- إنضم
- 16 يوليو 2010
- المشاركات
- 4,416
- مستوى التفاعل
- 3
- النقاط
- 0
خمسون عاما على محاكمة "الليدي تشاترلي"
في ظل الحديث عن خفض النفقات لمواجهة العجز في الميزانية الحكومية البريطانية جرى الحديث عن بيت الكاتب البريطاني المشهور دي اتش لورنس (1885- 1930) المعروف بدربان هاوس ومتحفه في ايست وود نوتينغهام شاير، وامكانية تأثر البيت بالنفقات، والحملة التي يقوم بها عدد من الروائيين من أمثال سلمان رشدي ومارتن ايميس لمنع اغلاق المتحف ـ البيت الذي يقاضي فقط جنيهين ونصف جنيه على الدخول لمشاهدة تاريخ هذا الكاتب المثير في تاريخ الادب البريطاني وصاحب اشهر رواية شهدت محاكمة عام 1960 'عشيق الليدي تشاترلي'.
وجاء الحديث عن مشاكل تمويل المتحف الذي يحتوي مقتنيات تعود للكاتب في ضوء الحديث عن صدور طبعة جديدة من الراوية عن دار بنغوين التي اصدرت الطبعة الاولى في انكلترا بعد منعها. فالكاتب الذي توفي في عام 1930 وترك اثره على الحياة الادبية البريطانية لم يسمح بتداول كتابه في بريطانيا نظرا لان كتاباته كان ينظر اليها بالفضائحية والاباحية نظرا لاحتوائها على مشاهد جنسية لم يكن الرقيب الانكليزي مستعدا في حينه لتقبلها.
تولستوي الادب الانكليزي
وجاءت سمعة وشهرة لورنس الذي اعتبرته صحيفة 'الغارديان' عندما توفي بانه تولستوي الادب الانكليزي متأخرة، فقد اشتهرت رواياته مثل 'ابناء وعشاق'، و 'قوس قزح' و' نساء عاشقات' بعد وفاته. ولكن مع بداية محاكمة روايته 'عشيق الليدي تشاترلي' عام 1960 بدأ قراءه يتراجعون لعدد من الاسباب منها موقف الحركة النسوية البريطانية منه وطريقة تعامله مع موضوع الجنس والمرأة ، وتراجع بريطانيا كدولة صناعية التي كتب رواياته في ظلالها لم يعد مقروءا بشكل كبير بل توقف الاهتمام به على حد تعبير 'الغارديان' الاسبوع الماضي. ومن هنا جاءت ميزانية حكومة الائتلاف لتعيد الاهتمام به من جديد نظرا لتأثر بيته في ايست وود بخفض الميزانية التي قد تؤدي الى اغلاقه. وعلقت الصحيفة 'الغارديان' على دعوات عدم اغلاق متحفه انه في الايام الصعبة والتي يصبح فيها من الصعب على المجلس المحلي تحمل نفقات من 600 الف جنيه سنويا فان الامر يستدعي من الكتاب والاسماء الكبيرة لعدم الاكتفاء فقط بالحديث عن فعل من اجل الابقاء على البيت مفتوحا للزوار.
خمسون عاما
ومهما يكن الامر فدي اتش لورنس يظل معروفا او معرفا بروايته 'عشيق الليدي تشاترلي' التي اصدرت منها بنغوين طبعة خاصة لتعليم ذكرى محاكمتها التي مضى عليها خمسون عاما: فالرواية هذه كانت اول عمل ادبي يثير الاهتمام عندما قدمت للمحاكمة بعد ان قررت دار بنغوين اصدارها في لندن. وتعد المحاكمة علامة فارقة في تاريخ الادب الانكليزي والمحاكم الانكليزية في علاقتها مع الاعمال الادبية اذ انها انهت احتكار القضاة للسلوك العام وباعتبارهم حماة الفضيلة والواقفين في وجه الرذيلة وفتحت الباب واسعا امام تطورات لاحقة تتعلق بحرية التعبير وتراجع الرقيب والحرية الجنسية. ومن هنا يرى نقاد ان دار بنغوين من حقها الاحتفاء بانتصارها القانوني عندما استطاعت اصدار الرواية الممنوعة منذ عام 1928. وقامت فلسفة دار بنغوين منذ نشأتها على توفير الكتاب بطبعات شعبية وبأسعار مخفضة اقل من سعر علبة سجائر لتشجيع القراءة بين المواطنين وطبعت من الرواية لهذه المناسبة 200 الف نسخة. وقصة الرواية معروفة فهي عن علاقة محرمة بين سيدة تعاني من الحرمان نظرا لان زوجها معاق بسبب اصابته اثناء الحرب وخادم البيت. وقد صدرت الرواية في فرنسا ووزعت سرا في بريطانيا قبل محاكمتها عام 1960.
كيف غيرت المشهد الادبي محاكمة
وفي قراءة للاثر الاجتماعي والسياسي للرواية كتب المحامي البريطاني روبرت روبرتسون عن الطريقة التي غيرت فيها تلك المحاكمة الشهيرة الحياة او المشهد الادبي البريطاني. وقال المحامي ان محكمة اولد بيلي ظلت ولقرون المكان الذي تحدى فيه القضاة الدولة ولكن في كل المحاكمات السابقة سواء جنائية او سياسية لم تترك ايا منها الاثر او الاثار التي تركته محاكمة دار نشر بنغوين لنشرها الرواية اعلاه. فقد اعتبر الكاتب في مقاله الذي نشر بالملحق الادبي 'للغارديان' يوم السبت الحكم الذي صدر في القضية خطوة مهمة للحرية الادبية والتعبير وتراجعا لسلطة الرقيب على الكلمة المكتوبة على الاقل فيما يتعلق بأعمال ذات قيمة ادبية كما يقول. ويعتقد روبرتسون ان المحاكمة كانت اول معركة رمزية بين المعسكر ذي النزعة الانسانية والليبرالية الانكليزي وبين الحرس القديم الذي وصفه جورج اورويل بالجماعة التي 'تلبس البناطيل المخططة وتحكم'. فالمعركة لم تكن في بريطانيا في ذلك الوقت عن حرية الكتابة فقط بل عن قضايا الرقابة على المسرح والسينما، والشذوذ والاجهاض وحقوق الانسان والغاء حكم الاعدام. ومن هنا كان الحكم الصادر في صالح 'الليدي تشاترلي' انتصارا مهما لامكانية تحقيق انجازات في كل هذه القضايا، فقد تحقق النصر من خلال جهود المحامي الذي تولي الدفاع عن الرواية جيرالد غاردنر. فنتيجة القضية انها قلبت معايير وطرق التعامل القضائي مع الكتب والاعمال التي ظلت حتى عام 1959 عرضة للاتهام واصحابها عرضة للسجن لمجرد احتوائها على صفحات توصف بالعرف القانوني 'صفحات زهرية' و 'ميلا لإفساد عقول الاشخاص القابلة للتأثر فيها.'
قصص قمع ومصادرة
ومن هنا فالمعايير الادبية التي تعامل معها الرقيب والقانون قامت بناء على الاخذ بعين الاعتبار مستوى الطالب في سن الرابعة عشرة من عمره وليس من هم في سن النضج. وهذا الاعتبار قام على افتراض ان الطلاب في هذه السن سيقرأون الرواية. فالقيمة الادبية للعمل لم تكن لتشفع للكاتب. ويشير الكاتب إلى ان عملا روائيا للكاتب رادكليف هول تم تدميره عام 1928 لان القاضي اعتقد ان سطرا في الرواية فيه تلميحات جنسية وهو الذي يقول 'وفي تلك الليلة لم تفترقا' مما اعطى صورة للقاضي ان بطلتي الرواية كانتا طوال الليل في حالة من العشق الشاذ. وبدا القاضي حريصا على خيال القراء عندما قال ان هذا السطر سيشعل التفكير في الشخصيتين النجستين وسيمجد الميول المرعبة للسحاق'. وفي تلك المحاكمة التي حضرها كاتب الامبراطورية رديارد كيبلنغ بناء على طلب النيابة في حالة حاجة الاخير الى شهادة خبير ادبي ولدعم فكرته من اجل 'الحفاظ على طهورية الامبراطورية'. ومن هنا كانت الرقابة على الاعمال الادبية التي تحتوي على اشارات جنسية معروفة ومنتشرة في انكلترا ثلاثينيات القرن الماضي واستمر الوضع حتى منتصف القرن الماضي، ولهذا فمن كان من الانكليز راغبا في قراءة اعمال هنري ميللر، لورنس داريل وسيرل كونولي وغيرهم كان عليه الرحيل الى باريس اي من كانت لديه القدرات للسفر إلى هناك وشرائها. وكانت الحياة الادبية محافظة في نظرتها فقد اصدر البرلمان عام 1959 وبدعم من جمعية المؤلفين قانونا حول النشريات الاباحية. ووعد القانون بالعمل على تقديم الحماية للادب وتقوية القوانين المتعلقة بالبورنوغرافيا. ويضيف روبرتسون ان النائب العام ريغنالد ماننغهام بوللر قرأ الفصول الاربعة الاولى من الرواية وهو على متن قارب في طريقه الى ساوثمبتون في آب (اغسطس) 1960 وكتب لمدير النيابة العامة موافقا على تقديم دار بنغوين للنشر للمحاكمة لنشرها الرواية وكتب قائلا 'آمل ان تنجح بإدانة' الدار الناشرة. ويبدو ان سبب حماس النائب العام للمحاكمة كان نابعا من قرار بنغوين لاصدار طبعة من الرواية تجعلها متاحة للقراء من النساء والطبقة العاملة.
لماذا الراوية ولورنس؟
ويرى الكاتب هنا ان اختيار الرواية هذه بالتحديد كان مقصودا لانه كان عبارة عن امتحان ناسب القوى المعادية للثقافة في المؤسسة القضائية وهزيمة الرواية تعني هزيمة للقوى الليبرالية، اضافة الى ان دي اتش لورنس ظل يكتب خارج المؤسسة ويمثل رمزا تعرضت كتاباته للمصادرة والقمع ففي عام 1915 قامت قوات الشرطة بمصادرة كل نسخ كتابه 'قوس قزح' وتم احراقها لموقفها المعادي للحرب ولنزعتها الجنسية كذلك. وفي عام 1928 وجهت الشرطة تهديدا للناشر مارتن سيكر بالمحاكمة لو لم يقم بحذف 13 صفحة من مجموعة شعرية للورنس وهو الامر الذي استجاب له الناشر على الاقل في النسخ الموزعة محليا لكن تلك التي لم يحذف منها الصفحات المعنية قام بارسالها للخارج. وفي عام 1929 قامت الشرطة بمداهمة معرض رسوم للورنس بلندن وصادرت كل لوحة رأى فيها الرقيب انها تظهر شعر عانة لامرأة. وبالنسبة لرواية لورنس 'عشيق الليدي تشاترلي' فقد اقامت الشرطة مركزا خاصا من اجل الاحتفاظ بكل النسخ المصادرة منها والقادمة مع المسافرين من ايطاليا وفرنسا وهما المكانان اللذان نشرت فيهما الرواية. وعليه يفهم اختيار الرواية للمحاكمة لان صورة لورنس في المخيلة البريطانية مرتبطة بالوساخة والطابور الخامس والعدو للاخلاق والعدو الخطير، ربما اخطر من دي ساد او ناباكوف. ويصف روبرتسون الطريقة التي تعاملت فيها المحكمة مع الراوية بالغطرسة لانها تجاهلت قرارا صدر عن محكمة في نيويورك عام 1959 التي الغت قرارا بحظر الرواية لان القاضي قال انها اي رواية 'عشيق الليدي تشاترلي' كتبت بقوة ولطف مثير مما يعني ان استخدامها للكلمة الممنوعة والمكونة من اربعة حروف تبدأ بحرف 'فاء' مبرر.
احصاء لكل الكلمات الاباحية
ولأن القوة التي تقف وراء منع الرواية تمثل الرجعية البريطانية في حينها والحريصة على ابقاء المرأة مطيعة ومذعنة وترى في تصرف الليدي تشاترلي خروجا على الاخلاق فان النيابة قامت في مفتتح الجلسة الاولى بمحاولة التأثير على هيئة المحلفين المؤلفة من اصحاب المصالح من ملاك العقارات وغيرهم من ابناء الطبقة المتوسطة، بتعداد واحصاء عدد الكلمات الاباحية التي وردت في الرواية فالكلمة الممنوعة 'فاء' تظهر اكثر من 30 مرة وفرج '14' مرة و خصيتان تظهر '13 'مرة، و قفا ـ خلفية '6'مرات وقضيب '4' مرات الى غير ذلك من الكلمات المضادة للاخلاق. ويعتقد روبرتسون ان ما فشلت النيابة او الادعاء بفهمه هو ان قانون 1959 وان ركز على فكرة حماية الاخلاق الا ان القانون لم يكتب لحماية قراء في عمر ابناء المدارس الا في حالة كتابة الروايات والاعمال خصيصا لهم. كما ان القانون ينص في بنده الرابع في حالة اثبات ان الكاتب صادم للحس ومعاد للاخلاق لكن هناك امكانية لتبرئة كاتبه وعدم منعه حالة اثبات ان الكتاب ونشره يصب في صالح خدمة الادب والعلوم. ومن هنا حاول دفاع بنغوين تجنيد كل من يكمنه الدفاع عن الكتاب من ادباء وباحثين وعلماء نفس بل ورجال دين.
الادعاء حاول تجنيد كيبلينغ فوجده ميتا
ومع ان الكتاب برئ الا ان النائب العام تظاهر بان الادعاء لا يريد النزول الى درجة الدفاع وتجنيد عدد من الكتاب والادباء. لكن الحقيقة تقول ان الادعاء حاول جاهدا الحصول على دعم اي شخص مؤثر من اجل دعم المنع وتقديم شهادة تؤيد موقعه، وظهر ان الادعاء حاول الحصول مرة اخرى على دعم كيبلينغ ليكتشف ان الاخير مات عام 1936 فيما رفض تي اس اليوت طلب الادعاء وكذا اف ار ليفيس وهلين غاردنر الباحثة في الادب الانكليزي في اوكسفورد التي اخبرت المحلفين لاحقا ان العمل هو نتاج كاتب عبقري. وتظهر تفاصيل محاكمة الكتاب وطريقة مساءلة الشهود جهلا واضحا بطبيعة عمل وانجاز من تحلقوا للدفاع عنه. وأهم من هذا هو ان الدفاع تبنى اسلوبا مهما من اجل الدفاع عن الكتاب حيث رفض من اليوم الاول طلب القاضي لتغييرطبيعة المحلفين من ناحية الاعتراض على تشكيلته المكونة من رجال فقط واضافة امرأة لخوفهم من انعكاسات وجود امرأة على طريقة تعامل المحلفين الرجال معها وكذا النيابة العامة. ويظهر كتاب سي اتش رولف 'محاكمة الليدي تشاترلي' الدفاع القوي الذي قام به غاردنر والذي يعتبر من اقوى الاساليب قوة حيث تجنب استخدام اللغة المعروفة في اولد بيلي وتعامل مع المحلفين باحترام وخاطبهم مباشرة، مشيرا الى انهم اي المحلفين هم المسؤولون في النهاية وليس القضاة عن القرار النهائي. تكشف المحاكمة فيما تكشف عن وجوه الدور الذي كان القضاة يظنون انهم يضطلعون به في المجتمع، فهم كانوا يعتقدون انهم حراس الاخلاق واثناء ممارستهم هذا الدور فقد عملوا على ابهام الخطوط الفاصلة بين ما يقوله الادب والحياة الحقيقية.
خلط بين الرواية والحياة
ويشير روبرتسون الى هذا من خلال المرافعة التي قام بها لورد هيلشام امام البرلمان من اجل مناقشة الحكم حيث قال 'قبل ان اقبل العلاقة بين الليدي تشاترلي وميلورز، كعلاقة مقبولة ومهمة ومبررة اريد ان اعرف اي نوع من الاباء سيكونان، واريد ان اعرف اي بيت يقترحان اقامته معا، واريد ان افهم كيف سيعيل ميلورز بيتا وهو يعيش على كرم كوني الذي يعطيه 600 جنيه، واريد ان اعرف ان كانت الليدي وعشيقها قد قاما ببناء علاقات مع اصدقاء وان لم يكن كذلك فكيف ستنمو وتستمر علاقتهما في ظل عزلة اجتماعية'، مما يعني ان الادب الذي يفهمه الادعاء، كما يقول روبرتسون هو ذلك الذي تحدث عنه اوسكار وايلد 'الرواية تعني.. الخير ينتهي بسعادة والسيىء ينتهي نهاية غير سعيدة. '
الادب لا يضر
وتظل براءة الليدي تشاترلي هي انتصار للاخلاقية النسبية والتسامح الجنسي والحرية الادبية. فبعد براءة الكتاب باعت بنغوين اكثر من 3 ملايين نسخة، مما يعني ان اي محاولة لمنع كتاب من خلال القوانين القائمة لا تعني الا الترويج له. وستشهد العقود اللاحقة للمحاكمة تطورات في العلاقة مع الرقابة على المسرح والسينما، والغيت القوانين المتعلقة بالشذوذ وكذا القوانين المتعلقة بالمرأة. ويختم الكاتب مقاله قائلا ان الرسالة التي تؤخذ من محاكمة 'الليدي تشاترلي' بعد خمسين عاما من تلك المحاكمة هو ان الادب لا يضرـ بل ما يضرّ هو افعال من يريدون قمع الكتاب والفيلم والمسرحية.
** منشور في صحيفة "القدس العربي" في 24 أكتوبر/ تشرين أول 2010
في ظل الحديث عن خفض النفقات لمواجهة العجز في الميزانية الحكومية البريطانية جرى الحديث عن بيت الكاتب البريطاني المشهور دي اتش لورنس (1885- 1930) المعروف بدربان هاوس ومتحفه في ايست وود نوتينغهام شاير، وامكانية تأثر البيت بالنفقات، والحملة التي يقوم بها عدد من الروائيين من أمثال سلمان رشدي ومارتن ايميس لمنع اغلاق المتحف ـ البيت الذي يقاضي فقط جنيهين ونصف جنيه على الدخول لمشاهدة تاريخ هذا الكاتب المثير في تاريخ الادب البريطاني وصاحب اشهر رواية شهدت محاكمة عام 1960 'عشيق الليدي تشاترلي'.
وجاء الحديث عن مشاكل تمويل المتحف الذي يحتوي مقتنيات تعود للكاتب في ضوء الحديث عن صدور طبعة جديدة من الراوية عن دار بنغوين التي اصدرت الطبعة الاولى في انكلترا بعد منعها. فالكاتب الذي توفي في عام 1930 وترك اثره على الحياة الادبية البريطانية لم يسمح بتداول كتابه في بريطانيا نظرا لان كتاباته كان ينظر اليها بالفضائحية والاباحية نظرا لاحتوائها على مشاهد جنسية لم يكن الرقيب الانكليزي مستعدا في حينه لتقبلها.
تولستوي الادب الانكليزي
وجاءت سمعة وشهرة لورنس الذي اعتبرته صحيفة 'الغارديان' عندما توفي بانه تولستوي الادب الانكليزي متأخرة، فقد اشتهرت رواياته مثل 'ابناء وعشاق'، و 'قوس قزح' و' نساء عاشقات' بعد وفاته. ولكن مع بداية محاكمة روايته 'عشيق الليدي تشاترلي' عام 1960 بدأ قراءه يتراجعون لعدد من الاسباب منها موقف الحركة النسوية البريطانية منه وطريقة تعامله مع موضوع الجنس والمرأة ، وتراجع بريطانيا كدولة صناعية التي كتب رواياته في ظلالها لم يعد مقروءا بشكل كبير بل توقف الاهتمام به على حد تعبير 'الغارديان' الاسبوع الماضي. ومن هنا جاءت ميزانية حكومة الائتلاف لتعيد الاهتمام به من جديد نظرا لتأثر بيته في ايست وود بخفض الميزانية التي قد تؤدي الى اغلاقه. وعلقت الصحيفة 'الغارديان' على دعوات عدم اغلاق متحفه انه في الايام الصعبة والتي يصبح فيها من الصعب على المجلس المحلي تحمل نفقات من 600 الف جنيه سنويا فان الامر يستدعي من الكتاب والاسماء الكبيرة لعدم الاكتفاء فقط بالحديث عن فعل من اجل الابقاء على البيت مفتوحا للزوار.
خمسون عاما
ومهما يكن الامر فدي اتش لورنس يظل معروفا او معرفا بروايته 'عشيق الليدي تشاترلي' التي اصدرت منها بنغوين طبعة خاصة لتعليم ذكرى محاكمتها التي مضى عليها خمسون عاما: فالرواية هذه كانت اول عمل ادبي يثير الاهتمام عندما قدمت للمحاكمة بعد ان قررت دار بنغوين اصدارها في لندن. وتعد المحاكمة علامة فارقة في تاريخ الادب الانكليزي والمحاكم الانكليزية في علاقتها مع الاعمال الادبية اذ انها انهت احتكار القضاة للسلوك العام وباعتبارهم حماة الفضيلة والواقفين في وجه الرذيلة وفتحت الباب واسعا امام تطورات لاحقة تتعلق بحرية التعبير وتراجع الرقيب والحرية الجنسية. ومن هنا يرى نقاد ان دار بنغوين من حقها الاحتفاء بانتصارها القانوني عندما استطاعت اصدار الرواية الممنوعة منذ عام 1928. وقامت فلسفة دار بنغوين منذ نشأتها على توفير الكتاب بطبعات شعبية وبأسعار مخفضة اقل من سعر علبة سجائر لتشجيع القراءة بين المواطنين وطبعت من الرواية لهذه المناسبة 200 الف نسخة. وقصة الرواية معروفة فهي عن علاقة محرمة بين سيدة تعاني من الحرمان نظرا لان زوجها معاق بسبب اصابته اثناء الحرب وخادم البيت. وقد صدرت الرواية في فرنسا ووزعت سرا في بريطانيا قبل محاكمتها عام 1960.
كيف غيرت المشهد الادبي محاكمة
وفي قراءة للاثر الاجتماعي والسياسي للرواية كتب المحامي البريطاني روبرت روبرتسون عن الطريقة التي غيرت فيها تلك المحاكمة الشهيرة الحياة او المشهد الادبي البريطاني. وقال المحامي ان محكمة اولد بيلي ظلت ولقرون المكان الذي تحدى فيه القضاة الدولة ولكن في كل المحاكمات السابقة سواء جنائية او سياسية لم تترك ايا منها الاثر او الاثار التي تركته محاكمة دار نشر بنغوين لنشرها الرواية اعلاه. فقد اعتبر الكاتب في مقاله الذي نشر بالملحق الادبي 'للغارديان' يوم السبت الحكم الذي صدر في القضية خطوة مهمة للحرية الادبية والتعبير وتراجعا لسلطة الرقيب على الكلمة المكتوبة على الاقل فيما يتعلق بأعمال ذات قيمة ادبية كما يقول. ويعتقد روبرتسون ان المحاكمة كانت اول معركة رمزية بين المعسكر ذي النزعة الانسانية والليبرالية الانكليزي وبين الحرس القديم الذي وصفه جورج اورويل بالجماعة التي 'تلبس البناطيل المخططة وتحكم'. فالمعركة لم تكن في بريطانيا في ذلك الوقت عن حرية الكتابة فقط بل عن قضايا الرقابة على المسرح والسينما، والشذوذ والاجهاض وحقوق الانسان والغاء حكم الاعدام. ومن هنا كان الحكم الصادر في صالح 'الليدي تشاترلي' انتصارا مهما لامكانية تحقيق انجازات في كل هذه القضايا، فقد تحقق النصر من خلال جهود المحامي الذي تولي الدفاع عن الرواية جيرالد غاردنر. فنتيجة القضية انها قلبت معايير وطرق التعامل القضائي مع الكتب والاعمال التي ظلت حتى عام 1959 عرضة للاتهام واصحابها عرضة للسجن لمجرد احتوائها على صفحات توصف بالعرف القانوني 'صفحات زهرية' و 'ميلا لإفساد عقول الاشخاص القابلة للتأثر فيها.'
قصص قمع ومصادرة
ومن هنا فالمعايير الادبية التي تعامل معها الرقيب والقانون قامت بناء على الاخذ بعين الاعتبار مستوى الطالب في سن الرابعة عشرة من عمره وليس من هم في سن النضج. وهذا الاعتبار قام على افتراض ان الطلاب في هذه السن سيقرأون الرواية. فالقيمة الادبية للعمل لم تكن لتشفع للكاتب. ويشير الكاتب إلى ان عملا روائيا للكاتب رادكليف هول تم تدميره عام 1928 لان القاضي اعتقد ان سطرا في الرواية فيه تلميحات جنسية وهو الذي يقول 'وفي تلك الليلة لم تفترقا' مما اعطى صورة للقاضي ان بطلتي الرواية كانتا طوال الليل في حالة من العشق الشاذ. وبدا القاضي حريصا على خيال القراء عندما قال ان هذا السطر سيشعل التفكير في الشخصيتين النجستين وسيمجد الميول المرعبة للسحاق'. وفي تلك المحاكمة التي حضرها كاتب الامبراطورية رديارد كيبلنغ بناء على طلب النيابة في حالة حاجة الاخير الى شهادة خبير ادبي ولدعم فكرته من اجل 'الحفاظ على طهورية الامبراطورية'. ومن هنا كانت الرقابة على الاعمال الادبية التي تحتوي على اشارات جنسية معروفة ومنتشرة في انكلترا ثلاثينيات القرن الماضي واستمر الوضع حتى منتصف القرن الماضي، ولهذا فمن كان من الانكليز راغبا في قراءة اعمال هنري ميللر، لورنس داريل وسيرل كونولي وغيرهم كان عليه الرحيل الى باريس اي من كانت لديه القدرات للسفر إلى هناك وشرائها. وكانت الحياة الادبية محافظة في نظرتها فقد اصدر البرلمان عام 1959 وبدعم من جمعية المؤلفين قانونا حول النشريات الاباحية. ووعد القانون بالعمل على تقديم الحماية للادب وتقوية القوانين المتعلقة بالبورنوغرافيا. ويضيف روبرتسون ان النائب العام ريغنالد ماننغهام بوللر قرأ الفصول الاربعة الاولى من الرواية وهو على متن قارب في طريقه الى ساوثمبتون في آب (اغسطس) 1960 وكتب لمدير النيابة العامة موافقا على تقديم دار بنغوين للنشر للمحاكمة لنشرها الرواية وكتب قائلا 'آمل ان تنجح بإدانة' الدار الناشرة. ويبدو ان سبب حماس النائب العام للمحاكمة كان نابعا من قرار بنغوين لاصدار طبعة من الرواية تجعلها متاحة للقراء من النساء والطبقة العاملة.
لماذا الراوية ولورنس؟
ويرى الكاتب هنا ان اختيار الرواية هذه بالتحديد كان مقصودا لانه كان عبارة عن امتحان ناسب القوى المعادية للثقافة في المؤسسة القضائية وهزيمة الرواية تعني هزيمة للقوى الليبرالية، اضافة الى ان دي اتش لورنس ظل يكتب خارج المؤسسة ويمثل رمزا تعرضت كتاباته للمصادرة والقمع ففي عام 1915 قامت قوات الشرطة بمصادرة كل نسخ كتابه 'قوس قزح' وتم احراقها لموقفها المعادي للحرب ولنزعتها الجنسية كذلك. وفي عام 1928 وجهت الشرطة تهديدا للناشر مارتن سيكر بالمحاكمة لو لم يقم بحذف 13 صفحة من مجموعة شعرية للورنس وهو الامر الذي استجاب له الناشر على الاقل في النسخ الموزعة محليا لكن تلك التي لم يحذف منها الصفحات المعنية قام بارسالها للخارج. وفي عام 1929 قامت الشرطة بمداهمة معرض رسوم للورنس بلندن وصادرت كل لوحة رأى فيها الرقيب انها تظهر شعر عانة لامرأة. وبالنسبة لرواية لورنس 'عشيق الليدي تشاترلي' فقد اقامت الشرطة مركزا خاصا من اجل الاحتفاظ بكل النسخ المصادرة منها والقادمة مع المسافرين من ايطاليا وفرنسا وهما المكانان اللذان نشرت فيهما الرواية. وعليه يفهم اختيار الرواية للمحاكمة لان صورة لورنس في المخيلة البريطانية مرتبطة بالوساخة والطابور الخامس والعدو للاخلاق والعدو الخطير، ربما اخطر من دي ساد او ناباكوف. ويصف روبرتسون الطريقة التي تعاملت فيها المحكمة مع الراوية بالغطرسة لانها تجاهلت قرارا صدر عن محكمة في نيويورك عام 1959 التي الغت قرارا بحظر الرواية لان القاضي قال انها اي رواية 'عشيق الليدي تشاترلي' كتبت بقوة ولطف مثير مما يعني ان استخدامها للكلمة الممنوعة والمكونة من اربعة حروف تبدأ بحرف 'فاء' مبرر.
احصاء لكل الكلمات الاباحية
ولأن القوة التي تقف وراء منع الرواية تمثل الرجعية البريطانية في حينها والحريصة على ابقاء المرأة مطيعة ومذعنة وترى في تصرف الليدي تشاترلي خروجا على الاخلاق فان النيابة قامت في مفتتح الجلسة الاولى بمحاولة التأثير على هيئة المحلفين المؤلفة من اصحاب المصالح من ملاك العقارات وغيرهم من ابناء الطبقة المتوسطة، بتعداد واحصاء عدد الكلمات الاباحية التي وردت في الرواية فالكلمة الممنوعة 'فاء' تظهر اكثر من 30 مرة وفرج '14' مرة و خصيتان تظهر '13 'مرة، و قفا ـ خلفية '6'مرات وقضيب '4' مرات الى غير ذلك من الكلمات المضادة للاخلاق. ويعتقد روبرتسون ان ما فشلت النيابة او الادعاء بفهمه هو ان قانون 1959 وان ركز على فكرة حماية الاخلاق الا ان القانون لم يكتب لحماية قراء في عمر ابناء المدارس الا في حالة كتابة الروايات والاعمال خصيصا لهم. كما ان القانون ينص في بنده الرابع في حالة اثبات ان الكاتب صادم للحس ومعاد للاخلاق لكن هناك امكانية لتبرئة كاتبه وعدم منعه حالة اثبات ان الكتاب ونشره يصب في صالح خدمة الادب والعلوم. ومن هنا حاول دفاع بنغوين تجنيد كل من يكمنه الدفاع عن الكتاب من ادباء وباحثين وعلماء نفس بل ورجال دين.
الادعاء حاول تجنيد كيبلينغ فوجده ميتا
ومع ان الكتاب برئ الا ان النائب العام تظاهر بان الادعاء لا يريد النزول الى درجة الدفاع وتجنيد عدد من الكتاب والادباء. لكن الحقيقة تقول ان الادعاء حاول جاهدا الحصول على دعم اي شخص مؤثر من اجل دعم المنع وتقديم شهادة تؤيد موقعه، وظهر ان الادعاء حاول الحصول مرة اخرى على دعم كيبلينغ ليكتشف ان الاخير مات عام 1936 فيما رفض تي اس اليوت طلب الادعاء وكذا اف ار ليفيس وهلين غاردنر الباحثة في الادب الانكليزي في اوكسفورد التي اخبرت المحلفين لاحقا ان العمل هو نتاج كاتب عبقري. وتظهر تفاصيل محاكمة الكتاب وطريقة مساءلة الشهود جهلا واضحا بطبيعة عمل وانجاز من تحلقوا للدفاع عنه. وأهم من هذا هو ان الدفاع تبنى اسلوبا مهما من اجل الدفاع عن الكتاب حيث رفض من اليوم الاول طلب القاضي لتغييرطبيعة المحلفين من ناحية الاعتراض على تشكيلته المكونة من رجال فقط واضافة امرأة لخوفهم من انعكاسات وجود امرأة على طريقة تعامل المحلفين الرجال معها وكذا النيابة العامة. ويظهر كتاب سي اتش رولف 'محاكمة الليدي تشاترلي' الدفاع القوي الذي قام به غاردنر والذي يعتبر من اقوى الاساليب قوة حيث تجنب استخدام اللغة المعروفة في اولد بيلي وتعامل مع المحلفين باحترام وخاطبهم مباشرة، مشيرا الى انهم اي المحلفين هم المسؤولون في النهاية وليس القضاة عن القرار النهائي. تكشف المحاكمة فيما تكشف عن وجوه الدور الذي كان القضاة يظنون انهم يضطلعون به في المجتمع، فهم كانوا يعتقدون انهم حراس الاخلاق واثناء ممارستهم هذا الدور فقد عملوا على ابهام الخطوط الفاصلة بين ما يقوله الادب والحياة الحقيقية.
خلط بين الرواية والحياة
ويشير روبرتسون الى هذا من خلال المرافعة التي قام بها لورد هيلشام امام البرلمان من اجل مناقشة الحكم حيث قال 'قبل ان اقبل العلاقة بين الليدي تشاترلي وميلورز، كعلاقة مقبولة ومهمة ومبررة اريد ان اعرف اي نوع من الاباء سيكونان، واريد ان اعرف اي بيت يقترحان اقامته معا، واريد ان افهم كيف سيعيل ميلورز بيتا وهو يعيش على كرم كوني الذي يعطيه 600 جنيه، واريد ان اعرف ان كانت الليدي وعشيقها قد قاما ببناء علاقات مع اصدقاء وان لم يكن كذلك فكيف ستنمو وتستمر علاقتهما في ظل عزلة اجتماعية'، مما يعني ان الادب الذي يفهمه الادعاء، كما يقول روبرتسون هو ذلك الذي تحدث عنه اوسكار وايلد 'الرواية تعني.. الخير ينتهي بسعادة والسيىء ينتهي نهاية غير سعيدة. '
الادب لا يضر
وتظل براءة الليدي تشاترلي هي انتصار للاخلاقية النسبية والتسامح الجنسي والحرية الادبية. فبعد براءة الكتاب باعت بنغوين اكثر من 3 ملايين نسخة، مما يعني ان اي محاولة لمنع كتاب من خلال القوانين القائمة لا تعني الا الترويج له. وستشهد العقود اللاحقة للمحاكمة تطورات في العلاقة مع الرقابة على المسرح والسينما، والغيت القوانين المتعلقة بالشذوذ وكذا القوانين المتعلقة بالمرأة. ويختم الكاتب مقاله قائلا ان الرسالة التي تؤخذ من محاكمة 'الليدي تشاترلي' بعد خمسين عاما من تلك المحاكمة هو ان الادب لا يضرـ بل ما يضرّ هو افعال من يريدون قمع الكتاب والفيلم والمسرحية.
** منشور في صحيفة "القدس العربي" في 24 أكتوبر/ تشرين أول 2010
التعديل الأخير: