رواية
هكذا عشقت الإسلام
البداية:
يحكى أنه منذ عدة أعوام, قدمت مجموعة من العوائل التركية إلى المملكة العربية السعودية من أجل أداء فريضة الحج, وكان بينهم رجل أسمه عثمان أتى برفقة زوجته جميله معهم, وجميعهم كانوا من مدينة اسطنبول.
وبعد انتهاء موسم الحج, وقضاء المناسك, رجع الأتراك جميعاً إلى بلدهم, ماعدا عثمان وزوجته, فقد قررا أن يستقرا في إحدى مناطق المملكة ووقع اختيار عثمان على مدينة الرياض, ليعمل فيها وليطلب العلم الشرعي ويتفقه في أصول الدين, وكان قد مضى على زواجه من جميلة 7 سنوات لكن الله لم يرزقهم بأي أطفال. وبعد الحج بشهرين, أتت البشرى لعثمان من زوجته بأنها حامل في شهرها الثانـي, ففرح فرحاً شديداً, ونذر لله عز وجل إذا رزقه الله بغلام, أن يجعله من الحافظين لكتاب الله والمتفقهين في الدين, وكانت زوجته طيلة فترة حملها تدعو الله بأن يرزقها بولد لتختار له أسم من أسماء سيد المرسلين, (محمد أو أحمد أو مصطفى أو ياسين أو طه) , وبعد مضي شهور الحمل كاملة, وضعت جميلة حملها, وكان المولود ذكراً فكبـر زوجها وخر ساجداً لله, وردد على لسانه "سأسميه أحمـد" , نعم هذا الاسم الذي قرر أن يختاره عثمان لولده
ومرت الأعوام والسنوات وأحمد يكبر شيئاً فشيئاً, وظهرت عليه علامات الفطنة والذكاء, فاستبشر والداه بهِ خيراً, كان فصيح اللسان وقد تعلم لغة أبويه اللغة التركية, مع اللغة العربية وصار يتكلم باللغتين بكل طلاقة.
تذكر والده النذر الذي نذره لله, أن يجعله حافظاً للقرآن الكريم, فأسرع في تسجيل أحمد في الكتاتيب والحلقات التي تقام في المساجد للتحفيظ, وكان يذهب أحمد إليها عصراً, أما في الصباح, فقد كان يذهب إلى المدارس الحكومية ليتعلم, وبتوفيق من الله عز وجل, وخلال سنة واحدة فقط حفظ أحمد كتاب الله, وكان يمتلك صوتاً عذباً في التلاوة, وعمره صار ثماني سنوات, وتعلم في المدرسة الكتابة والقراءة وانتقل إلى الصف الثاني الابتدائي, فقرر والده إن شاء الله إذا تجاوز الصف الثاني, سيبدأ بتعليمه حروف الهجاء وطريقة كتابتها بالتركية أثناء الإجازة, وفي العطلة جلس عثمان مع ولده أحمد وبدأ بإعطائه الدروس, وكان تجاوب أحمد مع والده كبيراً, وعند انتهاء العطلة وبداية الدراسة لم تتوقف الدروس, بل تابع عثمان تعليم ولده, فصار يخصص ساعة كاملة من كل يوم ليتقن أحمد الكتابة والقراءة بالتركية, فتمكن أحمد من إتقان لغة آباءه وأجداده.
وزيادة على ذلك وبفضل الله وعطاياه, أصبح عثمان من الرجال الأثرياء, والمعروفين في المنطقة, وكان الجميع يحبه ويأنس بالجلوس معه, ورؤية ولده أحمد, بالإضافة لذلك لم ينسَ عثمان الفقراء والمساكين, فكان يتصدق عليهم بسخاء وعلى الدوام, فطرح الله البركة في أمواله, لأنه كان يزكيها باستمرار, وكان حاكم المملكة آنا ذاك الملك خالد بن عبد العزيـز آل سعود حفظه الله
وتمضي السنوات, حتى بلغ أحمد 15 سنة, وكان في الصف الثالث متوسط, حملت أمه مرة أخرى, وكان بطنهـا كبيراً هذه المرة, فأنجبت توأم فتاتين جميلتين, فقرر عثمان وزوجته أن يسموا الكبيرة عائشة والصغيرة زينب
وكان عثمان بين فترة وأخرى يحدث ولده أحمد عن مدينة آباءه وأجداده (اسطنبول) العاصمة التركية, التي نشأ وترعرع فيها, وأخذ يحكي له ويحدثه عن كل صغيرة وكبيرة في هذه المنطقة, عن الطبيعة فيها, وعن الأماكن الأثرية والتاريخية والحضارة هناك, وعن حال المسلمين والمسيحيين في اسطنبول بالوقت الحاضـر, وحدثه عن تاريخها العريق (القسطنطينية سابقاً) وعن الأباطرة التي تعاقبوا على حكمها قبل الإسلام وبعده, وعن مؤسسها قسطنطين, وعن هرقل الذي كان معاصراً لرسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم, وعن الرسالة التي أرسلها الرسول لهرقل يدعوه فيها لدخول الإسلام, وكيف كان تعامل هرقل مع رسالة الرسول, وعن معركة مؤتة, وعن الفتوحات الإسلامية في عهد الصحابي معاوية بن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان وبقية المحاولات لفتح القسطنطينية, وأنها قديماً تسمى بيزنطة, وعن الاقتصاد فيها وخصوبة أرضها, وبشارة الرسول بأن هذه المنطقة ستفتح, فنعم الأمير أميرها ونعم الجيش ذلك الجيش, مما جعل المسلمين يسعون ويجاهدون بالغالي والنفيس لفتحها, وحدثه أيضاً عن الأتراك العثمانيين كيف تمكنوا من فتح هذه المنطقة على يد السلطان محمد الفاتح,
ومن كثرة حديث الأب عن مدينة إسطنبول, تعلق قلب ابنه بها, واشتاقت نفسه لزيارتها والتعرف عليها عن قرب, فقد كان عثمان وزوجته يشتاقان لبلدهم اسطنبول ويكثران من الحديث عنها, وعن ذكريات الطفولة والشباب, وأجمل الأماكن هناك, ويعبران عن اشتياقهما, لكن من الصعب السفر إليـها في هذا الوقت, خاصة وأن لديهما طفلتين مازالتا صغيرتين وبحاجة للرعاية والاهتمام, فصار حلم أحمد أن يرى إسطنبول, وكان يريد أن يسافر إليها ليدعو إلى الله وينشر الإسلام, فقد كان لديه هدف سامي,
وبعد تخرج أحمد من الثانوية العامة, رفض دخول الجامعة, فتعجب والده من سبب رفضه, فحينها تكلم أحمد وأفصح عما في داخل نفسه, أنه يريد السفر إلى اسطنبول ودخول الجامعة هناك, والتعرف على أقاربهم هنـاك, ورؤية الحي الذي تربى فيه والداه, وأن قد أسـر هذه الرغبة داخل نفسه ولم يطلع والداه عليها, منذ أربع سنوات, ففرح والده وشجعه على ذلك ووعده أنه سيدعمه بإرسال المال إليه باستمرار, ونصحه بأن يجتهد في دراسته إذا ذهب لاسطنبول والتحق بجامعتها.
وقام عثمان بتجهيز كل ما يحتاجه ولده للسفر, فحجز له تذكرة على متن إحدى البواخر القاصدة مدينة اسطنبول, وفي اليوم المحدد للسفر, وبعد إكمال جميع الإجراءات, حزمت جميلة أمتعة ولدهـا وهي تذرف الدموع حزناً على فراقه, وتوافد الزائرون على منزل عثمان لرؤية أحمد وتوديعه, والكل يدعو لأحمد بالتوفيق ويشجعه, وبعد أن فرغ المنزل من الزائرين, جلس عثمان مع ولده على إنفراد, وبدأ يعطيه النصائح ويذكره بالله وبخشيته وبالصلاة في أوقاتها كما عهده وأن لا ينسِ كل يوم تلاوة القرآن كي لا ينسى ما حفظه, ثم دخلت جميلة مع ابنتيها عائشة وزينب, فقبل عثمان رأس والدته, وهدأ من روعها أن كل شيء سيكون بخير هناك ولا تقلقي يا أمي, وذكرها أنه لن يضيع فلديه أقارب في المنطقة, وجلس أحمد على الأرض ينظر لأختيه ويلاعبهما, وكانتا تبلغان من العمر ثلاث سنوات, ثم خرج أحمد مع والده, على صوت أمه وهي تدعو له, وأوصله أبوه إلى ميناء مدينة جده, وتعانق عثمان وابنه وضحكا قليلاً, وقد كان الفراق صعباً, لكن الهدف الذي بداخل أحمد يجب أن يتحقق
ومن هنا بدأت رحلة أحمد, ومضى على غيـابه عن أهله ثلاث سنوات, كان أحمد شخصاً إجتماعي, أستطاع أن يكون العديد من الصداقات في اسطنبول, وتعرف على أقاربه هناك, وكان له نشاط كبير في الدعوة إلى الله ونشر الإسلام عن طريق توزيع الكتيبات الذي كان له يد في تأليف بعضها وترجمتها من العربية إلى اللغة التركية, وبقيت سنة واحدة وينهي دراسته الجامعية ويعود للمملكة العربية السعودية, وكان ذلك في عام 1402هـ, وصله حينها نبأ وفاة الملك خالد رحمه الله, فحزن لهذا الخبـر, لكنه ســر عندما علم أن أخو الملك خالد, سيتولى حكم المملكة من بعده, وهو الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله, أخبار المملكة كانت كلها تصل لأحمد على الدوام, فقد كان أحمد على إتصال دائم بوالديه, عن طريق المراسلة, فهو يكتب لهما باستمرار يخبرهما بأحواله, وأحياناً تكون الرسالة مرفقة بصورة له ولمدينة أسطنبول, وقد بلغ أحمد من العمر 24 سنة, فوعده والده إن شاء الله إن عاد إلى البلد, سوف يزوجه في الحال من فتاة طيبة ذات خلق ودين.
بقيت ثلاث شهور وينهي أحمد دراسته ويعود للبلد وهو حامل معه شهادة البكالوريوس من جامعة اسطنبول, وكعادة أحمد, طيلة الثلاث سنوات الماضية كان يزور بعض الكنائس للإطلاع على أحوالها, للدعوة والإرشاد وإسداء النصيحة والمساعدة وتوزيع الكتيبات التي تتكلم عن الله وعن الإسلام وعن الرسول عليه آلاف التحية والسلام. فصادف يوماً أنه ذهب لكنيسة في إحدى المناطق فتذكر أنه زارها مرتين أو ثلاث قبل ذلك, فعندما وصل إلى الكنيسة دخلها أحمد كأي شاب, ولم يكن لباسه أو زيه يدل على أنه مسلم, لكنه تعجب عندما دخلها فقد وجدها فارغة تماماً, إلا أنه أحس بصوت همهمه, وإذا به يلحظ فتاة جالسة بالصفوف الأولى, ترتدي زي الراهبات, وتبكي بصوت يكاد يكون غير مسموع, فتعجب من حالها, وسأل نفسه عن سبب بكائها, فأي مشكلة تعاني منها هذه الفتاة, أقترب من عندها ورفع صوته بإلقاء التحية باللغة التركية, فرفعت الفتاة رأسها وذهلت عندما رأته يقف بالقرب منها, وقامت واقفة وردت عليه التحية ثم سألته: ((هل من خدمة أقدمها لك ؟)) , نظر إليها فوجدها في ريعان شبابها وفي مقتبل العمر, شرد قليلاً وأجابها: ((لا شكراً, لكني أحببت أن أعرف هل كنتي تبكين ؟)) , ارتبكت الفتاة عندما وجه إليها أحمد هذا السؤال, وهزت رأسها مجيبة: ((لا شيء, أنا لم أكن أبكي أبداً)) , فقال أحمد: ((وجهكِ محمر أنا سألتكِ لأني أحب تقديم المساعدة والنصيحة للناس, فلا تخجلي وأخبريني مابكِ فقد أستطيع مساعدتك)). سكتت الفتاة ولم تجب, ونظرت إلى أحمد فاطمأن قلبها له وأحست أنه شخص طيب, فقال لها: ((هل يمكنني أن أطرح عليكِ سؤالاً آخر ؟)) , الفتاة: ((نعم اسأل )) , أحمد: ((هل أنتِ تعملين هنا منذ فترة, أم أنكِ حديثة عهد هنا ؟ )) الفتاة: ((أنا هنا منذ شهرين, لكني لم أكن أرتدي (واشارت لملابسها) هذا الزي من قبل, وكنت آتي إلى الكنيسة كأي فتاة)) , أحمد وهو يفكر: ((لماذا أخترتي أن تكوني راهبة, حياة الراهبات صعبة والحياة جميلة فلماذا تعرضين عنها, وانتِ يظهر بأنكِ مازلتي صغيرة وشابة)) ,عندما سمعت الفتاة كلمة (مازلتي صغيرة والحياة جميلة) انهمرت الدموع من عينيها بغزارة وغطت وجهها بيديها وانخرطت باكية, فأدرك أحمد فوراً أن الوضع الذي هي فيه الآن لم يكن باختيارها وبرغبة منها, فقال: ((يبدو أنكِ أكرهتي على هذا العمل, ولم تفكري سابقاً أن تكوني راهبة أم أني مخطئ ؟)) كانت الفتاة مازالت تبكي, فمسحت دموعها وقالت: ((كيف عرفت ذلك, إن هذا هو الشيء الذي يضايقني, أنا أكره أن أكون راهبة لا أريد, وحاولت التخلص من الوضع الذي أنا فيه فلم يجدي ذلك)) , فقال أحمد بهدوء: ((أجلسي وحدثيني من الذي أجبركِ على ذلك, وثقي بأني سأساعدكِ إن استطعت
فقالت الفتاة باطمئنان: ((حقاً ستساعدني؟)) , أحمد بلا أي تردد: ((نعم بكل تأكيد)) , الفتاة: ((أتعرف إني أفكر في الهروب من هنا منذ أسبوعين, لكني خائفة ليس لدي مكان آوي إليه, والأمان يكاد يكون معدوماً, واللصوص منتشرين والمجرمين في كل مكان, وأني أخشى على نفسي من الضياع إن هربت, وليس عندي أقارب ألجأ إليهم)) , تعجب أحمد وقال: ((ولماذا تريدين أن تهربين أو تنتحري, كلامكِ مخيف, ما هي مشكلتكِ ؟)) , فتكلمت الفتاة بخوف وهي تتلفت من حولها, لتنظر هل هناك أحد غيرهما في الكنيسة وعندما لم تجد أحداً قالت: ((أسمي إيرين وأبلغ من العمر 18 سنة, والداي متوفيان مذ كنت صغيرة, وأعيش مع أخي الأكبر يوحنا, هو أكبر مني بعشرين سنة, أخي قسيس وعالم كبيـر, وهو المسئول عن هذه الكنيسة, كنت فتاة حالمة, أعيش بحرية, أحصل على ما أريد, عشت حياة حلوه وكنت مدللة عند أخي, ومنزلنا جميل جداً, لأن أخي له مكانة إجتماعية كبيراً ويقصده الكثيرين لزيارتنا, وتعيش معنا في منزلنا راهبة أسمها ماريه, هي الساعد الأيمن لأخي يوحنا)) , ثم سكتت إيرين قليلاً, وأخذت نفساً وهي تكمل: ((كنت أنتظر لأكبر وأكون مسئولة عن نفسي, وعندما دخلت الثانوية كنت أحلم بعد التخرج بحياة مختلفة, أرتدي الملابس الأنيقة وأخرج كما أشاء, أريد الاستمتاع بهذه الحياة, وأريد أن أتزوج, وأصبح أماً بالمستقبل ويكون عندي أطفال كثيرون, فأنا لا يوجد لدي أخوات أو أخوه غير يوحنا, وهو لم يكن يلعب معي أو يجالسني إلا نادراً, فالفارق العمري بيني وبينه 20 سنة, كان مشغولاً عني دائماً, والآن يوحنا يريد أن يحرمني من الحياة)) , أحمد: وكيف ذلك ؟ , أكملت إيرين: دخل علي ذات يوم وهو يبتسم, وجلس يحدثني عن الكنيسة وحاجتها للراهبـات, ورأيت بيده كيساً فتحه وأخرج منه ملابساً للراهبات وتكاد تكون على مقاسي, وأمرني بارتدائها, وعندما ارتديتها تنفيذاً لأوامره وسألته لماذا, قال لي أخي ((منذ اليوم هذا سيكون زيكِ الرسمي وإلى الأبد وإياكِ أن تغيريه)), ظننت أنه يمزح معي, لكنه لم يبتسم ونظارته كانت جديه, لم أسكت وعارضته, قلت له أني أريد أن أعيش حياتي كأي فتاة في عمري, حدثته عن أحلامي وآمالي وطموحاتي في الحياة وأن عمل الراهبات لا يناسبني, لكنه أسكتني وقال أن هذه وصية والدينا "أن أخدم الكنيسة وأكون راهبة" قبل وفاتهما أوصوه بالعناية بي وإذا بلغت سن الرشد أن ألزم الكنيسة ولا أخرج منها لآخر يوم في عمري, وأنا الآن أبكي من شدة حيرتي, فأنا غير سعيدة بهذا الوضع, لا أتحمل ولست أفهم لماذا أوصياه والداي بهذه الوصية, إني أحب الكنيسة كأي فتاة وأحب الرب, لكن هذا العمل لا أتقنه ولا هو يناسبني
وأكملت إيرين لأحمد ماذا فعل أخوها يوحنا بها, عندما عارضته ورفضت أن تكون راهبة, وأنها أصبحت تشك بأن والديها أوصوا بأن تكون راهبه, فأمها كانت امرأة عاديه وأبوها لم يكن قسيساً أو عالماً, وفكرة الهرب من الواقع هي التي زينت لها الرغبة في الانتحار
وعندما علم أحمد بحالها, تأسف عليها وشعر بحزن شديد, ووعدها بأنه سيساعدها, فقالت له ((كيف هل ستقدر على إقناع أخي)) , فأجابها أحمد: ((كلا, أنا لن أتكلم مع أخوكِ يوحنا, بل جل كلامي سيكون معكِ, وهناك حديث طويلٌ أريد أن تسمعيه مني, لكن في وقت آخر لأني على عجلة من أمري الآن فلدي بعض الأشغال, وغداً أعود ومعي الحلول لمساعدتكِ)) , فاستأذن بعد ذلك منها وانصرف في حال سبيله, فجلست الفتاة سعيدة مبتهجة, وشكرت الرب لأنه معاناتها ستزول قريباً وسترجع حياتها طبيعية كما تمنت.
وبعد عدة ساعات عندما قضى أحمد أشغاله ورجع لمنزله, وصلى فرضه, أخذ يفكر في حال هذه الفتاة المسكينة, وحال البعيدين عن الله والذين لا يعرفون عن الله وعن الإسلام أي شيء, فأحضر ورقة وقلم وأخذ يبحث في مشكلة هذه الفتاة, ويضع لها الحلول, فلم يجد حلاً آخر غير أن يحدثها عن الإسلام, عن يسره وسهولته, كيف بدأ الإسلام وظهر للناس, ويحدثها لماذا خلقنا الله في هذا الكون ولأي علة, يحدثها عن الدنيا والآخرة, ويحدثها عن النبي محمد الذي جاء بشريعة الإسلام من عند الله خالق كل شيء ورب الكون, ويحدثها عن زوجات الرسول والنساء المسلمات, وأصحاب الرسول عليه السلام وأهل بيته, وكيف رفع الإسلام من شأن المرأة وأكرمها وحفظها ولم يجبرها على شيء, لكن السؤال الذي كان يدور في بال أحمد, هل ستتقبل هذه الفتاة كلامي والاستماع علي, هل سيؤثر فيها وهل سأنجح, وبعد ذلك خلد أحمد للراحة وللنوم, واستيقظ عند الفجـر بكل حيوية ونشاط, صلى صلاة الفجر وخرج لتناول فطوره في إحدى المطاعم القريبة, واتجه بعدها فوراً للكنيسة, ولم تكن فارغة هذه المرة, بل كان يوجد فيها عدد من الناس, فلم يستطع الإنفراد بإيرين والحديث معهـا إلا عندما فرغت الكنيسة من الزائرين, كانت إيرين متشوقة للاستماع إلى الحل الذي وضعه لها, فجلس أحمد يحدثها طويلاً حتى أدركهم الوقت, وبعد هذا اللقاء كتب الله أن تتجدد اللقاءات بشكل متتابع يحاول أن يشرح لها ويوضح, يحاورها ويجيبها وهي تسأل, يفسر ويبين, تفكر وتحتار, تنكر وتصدق, لا تريد أن تكذبه, بينهما كل التقدير والاحترام, أحبته لأخلاقه, لعلمه وفكره, كانت صورته جميلة في ذهنها لأنه يمثل الشاب المسلم, استشعرت عظمة الإسلام, بدأت تقتنع, صارت تأنس بالحديث والحوار, الضيق والهم والكدر الذي كانت تحس به اختفى وتلاشى, قالت بداخلها: لو كان هذا هو الحق فأنا أشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, فأعلنت إيرين إسلامها, وأبدت رغبتها في تعلم اللغة العربية كي تقرأ القرآن بلغته الأصلية, أرادت أن تكون مسلمة كي تسعد في الدنيا والآخرة, قالت لأحمد: لا أريد أن أكون تعيسة في الدارين, ما أروع الإسلام حتى المصيبة التي تصيبنا نؤجر عليها.
كان من المفترض أن يرجع أحمد إلى أهله, فقد أنهى دراسته واستلم شهادة البكالوريوس, لكنه جلس في أسطنبول ثلاث شهور إضافية, وكتب إلى أهله يخبرهم بأنه سيتأخر ولم يطلعهم على السبب, في البداية شعروا بالقلق عليه, لكن ثقة والديه فيه جعلتهما يشعران بالإطمئنان, وبتوفيق من الله تحقق ما أراده أحمد وهاهي إيرين قد أسلمت واتبعت دين الحق, شعرت إيرين بأنها إنسانة أخرى, علمها أحمد أركان الإسلام, وكيف تتوضأ وتصلي, وكان كل هذا يحدث بدون علم أخاها يوحنا, فقد كان منشغلاً عنها, لكن يوحنا شاهد أحمد مرتين يتردد على الكنيسة فتساءل من يكون, لأن أحمد بالذات لم يكن يسلم عليه عند رؤيته, سأل يوحنا أخته إيرين من يكون هذا الشاب, فأجابته إيرين: هو من العامة وشأنه كشأن أي شاب يقصد الكنيسة, لم يدقق يوحنا في كلامها ولم يهتم.
أما مارية – الراهبة التي تسكن مع إيرين ويوحنا في المنزل نفسه – وهي في الثلاثين من عمرها, وهبت حياتها للكنيسة ولخدمة المسيحية, وهي الساعد الأيمن ليوحنا كما ذكرت سابقاً, شعرت بأن شيئاً ما تغير في إيرين, صارت تشرد كثيراً وهي جالسة, في الآونة الأخيرة كانت إيرين كثيرة العزلة, الكآبة واضحة على محياها, أما الآن فالابتسامة لا تفارقها.
كان سبب سعادة إيرين هو دخولها في الإسلام, أحبت وضعها الجديد, لكن ماريه لم تكن تعلم بإسلام إيرين, فظنت أن إيرين قد أحبت العمل في الكنيسة وانسجمت فيه وهذا سـبب سعادتها, شعرت ماريه بالحزن والحسرة على نفسها, والسبب كان لأنها إلى الآن لم تصل إلى السعادة التي كانت تبحث عنها وتتمناها.
لم تكن مارية تحب الكنيسة أو تتمنى أن تكون راهبة, لكن هنالك دوافع وأسباب خاصة قادتها إلى سلوك هذا الطريق, والتي سنعرفها لاحقاً. غبطت ماريه إيرين على سعادتها وانسجامها مع الكنيسة
والأثنتين (مارية وإيرين) كانت تجمع بينهما صفات مشتركة, الأثنتين كانتا على قدر كبير من الجمال, كلتاهما كانتا تعشقان الحياة, والأمل لديهما كبير, كانت مارية تشفق على إيرين, وإيرين تشفق على مارية. تقول مارية في سرها: مسكينة أنتِ يا إيرين ظلمكِ أخوكِ عندما أرغمكِ أن تكوني راهبة, لا أريدكِ أن تعيشي مثل الحياة التي أنا عشتها. وإيرين عندما تنظر لمارية تقول وهي تخاطب نفسها: مارية لماذا أخترتي هذه الحياة, هل انتِ سعيدة بحياتكِ هذه لاتعرفين شيئاً من متاع الدنيا وبهجة الحياة سوى الكنيسة, ولم تلبسي أي ملابس أو تضعي مساحيق تجميل على وجهك, حتى طول شعرك ولونه لا أعرفه, ماريه جميله وأي رجل سيرى جمالها لن يتردد بالزواج منها, ستعيش حياة جميلة لو غادرت منزلنا وتركت الكنيسة, لماذا يا ترى اختارت خدمة المسيحية ومساعدة أخي, أي سعادة وجدتها في القيام بذلك.
بعد أن أسلمت إيرين ارتاح قلب أحمد ولم يتردد لحظة واحدة في طلب الزواج منها بعد إسلامها, قال لها: والدي يستعجلني للعودة للمملكة, فقد أشتد شوق أمي لي وهو كذلك, وأنا أطلت الغياب عنهما, وفي الحقيقة إني أخاف أن أترككِ وحيدة هنا وأنتِ حديثة عهد بالإسلام, ولقد سمعت أن أخوكِ يوحنا يكره الإسلام والمسلمين, ويسعى جاهداً إلى تنصيرهم, فماذا لو علم أنكِ يا إيرين قد دخلتِ في الإسلام, وإني أتيت اليوم لوداعكِ إن لم ترغبي في الزواج مني والسفر معي, وإن وافقتي فأنا الآن أتيت طالباً القرب والزواج منكِ, شعرت إيرين بالخجل واطرقت برأسها وغادرت الكنيسة مسرعة, فخاف أحمد أنها غير موافقة أو خائفة من أخوها. كان الخبر مفاجأة بالنسبة لإيرين, وفكرت في أخوها وماذا سيفعل لو علم بقصة إسلامها, سيجبرها أن تكفر وترجع إلى عبادة الصليب,
وبعد تفكير اتخذت إيرين قرارها بأن تتزوج بأحمد وتحقق حلمها بالسفر إلى بلاد الإسلام, فوافقت إيرين وتزوجت بأحمد وسافرت معه, تاركة رسالة لأخوها تخبره بأنها لن تعود إلى هذا المكان أبداً, وأخبرته بإسلامها, ودعته بأن يقرأ ويتعرف على الإسلام, ووصفت له الجمال الذي رأته في هذا الدين ووضحت له أسباب إسلامها,
وبعد أن قرأ يوحنا الرسالة, جن جنونه وثارت ثائرته, فقام بتمزيق الرسالة ورماها أرضاً ودهسها برجله, وازدادا ضغينة وحقداً على الإسلام, وأعلن الحرب ضد المسلمين.
شعرت إيرين بسعادة بالغة بعد زواجها من أحمد أكثر من ذي قبل, وعندما وصلت معه إلى مدينة جده, كان والدا أحمد على علم بأنه سيصل في هذا اليوم, فكانا في انتظاره ليقوما باستقباله مع أخواته عائشة وزينب, وكان اللقاء جميلاً, جلسوا يتحدثون طويلاً, وقد كتب أحمد لوالديه وأخبرهما أنه سيتزوج, فجلس يحدثهما عن قصة إسلام إيرين, وبما أن والدي إيرين يتقنان اللغة التركية فقد جلسا طويلاً يتحدثان مع أحمد وإيرين, بعد ذلك خلد العروسين للراحة, وبعد ذلك أستعد أحمد وإيرين للذهاب إلى مكة لآداء العمرة, ثم توجها إلى المدينة المنورة, وبعد أن انتهيا ورجعا إلى الرياض, قام عثمان بعمل وليمة عشاء احتفالاً بزواج ابنه, وتم عمل حفل زفاف بسيط لأحمد وإيرين حضرته مجموعة من النسوة
وتمضي الأيام, وإيرين تزداد اقتناعا وحباً للدين الإسلامي, وتشكر الله على النعمة والحال التي هي فيها, وقد حملت إيرين مما جعلها تزداد فرحاً, إلا أنها عندما حملت, صارت تراودها كوابيس وأحلام مزعجة عن أخوها يوحنا, كانت تراه يحترق في النار ويمد إليها يديه يطلب منها أن تساعده, وهي كانت عاجزه, فعندها تستيقظ إيرين فزعة من نومها وتبكي,
خافت إيرين أن يصبح الحلم حقيقة, ويموت أخوها على الكفر فيكون مصيره نار جهنم خالداً فيها, فقررت بعد مشاورة أحمد, أن تكتب له الرسائل واحدة تلوى الأخرى, تدعوه لدخول الدين وتوضح له ماذا يعني الإسلام, وعن أسباب إقتناعها بدخوله, وما الفرق بين الإسلام والمسيحية, وما القاسم المشترك, وكتبت له عن قصة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام, وأنه لم يصلب ولم يتقل وأن الله شبه به, وأن الله واحد أحد فرد صمد, ليس له صاحبة ولا ولد, وهو واحد وليس ثلاثة, وصار شغل إيرين هو كتابة الرسائل, وكانت متفائلة جداً وتدعو لأخيها على الدوام, بأن يشرح الله صدره ويهديه للإسلام
ولم يكن يوحنا يرد على رسائل أخته, ومضت خمس شهور كاملة, كبر فيها بطن إيرين, وكانت تحس بالقلق, وبكت خوفاً على إخيها, وطلبت منه أن يجيب على رسائلها لتطمئن بأنه بخير ولم يمت, فهي خشيت أن يكون قد فارق الحياة
هكذا عشقت الإسلام
البداية:
يحكى أنه منذ عدة أعوام, قدمت مجموعة من العوائل التركية إلى المملكة العربية السعودية من أجل أداء فريضة الحج, وكان بينهم رجل أسمه عثمان أتى برفقة زوجته جميله معهم, وجميعهم كانوا من مدينة اسطنبول.
وبعد انتهاء موسم الحج, وقضاء المناسك, رجع الأتراك جميعاً إلى بلدهم, ماعدا عثمان وزوجته, فقد قررا أن يستقرا في إحدى مناطق المملكة ووقع اختيار عثمان على مدينة الرياض, ليعمل فيها وليطلب العلم الشرعي ويتفقه في أصول الدين, وكان قد مضى على زواجه من جميلة 7 سنوات لكن الله لم يرزقهم بأي أطفال. وبعد الحج بشهرين, أتت البشرى لعثمان من زوجته بأنها حامل في شهرها الثانـي, ففرح فرحاً شديداً, ونذر لله عز وجل إذا رزقه الله بغلام, أن يجعله من الحافظين لكتاب الله والمتفقهين في الدين, وكانت زوجته طيلة فترة حملها تدعو الله بأن يرزقها بولد لتختار له أسم من أسماء سيد المرسلين, (محمد أو أحمد أو مصطفى أو ياسين أو طه) , وبعد مضي شهور الحمل كاملة, وضعت جميلة حملها, وكان المولود ذكراً فكبـر زوجها وخر ساجداً لله, وردد على لسانه "سأسميه أحمـد" , نعم هذا الاسم الذي قرر أن يختاره عثمان لولده
ومرت الأعوام والسنوات وأحمد يكبر شيئاً فشيئاً, وظهرت عليه علامات الفطنة والذكاء, فاستبشر والداه بهِ خيراً, كان فصيح اللسان وقد تعلم لغة أبويه اللغة التركية, مع اللغة العربية وصار يتكلم باللغتين بكل طلاقة.
تذكر والده النذر الذي نذره لله, أن يجعله حافظاً للقرآن الكريم, فأسرع في تسجيل أحمد في الكتاتيب والحلقات التي تقام في المساجد للتحفيظ, وكان يذهب أحمد إليها عصراً, أما في الصباح, فقد كان يذهب إلى المدارس الحكومية ليتعلم, وبتوفيق من الله عز وجل, وخلال سنة واحدة فقط حفظ أحمد كتاب الله, وكان يمتلك صوتاً عذباً في التلاوة, وعمره صار ثماني سنوات, وتعلم في المدرسة الكتابة والقراءة وانتقل إلى الصف الثاني الابتدائي, فقرر والده إن شاء الله إذا تجاوز الصف الثاني, سيبدأ بتعليمه حروف الهجاء وطريقة كتابتها بالتركية أثناء الإجازة, وفي العطلة جلس عثمان مع ولده أحمد وبدأ بإعطائه الدروس, وكان تجاوب أحمد مع والده كبيراً, وعند انتهاء العطلة وبداية الدراسة لم تتوقف الدروس, بل تابع عثمان تعليم ولده, فصار يخصص ساعة كاملة من كل يوم ليتقن أحمد الكتابة والقراءة بالتركية, فتمكن أحمد من إتقان لغة آباءه وأجداده.
وزيادة على ذلك وبفضل الله وعطاياه, أصبح عثمان من الرجال الأثرياء, والمعروفين في المنطقة, وكان الجميع يحبه ويأنس بالجلوس معه, ورؤية ولده أحمد, بالإضافة لذلك لم ينسَ عثمان الفقراء والمساكين, فكان يتصدق عليهم بسخاء وعلى الدوام, فطرح الله البركة في أمواله, لأنه كان يزكيها باستمرار, وكان حاكم المملكة آنا ذاك الملك خالد بن عبد العزيـز آل سعود حفظه الله
وتمضي السنوات, حتى بلغ أحمد 15 سنة, وكان في الصف الثالث متوسط, حملت أمه مرة أخرى, وكان بطنهـا كبيراً هذه المرة, فأنجبت توأم فتاتين جميلتين, فقرر عثمان وزوجته أن يسموا الكبيرة عائشة والصغيرة زينب
وكان عثمان بين فترة وأخرى يحدث ولده أحمد عن مدينة آباءه وأجداده (اسطنبول) العاصمة التركية, التي نشأ وترعرع فيها, وأخذ يحكي له ويحدثه عن كل صغيرة وكبيرة في هذه المنطقة, عن الطبيعة فيها, وعن الأماكن الأثرية والتاريخية والحضارة هناك, وعن حال المسلمين والمسيحيين في اسطنبول بالوقت الحاضـر, وحدثه عن تاريخها العريق (القسطنطينية سابقاً) وعن الأباطرة التي تعاقبوا على حكمها قبل الإسلام وبعده, وعن مؤسسها قسطنطين, وعن هرقل الذي كان معاصراً لرسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم, وعن الرسالة التي أرسلها الرسول لهرقل يدعوه فيها لدخول الإسلام, وكيف كان تعامل هرقل مع رسالة الرسول, وعن معركة مؤتة, وعن الفتوحات الإسلامية في عهد الصحابي معاوية بن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان وبقية المحاولات لفتح القسطنطينية, وأنها قديماً تسمى بيزنطة, وعن الاقتصاد فيها وخصوبة أرضها, وبشارة الرسول بأن هذه المنطقة ستفتح, فنعم الأمير أميرها ونعم الجيش ذلك الجيش, مما جعل المسلمين يسعون ويجاهدون بالغالي والنفيس لفتحها, وحدثه أيضاً عن الأتراك العثمانيين كيف تمكنوا من فتح هذه المنطقة على يد السلطان محمد الفاتح,
ومن كثرة حديث الأب عن مدينة إسطنبول, تعلق قلب ابنه بها, واشتاقت نفسه لزيارتها والتعرف عليها عن قرب, فقد كان عثمان وزوجته يشتاقان لبلدهم اسطنبول ويكثران من الحديث عنها, وعن ذكريات الطفولة والشباب, وأجمل الأماكن هناك, ويعبران عن اشتياقهما, لكن من الصعب السفر إليـها في هذا الوقت, خاصة وأن لديهما طفلتين مازالتا صغيرتين وبحاجة للرعاية والاهتمام, فصار حلم أحمد أن يرى إسطنبول, وكان يريد أن يسافر إليها ليدعو إلى الله وينشر الإسلام, فقد كان لديه هدف سامي,
وبعد تخرج أحمد من الثانوية العامة, رفض دخول الجامعة, فتعجب والده من سبب رفضه, فحينها تكلم أحمد وأفصح عما في داخل نفسه, أنه يريد السفر إلى اسطنبول ودخول الجامعة هناك, والتعرف على أقاربهم هنـاك, ورؤية الحي الذي تربى فيه والداه, وأن قد أسـر هذه الرغبة داخل نفسه ولم يطلع والداه عليها, منذ أربع سنوات, ففرح والده وشجعه على ذلك ووعده أنه سيدعمه بإرسال المال إليه باستمرار, ونصحه بأن يجتهد في دراسته إذا ذهب لاسطنبول والتحق بجامعتها.
وقام عثمان بتجهيز كل ما يحتاجه ولده للسفر, فحجز له تذكرة على متن إحدى البواخر القاصدة مدينة اسطنبول, وفي اليوم المحدد للسفر, وبعد إكمال جميع الإجراءات, حزمت جميلة أمتعة ولدهـا وهي تذرف الدموع حزناً على فراقه, وتوافد الزائرون على منزل عثمان لرؤية أحمد وتوديعه, والكل يدعو لأحمد بالتوفيق ويشجعه, وبعد أن فرغ المنزل من الزائرين, جلس عثمان مع ولده على إنفراد, وبدأ يعطيه النصائح ويذكره بالله وبخشيته وبالصلاة في أوقاتها كما عهده وأن لا ينسِ كل يوم تلاوة القرآن كي لا ينسى ما حفظه, ثم دخلت جميلة مع ابنتيها عائشة وزينب, فقبل عثمان رأس والدته, وهدأ من روعها أن كل شيء سيكون بخير هناك ولا تقلقي يا أمي, وذكرها أنه لن يضيع فلديه أقارب في المنطقة, وجلس أحمد على الأرض ينظر لأختيه ويلاعبهما, وكانتا تبلغان من العمر ثلاث سنوات, ثم خرج أحمد مع والده, على صوت أمه وهي تدعو له, وأوصله أبوه إلى ميناء مدينة جده, وتعانق عثمان وابنه وضحكا قليلاً, وقد كان الفراق صعباً, لكن الهدف الذي بداخل أحمد يجب أن يتحقق
ومن هنا بدأت رحلة أحمد, ومضى على غيـابه عن أهله ثلاث سنوات, كان أحمد شخصاً إجتماعي, أستطاع أن يكون العديد من الصداقات في اسطنبول, وتعرف على أقاربه هناك, وكان له نشاط كبير في الدعوة إلى الله ونشر الإسلام عن طريق توزيع الكتيبات الذي كان له يد في تأليف بعضها وترجمتها من العربية إلى اللغة التركية, وبقيت سنة واحدة وينهي دراسته الجامعية ويعود للمملكة العربية السعودية, وكان ذلك في عام 1402هـ, وصله حينها نبأ وفاة الملك خالد رحمه الله, فحزن لهذا الخبـر, لكنه ســر عندما علم أن أخو الملك خالد, سيتولى حكم المملكة من بعده, وهو الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله, أخبار المملكة كانت كلها تصل لأحمد على الدوام, فقد كان أحمد على إتصال دائم بوالديه, عن طريق المراسلة, فهو يكتب لهما باستمرار يخبرهما بأحواله, وأحياناً تكون الرسالة مرفقة بصورة له ولمدينة أسطنبول, وقد بلغ أحمد من العمر 24 سنة, فوعده والده إن شاء الله إن عاد إلى البلد, سوف يزوجه في الحال من فتاة طيبة ذات خلق ودين.
بقيت ثلاث شهور وينهي أحمد دراسته ويعود للبلد وهو حامل معه شهادة البكالوريوس من جامعة اسطنبول, وكعادة أحمد, طيلة الثلاث سنوات الماضية كان يزور بعض الكنائس للإطلاع على أحوالها, للدعوة والإرشاد وإسداء النصيحة والمساعدة وتوزيع الكتيبات التي تتكلم عن الله وعن الإسلام وعن الرسول عليه آلاف التحية والسلام. فصادف يوماً أنه ذهب لكنيسة في إحدى المناطق فتذكر أنه زارها مرتين أو ثلاث قبل ذلك, فعندما وصل إلى الكنيسة دخلها أحمد كأي شاب, ولم يكن لباسه أو زيه يدل على أنه مسلم, لكنه تعجب عندما دخلها فقد وجدها فارغة تماماً, إلا أنه أحس بصوت همهمه, وإذا به يلحظ فتاة جالسة بالصفوف الأولى, ترتدي زي الراهبات, وتبكي بصوت يكاد يكون غير مسموع, فتعجب من حالها, وسأل نفسه عن سبب بكائها, فأي مشكلة تعاني منها هذه الفتاة, أقترب من عندها ورفع صوته بإلقاء التحية باللغة التركية, فرفعت الفتاة رأسها وذهلت عندما رأته يقف بالقرب منها, وقامت واقفة وردت عليه التحية ثم سألته: ((هل من خدمة أقدمها لك ؟)) , نظر إليها فوجدها في ريعان شبابها وفي مقتبل العمر, شرد قليلاً وأجابها: ((لا شكراً, لكني أحببت أن أعرف هل كنتي تبكين ؟)) , ارتبكت الفتاة عندما وجه إليها أحمد هذا السؤال, وهزت رأسها مجيبة: ((لا شيء, أنا لم أكن أبكي أبداً)) , فقال أحمد: ((وجهكِ محمر أنا سألتكِ لأني أحب تقديم المساعدة والنصيحة للناس, فلا تخجلي وأخبريني مابكِ فقد أستطيع مساعدتك)). سكتت الفتاة ولم تجب, ونظرت إلى أحمد فاطمأن قلبها له وأحست أنه شخص طيب, فقال لها: ((هل يمكنني أن أطرح عليكِ سؤالاً آخر ؟)) , الفتاة: ((نعم اسأل )) , أحمد: ((هل أنتِ تعملين هنا منذ فترة, أم أنكِ حديثة عهد هنا ؟ )) الفتاة: ((أنا هنا منذ شهرين, لكني لم أكن أرتدي (واشارت لملابسها) هذا الزي من قبل, وكنت آتي إلى الكنيسة كأي فتاة)) , أحمد وهو يفكر: ((لماذا أخترتي أن تكوني راهبة, حياة الراهبات صعبة والحياة جميلة فلماذا تعرضين عنها, وانتِ يظهر بأنكِ مازلتي صغيرة وشابة)) ,عندما سمعت الفتاة كلمة (مازلتي صغيرة والحياة جميلة) انهمرت الدموع من عينيها بغزارة وغطت وجهها بيديها وانخرطت باكية, فأدرك أحمد فوراً أن الوضع الذي هي فيه الآن لم يكن باختيارها وبرغبة منها, فقال: ((يبدو أنكِ أكرهتي على هذا العمل, ولم تفكري سابقاً أن تكوني راهبة أم أني مخطئ ؟)) كانت الفتاة مازالت تبكي, فمسحت دموعها وقالت: ((كيف عرفت ذلك, إن هذا هو الشيء الذي يضايقني, أنا أكره أن أكون راهبة لا أريد, وحاولت التخلص من الوضع الذي أنا فيه فلم يجدي ذلك)) , فقال أحمد بهدوء: ((أجلسي وحدثيني من الذي أجبركِ على ذلك, وثقي بأني سأساعدكِ إن استطعت
فقالت الفتاة باطمئنان: ((حقاً ستساعدني؟)) , أحمد بلا أي تردد: ((نعم بكل تأكيد)) , الفتاة: ((أتعرف إني أفكر في الهروب من هنا منذ أسبوعين, لكني خائفة ليس لدي مكان آوي إليه, والأمان يكاد يكون معدوماً, واللصوص منتشرين والمجرمين في كل مكان, وأني أخشى على نفسي من الضياع إن هربت, وليس عندي أقارب ألجأ إليهم)) , تعجب أحمد وقال: ((ولماذا تريدين أن تهربين أو تنتحري, كلامكِ مخيف, ما هي مشكلتكِ ؟)) , فتكلمت الفتاة بخوف وهي تتلفت من حولها, لتنظر هل هناك أحد غيرهما في الكنيسة وعندما لم تجد أحداً قالت: ((أسمي إيرين وأبلغ من العمر 18 سنة, والداي متوفيان مذ كنت صغيرة, وأعيش مع أخي الأكبر يوحنا, هو أكبر مني بعشرين سنة, أخي قسيس وعالم كبيـر, وهو المسئول عن هذه الكنيسة, كنت فتاة حالمة, أعيش بحرية, أحصل على ما أريد, عشت حياة حلوه وكنت مدللة عند أخي, ومنزلنا جميل جداً, لأن أخي له مكانة إجتماعية كبيراً ويقصده الكثيرين لزيارتنا, وتعيش معنا في منزلنا راهبة أسمها ماريه, هي الساعد الأيمن لأخي يوحنا)) , ثم سكتت إيرين قليلاً, وأخذت نفساً وهي تكمل: ((كنت أنتظر لأكبر وأكون مسئولة عن نفسي, وعندما دخلت الثانوية كنت أحلم بعد التخرج بحياة مختلفة, أرتدي الملابس الأنيقة وأخرج كما أشاء, أريد الاستمتاع بهذه الحياة, وأريد أن أتزوج, وأصبح أماً بالمستقبل ويكون عندي أطفال كثيرون, فأنا لا يوجد لدي أخوات أو أخوه غير يوحنا, وهو لم يكن يلعب معي أو يجالسني إلا نادراً, فالفارق العمري بيني وبينه 20 سنة, كان مشغولاً عني دائماً, والآن يوحنا يريد أن يحرمني من الحياة)) , أحمد: وكيف ذلك ؟ , أكملت إيرين: دخل علي ذات يوم وهو يبتسم, وجلس يحدثني عن الكنيسة وحاجتها للراهبـات, ورأيت بيده كيساً فتحه وأخرج منه ملابساً للراهبات وتكاد تكون على مقاسي, وأمرني بارتدائها, وعندما ارتديتها تنفيذاً لأوامره وسألته لماذا, قال لي أخي ((منذ اليوم هذا سيكون زيكِ الرسمي وإلى الأبد وإياكِ أن تغيريه)), ظننت أنه يمزح معي, لكنه لم يبتسم ونظارته كانت جديه, لم أسكت وعارضته, قلت له أني أريد أن أعيش حياتي كأي فتاة في عمري, حدثته عن أحلامي وآمالي وطموحاتي في الحياة وأن عمل الراهبات لا يناسبني, لكنه أسكتني وقال أن هذه وصية والدينا "أن أخدم الكنيسة وأكون راهبة" قبل وفاتهما أوصوه بالعناية بي وإذا بلغت سن الرشد أن ألزم الكنيسة ولا أخرج منها لآخر يوم في عمري, وأنا الآن أبكي من شدة حيرتي, فأنا غير سعيدة بهذا الوضع, لا أتحمل ولست أفهم لماذا أوصياه والداي بهذه الوصية, إني أحب الكنيسة كأي فتاة وأحب الرب, لكن هذا العمل لا أتقنه ولا هو يناسبني
وأكملت إيرين لأحمد ماذا فعل أخوها يوحنا بها, عندما عارضته ورفضت أن تكون راهبة, وأنها أصبحت تشك بأن والديها أوصوا بأن تكون راهبه, فأمها كانت امرأة عاديه وأبوها لم يكن قسيساً أو عالماً, وفكرة الهرب من الواقع هي التي زينت لها الرغبة في الانتحار
وعندما علم أحمد بحالها, تأسف عليها وشعر بحزن شديد, ووعدها بأنه سيساعدها, فقالت له ((كيف هل ستقدر على إقناع أخي)) , فأجابها أحمد: ((كلا, أنا لن أتكلم مع أخوكِ يوحنا, بل جل كلامي سيكون معكِ, وهناك حديث طويلٌ أريد أن تسمعيه مني, لكن في وقت آخر لأني على عجلة من أمري الآن فلدي بعض الأشغال, وغداً أعود ومعي الحلول لمساعدتكِ)) , فاستأذن بعد ذلك منها وانصرف في حال سبيله, فجلست الفتاة سعيدة مبتهجة, وشكرت الرب لأنه معاناتها ستزول قريباً وسترجع حياتها طبيعية كما تمنت.
وبعد عدة ساعات عندما قضى أحمد أشغاله ورجع لمنزله, وصلى فرضه, أخذ يفكر في حال هذه الفتاة المسكينة, وحال البعيدين عن الله والذين لا يعرفون عن الله وعن الإسلام أي شيء, فأحضر ورقة وقلم وأخذ يبحث في مشكلة هذه الفتاة, ويضع لها الحلول, فلم يجد حلاً آخر غير أن يحدثها عن الإسلام, عن يسره وسهولته, كيف بدأ الإسلام وظهر للناس, ويحدثها لماذا خلقنا الله في هذا الكون ولأي علة, يحدثها عن الدنيا والآخرة, ويحدثها عن النبي محمد الذي جاء بشريعة الإسلام من عند الله خالق كل شيء ورب الكون, ويحدثها عن زوجات الرسول والنساء المسلمات, وأصحاب الرسول عليه السلام وأهل بيته, وكيف رفع الإسلام من شأن المرأة وأكرمها وحفظها ولم يجبرها على شيء, لكن السؤال الذي كان يدور في بال أحمد, هل ستتقبل هذه الفتاة كلامي والاستماع علي, هل سيؤثر فيها وهل سأنجح, وبعد ذلك خلد أحمد للراحة وللنوم, واستيقظ عند الفجـر بكل حيوية ونشاط, صلى صلاة الفجر وخرج لتناول فطوره في إحدى المطاعم القريبة, واتجه بعدها فوراً للكنيسة, ولم تكن فارغة هذه المرة, بل كان يوجد فيها عدد من الناس, فلم يستطع الإنفراد بإيرين والحديث معهـا إلا عندما فرغت الكنيسة من الزائرين, كانت إيرين متشوقة للاستماع إلى الحل الذي وضعه لها, فجلس أحمد يحدثها طويلاً حتى أدركهم الوقت, وبعد هذا اللقاء كتب الله أن تتجدد اللقاءات بشكل متتابع يحاول أن يشرح لها ويوضح, يحاورها ويجيبها وهي تسأل, يفسر ويبين, تفكر وتحتار, تنكر وتصدق, لا تريد أن تكذبه, بينهما كل التقدير والاحترام, أحبته لأخلاقه, لعلمه وفكره, كانت صورته جميلة في ذهنها لأنه يمثل الشاب المسلم, استشعرت عظمة الإسلام, بدأت تقتنع, صارت تأنس بالحديث والحوار, الضيق والهم والكدر الذي كانت تحس به اختفى وتلاشى, قالت بداخلها: لو كان هذا هو الحق فأنا أشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, فأعلنت إيرين إسلامها, وأبدت رغبتها في تعلم اللغة العربية كي تقرأ القرآن بلغته الأصلية, أرادت أن تكون مسلمة كي تسعد في الدنيا والآخرة, قالت لأحمد: لا أريد أن أكون تعيسة في الدارين, ما أروع الإسلام حتى المصيبة التي تصيبنا نؤجر عليها.
كان من المفترض أن يرجع أحمد إلى أهله, فقد أنهى دراسته واستلم شهادة البكالوريوس, لكنه جلس في أسطنبول ثلاث شهور إضافية, وكتب إلى أهله يخبرهم بأنه سيتأخر ولم يطلعهم على السبب, في البداية شعروا بالقلق عليه, لكن ثقة والديه فيه جعلتهما يشعران بالإطمئنان, وبتوفيق من الله تحقق ما أراده أحمد وهاهي إيرين قد أسلمت واتبعت دين الحق, شعرت إيرين بأنها إنسانة أخرى, علمها أحمد أركان الإسلام, وكيف تتوضأ وتصلي, وكان كل هذا يحدث بدون علم أخاها يوحنا, فقد كان منشغلاً عنها, لكن يوحنا شاهد أحمد مرتين يتردد على الكنيسة فتساءل من يكون, لأن أحمد بالذات لم يكن يسلم عليه عند رؤيته, سأل يوحنا أخته إيرين من يكون هذا الشاب, فأجابته إيرين: هو من العامة وشأنه كشأن أي شاب يقصد الكنيسة, لم يدقق يوحنا في كلامها ولم يهتم.
أما مارية – الراهبة التي تسكن مع إيرين ويوحنا في المنزل نفسه – وهي في الثلاثين من عمرها, وهبت حياتها للكنيسة ولخدمة المسيحية, وهي الساعد الأيمن ليوحنا كما ذكرت سابقاً, شعرت بأن شيئاً ما تغير في إيرين, صارت تشرد كثيراً وهي جالسة, في الآونة الأخيرة كانت إيرين كثيرة العزلة, الكآبة واضحة على محياها, أما الآن فالابتسامة لا تفارقها.
كان سبب سعادة إيرين هو دخولها في الإسلام, أحبت وضعها الجديد, لكن ماريه لم تكن تعلم بإسلام إيرين, فظنت أن إيرين قد أحبت العمل في الكنيسة وانسجمت فيه وهذا سـبب سعادتها, شعرت ماريه بالحزن والحسرة على نفسها, والسبب كان لأنها إلى الآن لم تصل إلى السعادة التي كانت تبحث عنها وتتمناها.
لم تكن مارية تحب الكنيسة أو تتمنى أن تكون راهبة, لكن هنالك دوافع وأسباب خاصة قادتها إلى سلوك هذا الطريق, والتي سنعرفها لاحقاً. غبطت ماريه إيرين على سعادتها وانسجامها مع الكنيسة
والأثنتين (مارية وإيرين) كانت تجمع بينهما صفات مشتركة, الأثنتين كانتا على قدر كبير من الجمال, كلتاهما كانتا تعشقان الحياة, والأمل لديهما كبير, كانت مارية تشفق على إيرين, وإيرين تشفق على مارية. تقول مارية في سرها: مسكينة أنتِ يا إيرين ظلمكِ أخوكِ عندما أرغمكِ أن تكوني راهبة, لا أريدكِ أن تعيشي مثل الحياة التي أنا عشتها. وإيرين عندما تنظر لمارية تقول وهي تخاطب نفسها: مارية لماذا أخترتي هذه الحياة, هل انتِ سعيدة بحياتكِ هذه لاتعرفين شيئاً من متاع الدنيا وبهجة الحياة سوى الكنيسة, ولم تلبسي أي ملابس أو تضعي مساحيق تجميل على وجهك, حتى طول شعرك ولونه لا أعرفه, ماريه جميله وأي رجل سيرى جمالها لن يتردد بالزواج منها, ستعيش حياة جميلة لو غادرت منزلنا وتركت الكنيسة, لماذا يا ترى اختارت خدمة المسيحية ومساعدة أخي, أي سعادة وجدتها في القيام بذلك.
بعد أن أسلمت إيرين ارتاح قلب أحمد ولم يتردد لحظة واحدة في طلب الزواج منها بعد إسلامها, قال لها: والدي يستعجلني للعودة للمملكة, فقد أشتد شوق أمي لي وهو كذلك, وأنا أطلت الغياب عنهما, وفي الحقيقة إني أخاف أن أترككِ وحيدة هنا وأنتِ حديثة عهد بالإسلام, ولقد سمعت أن أخوكِ يوحنا يكره الإسلام والمسلمين, ويسعى جاهداً إلى تنصيرهم, فماذا لو علم أنكِ يا إيرين قد دخلتِ في الإسلام, وإني أتيت اليوم لوداعكِ إن لم ترغبي في الزواج مني والسفر معي, وإن وافقتي فأنا الآن أتيت طالباً القرب والزواج منكِ, شعرت إيرين بالخجل واطرقت برأسها وغادرت الكنيسة مسرعة, فخاف أحمد أنها غير موافقة أو خائفة من أخوها. كان الخبر مفاجأة بالنسبة لإيرين, وفكرت في أخوها وماذا سيفعل لو علم بقصة إسلامها, سيجبرها أن تكفر وترجع إلى عبادة الصليب,
وبعد تفكير اتخذت إيرين قرارها بأن تتزوج بأحمد وتحقق حلمها بالسفر إلى بلاد الإسلام, فوافقت إيرين وتزوجت بأحمد وسافرت معه, تاركة رسالة لأخوها تخبره بأنها لن تعود إلى هذا المكان أبداً, وأخبرته بإسلامها, ودعته بأن يقرأ ويتعرف على الإسلام, ووصفت له الجمال الذي رأته في هذا الدين ووضحت له أسباب إسلامها,
وبعد أن قرأ يوحنا الرسالة, جن جنونه وثارت ثائرته, فقام بتمزيق الرسالة ورماها أرضاً ودهسها برجله, وازدادا ضغينة وحقداً على الإسلام, وأعلن الحرب ضد المسلمين.
شعرت إيرين بسعادة بالغة بعد زواجها من أحمد أكثر من ذي قبل, وعندما وصلت معه إلى مدينة جده, كان والدا أحمد على علم بأنه سيصل في هذا اليوم, فكانا في انتظاره ليقوما باستقباله مع أخواته عائشة وزينب, وكان اللقاء جميلاً, جلسوا يتحدثون طويلاً, وقد كتب أحمد لوالديه وأخبرهما أنه سيتزوج, فجلس يحدثهما عن قصة إسلام إيرين, وبما أن والدي إيرين يتقنان اللغة التركية فقد جلسا طويلاً يتحدثان مع أحمد وإيرين, بعد ذلك خلد العروسين للراحة, وبعد ذلك أستعد أحمد وإيرين للذهاب إلى مكة لآداء العمرة, ثم توجها إلى المدينة المنورة, وبعد أن انتهيا ورجعا إلى الرياض, قام عثمان بعمل وليمة عشاء احتفالاً بزواج ابنه, وتم عمل حفل زفاف بسيط لأحمد وإيرين حضرته مجموعة من النسوة
وتمضي الأيام, وإيرين تزداد اقتناعا وحباً للدين الإسلامي, وتشكر الله على النعمة والحال التي هي فيها, وقد حملت إيرين مما جعلها تزداد فرحاً, إلا أنها عندما حملت, صارت تراودها كوابيس وأحلام مزعجة عن أخوها يوحنا, كانت تراه يحترق في النار ويمد إليها يديه يطلب منها أن تساعده, وهي كانت عاجزه, فعندها تستيقظ إيرين فزعة من نومها وتبكي,
خافت إيرين أن يصبح الحلم حقيقة, ويموت أخوها على الكفر فيكون مصيره نار جهنم خالداً فيها, فقررت بعد مشاورة أحمد, أن تكتب له الرسائل واحدة تلوى الأخرى, تدعوه لدخول الدين وتوضح له ماذا يعني الإسلام, وعن أسباب إقتناعها بدخوله, وما الفرق بين الإسلام والمسيحية, وما القاسم المشترك, وكتبت له عن قصة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام, وأنه لم يصلب ولم يتقل وأن الله شبه به, وأن الله واحد أحد فرد صمد, ليس له صاحبة ولا ولد, وهو واحد وليس ثلاثة, وصار شغل إيرين هو كتابة الرسائل, وكانت متفائلة جداً وتدعو لأخيها على الدوام, بأن يشرح الله صدره ويهديه للإسلام
ولم يكن يوحنا يرد على رسائل أخته, ومضت خمس شهور كاملة, كبر فيها بطن إيرين, وكانت تحس بالقلق, وبكت خوفاً على إخيها, وطلبت منه أن يجيب على رسائلها لتطمئن بأنه بخير ولم يمت, فهي خشيت أن يكون قد فارق الحياة