- إنضم
- 24 مارس 2023
- المشاركات
- 682
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
رواية سارة سقطة العقاد الكبرى
الرواية الوحيدة التى كتبها العقاد فى شبابه والتى أتخيل أننى قرأتها فى بداية سن البلوغ وبدت لى كما أتخيل رواية فظة من التفلسف فى ذلك الزمن الذى لا أتذكره لأنى الآن أتخيل أن أناس ماتوا ومشيت فى جنازاتهم أو قدمت واجب العزاء فيهم ثم يتضح لى فيما بعد أنهم أحياء وأننى قد أصبت بالنسيان ودخلت مرحلة أرذل العمر
إن كان تخيلى صحيح فقد كان ذلك من مكتبة خالى الأستاذ على شعبان رحمه الله خال ابن خالى أنس( حسن ) هندى رحمه الله فقد كانوا يريدون بناء البيت وتم نقل مكتبة الرجل إلى دار خالى وقد كان فى عمان أو السعودية فى تلك الأيام فى اعارة أيام كانت هناك إعارات للمعلمين
رواية العقاد سارة حملتها من الشبكة العنكبوتية منذ يومين وقرأتها مرة أخرى فاتضح لى أن هذه الرواية هى سقطة العقاد الكبرى وربما لم يعد لتأليف الروايات فيما بعد ولكنه كرر طباعتها مرات قليلة مما يدل على انه اعتبرها عيب من عيوبه
محمود عباس العقاد واحد من أدباء العصر وهو واحد من أكثر ممن قرأت لهم كتب وهو صاحب أسلوب خاص فى الكتابة وربما يعتبر واحد من أنجح الكتاب المعاصرين فى كتابة الحجج على ما يقول وله أخطاء وكلنا لنا أخطائنا فيما نكتب وهى ناتجة فى الغالب من تصديقنا لروايات التاريخ المزور
لماذا أقول إنها السقطة الكبرى له ؟
إن الرواية تدور حول زان وزانية يكرران زناهما مرارا وتكرارا كما يكرران خصامها وابتعادهما عن بعضهما البعض مرارا وتكرارا
بالطبع الرواية لا تقول الحقيقة العارية التى قلتها فى السطرين السابقين بل هى تتحدث عن حبيبين أو قل عاشقين يتنافران ويتجاذبان طوال الرواية وفى النهاية يقرر الزانى وهو العاشق ليس التوبة من الزنى ولكن التوقف عن مقابلة الزانية نهائيا لأنه اكتشف أنها تخونه مع غيره عن طريق المراقبة من قبل صديقه أمين الذى كلفه بمراقبتها مع انها اعترفت له من قبل أنها كانت تزنى مع غيره وأنها فى أثناء فترة من فترات افتراقهما مارست الزنى النسائى امرأة مع امرأة وأنها عاشرت رجالا ولكنه كان يسامحها نظرا لاعترافاتها له
السقطة الكبرى أن العقاد يتكلم عن الحب والعشق والنفور بين الاثنين متناسيا تماما أن المرأة متزوجة ويصف العلاقة وهو يستخدم كلمة العلاقة بدلا من الزنى بالحب والعشق وغير هذا متجاهلا تماما أن المرأة خائنة لله وخائنة لزوجها
تناسى العاشقان كما تناسى المؤلف وصف العلاقة بالزنى والخيانة الزوجية لأنه يذكر فى عدة مواضع زواجها منها :
" قصت عليه مرة قصة صديق لزوجها أرسله إليها وسطاء الخير ليسفر فى الصلح بينها وبينه قالت فهل تدرى ما صنع إنه جاء يغازلنى وينفخ فى جمرة الغضب بينى وبين زوجى ثم قالت ما أكذب الصداقة فى هذه الدنيا "ص95
وكل ما صنعه العقاد فى الرواية هو :
وصف المرأة بأنها امرأة وثنية فى الحب وهى ليست الوثنية المحرمة فى رأيه لأنها كانت قبل تكليف الإنسان كما زعم فى مواضع فى الرواية
ويبدو أن العقاد فى تلك الفترة كان واقعا تحت تأثير الداروينية التاريخية والفلسفة العدمية وكعادته حاول التفلسف فى مواضع عدة من الرواية
بالطبع هناك وجهة نظر نقدية تقول :
أن الرواية كتبت نتيجة فشل العقاد فى حبه لمى زيادة وهى امرأة كانت تكتب القصص والمقالات وتفتح أبواب بيتها للعقاد وأمثاله من المثقفين وكلهم طمع فى زواجها رغم اختلاف الديانات ورغم كون الأكثرية من أولئك المثقفين توصف بكونها إسلامية الكتابة كالرافعى والعقاد وهو ما نفاه العقاد فى مقدمة الرواية فى احدى الطبعات المتاخرة ردا على من قال أنها صليبية أو نصرانية او ملحدة
المرأة هى الأخرى تنازعتها العواطف بين الكل ولكنها آثرت حب جبران خليل جبران ومع هذا انتهى بها المطاف إلى المصحات النفسية نتيجة هذا التنازع والحب الفاشل بين الكل والذى يذكرنا بقصيدة الأعشى :
عُلَّقتُها عَرَضاً وَعُلَّقَت رَجُلاً
غَيري وَعُلَّقَ أُخرى غَيرَها الرَجُلُ
وَعَلَّقَتهُ فَتاةٌ ما يُحاوِلُها
مِن أَهلِها مَيِّتٌ يَهذي بِها وَهِلُ
وَعُلِّقَتني أُخَيرى ما تُلائِمُني
فَاِجتَمَعَ الحُبَّ حُبّاً كُلُّهُ تَبِلُ
فَكُلُّنا مُغرَمٌ يَهذي بِصاحِبِهِ
ناءٍ وَدانٍ وَمَحبولٌ وَمُحتَبِلُ
فى المقدمة اعتبر العقاد القصة تجربة نفسية حيث قال "نويت ان أكتب سارة لأنها تجربة نفسية يجب أن تكتب فى يوم من الأيام "ص3
بالطبع العقاد فى حكايته لا يصف الزنى والخيانة بما هو عادة عند أى مسلم ينفر منه ويبتعد عنه وإنما هو يزينه من خلال استخدام ألفاظ تذكرنا بتسمية الخمر مشروبا روحيا مثل :
الحياة الغرامية فى قوله :
" وموعد اللقاء كانت محور حياتهما الغرامية وهل كانت لهما من حياة وفى ذلك الحين غير الحياة الغرامية "ص11
وهو يصف الزانية العاهرة بأنها سيدة من طراز خاص حيث قال :
"ولكنها ليست سيدة كسائر السيدات ولا زائرة كسائر زائرات المجالس العامة اللواتى تقع بيننا وبينهن هذه التكاليف إن هذه القيود لا حساب لها فى العلاقات التى انطلقت من جميع القيود "ص22
وهو وصف يجعل الفاسدات مكان المصلحات
ونجد العقاد يعترف اعترافا ضمنيا بأنه زنى كبقية كل رجال العالم فلا يوجد أحد من الرجال إلا وقد مارس الخطيئة مع خاطئة وهو قوله :
" وأمامك الناس جميعا فأسألهم واحدا واحدا كم مرة يهتم هذه وكم مرة سمعتم هؤلاء وأنا الضمين لك ان فى تاريخ كل إنسان مرة واحدة على الأقل يقع فيها لهذه الفتنة ولم يسمع معها لحكمة الحكماء ولا لشىء من الأشياء "ص53
وهنا اعتراف صريح يذكرنا بقولة تنسب لنابليون عن ان كل رجل يعرف أمه بينما لا يعرف اباه لأن كل النساء خائنات
وهذا الاعتراف منه تكذيب لنفى الله زنى يوسف(ص) بقوله "كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء"وتكذيب لنفى الله زنى مريم بقوله " وطهرك "والأنبياء(ص) ومعهم كثرة المسلمين لم يرتكبوا تلك الجريمة فى حياتهم صحيح أنه ورد فى مخيلة الكل ولكنه لم يتحقق فى الواقع إلا مع قلة قليلة تابت منه من المسلمين
ونجد العقاد يميع الزنى وهو ما سماه الحب والعشق ويجعله خارج كل الأحكام والشرائع فى قوله :
" هنا قضية لا تلمح فيها قاضيا حتى تراه جانيا وتراه فريسة وتراه مقضيا عليه فلا حكم ولا براهين ولا شريعة بل حادث من حوادث القدر ينقض كما تنقض الصاعقة أو يشتعل كما تشتعل النار" ص78
وحاول فى موضع أخر التماس العذر للخائنة بأنها كالوثنية قبل مجىء الرسالات حيث قال :
" وعاشت بعد ذلك تنظر إلى خطايا الأديان نظرة المرأة الوثنية التى نشأت قبل أن ينشا الأنبياء فهى ليست كالمتدينة التى خامرها الشك فى دينها ولكنها كالمرأة التى لم تتدين قط ولا قبل لها بالتدين عن نزعة طبيعية فيها لا عن بحث ونقاش واطلاع "ص87
بالطبع يتناسى العقاد الدين متعمدا أن أدم (ص) أول البشر كان نبيا وكان لديه رسالة تحرم الزنى وربما كان فى تلك الفترة يعتنق النظرية الداروينية التاريخية التى تقوم على تطور البشر من البدائية المزعومة حيث التعرى وصيد الحيوانات والتقاط الثمار والعيش كالحيوانات فى الجماع ومعاشرة الكل ثم التطور للرعى ثم للزراعة ثم الصناعة وهى نظرية تعارض كون الإنسان الأول كان عالما كما قال سبحانه :
" وعلم آدم ألأسماء كلها "
كما تعارض وجود اللباس على البشر من أول البشرية كما قال سبحانه " قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوءاتكم وريشا"
ويحاول العقاد التماس الأعذار للزانية العاهرة بكل السبل الممكنة معلنا حيرة طبيب الأخلاق وطبيب الأبدان فى سارة فلا يقدر على إدانتها لأنها تركيبة مختلفة كما يزعم فى الفقرة التالية:
" ويحار طبيب الأخلاق كما يحار طبيب الأبدان فى ايواء هذا المزاج إلى مأواه من الصحة والداء لإمن كانت كذلك فى نزعاتها وخلجاتها أتكون فى راى الطب امرأة سليمة مستقيمة على سواء الطبيعة إن الإغراق يستلزم الزيغ والاختلاف فى التركيب ولكن أى اختلال عسى ان يكون فى تركيب الجسم الذى يندمل جرحه بعد يوم ويقضى النهار والليل فى صبارة الشتاء بلباس الصيف لا يدرى ما الزكام كل اختلال يجاوز هذه المناعة هو اختلال عجيب الجوار عميق القرار "ص97
وهو طوال الحكاية يلتمس لها عذرا فهو لا يصف زناها وخيانتها بالخيانة وإنما بالجموح وهو يرجع غوايتها ليس إليها ولكن إلى زواجها من رجل لا يوافقها حيث قال :
" أكبر الظن أن الفتاة على ما بها من جموح وشطط كانت وشيكة أن تستقيم وتتزن لو رزقت زوجا يوائم شوقها إلى الرجولة ويغلق عليها منافذ الغواية ولكنها خابت فى الزواج فشقيت ولجت بها الشقاوة حين كفرت بصداقة الصديقات ومؤاساة الشقيقات فعاشت فى عالم قد أقفر من جنس حواء إلا أن تكون منافسة مريبة أو عاذلة رقيبة ولم يبق فيه إلا رجال "ص97
بالطبع المرأة مثل سارة يمكن لها أن تتطلق أو تفتدى نفسها أى تخلع نفسها لكى تكون مستقيمة ولكن لأنها كافرة فهى تصر على الزنى مع كل من هب ودب حتى أنها زنت مع النساء فيما حكاه العقاد
وحاول العقاد المرة تلو الأخرى التماس العذر لها فها هو يجعل أصحاب الوجوه المتنوعة صادقين بينما ذو الوجهين فقط هو الكاذب حيث يقول :
"ذو الوجهين فى كل وجه من وجهيه كذب وطلاء وذوه الوجوه المنوعة السمات المعددة الملامح المفرقة المعانى رواية صادق الخبر يرينا كل يوم بينة جديدة على صدقه ولونا جديدا من تمامه ونقصه ونفسا جديدة فى تعبير جديد "ص98
وتلك المقدمة كانت لإعلان العاهرة الخائنة صديقة حيث قال :
" وسارة كانت من ذوات الملامح والوجوه اللواتى لا يطالعنك بمنظر واحد فى محضرين متواليين تراها مرة فأنت مع طفلة لاهية .. وقد تراها فى يومها فأنت مع عجوز ماكرة ...ص100
ويستمر العقاد فى التماس الأعذار ويصفها بالذكاء الوقاد وليس بالغباء لأنها تعصى الله كما يعود إلى اتهام الزوج بدلا من اتهامها حيث قال :
"بيد أنه ادرك مما سمع أنها طفلة فقدت رحمة الأمومة ونمت وهى لا تعرف إلا جماح الحيوية العارمة التى لا تمسكها هداية أم ولا تقوى على حبسها التقاليد الضعاف مع ذلك الذكاء الوقاد الذى لا تخفى عليه خافية الموانع والمحظورات وأنها لو سيقت إلى زوج يملأ عينيها ويحقق معنى الرجولة فى رأيها لاستقرت بعض الاستقرار وقنعت بعض القنوع ولكنها أخطأ حظها فى الزواج وبرمت بفراغ قلبها فلم تعذر الدنيا والتمست لقلبها وحده جميع الأعذار "ص117
ويستمر العقاد فى التماس العذر للعاهرة حيث يعقد مقارنة بينها وبين حبيبة همام الأولى هند المتمسكة بأحكام دينها والتى يصفها بالقيود بدلا من وصفها بالعدل والحق حيث قال :
"فإذا كانت سارة قد خلقت وثنية فى ساحة الطبيعة فهند خلقت راهبة فى دير من غير حاجة إلى الدير تلك مشغولة بأن تحطم من القيود أكثر ما استطاعت وهذ مشغولة بأن تصوغ حولها أكثر ما استطاعت من قيود ثم توشيها بطلاء الذهب وترصعها بفرائد الذهب "ص142
وفى سبيل تبرئة العاهرة يحاول تناسى الأعراف والاصطلاحات حيث قال :
" ولو نسينا العرف والاصطلاح لحار الإنسان أيهما أقوم فى السجايا والأخلاق ولكن الذى لا ريب فيه ولا حيرة فيه أن سارة ارجح وأصلح قبل أن ينزل التكليف على أبناء آدم وحواء وأن هندا أرجح وأصلح حيثما نزل تكليف أى تكليف "ص143
ونجد الرجل يصر على ما قلناه مسبقا من التاريخية التطورية قبل التكليف وبعد التكليف فلا يوجد شىء اسمه قبل التكليف فالإنسان الأول هو وزوجه كانا فى الجنة مكلفين بالأكل من كل الأشجار إلا شجرة واحدة حرمت عليهما ومن ثم لا يوجد ناس قبل التكليف لأن الإنسان مكلف من بدايته وهو ما يحاول العقاد نفيه هنا وفى موضع سبق ذكره
الرواية الوحيدة التى كتبها العقاد فى شبابه والتى أتخيل أننى قرأتها فى بداية سن البلوغ وبدت لى كما أتخيل رواية فظة من التفلسف فى ذلك الزمن الذى لا أتذكره لأنى الآن أتخيل أن أناس ماتوا ومشيت فى جنازاتهم أو قدمت واجب العزاء فيهم ثم يتضح لى فيما بعد أنهم أحياء وأننى قد أصبت بالنسيان ودخلت مرحلة أرذل العمر
إن كان تخيلى صحيح فقد كان ذلك من مكتبة خالى الأستاذ على شعبان رحمه الله خال ابن خالى أنس( حسن ) هندى رحمه الله فقد كانوا يريدون بناء البيت وتم نقل مكتبة الرجل إلى دار خالى وقد كان فى عمان أو السعودية فى تلك الأيام فى اعارة أيام كانت هناك إعارات للمعلمين
رواية العقاد سارة حملتها من الشبكة العنكبوتية منذ يومين وقرأتها مرة أخرى فاتضح لى أن هذه الرواية هى سقطة العقاد الكبرى وربما لم يعد لتأليف الروايات فيما بعد ولكنه كرر طباعتها مرات قليلة مما يدل على انه اعتبرها عيب من عيوبه
محمود عباس العقاد واحد من أدباء العصر وهو واحد من أكثر ممن قرأت لهم كتب وهو صاحب أسلوب خاص فى الكتابة وربما يعتبر واحد من أنجح الكتاب المعاصرين فى كتابة الحجج على ما يقول وله أخطاء وكلنا لنا أخطائنا فيما نكتب وهى ناتجة فى الغالب من تصديقنا لروايات التاريخ المزور
لماذا أقول إنها السقطة الكبرى له ؟
إن الرواية تدور حول زان وزانية يكرران زناهما مرارا وتكرارا كما يكرران خصامها وابتعادهما عن بعضهما البعض مرارا وتكرارا
بالطبع الرواية لا تقول الحقيقة العارية التى قلتها فى السطرين السابقين بل هى تتحدث عن حبيبين أو قل عاشقين يتنافران ويتجاذبان طوال الرواية وفى النهاية يقرر الزانى وهو العاشق ليس التوبة من الزنى ولكن التوقف عن مقابلة الزانية نهائيا لأنه اكتشف أنها تخونه مع غيره عن طريق المراقبة من قبل صديقه أمين الذى كلفه بمراقبتها مع انها اعترفت له من قبل أنها كانت تزنى مع غيره وأنها فى أثناء فترة من فترات افتراقهما مارست الزنى النسائى امرأة مع امرأة وأنها عاشرت رجالا ولكنه كان يسامحها نظرا لاعترافاتها له
السقطة الكبرى أن العقاد يتكلم عن الحب والعشق والنفور بين الاثنين متناسيا تماما أن المرأة متزوجة ويصف العلاقة وهو يستخدم كلمة العلاقة بدلا من الزنى بالحب والعشق وغير هذا متجاهلا تماما أن المرأة خائنة لله وخائنة لزوجها
تناسى العاشقان كما تناسى المؤلف وصف العلاقة بالزنى والخيانة الزوجية لأنه يذكر فى عدة مواضع زواجها منها :
" قصت عليه مرة قصة صديق لزوجها أرسله إليها وسطاء الخير ليسفر فى الصلح بينها وبينه قالت فهل تدرى ما صنع إنه جاء يغازلنى وينفخ فى جمرة الغضب بينى وبين زوجى ثم قالت ما أكذب الصداقة فى هذه الدنيا "ص95
وكل ما صنعه العقاد فى الرواية هو :
وصف المرأة بأنها امرأة وثنية فى الحب وهى ليست الوثنية المحرمة فى رأيه لأنها كانت قبل تكليف الإنسان كما زعم فى مواضع فى الرواية
ويبدو أن العقاد فى تلك الفترة كان واقعا تحت تأثير الداروينية التاريخية والفلسفة العدمية وكعادته حاول التفلسف فى مواضع عدة من الرواية
بالطبع هناك وجهة نظر نقدية تقول :
أن الرواية كتبت نتيجة فشل العقاد فى حبه لمى زيادة وهى امرأة كانت تكتب القصص والمقالات وتفتح أبواب بيتها للعقاد وأمثاله من المثقفين وكلهم طمع فى زواجها رغم اختلاف الديانات ورغم كون الأكثرية من أولئك المثقفين توصف بكونها إسلامية الكتابة كالرافعى والعقاد وهو ما نفاه العقاد فى مقدمة الرواية فى احدى الطبعات المتاخرة ردا على من قال أنها صليبية أو نصرانية او ملحدة
المرأة هى الأخرى تنازعتها العواطف بين الكل ولكنها آثرت حب جبران خليل جبران ومع هذا انتهى بها المطاف إلى المصحات النفسية نتيجة هذا التنازع والحب الفاشل بين الكل والذى يذكرنا بقصيدة الأعشى :
عُلَّقتُها عَرَضاً وَعُلَّقَت رَجُلاً
غَيري وَعُلَّقَ أُخرى غَيرَها الرَجُلُ
وَعَلَّقَتهُ فَتاةٌ ما يُحاوِلُها
مِن أَهلِها مَيِّتٌ يَهذي بِها وَهِلُ
وَعُلِّقَتني أُخَيرى ما تُلائِمُني
فَاِجتَمَعَ الحُبَّ حُبّاً كُلُّهُ تَبِلُ
فَكُلُّنا مُغرَمٌ يَهذي بِصاحِبِهِ
ناءٍ وَدانٍ وَمَحبولٌ وَمُحتَبِلُ
فى المقدمة اعتبر العقاد القصة تجربة نفسية حيث قال "نويت ان أكتب سارة لأنها تجربة نفسية يجب أن تكتب فى يوم من الأيام "ص3
بالطبع العقاد فى حكايته لا يصف الزنى والخيانة بما هو عادة عند أى مسلم ينفر منه ويبتعد عنه وإنما هو يزينه من خلال استخدام ألفاظ تذكرنا بتسمية الخمر مشروبا روحيا مثل :
الحياة الغرامية فى قوله :
" وموعد اللقاء كانت محور حياتهما الغرامية وهل كانت لهما من حياة وفى ذلك الحين غير الحياة الغرامية "ص11
وهو يصف الزانية العاهرة بأنها سيدة من طراز خاص حيث قال :
"ولكنها ليست سيدة كسائر السيدات ولا زائرة كسائر زائرات المجالس العامة اللواتى تقع بيننا وبينهن هذه التكاليف إن هذه القيود لا حساب لها فى العلاقات التى انطلقت من جميع القيود "ص22
وهو وصف يجعل الفاسدات مكان المصلحات
ونجد العقاد يعترف اعترافا ضمنيا بأنه زنى كبقية كل رجال العالم فلا يوجد أحد من الرجال إلا وقد مارس الخطيئة مع خاطئة وهو قوله :
" وأمامك الناس جميعا فأسألهم واحدا واحدا كم مرة يهتم هذه وكم مرة سمعتم هؤلاء وأنا الضمين لك ان فى تاريخ كل إنسان مرة واحدة على الأقل يقع فيها لهذه الفتنة ولم يسمع معها لحكمة الحكماء ولا لشىء من الأشياء "ص53
وهنا اعتراف صريح يذكرنا بقولة تنسب لنابليون عن ان كل رجل يعرف أمه بينما لا يعرف اباه لأن كل النساء خائنات
وهذا الاعتراف منه تكذيب لنفى الله زنى يوسف(ص) بقوله "كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء"وتكذيب لنفى الله زنى مريم بقوله " وطهرك "والأنبياء(ص) ومعهم كثرة المسلمين لم يرتكبوا تلك الجريمة فى حياتهم صحيح أنه ورد فى مخيلة الكل ولكنه لم يتحقق فى الواقع إلا مع قلة قليلة تابت منه من المسلمين
ونجد العقاد يميع الزنى وهو ما سماه الحب والعشق ويجعله خارج كل الأحكام والشرائع فى قوله :
" هنا قضية لا تلمح فيها قاضيا حتى تراه جانيا وتراه فريسة وتراه مقضيا عليه فلا حكم ولا براهين ولا شريعة بل حادث من حوادث القدر ينقض كما تنقض الصاعقة أو يشتعل كما تشتعل النار" ص78
وحاول فى موضع أخر التماس العذر للخائنة بأنها كالوثنية قبل مجىء الرسالات حيث قال :
" وعاشت بعد ذلك تنظر إلى خطايا الأديان نظرة المرأة الوثنية التى نشأت قبل أن ينشا الأنبياء فهى ليست كالمتدينة التى خامرها الشك فى دينها ولكنها كالمرأة التى لم تتدين قط ولا قبل لها بالتدين عن نزعة طبيعية فيها لا عن بحث ونقاش واطلاع "ص87
بالطبع يتناسى العقاد الدين متعمدا أن أدم (ص) أول البشر كان نبيا وكان لديه رسالة تحرم الزنى وربما كان فى تلك الفترة يعتنق النظرية الداروينية التاريخية التى تقوم على تطور البشر من البدائية المزعومة حيث التعرى وصيد الحيوانات والتقاط الثمار والعيش كالحيوانات فى الجماع ومعاشرة الكل ثم التطور للرعى ثم للزراعة ثم الصناعة وهى نظرية تعارض كون الإنسان الأول كان عالما كما قال سبحانه :
" وعلم آدم ألأسماء كلها "
كما تعارض وجود اللباس على البشر من أول البشرية كما قال سبحانه " قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوءاتكم وريشا"
ويحاول العقاد التماس الأعذار للزانية العاهرة بكل السبل الممكنة معلنا حيرة طبيب الأخلاق وطبيب الأبدان فى سارة فلا يقدر على إدانتها لأنها تركيبة مختلفة كما يزعم فى الفقرة التالية:
" ويحار طبيب الأخلاق كما يحار طبيب الأبدان فى ايواء هذا المزاج إلى مأواه من الصحة والداء لإمن كانت كذلك فى نزعاتها وخلجاتها أتكون فى راى الطب امرأة سليمة مستقيمة على سواء الطبيعة إن الإغراق يستلزم الزيغ والاختلاف فى التركيب ولكن أى اختلال عسى ان يكون فى تركيب الجسم الذى يندمل جرحه بعد يوم ويقضى النهار والليل فى صبارة الشتاء بلباس الصيف لا يدرى ما الزكام كل اختلال يجاوز هذه المناعة هو اختلال عجيب الجوار عميق القرار "ص97
وهو طوال الحكاية يلتمس لها عذرا فهو لا يصف زناها وخيانتها بالخيانة وإنما بالجموح وهو يرجع غوايتها ليس إليها ولكن إلى زواجها من رجل لا يوافقها حيث قال :
" أكبر الظن أن الفتاة على ما بها من جموح وشطط كانت وشيكة أن تستقيم وتتزن لو رزقت زوجا يوائم شوقها إلى الرجولة ويغلق عليها منافذ الغواية ولكنها خابت فى الزواج فشقيت ولجت بها الشقاوة حين كفرت بصداقة الصديقات ومؤاساة الشقيقات فعاشت فى عالم قد أقفر من جنس حواء إلا أن تكون منافسة مريبة أو عاذلة رقيبة ولم يبق فيه إلا رجال "ص97
بالطبع المرأة مثل سارة يمكن لها أن تتطلق أو تفتدى نفسها أى تخلع نفسها لكى تكون مستقيمة ولكن لأنها كافرة فهى تصر على الزنى مع كل من هب ودب حتى أنها زنت مع النساء فيما حكاه العقاد
وحاول العقاد المرة تلو الأخرى التماس العذر لها فها هو يجعل أصحاب الوجوه المتنوعة صادقين بينما ذو الوجهين فقط هو الكاذب حيث يقول :
"ذو الوجهين فى كل وجه من وجهيه كذب وطلاء وذوه الوجوه المنوعة السمات المعددة الملامح المفرقة المعانى رواية صادق الخبر يرينا كل يوم بينة جديدة على صدقه ولونا جديدا من تمامه ونقصه ونفسا جديدة فى تعبير جديد "ص98
وتلك المقدمة كانت لإعلان العاهرة الخائنة صديقة حيث قال :
" وسارة كانت من ذوات الملامح والوجوه اللواتى لا يطالعنك بمنظر واحد فى محضرين متواليين تراها مرة فأنت مع طفلة لاهية .. وقد تراها فى يومها فأنت مع عجوز ماكرة ...ص100
ويستمر العقاد فى التماس الأعذار ويصفها بالذكاء الوقاد وليس بالغباء لأنها تعصى الله كما يعود إلى اتهام الزوج بدلا من اتهامها حيث قال :
"بيد أنه ادرك مما سمع أنها طفلة فقدت رحمة الأمومة ونمت وهى لا تعرف إلا جماح الحيوية العارمة التى لا تمسكها هداية أم ولا تقوى على حبسها التقاليد الضعاف مع ذلك الذكاء الوقاد الذى لا تخفى عليه خافية الموانع والمحظورات وأنها لو سيقت إلى زوج يملأ عينيها ويحقق معنى الرجولة فى رأيها لاستقرت بعض الاستقرار وقنعت بعض القنوع ولكنها أخطأ حظها فى الزواج وبرمت بفراغ قلبها فلم تعذر الدنيا والتمست لقلبها وحده جميع الأعذار "ص117
ويستمر العقاد فى التماس العذر للعاهرة حيث يعقد مقارنة بينها وبين حبيبة همام الأولى هند المتمسكة بأحكام دينها والتى يصفها بالقيود بدلا من وصفها بالعدل والحق حيث قال :
"فإذا كانت سارة قد خلقت وثنية فى ساحة الطبيعة فهند خلقت راهبة فى دير من غير حاجة إلى الدير تلك مشغولة بأن تحطم من القيود أكثر ما استطاعت وهذ مشغولة بأن تصوغ حولها أكثر ما استطاعت من قيود ثم توشيها بطلاء الذهب وترصعها بفرائد الذهب "ص142
وفى سبيل تبرئة العاهرة يحاول تناسى الأعراف والاصطلاحات حيث قال :
" ولو نسينا العرف والاصطلاح لحار الإنسان أيهما أقوم فى السجايا والأخلاق ولكن الذى لا ريب فيه ولا حيرة فيه أن سارة ارجح وأصلح قبل أن ينزل التكليف على أبناء آدم وحواء وأن هندا أرجح وأصلح حيثما نزل تكليف أى تكليف "ص143
ونجد الرجل يصر على ما قلناه مسبقا من التاريخية التطورية قبل التكليف وبعد التكليف فلا يوجد شىء اسمه قبل التكليف فالإنسان الأول هو وزوجه كانا فى الجنة مكلفين بالأكل من كل الأشجار إلا شجرة واحدة حرمت عليهما ومن ثم لا يوجد ناس قبل التكليف لأن الإنسان مكلف من بدايته وهو ما يحاول العقاد نفيه هنا وفى موضع سبق ذكره