الشـاعر / فهـد العـسكر
الشاعر فهد العسكر.. اسم إشكالي بحدّ ذاته، ومثار اختلاف بين مجايليه، تتصارع حوله الآراء، وتتشابك الخطوط، ولعل ما يزيد الأمر تعقيداً، هو طبيعة المرحلة التي عاش فيها الشاعر، من ضيق أُفق، وبيئة صغيرة يعرف الناس بعضهم بعضًا فيها بشكل جيد، ويرون بعضهم بعيون مفتوحة، ربما لا ترى سوى المثالب، والسلبيات..
ولادته..
ولد فهد بن صالح بن محمد بن عبد الله بن علي العسكر في الكويت عام 1917م، في المنطقة التي كانت تسمى "سكة عنزة"، حيث كان تجمع الأغنام فيها صباحاً، ليسرح بها راعي الغنم "الشاوي"، كما يسميه الكويتيون، ويعود بها في المساء.
يرجع نسبه إلى قبيلة "عنزة"، أجداده من "نجد"، كان جده "محمد" تاجر غنم وإبل، كثير التنقل بين الرياض والكويت، وقد شجعه الشيخ "دعيج الصباح" على الاستقرار في الكويت، بعد أن توطدت بينهما أواصر الصداقة.
نشأته و دراسته
نشأ في بيت كان محافظاً شديد المحافظة على العادات والتقاليد، وكان والداه متدينين، فشب فهد متديناً أشد التدين، ودرس في المدرسة "المباركية"، أول مدرسة نظامية في الكويت، وتتلمذ على يد أساتذة أجلاّء، منهم الشيخ "عبد الله النوري".
قرأ دواوين الشعر العربي وقال الشعر مبكراً، وقد كتب قصيدة مدح فيها الملك "عبد العزيز"، غناها المطرب الكويتي المشهور "عبد اللطيف الكويتي"، ولمّا وصلت القصيدة إلى أسماع الملك، دعاه إلى زيارة الرياض.
التحوّل..
بدأ فهد يتردد على مكتبة الكويت الأولى "مكتبة ابن رويّح"، وكان يستعير منها الكتب، ويقرأ بنَهَم في الكتب التي تحمل طابع التحرر، وتعرض أفكار المفكرين من أدباء، وفلاسفة في الشرق، والغرب، فحصل لديه نوع من التغيّر في أفكاره.
واشتهر ت ديوانية فهد العسكر والتي كانت أقرب إلى المنتدى الأدبي، يرتاده نخبة من أدباء الكويت ومثقفيه، يتبادلون الشعر والأدب ، يسمعون من فهد، ويُسمعونه، وتدور الحوارات، وتحتدم المناقشات حول ما ينشد من إبداعات، حيث كان مجلسه هو الوحيد في زمانه -لأن الكويت شهدت المنتديات لاحقاً- أسس فيه مدرسة الحرية والعقول المتفتحة الرافضة لكل انغلاق أو جمود.
لقد استفرغ فهد ملكته وأفكاره ورؤاه.. وسكبها أشعاراً.. نُشر بعضها.. وتسرّب بعضها.. وقبع بعضها في دهاليز غرفته في "سوق واجف".. والتي ربما لم ينشرها مراعاة للواقع الاجتماعي.
وبعد ذلك ساءت صحته واشتد به الألم إضافةً إلى حالته النفسية السيئة وفقده لبصره ، فقام أخوه بنقله إلى المستشفى، ومكث فيه شهرين ونصفًا بعدها فاضت روحة التي كم أُرهقها الحزن والهمّ ،وأزهقها الأسى والغمّ، وكان ذلك عام 1951م في شهر أغسطس في يوم الأربعاء 13 من ذي القعدة 1370.
وبعد وفاة فهد العسكر لم ينته بؤسه، ولم تنته حكايته مع المعاناة؛ لأن بعض أقاربه أكملوا الناقص، وقاموا بإحراق ما عندهم من قصائد، ولولا أن بعض قصائده كانت محفوظة عند بعض أصدقائه المقربين جدًّا لما وصلنا منها شيء، ولعل أكثر المهتمين بالشاعر، وبشعره المتناثر، الأديب الكويتي الفاضل "عبد الله زكريا الأنصاري" والذي كان من أصدقاء الشاعر المقرّبين، وقد قام بجهد استثنائي من أجل جمع شعر العسكر.. فكان كمن يجمع أشلاء صورة ممزقة.. نثرت في مهب الريح.
وقد تأثر عسكر بكتب الملحدين وأفكارهم وملأ عقله وشعره كفراً بسببهم , وقد اعتزله أهله ولم يأسف على موته أحد , يذكر ذلك عن حياته وشعره عبدالله الأنصاري في كتاب شعر وحياة فهد العسكر صفحة رقم 83 .
ومن أشعارهـ
يا جارة الـوادي طربـت وعادنِـي
مـا زادنِـي شوقـا إلـى مـرآك
فقطعت ليلي غارقـا نشـوان فِـي
ما يشبـه الأحـلام مـن ذكـراك
مثَّلت فِي الذِّكرَى هواكِ وفِي الكَرَى
لَمَّا سَموت بـه وصنـتُ هـواك
ولكم على الذكرى لقلبِـي عبـرةٌ
والذكريات صدى السنين الحاكـي
ولقد مررت على الريـاض بربـوة
كـم راقصـت فيـها رؤاي رؤاك
خضراء قد سبـت الربيـع بدلّهـا
غنّـاء كنـت حيـالـها ألقـاك
لَم أدر ما طيب العناق على الهـوى
والروض أسكـرهُ الصِّبـا بشـذاك
لَم أدر والأشواق تصرخ فِي دمـي
حتَّـى ترفَّـق ساعـدي فطـواك
وتأوَّدت أعطاف بانك فِـي يـدي
سكرى وداعـب أضلعـي فطـواك
أين الشقائق منـك حيـن تَمايـلا
واحـمرَّ مـن خفريهمـا خـدَّاك
ودخلت فِي ليلين فرعك والدُّجـى
والسكـر أغرانِـي بِمـا أغـراك
فطغى الهوى وتناهبتـك عواطفـي
ولثمـت كالصبـح المنـوّر فـاك
وتعطّلت لغـة الكـلام وخاطبـت
قلبِـي بأحلـى قبلـة شـفـتـاك
وبلغت بعـض مآربِـي إذ حدَّثـت
عينَـيَّ فِـي لغـة الهـوى عينـاك
لا أمس من عمر الزَّمـان ولا غَـدِ
بنـواك آه مـن النَّـوى رحـماك
سَمراء يا سؤلِي وفَرحـة خاطـري
جُمع الزَّمـان فكـان يـوم لقـاك
![](http://up.arab-x.com/Dec10/MxG80229.png)
الشاعر فهد العسكر.. اسم إشكالي بحدّ ذاته، ومثار اختلاف بين مجايليه، تتصارع حوله الآراء، وتتشابك الخطوط، ولعل ما يزيد الأمر تعقيداً، هو طبيعة المرحلة التي عاش فيها الشاعر، من ضيق أُفق، وبيئة صغيرة يعرف الناس بعضهم بعضًا فيها بشكل جيد، ويرون بعضهم بعيون مفتوحة، ربما لا ترى سوى المثالب، والسلبيات..
ولادته..
ولد فهد بن صالح بن محمد بن عبد الله بن علي العسكر في الكويت عام 1917م، في المنطقة التي كانت تسمى "سكة عنزة"، حيث كان تجمع الأغنام فيها صباحاً، ليسرح بها راعي الغنم "الشاوي"، كما يسميه الكويتيون، ويعود بها في المساء.
يرجع نسبه إلى قبيلة "عنزة"، أجداده من "نجد"، كان جده "محمد" تاجر غنم وإبل، كثير التنقل بين الرياض والكويت، وقد شجعه الشيخ "دعيج الصباح" على الاستقرار في الكويت، بعد أن توطدت بينهما أواصر الصداقة.
نشأته و دراسته
نشأ في بيت كان محافظاً شديد المحافظة على العادات والتقاليد، وكان والداه متدينين، فشب فهد متديناً أشد التدين، ودرس في المدرسة "المباركية"، أول مدرسة نظامية في الكويت، وتتلمذ على يد أساتذة أجلاّء، منهم الشيخ "عبد الله النوري".
قرأ دواوين الشعر العربي وقال الشعر مبكراً، وقد كتب قصيدة مدح فيها الملك "عبد العزيز"، غناها المطرب الكويتي المشهور "عبد اللطيف الكويتي"، ولمّا وصلت القصيدة إلى أسماع الملك، دعاه إلى زيارة الرياض.
التحوّل..
بدأ فهد يتردد على مكتبة الكويت الأولى "مكتبة ابن رويّح"، وكان يستعير منها الكتب، ويقرأ بنَهَم في الكتب التي تحمل طابع التحرر، وتعرض أفكار المفكرين من أدباء، وفلاسفة في الشرق، والغرب، فحصل لديه نوع من التغيّر في أفكاره.
واشتهر ت ديوانية فهد العسكر والتي كانت أقرب إلى المنتدى الأدبي، يرتاده نخبة من أدباء الكويت ومثقفيه، يتبادلون الشعر والأدب ، يسمعون من فهد، ويُسمعونه، وتدور الحوارات، وتحتدم المناقشات حول ما ينشد من إبداعات، حيث كان مجلسه هو الوحيد في زمانه -لأن الكويت شهدت المنتديات لاحقاً- أسس فيه مدرسة الحرية والعقول المتفتحة الرافضة لكل انغلاق أو جمود.
لقد استفرغ فهد ملكته وأفكاره ورؤاه.. وسكبها أشعاراً.. نُشر بعضها.. وتسرّب بعضها.. وقبع بعضها في دهاليز غرفته في "سوق واجف".. والتي ربما لم ينشرها مراعاة للواقع الاجتماعي.
وبعد ذلك ساءت صحته واشتد به الألم إضافةً إلى حالته النفسية السيئة وفقده لبصره ، فقام أخوه بنقله إلى المستشفى، ومكث فيه شهرين ونصفًا بعدها فاضت روحة التي كم أُرهقها الحزن والهمّ ،وأزهقها الأسى والغمّ، وكان ذلك عام 1951م في شهر أغسطس في يوم الأربعاء 13 من ذي القعدة 1370.
وبعد وفاة فهد العسكر لم ينته بؤسه، ولم تنته حكايته مع المعاناة؛ لأن بعض أقاربه أكملوا الناقص، وقاموا بإحراق ما عندهم من قصائد، ولولا أن بعض قصائده كانت محفوظة عند بعض أصدقائه المقربين جدًّا لما وصلنا منها شيء، ولعل أكثر المهتمين بالشاعر، وبشعره المتناثر، الأديب الكويتي الفاضل "عبد الله زكريا الأنصاري" والذي كان من أصدقاء الشاعر المقرّبين، وقد قام بجهد استثنائي من أجل جمع شعر العسكر.. فكان كمن يجمع أشلاء صورة ممزقة.. نثرت في مهب الريح.
وقد تأثر عسكر بكتب الملحدين وأفكارهم وملأ عقله وشعره كفراً بسببهم , وقد اعتزله أهله ولم يأسف على موته أحد , يذكر ذلك عن حياته وشعره عبدالله الأنصاري في كتاب شعر وحياة فهد العسكر صفحة رقم 83 .
ومن أشعارهـ
يا جارة الـوادي طربـت وعادنِـي
مـا زادنِـي شوقـا إلـى مـرآك
فقطعت ليلي غارقـا نشـوان فِـي
ما يشبـه الأحـلام مـن ذكـراك
مثَّلت فِي الذِّكرَى هواكِ وفِي الكَرَى
لَمَّا سَموت بـه وصنـتُ هـواك
ولكم على الذكرى لقلبِـي عبـرةٌ
والذكريات صدى السنين الحاكـي
ولقد مررت على الريـاض بربـوة
كـم راقصـت فيـها رؤاي رؤاك
خضراء قد سبـت الربيـع بدلّهـا
غنّـاء كنـت حيـالـها ألقـاك
لَم أدر ما طيب العناق على الهـوى
والروض أسكـرهُ الصِّبـا بشـذاك
لَم أدر والأشواق تصرخ فِي دمـي
حتَّـى ترفَّـق ساعـدي فطـواك
وتأوَّدت أعطاف بانك فِـي يـدي
سكرى وداعـب أضلعـي فطـواك
أين الشقائق منـك حيـن تَمايـلا
واحـمرَّ مـن خفريهمـا خـدَّاك
ودخلت فِي ليلين فرعك والدُّجـى
والسكـر أغرانِـي بِمـا أغـراك
فطغى الهوى وتناهبتـك عواطفـي
ولثمـت كالصبـح المنـوّر فـاك
وتعطّلت لغـة الكـلام وخاطبـت
قلبِـي بأحلـى قبلـة شـفـتـاك
وبلغت بعـض مآربِـي إذ حدَّثـت
عينَـيَّ فِـي لغـة الهـوى عينـاك
لا أمس من عمر الزَّمـان ولا غَـدِ
بنـواك آه مـن النَّـوى رحـماك
سَمراء يا سؤلِي وفَرحـة خاطـري
جُمع الزَّمـان فكـان يـوم لقـاك