة في غار حراء، وأكرمه الله تعالى بالرسالة والاصطفاء.
وكان مبعثه إلى الثقلين ، في يوم الاثنين. خديجة يرجف جنانه، وترتعد أركانه.
فأجابت خديجة حبها، ثقة بربها: كلا والله، ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
بين أذى الأقربين وندى الأعجمين:
ونبي الله يصيح في قومه أشد الصياح، ويناديهم: حي على الصلاة، حي على الفلاح.
فإذا بعم النبي عبد العزى قد تبت يداه وتوعد بصلي نار ذات لهب وحريق، وعمه أبي طالب في لجة تقليد ملة عبد المطلب غريق.
وإذا بصهيب يقدم من الروم قد هدي سواء الطريق، وسلمان يهرب من فارس ليحظى من المصطفى ببشرى: سلمان منا أهل البيت فأكرم به من تابع ولحيق.
فخرج رسول الله حتى صعد الصفا، فهتف: يا صباحاه!
فقالوا: من الذي يهتف؟
فقالوا: محمد.
فاجتمعوا إليه.
فقال رسول الله : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟
قالوا: ما جربنا عليك كذباً.
فقال رسول الله : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.
فقال أبو لهب: تبا لك! ألهذا جمعتنا؟!
وهذا عم النبي أبو طالب، يقتطعه قطاع طريق الحق والله على أمره غالب؛ ينهي المشركين أن يؤذوا الرسول، وهو ينأى ويبتعد عن الإجابة والقبول!!
فلما دنا من أبي طالب الأجل، وحانت ساعة طي صحائف العمل، دخل عليه النبي فوجد عنده أبا جهل وعبدالله بن أمية، فقال له النبي : أي عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله.
وقال لابن أخيه : لولا أن تعيرني قريش – يقولون : إنما حمله عليه الجزع - ؛ لأقررت بها عينك.
فلما مات قال رسول الله : لاستغفرن لك ما لم أنه عنك.
فلما بخع النبي نفسه على آثار عمه إذ لم يؤمن ببعثته أسفاً، واشتدت حسرته على موته
قصة إسلام سلمان رضي الله عنه:
فانظر إلى كلام سلمان، وهو يقص علينا نبأ الإسلام والإيمان، فيقول:
رجلاً من أهل فارس، وكان أبي دهقان أرضه، وكان يحبني حباً شديداً، لما يحبه شيئاً من ماله ولا ولده، فما زال به حبه إياي حتى حبسني في البيت كما تحبس الجارية!!
اجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار التي يوقدها.
فدعاني أبي فقال: أي بني، انطلق إلى ضيعتي ولا تحتبس علي؛ فإنك إن احتبست عني شغلني ذلك عن كل شيء.
فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة للنصارى، فأعجبني حالهم، فوالله مازلت جالساً عندهم حتى غربت الشمس؛ وبعث أبي في طلبي في كل وجه، حتى جئته حين أمسيت، ولم أذهب إلى ضيعته.
فقال: أين كنت؟
فقلت: مررت بالنصاري فأعجبني صلاتهم ودعاؤم.
فقال: أي بني ، دينك ودين آبائك خير من دينهم.
فقلت: لا والله، ما هو بخير من دينهم؛ هؤلاء قوم يعبدون الله، ونحن نعبد ناراً نوقدها بأيدينا؛ إذا تركناها ماتت.
فخاب أبي علي؛ فجعل حديداً في رجلي، وحبسني.
حتى عليهم ناس من تجارهم فآذنوني، فطرحت الحديد من رجلي ولحقت بهم، فقدمت معهم الشام، فقلت: من أفضل أهل هذا الدين.
فلا زال سلمان ينتقل من الشام إلى الموصل إلى نصيبين إلى عمورية بالروم، حتى أقام عند آخر عبادها سنين واكتسب، فكان له غنيمة وبقيرات، فلما احتضر كلمه سلمان أن يوصي به إلى رجل أخر.
فقال له العابد: أي بني، والله ما أعلم بقي أحد على مثل ما كنا عليه، ولكن قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم، مهاجرة بين حرتين في أرض سبخة ذات نخل ؛ وإن فيه علامات لا تخفي: بين كتفيه خاتم النبوة، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فإن استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل، فإنه قد أظلك زمانه.
قال سلمان: فلما واريناه أمقت حتى مر بي رجال من تجار العرب، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب، وأنا أعطيكم غنيمتي وبقراتي؟
قالوا: نعم.
فأعطيتهم إياها وحملوني، حتى إذا جاؤوا بي وادي القرى: ظلموني، فباعوني عبداً من رجل يهودي، ثم قدم رجل من بني قريظة فابتاعني، فخرج بي حتى قدمنا المدينة؛ فوالله، ما هو إلا أن رأيتها: فعرفت نعتها، فأقمت في رقي.
وبعث الله رسول في مكة، لا يذكر لي شيء من أمره، مع ما أنا فيه من الرق، حتى قدم قباء، وأنا في عمل صاحبي في نخله؛ فوالله، إني لفيها إذ جاء ابن عم له فقال: يلا فلان: قاتل الله بني قيلة؛ والله، إنهم الآن مجتمعون على رجل جاء من مكة يزعمون أنه نبي.
فلما أمسيت وان عندي شيء من طعام، فحملته وذهبت إلى رسول الله وهو بقباء، وقد ان عندي شيء للصدقة، فرأيتكم أحق من بهذه البلاد؛ فهاكها، فكل منه.
فأمسك رسول الله ، وقال لأصحابه: كلوا.
فقلت في نفسي: هذه واحدة.
ثم رجعت، وتحول رسول الله إلى المدينة، فجمعت شيئاً ثم جئته به، فقلت: هذا هدية.
فأكل رسول الله وأكل أصحابه.
فقلت: هذه خلتان.
ثم جئته وهو يتبع جنازة، وعلى شملتان لي، وهو في أصحابه، فاستدرت لأنظر إلى الخاتم.
فلما رآني استدبرته: عرف أني أستثبت شيئاً وصف لي، فوضع رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه كما وصف لي صاحبي، فأكببت عليه أقبله وأبكى.
فقال رسول الله : تحول يا سلمان هكذا.
فتحولت فجلست بين يديه، وأحب أن يسمع أصحابه حديثي.
الإسراء والمعراج:
لقد ابتلي نبينا بموت زوجه وعمه في عام واحد، ليفتح في وجهه الكريم باب المصائب والفتن والمكائد.
فسلى الله تعالى نبيه برحلة الإسرى، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فاسرى بجسده وروحه إلى الشام، ثم عرج به إلى الملك العلام.
قال : بينما أنا في الحجر مضطجعاً بين النائم واليقظان، إذ أتاني آت، فشق ما بين هذه وهذه، فاستخرج قلبي ، ثم غسله بماء زمزم، ثم أتيت بطستٍ من ذهبٍ مملوءةٍ إيماناً، فغسل قلبي ، ثم حشي إيماناً وحكمه، ثم أعيد.
ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض؛ وهو البراق، يضع خطوه عند أقصى طرفه، فركبته حتى أتيت بين المقدس، فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء ، ثم دخلت المسجد .
وقد رأيتني في جماعةٍ من الأنبياء ؛ فإذا بموسى قائم يصلي ، فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءةٍ، وإذا بعيسى بن مريم قائم يصلي، أقرب الناس به شبهاً عروة بن مسعودٍ الثقفي؛ وإذا إبراهيم قائم يصلي، أشبه الناسب به صاحبكم.
ثم صعد بالنبي حتى أتى السماء الثاني، فاستفتح جبريل.
ثم صعد بالنبي إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل. ووجد يوسف عليه السلام
ثم صعد بالنبي حتى أتى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل.ووجد ادريس عليه السلام
ثم صعد بالرسول أتى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل. ووجد هارون
ثم صعد بالنبي حتى أتى السماء السادسة، فاستفتح جبريل. ووجد موسى عليه السلام.
ثم صعد بالنبي حتى أتى السماء السابعة، فاستفتح جبريل. ثم وجد إبراهيم عليه السلام.
ثم رفع الرسول لسدرة المنتهى.
ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك، وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان، ونهران ظاهران.
فقلت: ما هذان يا جبريل؟
قال: أما الباطنان: فنهران في الجنة، وأما الظاهران: فالنيل والفرات.
ثم رفع لي البيت المعمور.
ثم عرج بالرسول حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام، فدنا الجبار رب العزة تبارك وتعالى، فكان قاب قوسين او أدنى، ففرض الله على الصلوات، خمسين صلاة كل يوم حتى رجع إلى ربه وسأله التخفيف إلى أن وصلت خمس صلوات.
موقف الناس من الإسراء والمعراج:
قال النبي : وأصبحت بمكة؛ فظعت بأمري، وعرفت أن الناس مكذبي، فقعدت معتزلاً حزيناً.
فمر بي عدو الله أبو جهل، حتى جلس إلى، فقال كالمستهزئ: هل كان من شيء؟
فقلت: نعم.
فقال: ما هو؟!
قلت: إنه أسرى بي الليلة.
فقال: إلى أين؟!
فقلت: إلى بيت المقدس.
ثم كذبوه وقالوا له صفه لنا ووصفه ومنهم من صدق ومنهم من كذب وصدقه أبو بكر حتى سمي بالصديق.
ذهابه لدعوة أهل الطائف:
ولقد أحاطت المصائب والفتن والأخطار، بالنبي المصطفى المختار، فازدادت قريش على النبي حنقاً وغيظاً وعناداً تكذيباً، وعلى صحابته المستضعفين تضييقاً وجرأة وتسفيها وتعذيباً.
فقام النبي بالموقف في موسم الحج يعرض نفسه على القبائل والأقوام، محتملاً ما يناله من أذى السفهاء والطغام، ويقول: هل من رجل يحملني إلى قومه؟ فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي.
ثم ارتحل نبي الله أملاً في الإيواء والتصديق إلى أهل الطائف، فرجع منهم إثر تكذيبه وتعذيبه وهو وجل خائف.
الدعوة في أهل يثرب وبيعة العقبة:
مكث رسول الله بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم، بعكاظ ومجنةٍ، وفي المواسم بمنى، يقول: من يؤويني؟ من ينصرني؟ حتى أبلغ رسالة ربي، وله الجنة.
حتى إن الرجل ليخرج من اليمن، أو من مصر، فيأتيه قومه؛ فيقولون: احذر غلام قريشٍ ، لا يفتنك! .
ويمشي بين رجالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع.
حتى بعثنا الله له من يثرب، فآويناه وصدقناه، فيخرج الرجل منا فيؤمن به، ويقرئه القرآن؛ فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام.
ثم ائتمروا جميعاً، فقالوا: حتى متى نترك رسول الله يطرد في جبال مكة ويخاف؟
فرحل إليه منا سبعون رجلاً حتى قدموا عليه في الموسم، فواعدنا شعب العقبة، فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين حتى توافينا.
فقلنا: يا رسول الله، علام نبايعك؟
فقال رسول الله : تبايعوني على السمع والطاعة، في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله لا تخافون في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني، فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم؛ ولكم الجنة.
فقمنا نبايعه.
(المنهل): الموضع الذي فيه المشرب. (والعذب): المستساغ الشرب. و(النمير): الشراب الزكي الكثير، الناجع في الري.
ضرورة وحاجة البشرية إلى سيرة خير البرية.
أنه بحسب متابعة الرسول تكون العزة والكفاية والنصرة والقبول؛ كما أنها بحسب متابعته يكون في المعالجة الهداية والنجاح، وفي الآجلة النجاة والفلاح.
وقد اختار الله تعالى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم من ولد آدم، وهم أربعة وعشرون ومائة ألف نبي.
ثم اختار منهم الرسل عليهم السلام ، وهم ثلاثة عشر ثلاثمائة رسول.
ثم اختار منهم أولى العزم؛ وهم الخمسة المذكورون في سورتي (الأحزاب) والشورى): نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلى الله وسلم عليهم أجمعين.
ثم اختار منهم الخليلين: إبراهيم ، ومحمداً صلى الله عليهما وعلى آلهما وسلم.
ثم اختار منهم سيد ولد آدم: محمداً ، فهو خيار من خيار من خيار.
وإن الألباب والعقول، مضطرة لمعرفة سيرة الرسول ، لأنه لا سبيل إلى السعادة والنجاح، إلا في تصديق الرسول فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع وقرر.
أهمية السيرة النبوية:
وقد جعل الرب جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، سنة نبيه وسيرته عصمه لمن لجأ إليها، وجنة لمن استمسك بعروتها الوثقى وعض بالنواجذ عليها.
فهي الحرم الذي من دخله كان من الآمنين، والحصن الذي من لاذ به كان من الفائزين، ومن انقطع دونه كان من الهالكين.
حياته قبل البعثة:
نسب النبي :
إن نبينا هو خير أهل اللأرض نسباً على الإطلاق ، فلنسبه شرف وعلو يعانق السبع الطباق؛ فقومه أشرف الأقوام، وقبيلته أشرف القبائل والفئام.
فهو: محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وأبوه عدان: من ولد إسماعيل صابح القربان، ابن إبراهيم خليل الرحمن.
مولده ونشأته:
ولد محمد الخليل في عام الفيل ، وتوفي أبوه عبد الله وهو حمل في بطن أمه جنين، ثم توفيت أمه آمنة، ولم يستكمل لابنها إذ ذاك سبع سنين.
ثم كفله جده عبد المطلب، فإذا بداعي الموت يدعوه ويجد له في الطلب، وحفيده إذ ذاك قد ناهز الثمان، واليتم قد أحاط به واشتدت منه الأركان.
زواجه من خديجة بنت خويلد رضي الله عنها:
لما كمل لنبينا من العمر خمسة وعشرين، تزوج خديجة بنت خويلد وهي ثيب قد ناهزت إذ ذاك الأربعين، وهي أول حليلة سترها بلحافه وكسائه، وأول امرأة ماتت من نسائه، لم ينكح عليها ضرة.
أولاده وذريته:
إن خاتم النبيين والمرسلين كما رزق الوداد لخديجة سيدة نساء العالمين، فقد رزق منها الأولاد من بنات وبنين.
فأكبر الابنين: القاسم وبه كان يكنى سيد الثقلين ، ثم عبدالله الملقب بالطيب والطاهر، وقد ماتا صغيرين ونبي الله على فراقهما محتسب وصابر.
وأما بناته الأربع، ذوات القدر العلي الأرفع: فأكبرهن زينب، ثم رقية، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة رضي الله عنهن.
فأما زينب رضي الله عنها: فقد زوجها النبي لابن خالتها أبي العاص ابن الربيع رضي الله عنه، وأمه هالة بنت خويلد رضي الله عنها ، وقد أنجبت له: عليا وأمامة.
فلما كان السنة الثامنة: توفيت الكريمة بنت الكريم، فدخل عليها أبوها وهو على فراقها محزون وكليم.
وأما رقية رضي الله عنها: فقد زوجها النبي لعثمان بن عفان، ولنعم الزوج كان، وقد وهبها الله من عثمان ابنها عبدالله.
ثم مرضت رضي الله عنها بعد هجرتها إلى المدينة بعامين، فقام عثمان بتمريض زوجه ومن جعلت له قرة عين؛ فتوفيت ورسول الله منصرف منتصر في غزوة بدر، لتمتزج حلاوة النصر بمرارة الصبر.
وأما أم كلثوم رضي الله عنها: فقد زوجها رسول الله بعد موت أختها بستة أشهر لعثمان، فتوفيت عنه ولم تلد له، وكان ذلك سنة تسع في شعبان.
فكان عثمان يسمى: ذا النورين، لأنه استنار بشهاب قبس من نور سيد الثقلين.
وأما فاطمة رضي الله عنها – وهي اصغرهن -: فقد شرف بها رسول الله ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ فكان له نعم الصهر، فدخل بها بعد غزوة بدر؛ وولدت له الحسن والحسين وزينباً وأم كلثوم.
وجميع بنات النبي توفين قبله، إلا فاطمة رضي الله عنها فقد توفيت بعده بستة أشهر لتكون للصابرين قبلة.
وقد انقطع نسل سيد الثقلين، إلا ما كان من جهة ابنيه الحسن والحسين.
وجميع أولاد خاتم الأنبياء والمرسلين، من زوجه الودود الولود خديجة سيدة نساء العالمين.
لما كمل لخاتم النبيين – صلى وسلم عليه رب العالمين – تمام الأربعين ، وهي سن الكمال، الذي تنضج فيه عقول الرجال: أري في منامه رؤى الصلاح، وقد بغض إليه الأوثان والأصنام، وفطر على عبودية الملك العلام؛ فلم يزل على ذلك حتى أشرق عليه نور النبوة في غار حراء، وأكرمه الله تعالى بالرسالة والاصطفاء.
وكان مبعثه إلى الثقلين ، في يوم الاثنين. خديجة يرجف جنانه، وترتعد أركانه.
فأجابت خديجة حبها، ثقة بربها: كلا والله، ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
بين أذى الأقربين وندى الأعجمين:
ونبي الله يصيح في قومه أشد الصياح، ويناديهم: حي على الصلاة، حي على الفلاح.
فإذا بعم النبي عبد العزى قد تبت يداه وتوعد بصلي نار ذات لهب وحريق، وعمه أبي طالب في لجة تقليد ملة عبد المطلب غريق.
وإذا بصهيب يقدم من الروم قد هدي سواء الطريق، وسلمان يهرب من فارس ليحظى من المصطفى ببشرى: سلمان منا أهل البيت فأكرم به من تابع ولحيق.
فخرج رسول الله حتى صعد الصفا، فهتف: يا صباحاه!
فقالوا: من الذي يهتف؟
فقالوا: محمد.
فاجتمعوا إليه.
فقال رسول الله : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟
قالوا: ما جربنا عليك كذباً.
فقال رسول الله : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.
فقال أبو لهب: تبا لك! ألهذا جمعتنا؟!
وهذا عم النبي أبو طالب، يقتطعه قطاع طريق الحق والله على أمره غالب؛ ينهي المشركين أن يؤذوا الرسول، وهو ينأى ويبتعد عن الإجابة والقبول!!
فلما دنا من أبي طالب الأجل، وحانت ساعة طي صحائف العمل، دخل عليه النبي فوجد عنده أبا جهل وعبدالله بن أمية، فقال له النبي : أي عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله.
وقال لابن أخيه : لولا أن تعيرني قريش – يقولون : إنما حمله عليه الجزع - ؛ لأقررت بها عينك.
فلما مات قال رسول الله : لاستغفرن لك ما لم أنه عنك.
فلما بخع النبي نفسه على آثار عمه إذ لم يؤمن ببعثته أسفاً، واشتدت حسرته على موته
قصة إسلام سلمان رضي الله عنه:
فانظر إلى كلام سلمان، وهو يقص علينا نبأ الإسلام والإيمان، فيقول:
رجلاً من أهل فارس، وكان أبي دهقان أرضه، وكان يحبني حباً شديداً، لما يحبه شيئاً من ماله ولا ولده، فما زال به حبه إياي حتى حبسني في البيت كما تحبس الجارية!!
اجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار التي يوقدها.
فدعاني أبي فقال: أي بني، انطلق إلى ضيعتي ولا تحتبس علي؛ فإنك إن احتبست عني شغلني ذلك عن كل شيء.
فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة للنصارى، فأعجبني حالهم، فوالله مازلت جالساً عندهم حتى غربت الشمس؛ وبعث أبي في طلبي في كل وجه، حتى جئته حين أمسيت، ولم أذهب إلى ضيعته.
فقال: أين كنت؟
فقلت: مررت بالنصاري فأعجبني صلاتهم ودعاؤم.
فقال: أي بني ، دينك ودين آبائك خير من دينهم.
فقلت: لا والله، ما هو بخير من دينهم؛ هؤلاء قوم يعبدون الله، ونحن نعبد ناراً نوقدها بأيدينا؛ إذا تركناها ماتت.
فخاب أبي علي؛ فجعل حديداً في رجلي، وحبسني.
حتى عليهم ناس من تجارهم فآذنوني، فطرحت الحديد من رجلي ولحقت بهم، فقدمت معهم الشام، فقلت: من أفضل أهل هذا الدين.
فلا زال سلمان ينتقل من الشام إلى الموصل إلى نصيبين إلى عمورية بالروم، حتى أقام عند آخر عبادها سنين واكتسب، فكان له غنيمة وبقيرات، فلما احتضر كلمه سلمان أن يوصي به إلى رجل أخر.
فقال له العابد: أي بني، والله ما أعلم بقي أحد على مثل ما كنا عليه، ولكن قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم، مهاجرة بين حرتين في أرض سبخة ذات نخل ؛ وإن فيه علامات لا تخفي: بين كتفيه خاتم النبوة، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فإن استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل، فإنه قد أظلك زمانه.
قال سلمان: فلما واريناه أمقت حتى مر بي رجال من تجار العرب، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب، وأنا أعطيكم غنيمتي وبقراتي؟
قالوا: نعم.
فأعطيتهم إياها وحملوني، حتى إذا جاؤوا بي وادي القرى: ظلموني، فباعوني عبداً من رجل يهودي، ثم قدم رجل من بني قريظة فابتاعني، فخرج بي حتى قدمنا المدينة؛ فوالله، ما هو إلا أن رأيتها: فعرفت نعتها، فأقمت في رقي.
وبعث الله رسول في مكة، لا يذكر لي شيء من أمره، مع ما أنا فيه من الرق، حتى قدم قباء، وأنا في عمل صاحبي في نخله؛ فوالله، إني لفيها إذ جاء ابن عم له فقال: يلا فلان: قاتل الله بني قيلة؛ والله، إنهم الآن مجتمعون على رجل جاء من مكة يزعمون أنه نبي.
فلما أمسيت وان عندي شيء من طعام، فحملته وذهبت إلى رسول الله وهو بقباء، وقد ان عندي شيء للصدقة، فرأيتكم أحق من بهذه البلاد؛ فهاكها، فكل منه.
فأمسك رسول الله ، وقال لأصحابه: كلوا.
فقلت في نفسي: هذه واحدة.
ثم رجعت، وتحول رسول الله إلى المدينة، فجمعت شيئاً ثم جئته به، فقلت: هذا هدية.
فأكل رسول الله وأكل أصحابه.
فقلت: هذه خلتان.
ثم جئته وهو يتبع جنازة، وعلى شملتان لي، وهو في أصحابه، فاستدرت لأنظر إلى الخاتم.
فلما رآني استدبرته: عرف أني أستثبت شيئاً وصف لي، فوضع رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه كما وصف لي صاحبي، فأكببت عليه أقبله وأبكى.
فقال رسول الله : تحول يا سلمان هكذا.
فتحولت فجلست بين يديه، وأحب أن يسمع أصحابه حديثي.
الإسراء والمعراج:
لقد ابتلي نبينا بموت زوجه وعمه في عام واحد، ليفتح في وجهه الكريم باب المصائب والفتن والمكائد.
فسلى الله تعالى نبيه برحلة الإسرى، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فاسرى بجسده وروحه إلى الشام، ثم عرج به إلى الملك العلام.
قال : بينما أنا في الحجر مضطجعاً بين النائم واليقظان، إذ أتاني آت، فشق ما بين هذه وهذه، فاستخرج قلبي ، ثم غسله بماء زمزم، ثم أتيت بطستٍ من ذهبٍ مملوءةٍ إيماناً، فغسل قلبي ، ثم حشي إيماناً وحكمه، ثم أعيد.
ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض؛ وهو البراق، يضع خطوه عند أقصى طرفه، فركبته حتى أتيت بين المقدس، فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء ، ثم دخلت المسجد .
وقد رأيتني في جماعةٍ من الأنبياء ؛ فإذا بموسى قائم يصلي ، فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءةٍ، وإذا بعيسى بن مريم قائم يصلي، أقرب الناس به شبهاً عروة بن مسعودٍ الثقفي؛ وإذا إبراهيم قائم يصلي، أشبه الناسب به صاحبكم.
ثم صعد بالنبي حتى أتى السماء الثاني، فاستفتح جبريل.
ثم صعد بالنبي إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل. ووجد يوسف عليه السلام
ثم صعد بالنبي حتى أتى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل.ووجد ادريس عليه السلام
ثم صعد بالرسول أتى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل. ووجد هارون
ثم صعد بالنبي حتى أتى السماء السادسة، فاستفتح جبريل. ووجد موسى عليه السلام.
ثم صعد بالنبي حتى أتى السماء السابعة، فاستفتح جبريل. ثم وجد إبراهيم عليه السلام.
ثم رفع الرسول لسدرة المنتهى.
ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك، وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان، ونهران ظاهران.
فقلت: ما هذان يا جبريل؟
قال: أما الباطنان: فنهران في الجنة، وأما الظاهران: فالنيل والفرات.
ثم رفع لي البيت المعمور.
ثم عرج بالرسول حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام، فدنا الجبار رب العزة تبارك وتعالى، فكان قاب قوسين او أدنى، ففرض الله على الصلوات، خمسين صلاة كل يوم حتى رجع إلى ربه وسأله التخفيف إلى أن وصلت خمس صلوات.
موقف الناس من الإسراء والمعراج:
قال النبي : وأصبحت بمكة؛ فظعت بأمري، وعرفت أن الناس مكذبي، فقعدت معتزلاً حزيناً.
فمر بي عدو الله أبو جهل، حتى جلس إلى، فقال كالمستهزئ: هل كان من شيء؟
فقلت: نعم.
فقال: ما هو؟!
قلت: إنه أسرى بي الليلة.
فقال: إلى أين؟!
فقلت: إلى بيت المقدس.
ثم كذبوه وقالوا له صفه لنا ووصفه ومنهم من صدق ومنهم من كذب وصدقه أبو بكر حتى سمي بالصديق.
ذهابه لدعوة أهل الطائف:
ولقد أحاطت المصائب والفتن والأخطار، بالنبي المصطفى المختار، فازدادت قريش على النبي حنقاً وغيظاً وعناداً تكذيباً، وعلى صحابته المستضعفين تضييقاً وجرأة وتسفيها وتعذيباً.
فقام النبي بالموقف في موسم الحج يعرض نفسه على القبائل والأقوام، محتملاً ما يناله من أذى السفهاء والطغام، ويقول: هل من رجل يحملني إلى قومه؟ فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي.
ثم ارتحل نبي الله أملاً في الإيواء والتصديق إلى أهل الطائف، فرجع منهم إثر تكذيبه وتعذيبه وهو وجل خائف.
الدعوة في أهل يثرب وبيعة العقبة:
مكث رسول الله بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم، بعكاظ ومجنةٍ، وفي المواسم بمنى، يقول: من يؤويني؟ من ينصرني؟ حتى أبلغ رسالة ربي، وله الجنة.
حتى إن الرجل ليخرج من اليمن، أو من مصر، فيأتيه قومه؛ فيقولون: احذر غلام قريشٍ ، لا يفتنك! .
ويمشي بين رجالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع.
حتى بعثنا الله له من يثرب، فآويناه وصدقناه، فيخرج الرجل منا فيؤمن به، ويقرئه القرآن؛ فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام.
ثم ائتمروا جميعاً، فقالوا: حتى متى نترك رسول الله يطرد في جبال مكة ويخاف؟
فرحل إليه منا سبعون رجلاً حتى قدموا عليه في الموسم، فواعدنا شعب العقبة، فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين حتى توافينا.
فقلنا: يا رسول الله، علام نبايعك؟
فقال رسول الله : تبايعوني على السمع والطاعة، في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله لا تخافون في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني، فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم؛ ولكم الجنة.
فقمنا نبايعه.