رواية: هكذا عشقت الإسلام

فاطمة 25

Member
إنضم
5 يناير 2011
المشاركات
593
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
العمر
38
الإقامة
الأحساء - شرق السعودية
رواية
هكذا عشقت الإسلام



البداية:
يحكى أنه منذ عدة أعوام, قدمت مجموعة من العوائل التركية إلى المملكة العربية السعودية من أجل أداء فريضة الحج, وكان بينهم رجل أسمه عثمان أتى برفقة زوجته جميله معهم, وجميعهم كانوا من مدينة اسطنبول.
وبعد انتهاء موسم الحج, وقضاء المناسك, رجع الأتراك جميعاً إلى بلدهم, ماعدا عثمان وزوجته, فقد قررا أن يستقرا في إحدى مناطق المملكة ووقع اختيار عثمان على مدينة الرياض, ليعمل فيها وليطلب العلم الشرعي ويتفقه في أصول الدين, وكان قد مضى على زواجه من جميلة 7 سنوات لكن الله لم يرزقهم بأي أطفال. وبعد الحج بشهرين, أتت البشرى لعثمان من زوجته بأنها حامل في شهرها الثانـي, ففرح فرحاً شديداً, ونذر لله عز وجل إذا رزقه الله بغلام, أن يجعله من الحافظين لكتاب الله والمتفقهين في الدين, وكانت زوجته طيلة فترة حملها تدعو الله بأن يرزقها بولد لتختار له أسم من أسماء سيد المرسلين, (محمد أو أحمد أو مصطفى أو ياسين أو طه) , وبعد مضي شهور الحمل كاملة, وضعت جميلة حملها, وكان المولود ذكراً فكبـر زوجها وخر ساجداً لله, وردد على لسانه "سأسميه أحمـد" , نعم هذا الاسم الذي قرر أن يختاره عثمان لولده
ومرت الأعوام والسنوات وأحمد يكبر شيئاً فشيئاً, وظهرت عليه علامات الفطنة والذكاء, فاستبشر والداه بهِ خيراً, كان فصيح اللسان وقد تعلم لغة أبويه اللغة التركية, مع اللغة العربية وصار يتكلم باللغتين بكل طلاقة.
تذكر والده النذر الذي نذره لله, أن يجعله حافظاً للقرآن الكريم, فأسرع في تسجيل أحمد في الكتاتيب والحلقات التي تقام في المساجد للتحفيظ, وكان يذهب أحمد إليها عصراً, أما في الصباح, فقد كان يذهب إلى المدارس الحكومية ليتعلم, وبتوفيق من الله عز وجل, وخلال سنة واحدة فقط حفظ أحمد كتاب الله, وكان يمتلك صوتاً عذباً في التلاوة, وعمره صار ثماني سنوات, وتعلم في المدرسة الكتابة والقراءة وانتقل إلى الصف الثاني الابتدائي, فقرر والده إن شاء الله إذا تجاوز الصف الثاني, سيبدأ بتعليمه حروف الهجاء وطريقة كتابتها بالتركية أثناء الإجازة, وفي العطلة جلس عثمان مع ولده أحمد وبدأ بإعطائه الدروس, وكان تجاوب أحمد مع والده كبيراً, وعند انتهاء العطلة وبداية الدراسة لم تتوقف الدروس, بل تابع عثمان تعليم ولده, فصار يخصص ساعة كاملة من كل يوم ليتقن أحمد الكتابة والقراءة بالتركية, فتمكن أحمد من إتقان لغة آباءه وأجداده.
وزيادة على ذلك وبفضل الله وعطاياه, أصبح عثمان من الرجال الأثرياء, والمعروفين في المنطقة, وكان الجميع يحبه ويأنس بالجلوس معه, ورؤية ولده أحمد, بالإضافة لذلك لم ينسَ عثمان الفقراء والمساكين, فكان يتصدق عليهم بسخاء وعلى الدوام, فطرح الله البركة في أمواله, لأنه كان يزكيها باستمرار, وكان حاكم المملكة آنا ذاك الملك خالد بن عبد العزيـز آل سعود حفظه الله
وتمضي السنوات, حتى بلغ أحمد 15 سنة, وكان في الصف الثالث متوسط, حملت أمه مرة أخرى, وكان بطنهـا كبيراً هذه المرة, فأنجبت توأم فتاتين جميلتين, فقرر عثمان وزوجته أن يسموا الكبيرة عائشة والصغيرة زينب
وكان عثمان بين فترة وأخرى يحدث ولده أحمد عن مدينة آباءه وأجداده (اسطنبول) العاصمة التركية, التي نشأ وترعرع فيها, وأخذ يحكي له ويحدثه عن كل صغيرة وكبيرة في هذه المنطقة, عن الطبيعة فيها, وعن الأماكن الأثرية والتاريخية والحضارة هناك, وعن حال المسلمين والمسيحيين في اسطنبول بالوقت الحاضـر, وحدثه عن تاريخها العريق (القسطنطينية سابقاً) وعن الأباطرة التي تعاقبوا على حكمها قبل الإسلام وبعده, وعن مؤسسها قسطنطين, وعن هرقل الذي كان معاصراً لرسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم, وعن الرسالة التي أرسلها الرسول لهرقل يدعوه فيها لدخول الإسلام, وكيف كان تعامل هرقل مع رسالة الرسول, وعن معركة مؤتة, وعن الفتوحات الإسلامية في عهد الصحابي معاوية بن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان وبقية المحاولات لفتح القسطنطينية, وأنها قديماً تسمى بيزنطة, وعن الاقتصاد فيها وخصوبة أرضها, وبشارة الرسول بأن هذه المنطقة ستفتح, فنعم الأمير أميرها ونعم الجيش ذلك الجيش, مما جعل المسلمين يسعون ويجاهدون بالغالي والنفيس لفتحها, وحدثه أيضاً عن الأتراك العثمانيين كيف تمكنوا من فتح هذه المنطقة على يد السلطان محمد الفاتح,
ومن كثرة حديث الأب عن مدينة إسطنبول, تعلق قلب ابنه بها, واشتاقت نفسه لزيارتها والتعرف عليها عن قرب, فقد كان عثمان وزوجته يشتاقان لبلدهم اسطنبول ويكثران من الحديث عنها, وعن ذكريات الطفولة والشباب, وأجمل الأماكن هناك, ويعبران عن اشتياقهما, لكن من الصعب السفر إليـها في هذا الوقت, خاصة وأن لديهما طفلتين مازالتا صغيرتين وبحاجة للرعاية والاهتمام, فصار حلم أحمد أن يرى إسطنبول, وكان يريد أن يسافر إليها ليدعو إلى الله وينشر الإسلام, فقد كان لديه هدف سامي,
وبعد تخرج أحمد من الثانوية العامة, رفض دخول الجامعة, فتعجب والده من سبب رفضه, فحينها تكلم أحمد وأفصح عما في داخل نفسه, أنه يريد السفر إلى اسطنبول ودخول الجامعة هناك, والتعرف على أقاربهم هنـاك, ورؤية الحي الذي تربى فيه والداه, وأن قد أسـر هذه الرغبة داخل نفسه ولم يطلع والداه عليها, منذ أربع سنوات, ففرح والده وشجعه على ذلك ووعده أنه سيدعمه بإرسال المال إليه باستمرار, ونصحه بأن يجتهد في دراسته إذا ذهب لاسطنبول والتحق بجامعتها.
وقام عثمان بتجهيز كل ما يحتاجه ولده للسفر, فحجز له تذكرة على متن إحدى البواخر القاصدة مدينة اسطنبول, وفي اليوم المحدد للسفر, وبعد إكمال جميع الإجراءات, حزمت جميلة أمتعة ولدهـا وهي تذرف الدموع حزناً على فراقه, وتوافد الزائرون على منزل عثمان لرؤية أحمد وتوديعه, والكل يدعو لأحمد بالتوفيق ويشجعه, وبعد أن فرغ المنزل من الزائرين, جلس عثمان مع ولده على إنفراد, وبدأ يعطيه النصائح ويذكره بالله وبخشيته وبالصلاة في أوقاتها كما عهده وأن لا ينسِ كل يوم تلاوة القرآن كي لا ينسى ما حفظه, ثم دخلت جميلة مع ابنتيها عائشة وزينب, فقبل عثمان رأس والدته, وهدأ من روعها أن كل شيء سيكون بخير هناك ولا تقلقي يا أمي, وذكرها أنه لن يضيع فلديه أقارب في المنطقة, وجلس أحمد على الأرض ينظر لأختيه ويلاعبهما, وكانتا تبلغان من العمر ثلاث سنوات, ثم خرج أحمد مع والده, على صوت أمه وهي تدعو له, وأوصله أبوه إلى ميناء مدينة جده, وتعانق عثمان وابنه وضحكا قليلاً, وقد كان الفراق صعباً, لكن الهدف الذي بداخل أحمد يجب أن يتحقق
ومن هنا بدأت رحلة أحمد, ومضى على غيـابه عن أهله ثلاث سنوات, كان أحمد شخصاً إجتماعي, أستطاع أن يكون العديد من الصداقات في اسطنبول, وتعرف على أقاربه هناك, وكان له نشاط كبير في الدعوة إلى الله ونشر الإسلام عن طريق توزيع الكتيبات الذي كان له يد في تأليف بعضها وترجمتها من العربية إلى اللغة التركية, وبقيت سنة واحدة وينهي دراسته الجامعية ويعود للمملكة العربية السعودية, وكان ذلك في عام 1402هـ, وصله حينها نبأ وفاة الملك خالد رحمه الله, فحزن لهذا الخبـر, لكنه ســر عندما علم أن أخو الملك خالد, سيتولى حكم المملكة من بعده, وهو الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله, أخبار المملكة كانت كلها تصل لأحمد على الدوام, فقد كان أحمد على إتصال دائم بوالديه, عن طريق المراسلة, فهو يكتب لهما باستمرار يخبرهما بأحواله, وأحياناً تكون الرسالة مرفقة بصورة له ولمدينة أسطنبول, وقد بلغ أحمد من العمر 24 سنة, فوعده والده إن شاء الله إن عاد إلى البلد, سوف يزوجه في الحال من فتاة طيبة ذات خلق ودين.
بقيت ثلاث شهور وينهي أحمد دراسته ويعود للبلد وهو حامل معه شهادة البكالوريوس من جامعة اسطنبول, وكعادة أحمد, طيلة الثلاث سنوات الماضية كان يزور بعض الكنائس للإطلاع على أحوالها, للدعوة والإرشاد وإسداء النصيحة والمساعدة وتوزيع الكتيبات التي تتكلم عن الله وعن الإسلام وعن الرسول عليه آلاف التحية والسلام. فصادف يوماً أنه ذهب لكنيسة في إحدى المناطق فتذكر أنه زارها مرتين أو ثلاث قبل ذلك, فعندما وصل إلى الكنيسة دخلها أحمد كأي شاب, ولم يكن لباسه أو زيه يدل على أنه مسلم, لكنه تعجب عندما دخلها فقد وجدها فارغة تماماً, إلا أنه أحس بصوت همهمه, وإذا به يلحظ فتاة جالسة بالصفوف الأولى, ترتدي زي الراهبات, وتبكي بصوت يكاد يكون غير مسموع, فتعجب من حالها, وسأل نفسه عن سبب بكائها, فأي مشكلة تعاني منها هذه الفتاة, أقترب من عندها ورفع صوته بإلقاء التحية باللغة التركية, فرفعت الفتاة رأسها وذهلت عندما رأته يقف بالقرب منها, وقامت واقفة وردت عليه التحية ثم سألته: ((هل من خدمة أقدمها لك ؟)) , نظر إليها فوجدها في ريعان شبابها وفي مقتبل العمر, شرد قليلاً وأجابها: ((لا شكراً, لكني أحببت أن أعرف هل كنتي تبكين ؟)) , ارتبكت الفتاة عندما وجه إليها أحمد هذا السؤال, وهزت رأسها مجيبة: ((لا شيء, أنا لم أكن أبكي أبداً)) , فقال أحمد: ((وجهكِ محمر أنا سألتكِ لأني أحب تقديم المساعدة والنصيحة للناس, فلا تخجلي وأخبريني مابكِ فقد أستطيع مساعدتك)). سكتت الفتاة ولم تجب, ونظرت إلى أحمد فاطمأن قلبها له وأحست أنه شخص طيب, فقال لها: ((هل يمكنني أن أطرح عليكِ سؤالاً آخر ؟)) , الفتاة: ((نعم اسأل )) , أحمد: ((هل أنتِ تعملين هنا منذ فترة, أم أنكِ حديثة عهد هنا ؟ )) الفتاة: ((أنا هنا منذ شهرين, لكني لم أكن أرتدي (واشارت لملابسها) هذا الزي من قبل, وكنت آتي إلى الكنيسة كأي فتاة)) , أحمد وهو يفكر: ((لماذا أخترتي أن تكوني راهبة, حياة الراهبات صعبة والحياة جميلة فلماذا تعرضين عنها, وانتِ يظهر بأنكِ مازلتي صغيرة وشابة)) ,عندما سمعت الفتاة كلمة (مازلتي صغيرة والحياة جميلة) انهمرت الدموع من عينيها بغزارة وغطت وجهها بيديها وانخرطت باكية, فأدرك أحمد فوراً أن الوضع الذي هي فيه الآن لم يكن باختيارها وبرغبة منها, فقال: ((يبدو أنكِ أكرهتي على هذا العمل, ولم تفكري سابقاً أن تكوني راهبة أم أني مخطئ ؟)) كانت الفتاة مازالت تبكي, فمسحت دموعها وقالت: ((كيف عرفت ذلك, إن هذا هو الشيء الذي يضايقني, أنا أكره أن أكون راهبة لا أريد, وحاولت التخلص من الوضع الذي أنا فيه فلم يجدي ذلك)) , فقال أحمد بهدوء: ((أجلسي وحدثيني من الذي أجبركِ على ذلك, وثقي بأني سأساعدكِ إن استطعت
فقالت الفتاة باطمئنان: ((حقاً ستساعدني؟)) , أحمد بلا أي تردد: ((نعم بكل تأكيد)) , الفتاة: ((أتعرف إني أفكر في الهروب من هنا منذ أسبوعين, لكني خائفة ليس لدي مكان آوي إليه, والأمان يكاد يكون معدوماً, واللصوص منتشرين والمجرمين في كل مكان, وأني أخشى على نفسي من الضياع إن هربت, وليس عندي أقارب ألجأ إليهم)) , تعجب أحمد وقال: ((ولماذا تريدين أن تهربين أو تنتحري, كلامكِ مخيف, ما هي مشكلتكِ ؟)) , فتكلمت الفتاة بخوف وهي تتلفت من حولها, لتنظر هل هناك أحد غيرهما في الكنيسة وعندما لم تجد أحداً قالت: ((أسمي إيرين وأبلغ من العمر 18 سنة, والداي متوفيان مذ كنت صغيرة, وأعيش مع أخي الأكبر يوحنا, هو أكبر مني بعشرين سنة, أخي قسيس وعالم كبيـر, وهو المسئول عن هذه الكنيسة, كنت فتاة حالمة, أعيش بحرية, أحصل على ما أريد, عشت حياة حلوه وكنت مدللة عند أخي, ومنزلنا جميل جداً, لأن أخي له مكانة إجتماعية كبيراً ويقصده الكثيرين لزيارتنا, وتعيش معنا في منزلنا راهبة أسمها ماريه, هي الساعد الأيمن لأخي يوحنا)) , ثم سكتت إيرين قليلاً, وأخذت نفساً وهي تكمل: ((كنت أنتظر لأكبر وأكون مسئولة عن نفسي, وعندما دخلت الثانوية كنت أحلم بعد التخرج بحياة مختلفة, أرتدي الملابس الأنيقة وأخرج كما أشاء, أريد الاستمتاع بهذه الحياة, وأريد أن أتزوج, وأصبح أماً بالمستقبل ويكون عندي أطفال كثيرون, فأنا لا يوجد لدي أخوات أو أخوه غير يوحنا, وهو لم يكن يلعب معي أو يجالسني إلا نادراً, فالفارق العمري بيني وبينه 20 سنة, كان مشغولاً عني دائماً, والآن يوحنا يريد أن يحرمني من الحياة)) , أحمد: وكيف ذلك ؟ , أكملت إيرين: دخل علي ذات يوم وهو يبتسم, وجلس يحدثني عن الكنيسة وحاجتها للراهبـات, ورأيت بيده كيساً فتحه وأخرج منه ملابساً للراهبات وتكاد تكون على مقاسي, وأمرني بارتدائها, وعندما ارتديتها تنفيذاً لأوامره وسألته لماذا, قال لي أخي ((منذ اليوم هذا سيكون زيكِ الرسمي وإلى الأبد وإياكِ أن تغيريه)), ظننت أنه يمزح معي, لكنه لم يبتسم ونظارته كانت جديه, لم أسكت وعارضته, قلت له أني أريد أن أعيش حياتي كأي فتاة في عمري, حدثته عن أحلامي وآمالي وطموحاتي في الحياة وأن عمل الراهبات لا يناسبني, لكنه أسكتني وقال أن هذه وصية والدينا "أن أخدم الكنيسة وأكون راهبة" قبل وفاتهما أوصوه بالعناية بي وإذا بلغت سن الرشد أن ألزم الكنيسة ولا أخرج منها لآخر يوم في عمري, وأنا الآن أبكي من شدة حيرتي, فأنا غير سعيدة بهذا الوضع, لا أتحمل ولست أفهم لماذا أوصياه والداي بهذه الوصية, إني أحب الكنيسة كأي فتاة وأحب الرب, لكن هذا العمل لا أتقنه ولا هو يناسبني
وأكملت إيرين لأحمد ماذا فعل أخوها يوحنا بها, عندما عارضته ورفضت أن تكون راهبة, وأنها أصبحت تشك بأن والديها أوصوا بأن تكون راهبه, فأمها كانت امرأة عاديه وأبوها لم يكن قسيساً أو عالماً, وفكرة الهرب من الواقع هي التي زينت لها الرغبة في الانتحار
وعندما علم أحمد بحالها, تأسف عليها وشعر بحزن شديد, ووعدها بأنه سيساعدها, فقالت له ((كيف هل ستقدر على إقناع أخي)) , فأجابها أحمد: ((كلا, أنا لن أتكلم مع أخوكِ يوحنا, بل جل كلامي سيكون معكِ, وهناك حديث طويلٌ أريد أن تسمعيه مني, لكن في وقت آخر لأني على عجلة من أمري الآن فلدي بعض الأشغال, وغداً أعود ومعي الحلول لمساعدتكِ)) , فاستأذن بعد ذلك منها وانصرف في حال سبيله, فجلست الفتاة سعيدة مبتهجة, وشكرت الرب لأنه معاناتها ستزول قريباً وسترجع حياتها طبيعية كما تمنت.
وبعد عدة ساعات عندما قضى أحمد أشغاله ورجع لمنزله, وصلى فرضه, أخذ يفكر في حال هذه الفتاة المسكينة, وحال البعيدين عن الله والذين لا يعرفون عن الله وعن الإسلام أي شيء, فأحضر ورقة وقلم وأخذ يبحث في مشكلة هذه الفتاة, ويضع لها الحلول, فلم يجد حلاً آخر غير أن يحدثها عن الإسلام, عن يسره وسهولته, كيف بدأ الإسلام وظهر للناس, ويحدثها لماذا خلقنا الله في هذا الكون ولأي علة, يحدثها عن الدنيا والآخرة, ويحدثها عن النبي محمد الذي جاء بشريعة الإسلام من عند الله خالق كل شيء ورب الكون, ويحدثها عن زوجات الرسول والنساء المسلمات, وأصحاب الرسول عليه السلام وأهل بيته, وكيف رفع الإسلام من شأن المرأة وأكرمها وحفظها ولم يجبرها على شيء, لكن السؤال الذي كان يدور في بال أحمد, هل ستتقبل هذه الفتاة كلامي والاستماع علي, هل سيؤثر فيها وهل سأنجح, وبعد ذلك خلد أحمد للراحة وللنوم, واستيقظ عند الفجـر بكل حيوية ونشاط, صلى صلاة الفجر وخرج لتناول فطوره في إحدى المطاعم القريبة, واتجه بعدها فوراً للكنيسة, ولم تكن فارغة هذه المرة, بل كان يوجد فيها عدد من الناس, فلم يستطع الإنفراد بإيرين والحديث معهـا إلا عندما فرغت الكنيسة من الزائرين, كانت إيرين متشوقة للاستماع إلى الحل الذي وضعه لها, فجلس أحمد يحدثها طويلاً حتى أدركهم الوقت, وبعد هذا اللقاء كتب الله أن تتجدد اللقاءات بشكل متتابع يحاول أن يشرح لها ويوضح, يحاورها ويجيبها وهي تسأل, يفسر ويبين, تفكر وتحتار, تنكر وتصدق, لا تريد أن تكذبه, بينهما كل التقدير والاحترام, أحبته لأخلاقه, لعلمه وفكره, كانت صورته جميلة في ذهنها لأنه يمثل الشاب المسلم, استشعرت عظمة الإسلام, بدأت تقتنع, صارت تأنس بالحديث والحوار, الضيق والهم والكدر الذي كانت تحس به اختفى وتلاشى, قالت بداخلها: لو كان هذا هو الحق فأنا أشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, فأعلنت إيرين إسلامها, وأبدت رغبتها في تعلم اللغة العربية كي تقرأ القرآن بلغته الأصلية, أرادت أن تكون مسلمة كي تسعد في الدنيا والآخرة, قالت لأحمد: لا أريد أن أكون تعيسة في الدارين, ما أروع الإسلام حتى المصيبة التي تصيبنا نؤجر عليها.
كان من المفترض أن يرجع أحمد إلى أهله, فقد أنهى دراسته واستلم شهادة البكالوريوس, لكنه جلس في أسطنبول ثلاث شهور إضافية, وكتب إلى أهله يخبرهم بأنه سيتأخر ولم يطلعهم على السبب, في البداية شعروا بالقلق عليه, لكن ثقة والديه فيه جعلتهما يشعران بالإطمئنان, وبتوفيق من الله تحقق ما أراده أحمد وهاهي إيرين قد أسلمت واتبعت دين الحق, شعرت إيرين بأنها إنسانة أخرى, علمها أحمد أركان الإسلام, وكيف تتوضأ وتصلي, وكان كل هذا يحدث بدون علم أخاها يوحنا, فقد كان منشغلاً عنها, لكن يوحنا شاهد أحمد مرتين يتردد على الكنيسة فتساءل من يكون, لأن أحمد بالذات لم يكن يسلم عليه عند رؤيته, سأل يوحنا أخته إيرين من يكون هذا الشاب, فأجابته إيرين: هو من العامة وشأنه كشأن أي شاب يقصد الكنيسة, لم يدقق يوحنا في كلامها ولم يهتم.
أما مارية – الراهبة التي تسكن مع إيرين ويوحنا في المنزل نفسه – وهي في الثلاثين من عمرها, وهبت حياتها للكنيسة ولخدمة المسيحية, وهي الساعد الأيمن ليوحنا كما ذكرت سابقاً, شعرت بأن شيئاً ما تغير في إيرين, صارت تشرد كثيراً وهي جالسة, في الآونة الأخيرة كانت إيرين كثيرة العزلة, الكآبة واضحة على محياها, أما الآن فالابتسامة لا تفارقها.
كان سبب سعادة إيرين هو دخولها في الإسلام, أحبت وضعها الجديد, لكن ماريه لم تكن تعلم بإسلام إيرين, فظنت أن إيرين قد أحبت العمل في الكنيسة وانسجمت فيه وهذا سـبب سعادتها, شعرت ماريه بالحزن والحسرة على نفسها, والسبب كان لأنها إلى الآن لم تصل إلى السعادة التي كانت تبحث عنها وتتمناها.
لم تكن مارية تحب الكنيسة أو تتمنى أن تكون راهبة, لكن هنالك دوافع وأسباب خاصة قادتها إلى سلوك هذا الطريق, والتي سنعرفها لاحقاً. غبطت ماريه إيرين على سعادتها وانسجامها مع الكنيسة
والأثنتين (مارية وإيرين) كانت تجمع بينهما صفات مشتركة, الأثنتين كانتا على قدر كبير من الجمال, كلتاهما كانتا تعشقان الحياة, والأمل لديهما كبير, كانت مارية تشفق على إيرين, وإيرين تشفق على مارية. تقول مارية في سرها: مسكينة أنتِ يا إيرين ظلمكِ أخوكِ عندما أرغمكِ أن تكوني راهبة, لا أريدكِ أن تعيشي مثل الحياة التي أنا عشتها. وإيرين عندما تنظر لمارية تقول وهي تخاطب نفسها: مارية لماذا أخترتي هذه الحياة, هل انتِ سعيدة بحياتكِ هذه لاتعرفين شيئاً من متاع الدنيا وبهجة الحياة سوى الكنيسة, ولم تلبسي أي ملابس أو تضعي مساحيق تجميل على وجهك, حتى طول شعرك ولونه لا أعرفه, ماريه جميله وأي رجل سيرى جمالها لن يتردد بالزواج منها, ستعيش حياة جميلة لو غادرت منزلنا وتركت الكنيسة, لماذا يا ترى اختارت خدمة المسيحية ومساعدة أخي, أي سعادة وجدتها في القيام بذلك.
بعد أن أسلمت إيرين ارتاح قلب أحمد ولم يتردد لحظة واحدة في طلب الزواج منها بعد إسلامها, قال لها: والدي يستعجلني للعودة للمملكة, فقد أشتد شوق أمي لي وهو كذلك, وأنا أطلت الغياب عنهما, وفي الحقيقة إني أخاف أن أترككِ وحيدة هنا وأنتِ حديثة عهد بالإسلام, ولقد سمعت أن أخوكِ يوحنا يكره الإسلام والمسلمين, ويسعى جاهداً إلى تنصيرهم, فماذا لو علم أنكِ يا إيرين قد دخلتِ في الإسلام, وإني أتيت اليوم لوداعكِ إن لم ترغبي في الزواج مني والسفر معي, وإن وافقتي فأنا الآن أتيت طالباً القرب والزواج منكِ, شعرت إيرين بالخجل واطرقت برأسها وغادرت الكنيسة مسرعة, فخاف أحمد أنها غير موافقة أو خائفة من أخوها. كان الخبر مفاجأة بالنسبة لإيرين, وفكرت في أخوها وماذا سيفعل لو علم بقصة إسلامها, سيجبرها أن تكفر وترجع إلى عبادة الصليب,
وبعد تفكير اتخذت إيرين قرارها بأن تتزوج بأحمد وتحقق حلمها بالسفر إلى بلاد الإسلام, فوافقت إيرين وتزوجت بأحمد وسافرت معه, تاركة رسالة لأخوها تخبره بأنها لن تعود إلى هذا المكان أبداً, وأخبرته بإسلامها, ودعته بأن يقرأ ويتعرف على الإسلام, ووصفت له الجمال الذي رأته في هذا الدين ووضحت له أسباب إسلامها,
وبعد أن قرأ يوحنا الرسالة, جن جنونه وثارت ثائرته, فقام بتمزيق الرسالة ورماها أرضاً ودهسها برجله, وازدادا ضغينة وحقداً على الإسلام, وأعلن الحرب ضد المسلمين.
شعرت إيرين بسعادة بالغة بعد زواجها من أحمد أكثر من ذي قبل, وعندما وصلت معه إلى مدينة جده, كان والدا أحمد على علم بأنه سيصل في هذا اليوم, فكانا في انتظاره ليقوما باستقباله مع أخواته عائشة وزينب, وكان اللقاء جميلاً, جلسوا يتحدثون طويلاً, وقد كتب أحمد لوالديه وأخبرهما أنه سيتزوج, فجلس يحدثهما عن قصة إسلام إيرين, وبما أن والدي إيرين يتقنان اللغة التركية فقد جلسا طويلاً يتحدثان مع أحمد وإيرين, بعد ذلك خلد العروسين للراحة, وبعد ذلك أستعد أحمد وإيرين للذهاب إلى مكة لآداء العمرة, ثم توجها إلى المدينة المنورة, وبعد أن انتهيا ورجعا إلى الرياض, قام عثمان بعمل وليمة عشاء احتفالاً بزواج ابنه, وتم عمل حفل زفاف بسيط لأحمد وإيرين حضرته مجموعة من النسوة
وتمضي الأيام, وإيرين تزداد اقتناعا وحباً للدين الإسلامي, وتشكر الله على النعمة والحال التي هي فيها, وقد حملت إيرين مما جعلها تزداد فرحاً, إلا أنها عندما حملت, صارت تراودها كوابيس وأحلام مزعجة عن أخوها يوحنا, كانت تراه يحترق في النار ويمد إليها يديه يطلب منها أن تساعده, وهي كانت عاجزه, فعندها تستيقظ إيرين فزعة من نومها وتبكي,
خافت إيرين أن يصبح الحلم حقيقة, ويموت أخوها على الكفر فيكون مصيره نار جهنم خالداً فيها, فقررت بعد مشاورة أحمد, أن تكتب له الرسائل واحدة تلوى الأخرى, تدعوه لدخول الدين وتوضح له ماذا يعني الإسلام, وعن أسباب إقتناعها بدخوله, وما الفرق بين الإسلام والمسيحية, وما القاسم المشترك, وكتبت له عن قصة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام, وأنه لم يصلب ولم يتقل وأن الله شبه به, وأن الله واحد أحد فرد صمد, ليس له صاحبة ولا ولد, وهو واحد وليس ثلاثة, وصار شغل إيرين هو كتابة الرسائل, وكانت متفائلة جداً وتدعو لأخيها على الدوام, بأن يشرح الله صدره ويهديه للإسلام
ولم يكن يوحنا يرد على رسائل أخته, ومضت خمس شهور كاملة, كبر فيها بطن إيرين, وكانت تحس بالقلق, وبكت خوفاً على إخيها, وطلبت منه أن يجيب على رسائلها لتطمئن بأنه بخير ولم يمت, فهي خشيت أن يكون قد فارق الحياة
 

فاطمة 25

Member
إنضم
5 يناير 2011
المشاركات
593
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
العمر
38
الإقامة
الأحساء - شرق السعودية
وأخيراً وصلت رسالة لإيرين من أخوها القسيس يوحنا, وفرحت فرحاً شديداً عندما قرأتها, لسببين: الأول لأنها اطمأنت بأنه ما يزال على قيد الحياة, والسبب الثاني هو قوله: لقد أحببت الدين الإسلامي فتعالي إلي يا اختي فأنا على وشك أن أكون مسلماً, وأريد أن أعلن إسلامي بين يديكِ, فأتمنى أن تزوريني في أسطنبول أنتِ وزوجكِ أحمد
قرأ أحمد الرسالة التي وصلت من يوحنا وفرح هو أيضاً, لكنه لم يوافق زوجته على السفر في هذا الوقت, فهي حامل في شهرها الخامس ومحتاجة للراحة, والسفر قد يتعبها ويؤثر على الجنين وصحتها, إلا أنها أصرت عليه وألحت, حتى وافقها لكي يعيد البسمة إليها, فقامت إيرين بتجهيز الحقائب للسفر, وودعوا الأهل والأقارب, وانطلقا إلى مدينة جده, ومن جده اتجهوا إلى أسطنبول, وكان ذلك في سنة 1404هـ ,
وعندما وصل أحمد إلى أسطنبول, تذكر أيام دراسته فيها, وتذكرت إيرين أيام طفولتها وصباها على هذه الأرض, وكان أجمل شيئ هو إسلامها, أتجه أحمد وإيرين لأحد المطاعم وتناولا وجبة العشاء, لأنهما وصلا ليلاً, وأصرت إيرين أن تبات هذه الليلة في منزلهم, فأخذوا تكسي وأوصلهم إلى منزل القسيس يوحنـا,
كان أحمد ينظر لعيني زوجته, كانت تشع بالفرح والسرور, قال لزوجها: لا أصدق أن أخي سيكون مسلماً, حتماً سيغير مدينة أسطنبول, وسيمحو المسيحية منها إن هو صدق وأخلص في إسلامه, وسيكون له دور كبير في الدعوة إلى الله, أبتسم أحمد ودعى الله بأن يحدث ذلك
وصل الزوجين السعيدين إلى منزل يوحنا, وطرقا الباب, ففتحت لهم الخادمة وأدخلتهم إلى غرفة الضيوف, وقالت لهم أن يوحنا ليس موجوداً في هذ الوقت, فقالت إيرين: أوه كنت أريد أن أجعلها مفاجأة له, وأين ماريه, فأجابت الخادمة: سأناديها فوراً,
وعندما سمعت ماريه أن إيرين موجودة بالأسفل مع زوجها تغير لونها, ولم تتردد لحظة واحده في إخبارهم بالحقيقة, ((أن هذه مكيدة دبرها يوحنا لكما, وأنه يريد قتلكما)) لكنها حينما نزلت, كان الأوان قد فات, فيوحنا كان موجوداً معهما في الغرفة, وهي لا تستطيع البوح لهما بذلك, لكنها لم تقف مكتوفة الأيدي, طلبت الإنفراد بيوحنا جانباً, وقالت له: ((أرجوك رفقاً بأختك, ألم ترى كيف هي سعيدة, أجعلها تختار حياتها, لماذا تجبرها على شيء هي لا تريده, وما ذنب الشاب كي تقتله)) لكنه هددها وأمرها بأن تسكت
ولم ينتظر يوحنا دقيقة واحده أو حتى ليطلع الصباح, قال لإيرين: ((أجلسي هنا وارتاحي, وأنا سآخذ زوجكِ للحديث معه على إنفراد)) صعد يوحنا إلى مكتبته مع أحمد, وجلسا يتحدثان, ويوحنا ينتظر الفرصة التي يقضي فيها على أحمد, وبينما أحمد منشغلاً بتصفح بعض الكتب, أخرج يوحنا السيف الذي كان بحوزته وضرب به عنق أحمد, فمات أحمد شهيداً
أما إيرين فقد كانت مسرورة, وقالت قبل أن تغط عينيها: ((لابد أن أخي وأحمد يتناقشان الآن, أنا واثقة بأن أحمد سيستطيع إقناعه بلا شك وسيعلن يوحنا إسلامه قريباً)). وعندما تأخر أحمد شعرت بالنعاس فنامت
وفي نفس الليلة التي مات فيها أحمد, حلمت إيرين به يبتسم, أستيقظت من نومها فلم تجده بجانبها, فنهضت من فراشها تبحث عنه, وتنادي في أرجاء المنزل, وكانت صدمة عنيفة بالنسبة لها عندما علمت أن أخاها قد قام بقتل زوجها, صرخت بكت لم تصدق, أرادت أن ترى جثته كي تصدق, لكن ماريه أمسكتها ومنعتها من الدخول للغرفة, حينها قبض يوحنا على إيرين وأمسكها من كلتي يديها, وأدخلها في إحدى الغرف المهجورة في ذلك المنزل الكبيـر وأقفل الباب عليها, وخاطبها بلهجة صارمة: ((غداً نتفاهم, إذا لم تتركِ الإسلام سيكون مصيركِ مثل زوجك وستموتين)) صرخت إيرين وهي تبكي: ((أريد أن أموت أقتلني الآن أنا لن أكفر أبداً وسأموت.. سألحق بزوجي)) , لكن يوحنا لم يعرها أي اهتمام, تركها وذهب ليـنام, وظلت إيرين وحدها في تلك الغرفة الموحشة تذرف الدموع, وتمنت لو أنها سمعت كلام أحمد ولم تأتي إلى هنا, ألهذه الدرجة أخوها يكره الإسلام حتى يصل به الأمر إلى تنفيذ جريمة شنيعة كهذه وهي القتل.
كانت إيرين كئيبة وحزينة وتتمنى لو أنها تموت, أو تخرج من هذه الغرفة المرعبة, وكان أخاها يأتي لها في كل يوم ويحاول إقناعها في ترك الإسلام, لكن بلا أية فائده, وهي تدعوه بأن يعجل في قتلها فهي لن تترك إسلامها أبداً.
فكر يوحنا مالذي يستطيع عمله كي تترك إيرين إسلامها, فقال: ((هي حامل الآن, وقد أقترب موعد ولادتها, إذا وضعت حملها, سأهددها بقتل مولودها, وهي لن تتحمل وسترجع إلى المسيحية كما كانت))
أما ماريه كانت تشفق على إيرين ولم يكن في وسعها عمل أي شيء, كانت تقول لإيرين: ((إيرين تظاهري بأنكِ تركتِ الإسلام, أكذبي عليه وعندما يحرركِ من هذا السجن الذي وضعكِ فيه, سافري إلى أهل زوجكِ ستكونين بأمان معهم, لابد أنهم قلقون على ولدهم الآن فقد مضت ثلاثة شهور منذ أن مــات)) , أبتسمت إيرين بحزن وقالت لماريه: ((لا أريد أن أكذب, سأظل مسلمة ولن أتظاهر بأني كفرت, وإن كل ما يصيبني الآن أنا مأجورة عليه)) , كان يوحنا يترك ماريه بجانب إيرين كي تحاول إقناعها في ترك الإسلام, لكن ماريه كانت تتظاهر عند وجود يوحنا بأنها تفعل ذلك, وإذا لم يكن موجوداً, تقوم بمواساة إيرين وحدثها على الصبـر, صارت إيرين تكلم ماريه عن الإسلام وعن سبب إسلامها, حتى خشع قلب ماريه.
ودخلت إيرين في شهرها التاسع وجاءتها آلام المخاض, واقتربت اللحظة التي كان ينتظرها يوحنا, كانت أخته تتألم, جاءت ماريه مهرولة إلى يوحنا: ((أن إيرين تلد أحضر لها طبيباً)) ضحك يوحنا وقال: ((لن آتي لها بطبيب دعيها تتألم)) , سأقتل مولودها أمام عينيها, ثم سأقتلها هي, وإن تركت الإسلام سأدعها تعيش هي وطفلها, نظرت ماريه إلى يوحنا بإحتقار, لم تكن تظن أنه بهذه الوحشية, تركته ولم ترد على كلامه, وذهبت مسرعة إلى الغرفة التي توجد إيرين بها محاولة تقديم المساعدة لها مع أن الخبرة كانت تنقصها, فتفاجأت ماريه عند دخولها بسماع صياح طفل, ورأت المولود قد ولد, فصرخت بصوت عال ٍ تحاول منادات الخادمة لتأتي وتساعدها, فالموقف صعب ولم تدري ماتفعل, فإذا بها ترى يوحنا قد دخل إلى الغرفة وأقفل الباب, وبيده نفس السيف الذي قتل فيه أحمد, شاهد أخته متعبة وملقاة على الأرض, والمولود يبكي, فقام بقطع الحبل السري وأمسك المولود بيديه وخاطب أخته: ((والله إن لم ترجعي في دينكِ سأذبح هذا المولود أمام عينك)) , بكت إيرين بوهن وتوسلت له بصوت يقطع القلوب, لكن قلبه الخالي من الرحمة لم يتحرك, وصرخ في وجهها: ((أكفري بالإسلام وأعلني ولائكِ للمسيحية)) , قالت إيرين بصوتها الضعيف: ((أفضل الموت على الكفر)) , فقال بغضب وهو يستل سيفه: ((لقد أنجبتِ فتاة, فانظري إليها كيف ستموت الآن)) , صرخت ماريه وأخذت الطفلة من يده وقالت: ((يوحنا أبقها على قيد الحياة لا تقتلها)) , فقال بحده: ((ماريه لا تتدخلي, هذه الطفلة ستموت الآن)) , حاولت ماريه أن تثنيه عن قراره فلم تتحمل أن تقف مكتوفة الأيدي, فقالت له بدون وعي: ((لاتقتل هذه الطفلة واستدخمها ضد الإسلام)) , فقال يوحنا: ((لاخير فيها مادامت دماء المسلمين تجري في عروقها سأقتلها)) , ماريه وهي تبكي بجزع: ((أرجوك, فكر أن تستخدمها مستقبلاً كسلاح فتاك في القضاء على الإسلام والمسلمين)) , توقف يوحنا وقد أعجبته الجملة الأخيرة من كلام يوحنا, فابتسم بمكر ومازال يفكر هل يقتلها أم يبقيها,
وكانت إيرين تنزف في هذه الأثناء, ويوحنا مشغول مع ماريه بالجدل ولم يلحظا نزيفها, وكانت تستمع إلى كلامهما, فخافت من كلام ماريه, وفضلت إيرين أن تموت طفلتها أمام عينيها, أحسن من أنها تعيش كافرة وتكون كخالها حاقدة على الإسلام والمسلمين,
ضحك يوحنا بصوت عالي وقال: ((لن أقتل هذه الطفلة, سأجعلها سلاحاً فتاكاً يدمر الإسلام والمسلمين, سأعلمها كيف تكره الإسلام, سأغرس هذا فيها وأربيها عليه, سأجعلها تزلزل العالم الإسلامي وتلحق الأضرار البالغة فيه, وضحك بصوت عالي))
حاولت إيرين أن تقوم من مكانها وتتحرك, أنفعلت وصرخت: (( لا لا ))
نظر إليها يوحنا وقال: ((إذا كنتي لاتريدين أن يحدث ذلك, فهيا أكفري بالإسلام وبمحمد)) ,
فقامت إيرين من مكانها وهي تشعر بألم رهيب في جسمها, ورفعت كلتا يديها إلى السماء عالياً وقالت: ((ربي أحفظ ابنتي من الكفار, فإني أعيذها من الكفر والظلال, فليس لها حام غيرك, إني أسألك برسولك محمد ومنزلته العظيمة عندك ان تـجعلها من أهل الإسلام ... )) ولم تكمل إيرين دعاءها فقد فاضت روحها الطاهرة إلى السماء, بعد معاناة مؤلمة ومريرة, البيت الذي ولدت فيه, كتب الله عليها أن تموت فيه, شعرت ماريه بالخوف والذعر, ولم تنسى هذا الموقف المؤلم
أقسم يوحنا بالصليب أن لا يدفن أخته ويجعلها تموت وتتعفن في هذه الغرفة, فهنا سيكون قبرهـا, لكن بعد سماء يوحنا لدعاء أخته, ظلت الكلمات تتردد بداخله وشعر بأن جسده يهتز بقوة, لم يدرك سبب هذا الخوف, هل من المعقول أن يخاف من هذا الدعاء, وهو الذي يعتقد بأن أخته على ضلال وأن الحق معه ومع المسيحية, لكنه قال: ((سأعمل كل ما في وسعي لجعل هذه الفتاة تنحرف, وستصبح كافرة ولن تسلم أبداً)) أما ماريه فقد أخذت الطفلة الصغيرة وغسلت جسمها وأحضرت خرقة ولفتها بها, وأمرت إحدى الخدم أن يتجه إلى السوق ليشتري لها ملابس, كانت ماريه حزينة جداً على ما حدث, وكانت تنوي مغادرة هذا المنزل الكريه, فهي لم تعد تطيق أفعال يوحنا, لكن ماريه أشفقت على طفلة إيرين, فمن سيقوم بالعناية بها إن هي رحلت, فقررت البقاء لتقوم برعاية الطفلة التي لم يتم تسميتها إلى الآن
أما يوحنا, فيوماً عن يوم يزيد كرهه للإسلام والمسلمين, قرر أن يقرأ عن هذا الدين, ويعرف نقاط قوته وضعفه, لكي يستغل نقاط الضعف, ويقضي على نقاط القوة, فبدأ يتعلم العربية وبصعوبة بالغة استطاع أن يتقنها, بعد مرور 4 سنوات, أما طفلة إيرين, فقد أختار لها خالها أسم ثــأر, لأنها هي التي ستأخذ بثأره ضد الإسلام, وقد كانت ثأر جميلة جداً تفوق أمها في الجمال, وقد مضى من عمرها 5 سنين, وعندما تعلم يوحنا العربية وأتقنها, قرر أن يعلمها لثأر, لكي تكون عالمة بلغة الأعداء,
وفعلاً طبق يوحنا كلامه بحذافيـره, غرس في قلب هذه الطفلة العداوة والبغضاء للإسلام والمسلمين, وبدأت ثأر تكبر ويوحنا يعلمها ويدرسها, فقد أستطاع يوحنا أن يتوصل إلى أسباب ضعف المسلمين, فقد قرأ عن الدولة الأموية والدولة العباسية, ودولة بني أمية في الأندلس, وعن أسباب سقوط كل دولة, هو إنشغال الخلفاء بالنساء والجواري واللعب واللهو ومتاع الدنيا, وقد قرأ في حديث لمحمد بن عبد الله كما كان يسميه, (رسولنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم) , قرأ حديثاً عنه: (ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من النساء) , وهنا عثر يوحنا على ضالته, قرر أن يستخدم ثأر سلاحاً لإفساد الشباب المسلمين, وعندما بلغ عمرها 16 سنه, وكانت ذكية جداً, وقد وهبها الله جمال أسطوري, قرر إرسالها إلى بلاد الإسلام, وقبل أن يفعل ذلك, ظل سنة كاملة يرسم لها الخطة التي تسير عليها عندما تنتقل للمملكة العربية السعودية, والسنة أصبحت سنتين, وجاء الوقت الذي ودع فيه يوحنا ثأر, وهو واثق بأنها ستقوم بالمهمة على أكمل وجه,
ولقد آن ليوحنا الآن أن يستريح ويمطئن, فقد أصبح طاعناً في السن, وكان يتأمل ويريد أن يحقق ما يتمناه قبل أن يفارق هذه الحياة
سافرت ثأر إلى المملكة العربية السعودية, وكانت وجهتها إلى العاصمة الريـاض, وهي تنوي تطبيق على ما علمها إياه خالها يوحنا, الذي كانت تعتبره كأبوها, فقد قال لها: ((إن كل ماتفعلينه سيعلي من شأن المسيحية, حاولي أن تدعي الناس وبتشريهم بالمسيحية وأن تبعديهم عن الإسلام)) , وقد قال لها كلاماً فضيعاً جداً أفضع من هذا تتنزه النفس عن قوله, فقد كان يريد منها أن تفسد الشباب بدعوتهم لعمل الفواحش والعياذ بالله, فهذا هو الطريق لدمار المسلمين عندما يبتعد الشباب عن ربهم وينسون دينهم ويقبلون على المعاصي والذنوب,
كان يوحنا يشعر بفرحة غامرة عندما تصله الرسائل من ثأر, تخبره بأنها فعلت كيت وكيت وأن حال الأمة الإسلامية يرثى لها, فالفتيات يخرجن بزينتهن وغير ملتزمات بالحجاب الإسلامي, والشباب في الأسواق منتشرين يبحثون عن فتياة, وأنها أستطاعت أن توقع أكثر من 100 شاب في وحل المعاصي والذنوب. أما ماريه, فقد قلت لكم في بداية صفحات قصتي, أني سأخبركم عن السبب الذي جعلها تكون راهبة وتلتحق بالكنيسة, جلست ماريه مع نفسها تسترجع ذكريات شبابها إلى يومها هذا وماحدث, وجدت أن حياتها ممله, كئيبة, لم يمر عليها يوم واحد شعرت فيه بالسعادة, ومازالت تشعر بالذنب, لأنها لم تستطع منع أخاها من قتل زوج إيرين, ولم تستطع تقديم المساعدة لإيرين بفتح باب الغرفة لها ومساعدتها على الهروب قبل وفاتها, الشيء الجيد الوحيد الذي فعلته هو أنها منعت يوحنا من قتل ابنة إيرين (ثأر) , لكن ثأر المسكينة لا تعلم عن الحقيقة شيئاً, لا تعلم أن أبويها مسلمين, ولا تعلم كيف قتل أبويها, مسكينة ثأر, وهي الآن تسيء لنفسها, وستكون حياتها تعيسة مثلي,
ورجعت ذكريات ماريه إلى الوراء, وتمنت لو أنها لم تطع نفسها في ذلك الوقت, لقد كانت ماريه من أسرة مثقفة وغير متشدده, كانت البنت الوحيدة لأبويها وليس لديها أخوه, وفي أيام الجامعة, تعرفت على يوحنا, فأعجبت به ووقعت في حبه, لكنها عندما علمت بأنه راهب قسيس ولا يتزوج بالنساء, شعرت بالحزن والأسف عليه لأنه يفكر بهذه الطريقة, ولم تستطع أن تحب أحداً غيره, أرادت أن تعيش بجانبه للأبد وأن ترتبط به, لكن هذا مستحيل, لأذلك تركت الدنيا وبهجتها, وقررت أن تكون راهبة, لتكون بجانب الشخص الذي وقع قلبها في حبه, ولم تدرك أو تدري أن هذا الحب سيدمرها فيما بعد, بكت ماريه وقالت: ((لقد حرمت نفسي من الدنيا وروعتها ومن الزواج والأطفال)) , لكني أعتبر ثأر مثل طفلتي, فأنا التي ربيتها بيدي وسهرت على رعايتها, لكن لم يكن لي أي يد في تعليمها, والآن ثأر لا تعلم عن حقيقتها شيئاً,
وبما أن يوحنا قد تعلم العربية وعلمها لثأر في أول سنوات عمرها, استطاعت ماريه أن تكتسب بعض المفردات, فقررت ماريه أن تتدارك ما فات من سنين عمرها, وأن تعيش عمرها الباقي في سعادة, فيوحنا لن يلتفت إليها ولن ينظر لها, فهو يعتبرها كالخادمة عنده فقط يلقي عليها الأوامر, تذكرت ماريه كلام إيرين عن الإسلام, وكيف ارتاحت وهي تستمع لإيرين قبل وفاتها, فقررت أن تعتنق هذا الدين عن إقتناع تام, وتذكرت كلام إيرين: ((أن المسلم يكون سعيداً في الدنيا والآخرة)) حتى لو واجه ولاقى المصاعب في حياته, فكل ذلك يؤجـر عليه, وبعد إسلام ماريه, قصدت إحدى منازل المسلمين في أسطنبول, فعلمها كيفية الصلاة والعبادة, وبدأت تصلي لله وتبكي, تبكي على سنوات الضياع التي عاشتها,
فقررت ماريه أن تساعد ثأر وأن تخبرها بالحقيقة كاملة, فكتبت لها رسالة مطولة وقامت بإرسالها بدون علم من يوحنا, كتبت إليها تطلب منها العودة إلى أسطنبول لأن هناك كلاماً كثيراً تريد أن تخبرها فيه, فردت عليها ثأر: ((لا أستطيع أن آتي إلى أسطنبول, أرجوكِ أكتبي لي ماتريدين قوله, فأنا منشغلة ولم أنتهي من تنفيذ مهمتي)) , حينها لم تتحمل مارية وكتبت لثأر: ((سوف آتي أنا إلى المملكة لأكلمكِ)) , وفعلاً سافرت ماريه في أقرب رحلة وذهبت إلى الرياض, فاستقبلتها ثأر بترحيب حـار, أخذت ماريه قسطاً من الراحة, ثم تكلمت وقصت لثأر القصة من بدايتها, قصة والدتها إيرين وكيف تعرفت على والدها أحمد, وعن قصة سفرها إلى السعودية ثم رجوعها إلى أسطنبول, وماذا فعل يوحنا,
وكانت ماريه تبكي طيلة الوقت وهي تشعر بالندم وتريد أن تكفر عن ذنبها, لكنها تفاجأت عندما ردت عليها ثأر: ((أنا لا أصدق هذا الكلام لأنه غير واقعي أبداً, أنتي تكذبين علي, سأكلم أبي يوحنا وأسأله عن كل هذا))
رفضت ثأر أن تصدق ماريه, أما ماريه فلم يكن لها مكان تذهب إليه في الرياض, بعد أن طردتها ثأر من بيتها, والمال الذي بحوزتها لا يكفي لأن تقيم طويلاً, واستغلت وجودها قريباً من مكة بالذهاب إليها وآداء العمرة وبكت طويلاً وهي متعلقة بأستار الكعبة تطلب العفو والغفران من الله ودعت لثأر ويوحنا بالهداية, بعد ذلك رجعت ماريه إلى أسطنبول, وكانت تنوي أن لا تعود إلى يوحنا, لكنها تشعر بأنها غاضبة منه وتريد أن تصارحه بالحقيقة, عن إسلامها, وتكلمه عنه هو, عن حبها له أول ماعرفته, والآن تريد أن تخبره عن الكره الذي تشعر به نحوه, وتسأله عن سـر تصرفاته الحاقدة التي لا نهاية لها, وفعلاً واجهته ماريه وواجها, واشتبك الإثنان بالكلام والنزاع, وكانت مفاجأة كبيرة ليوحنا عندما علم بإسلام ماريه وبحبها له ثم كرهها الآن, دعته للتوبة والدخول في الإسلام, فرفض بمكابرة, فقالت له: ((أعلم أنك تعرف أن الإسلام دين الحق لذلك تعادي أهله وتكرهه كل هذا الكره, لكن هذا الدين سيستمر إلى أن تقوم الساعة)) , إذا كنت تريد دخول نار جهنم, فما ذنب ثأر التي تظن أنك تحبها, وأنت في سرك تكرهها وتسميها فأر والسبب لأن والديها مسلمين, أنصرفت ماريه من منزله بعد أن قالت كل ما تريد قوله, وبقي يوحنا وحيداً يفكر في كلام ماريه وهو ما زال يكابر, حتى ألم به المرض وصار في حالة سيئة
أما ثأر استمرت في غيها وفسادها, حتى سمعت عن شاب أسمه محمد, له نشاط كبير في الدعوة لله وتقديم النصيحة للشباب ومساعدتهم على التوبة وترك الذنوب, كان طيباً ومتواضعاً كما يصفه الجميع, وصممت ثأر أن تفتن هذا الشاب وتظله وتبعده عن الله, وفعلت كل ما تستطيع فعله, فكان يقدم لها النصيحة ويحاورها بالدين وبكل أدب وخلق: ((لماذا تفعلين كل هذا, إلى ما تريدين أن تصلي)) , لكنها لم تكن تجيبه ومازالت مترصدة له, وهو معرض عنها وينصحها ويذكرها بالله, حتى أخذته الشفقة بها, لكنه كان يعلم أن الشيطان موجود فترك النصيحة لها, مما جعلها تغضب وتسأل نفسها: ((لماذا لا تجدي محاولاتي معه نفعاً, ألا أعجبه ؟!!)) , نسيت ثأر كلام ماريه عن حقيقتها وأصلها, اشتاقت ثأر لرؤية والدها, وطلب العون منه خاصة أنه في الآونة الأخيرة لم يعد يكتب لها, وسبحان الله مسبب الأسباب, شعرت ثأر بأن حياتها بلا هدف, بدأت تشعر بالضيق الشديد والحزن, لا شيء يسليها ويبعد عنها همها, فتذكرت محمد الشاب الذي كانت تحاول إضلاله, فاتصلت عليه لكنه لم يجب, فانتظرته في مكان عمله حتى خرج وطلبت منه أن تتكلم معه, وأنها تشعر بضيق, فدعاها محمد إلى الإسلام وإلى الله لكنها رفضت, وأخبرته أنها تكره الإسلام, فسألها عن سبب كرهها, فأجابته بأكاذيب علمها إياها خالها يوحنا التي كانت تسميه أبي, فحاول محمد توضيح الحقيقة لها فلم تصدق, حتى تمكن من إقناعها, وكانت تشعر بأنها محتاجة للكلام مع خالها يوحنا, وصارت تفكر في كلام ماريه, وهنا أدركت أن الوضع غير مطمئن وأنها تريد أن تعرف الحقيقة, شعرت بالضياع والتخبط فقررت السفر لأسطنبول وزيارة والدها, وأخبرت محمد بأنها تنوي السفر, فقال لها: ((وأنا كنت أفكر بالسفر لهناك, منذ عدة سنوات سافر شاب من شبابنا أسمه أحمد إلى أسطنبول ولم يرجع بعدها ولم نعرف شيئاً عن أخباره, وتوفي والداه من شدة حزنهما عليه, وأنا الآن أريد أن أسافر للسؤال عنه)) , لم تمانع ثأر أن يصطحبها وسافرت معه على متن الطائرة نفسها إلى اسطنبول في عام 1430هـ, وكانت تريد لقاء ماريه والإسماع إلى كلامها مجدداً, ثم الكلام مع خالها لتعرف الحقيقة منه, وعندما وصلت لمنزلها الذي تربت فيه, لم تجد ماريه وأخبرتها الخادمة أنها تركت المنزل منذ فترة, فحزنت وطلبت لقاء خالها, فأخبرتها الخادمة أنه مريض ويرقد في المستشفى, فحينها صعدت ثأر إلى غرفته وصارت تفتش بين أغراضه, فلم تجد شيئاً, ثم اتجهت لمكتبته وصارت تفتش فيها, ثم عثرت على صندوق يوجد به بعض الأوراق, وهنا كانت المفاجئة, كانت الأوراق باسم أمها إيرين, والعنوان من الرياض إلى اسطنبول, كانت أول رسالة أرسلتها إيرين غير موجودة لأن يوحنا قام بتمزيقها, لكن بقية الرسائل التي أرسلتها إيرين بعد ذلك كانت موجودة في الصندوق، شعرت ثأر بأن عقلها مشوش وأرادت تفسيراً لهذا, وفوراً أخذت الأوراق معها واتجهت إلى الفندق الذي نزل فيه محمد, وأطلعته على الأوراق, وللأسف لم يكن يفهم في اللغة التركية لأنه من أصل عربي, لكنها ترجمت له الكلام من التركية إلى العربية, وبعد ذلك طلبت ثأر من محمد أن يرافقها, أما في المستشفى, فقد لفظ يوحنا أنفاسه الأخيرة, ووصلت ثأر قبل ذلك في آخر دقائق, فصرخت عندما علمت بالخبر وبكت ولطمت نفسها, فأمسكها محمد وحاول تهدئتها, لم تكن تبكي حزناً عليه, إنما لأنه تركها ضائعة ولم يجب على اسئلتها, لكن الأطبـاء قالوا: معجزة عاد قلبه ينبض, ووضعوا عليه الأوكسجين, فغادرت ثأر المستشفى وكانت محتاجة للراحة, وعندما أرادت ركوب سيارة الأجرة, رأت ماريه واستطاعت تمييز وجهها, رأتها بشكل مختلف وتقف بجانب أحد الرجال, تعجبت ثأر من هذا المنظر وذهبت مسرعة ناحيتها, ولم تستطع النطق بكلمة واحده, انهارت وبكت, فحاولت ماريه تهدئتها, وذهبوا جميعاً إلى مكان هاديء, وبدأت مارية تقص على ثأر قصتها, وتحدثها عن والديها, وكان محمد يستمع إلى القصة وهو يشعر بأسف شديد وحسرة على حال المسكينة ثأر وأمها, فما فعله يوحنا الضال أمر لا يغتفر, وبعد أن استمعت ثأر إلى القصة بكت بحرقة, وماريه كانت تبكي, ودمعت عيون محمد, نطقت ثأر بالشهادتين وأعلنت إسلامها, وكانت خائفة أن لا يغفر الله لها, لكن محمد ذكرها برحمة الله الواسعة, فأقسمت أن تأخذ بثأر والديها من خالها يوحنا, لكن ليس بطريقة الظلال, أقسمت إذا كتب الله عمراً أن تهديه للإسلام وتجعله يسجد ذليلاً خاضعاً لله عز وجل, ويبكي ويندم ويتوب على ذنوبه, وفي المستشفى دخلت ثأر على خالها وكانت تثرثر وتتكلم وهو كان يسمعها وهو مغمض العينين, فقال لها: ((يعلم الله أني أسلمت قبل أن تأتيني وتخبريني بإسلامكِ يا ثأر, ويعلم الله أني ندمت على كل ما عملته, وعلى السنوات التي أضعتها في رسم الخطط للنيل من الإسلام وتحطيمه, مع علمي أنه دين الحق, والحمد لله سأموت الآن وأنا مرتاح فقد هداكِ الله ولن يعاقبني ربي لأنني أظللتكِ, فإذا مت فلي وصية, ورفضت ثأر الإسماع عليه وقالت له: ((لن أسامحك إلى يوم الدين)) وخرجت وهي غاضبة باكية شاتمة له, فسألت ماريه ثأر: ((ماذا حدث بينكِ وبينه ؟!)) , فلم تجبها ثأر وجلست على الكرسي وهي تبكي, فدخلت ماريه وعلمت بخبر إسلامه فشعرت بسعادة بالغه, وتمنى يوحنا أمنية بأن يكتب الله له عمراً جديداً كي يصلي ويصوم ويحج ويتصدق ويعمل على هداية الناس لهذا الدين, ويحول كنيسته التي يملكها إلى مسجد, وقال لماريه: ((إذا كتب الله لي عمراً أريد الزواج منكِ)) , وبعدها خرج يوحنا من المستشفى وعاش لمدة شهر واحد فقط ثم توفي, وكان هذا الشهر من أجمل سنين عمره, تزوج بمارية, وتزوجت ثـأر بمحمد, وحقق يوحنا حلمه ورأى الكنيسة وهي تهدم وتم رسم المخطط الذي سيكون عليه المسجد عند بنائه في هذه البقعة, مات يوحنا وهو مسلم, فعاشت ماريه بعده فترة قصيرة ثم لحقته, أما ثأر, فقد عملت ما في وسعها لتكفر عن ذنبها وذنب خالها, بالتقرب إلى الله وهداية الناس ودعوتهم إلى الله, وتعرفت على عماتها وقادها الطريق لرؤية عائشه وزينب وأحفادهم, فشكرت الله على النعمة العظيمة التي وهبها الله إياها ((وهي الهداية والإسلام)) وهكذا عشقت ثأر الإسلام, وهذه قصة إسلامـها