- إنضم
- 16 يوليو 2010
- المشاركات
- 4,416
- مستوى التفاعل
- 3
- النقاط
- 0
تحتل رواية طرزان للكاتب الأمريكي المولود بشيكاغو إدغار ريس بيرو Edgar Rice Burroughs (1875-1950)مكانة مرموقة و متميزة في تاريخ الآداب العالمية وذلك بالنظر إلى الصدى الهائل الذي أحدثته ولا تزال هذه الرواية الأسطورة لدى القراء في كافة أنحاء المعمورة ، بحيث في كل عام تقريبا تصدر حولها العديد من الأفلام وأشرطة الرسوم المتحركة والترجمات وحتى الدراسات الفلسفية !
إن قصة ملك الغابة أو الإنسان القرد طرزان على حد وصف العنوان الأصلي لهذه الرواية الأسطورة هو ذاك البطل الشهير المدافع باستماتة عن العدل والسلم والحرية، سلاحه في ذلك نبل قلبه ووسامته وقوته البدنية الخارقة.. و الذي يتمعن جيدا في تفاصيل سيرة هذه الشخصية الأدبية و السينمائية المعروفة الآن في عموم الكرة الأرضية والتي أبدعها كما قلنا الروائي الأمريكي إدغار ريس بيرو(الذي أبدع أيضا عدة قصص من الخيال العلمي والروايات البوليسية) سيجد ولاشك شبها غريبا يصل أحيانا إلى حد التماثل بينها وبين قصة حي بن يقظان للفيلسوف العربي ابن طفيل ويمكن للدارسين المختصين في الأدب المقارن التأكد فيما إذا كان هناك تأثر من طرف الكاتب الأمريكي في هذا المجال..
و قصة طرزان هي في الواقع قصة طفل رضيع ضاع من أهله الأثرياء ليترعرع بعد ذلك وسط الحيوانات بين أحراش الغابة العذراء واستطاع بقدراته الفطرية وذكائه الإنساني أن يسيطر على الحيوانات الطبيعية بما فيها المتوحشة ويسخرها في خدمته دفاعا عن كل القيم المثلى، ومن هنا فإن رواية طرزان التي حولت إلى سلسلة أفلام ناجحة حققت شهرة كاسحة ليست في الواقع مجرد مغامرة أدبية وفنية للفرجة والمتعة فحسب بل هي في الأساس انتقاد مرير ضد انحرافات وآفات المجتمع المعاصر ومنها هذه التكنولوجيا التي تحاول أن تبني العالم بيد وتهدمه باليد الأخرى عن طريق تلويث البيئة وتدمير الطبيعة مما أدى وسيؤدي إلى وقوع كوارث خطيرة ماحقة كل ذلك مقابل تحقيق التقدم المزعوم وبأي ثمن كان !..
إن أسطورة طرزان بناء على هذا التصور و التي لازال حتى الآن يصدر حولها فيلم كل عام تقريبا، تعتبر في الأساس رسالة حكمة وتعقل إلى الإنسان المعاصر عموما و علماء التكنولوجيا خصوصا الذين على ما يبدو غير واعين بدرجة الخطورة التي يقودوننا إليها وبخطوات متسارعة وفي الوقت ذاته فإن هذه الأسطورة ذات التفاصيل المشوقة تشجع على العودة إلى استغلال الأرض بالزرع والاستهلاك بعقلانية فالتطور العلمي أو التكنولوجي ليس هدفا في ذاته بل وجد أصلا لخدمة الإنسان وتحقيق منفعته الضرورية لاستمرار نوعه ووجوده في الحياة أما اللجوء إلى استثمار المعرفة بهدف التبذير والبذخ الفاحش وتخريب البيئة فهذا سلوك جنوني لا تحمد قطعا نتائجه وتداعياته، إذن فإن قصة طرزان ما هي في الأساس سوى " صرخة " احتجاج أرسلها الكاتب الأمريكي بيرو (الذي يبقى من المحتمل أنه تأثر بنص حي بن يقظان) ضد التلوث في كل صوره المادية و الأخلاقية ومنها طبعا هذا التوجه العاصف من أجل القضاء على رئة الإنسانية ممثلة في الغابات المتواجدة عبر شتى مناطق العالم، وقل الشيء نفسه عن الحروب والصراعات الدامية التي تعكس بشاعة و حقد الإنسان على أخيه الإنسان، ومعلوم أن طرزان تجلى في بداية النص الروائي لبيرو ككائن غير اجتماعي وعدو للبشر لكنه مع مرور الوقت نراه يتخلى عن هذه النزعة الانطوائية بسرعة ليندمج مع الآخرين ويحبهم ويدافع عنهم أيضا، كما فعل مع الباحثين والعلماء ضد الأهالي الغاضبين وتجار العبيد ..إلخ
ويذكر أن من بين أبرز الانتقادات التي وجهت إلى المبدع الأول لشخصية طرزان الأمريكي إدغار ريس بيرو هو نظرته العنصرية التي تحاول أن تعلي من قيمة الإنسان الأبيض مقارنة ببقية الشعوب الملونة إن صح التعبير، بيد أنه في العموم رغم وجود مثل هذا النوع من القراءات والمقاربات النقدية والتحليلية لنص بيرو فإن أسطورة طرزان تظل في كل الأحوال صوت العقل النقي الذي لم تشوهه الأطماع الاجتماعية و الالتزامات المعيشية الصارمة وكذا مخلفات نزعة الاستهلاك المتطرفة التي أفرزت مثلما هو معروف الأطماع الاستعمارية و النزاعات العالمية والتلوث والقنبلة الذرية والأمراض الفتاكة وغيرها من التداعيات السلبية المرتبطة بمجتمعنا المعاصر ومن هنا لاعجب أن يتكرر الحضور الإيجابي لطرزان من خلال تعاقب فصول الرواية أو بالأحرى الروايات الست والعشرين التي صدرت تباعا لنفس الكاتب في أزيد من 100 مليون نسخة ، يحدث ذلك كما لو كان الأمر يتعلق بمنبه مستمر إلى ضرورة مراجعة ذاتنا و ما تنتجه من أفكار وآلات غريبة نجهل أحيانا كثيرة آثارها علينا وعلى المجتمع ككل ..
ومن الطريف أن نضيف ضمن هذا السياق أن عدد أفلام طرزان السينمائية منذ سنة 1918 يزيد عن الخمسين فيلما، فضلا عن 57 فيلما تلفيزيونيا و500 حصة إذاعية و12 ألف شريط رسوم متحركة.. أما الذين مثلوا دور طرزان فهم أيضا ينتمون إلى كل الآفاق، فطرزان الأول " إلمو لنكولن " كان في الأصل شرطيا والثاني " جين بولار " من رجال المطافئ والثالث " بيرسي دمسي " مغني أوبيرا والخامس " فرانك ميريل " والثالث عشر " جاك ماهوني " من الممثلين المجازفين والسادس " جوني فايسميلر" والسابع " باستر كراب " يعتبران من أبطال السباحة الأولمبيين والثامن " هيرمان بريس" بطلا في رمي الجلة والتاسع " غلين موريس" بطلا أولمبيا في الألعاب العشرية والثاني عشر " دونيس مولر " والرابع عشر " ميك هنري " والسادس عشر " ميليز أوكيف " لاعبين في كرة القدم والعاشر " ليكس بركر " مهندسا والسابع عشر فرنسي الأصل هو "كريستوف لوبير" الممثل المعروف، أما الخامس عشر " رون إيلي " فقد مثل بطولة طرزان في 58 فيلما حيث حطم الرقم القياسي الذي كان بحوزة جوني فايسميلر (12 فيلما ) ويذكر أيضا أن طرزان رقم أربعة " جيمس بيرسي تزوج بابنة إدغار ريس بيرو شخصيا، ولا بأس أن نشير في الأخير إلى الممثل جون شيفيلد الذي توفي في 15 أكتوبر الجاري 2010 عن عمر79سنة إثر سكتة قلبية بعد سقوطه من أعلى شجرة بحديقته المنزلية الكائنة في مدينة تشولا فيستا بكاليفورنيا وكان هذا الممثل قد أدى دور ابن طرزان في فيلم حمل نفس العنوان و أخرج العام 1939 .
هكذا نرى بأن السيد طرزان ملأت أسطورته الفذة سمع الدنيا وبصر العالم وذلك بحضوره الدائم و المستمر مؤكدا في كل مرة على أن الإنسان سوف لن يربح العالم إذا فقد جوهره الأصيل وقيمه العليا مثل الحرية والسلام والعدل والمساواة والمحبة.. فتحية خاصة إلى الروائي إدغار ريس بيرو .
