البارت الثاني
((غيرة و نار ))
جلس محمد و هو يتململ في جلسته و كأنه يجلس على مسامير حادة , كان شابا طويلا , ذا حاجبين معقودين ... بدا عصبيا و غاضبا و هو ينظر الى ساعته للمرة العاشرة خلال الدقائق الأخيرة , أنها العاشرة مساء و قد أكد على نجلا أن تعود في التاسعة , و اتصل بها و أجابته بصوت هامس : آسفة حقا , ما زلنا عند اهل العروس .
فصرخ بغضب : لا أريد اعذارا ...اسمعي أن لم ترجعي خلال نصف ساعة لن تمر الليلة على خير , و أقفل الهاتف و كأنه سيحطمه ...
انه لا يطيق أن تتأخر في العودة ...وفي الحقيقة لا يطيق أشياء كثيرة أيضا ...
مازال يتذكر يوم فاتحته والدته بموضوع الزواج , كان قد بدأ لتوه عمله في احدى الوزارات و حالته المادية مستقرة ... لم تكن عائلته غنية جدا لكنهم ميسوروا الحال و قد ورثوا عن أبيهم بعض العقارات التي حسنت من دخلهم كثيرا ,و ألحت عليه والدته ليذهب معها ليلتقي الفتاة التي اختارتها له , لقد رأتها في احد الأعراس و أعجبتها ,و ذهب فعلا ليراها ... ووقع في حبها منذ أن رآها ... لقد أعجبته نجلا اعجابا فاق خياله و سلب أرادته ... وجد نفسه مفتونا بهذه الفتاة ذات الشعر الأحمر المتماوج و العيون العسليى الفاتحة , و رغم أنه مر بعلاقات نسائية عابرة خلال حياته , الا أنه أحس و كأنه يعرف امرأة للمرة الأولى , وأكثر ما أحبه في نجلا صوتها , صوت رقيق ناعم ذو رنة مميزة , لم يستطع أبدا التخلص من صداه منذ سمعه ذلك اليوم , و وافق بسرعة على الزواج كما وافقت هي ...و زاد حبه لها مع الوقت ... كانت نجلا في سنتها الجامعية الأخيرة و لطالما طمحت الى ان تعمل كميعدة في الجامعة ... كانت تحدثه عن أحلامها و آمالها , و كان يحدثها عن حياته , لكنه اعتاد أن يستمع أليها أكثر مما يتحدث معها , و تزوجا ... و تخرجت نجلا بعد وقت قصير , و رفض هو عملها في الجامعة رفضا قاطعا , أنه لا يطيق أن يراها الآخرون , أن يكلموها و أن يسألوها لا يتحمل أن تكون فرجة للطلبة ...لا يتخيل أن يسمعوا صوتها الجميل و هي تشرح لهم الدروس , و بكت نجلا طويلا ثم استسلمت له , لكنه تمادى , أشياء كثيرة كانت تثير غيرته , لبسها , زينتها , طريقة كلامها ,و أجبرها على ارتداء الحجاب , و بكت طويلا أيضا قبل أن توافق , لكنها استسلمتلما يريده كي لا تخسره , و حاولت أمه التدخل لتهدئ المشاكل اليت يفعلها , بلا فائدة , و مع الوقت ارتدت نجلا العباءة و تخلت عن وضع المساحيق , ثم تخلت عن قيادة السيارة , و لم تعمل فلكما عثرت على و ظيفة يرفضها محمد , أنه يغار عليها بجنون و في المقابل يحبها بجنون , و في حالات صفوه كان يشبعها دلالا و يقبل رأسها و يديها و هو يهمس لها : أغار عليك حتى من الهواء حولك ... تحمليني , و من غيرك يتحملني ...
و أحبته هي ... لكنه حب ممزوج بالألم و الخوف , لم تكن سعيدة ,كانت خائفة , لقد سكن الخوف قلبها ,و في لحظات كثيرة تمنت الهرب من محمد ... لكنها حملت بعد عام من زواجهما و تقبلت حملها ... و لم تفرح به , لكنها تأملت أن تغير الأبوة زوجها و تهدئ من عصبيته , و فرح هو بحملها بشدة , كاد يطير من الفرح و كلما ذهبا معا الى الطبيبة التي تتابع حالتها كان يبدو رقيقا يكاد يحملها بين ذراعيه و يطير بها .
لكن نوبات غضبه لم تخف ... و اليوم كانت النوبة الأكبر بلا شك ...
لم ذهبت نجلا مع أمه , أنها في الشهر التاسع و قد تلد في اية لحظة ثم ما دخلها في زواج أخيه , و نظرالى الساعة من جديد و هو ينفث دخان الغضب ...
و في طريق العدوة جلست نجلا تهز ركبتيها في السيارة من شدة التوتر , و هزت السيدة رحاب رأسها و هي تقول : اهدئي يا ابنتي ...مازال الوقت باكرا , لم كل هذا الخوف ؟
فقالت نجلا و هي تكاد تبكي : تعرفين غضبه يا خالتي ... سترك يا رب...
و شعرت الأم أنها تكاد تنفجر من تصرفات ولدها لقد كان والدها هكذا , سبحان الله ورث ولدها صفات جدهو لم يرث صفات ابيه الطيبة , ورن هاتف نجلا , و أخذته الأم من يدها و ردت بغضب : ما الذي جرى لك ؟ تعرف أننا ذاهبتان انخطب لأخيك , بدلا من مباركتك تزعج زوجتك و تقلقلها وكأنك لا تبالي بالمناسبة ولا تبالي حتى بحملها ...
ورد محمد بعصبية : و تشكوني أليك أيضا , حسنا لن يحصل لها طيب ...
و صرخت الأم : ألا تخجل من نفسك , اقفل الخط الآن و استعذ من شيطان الغضب الذي استحوذ عليك و على عقلك .
و أقفلت الأم الخط , بكت نجلا : يا ألهي ما الذي سيفعله بي ...
و صرخت الأم بها هذه المرة : لا تخافي منه , لم يتسلط عليك ألا لأنك سمحت له بذلك ...
و ردت نجلا من بين دموعها : وما عساني أن أفعل ؟
و سكتت الأم .. فهي تعرف جبدا أن نساء كثيرات يتحملن أكثر من ذلك ...بلا حول ولا قوة ... يالجبروت بعض الرجال ؟
ووصلتا الى المنزل و نجلا تكاد تتعثر بعباءتها و بدأت تصعد السلالم و كأنها تقفز رغم ثقل بطنها و الأم ترمقها بشفقة و تهز رأسها بأسف على حالها ...