- إنضم
- 16 يوليو 2010
- المشاركات
- 4,416
- مستوى التفاعل
- 3
- النقاط
- 0

كرستين جونكور
حكاية كريستين دوفييه جونكور، هي حكاية أزلية.. حكاية المرأة التي تسقط تحت وطأة سحر الترنيمة الأبدية.. المتعة والثروة والسلطة. ثم ما إن ينكشف أمرها حتى يهاجمها الذين دفعوها للسقوط ، وينضم إليهم الفاشلون والفاشيون.
إن حكايتها هي حكاية قديمة – جديدة، وقعت بالأمس وستقع غدا.. حكاية التسلق على غرائز الرجال.. هي حكاية إيفيتا أو إيفا بيرون في الأرجنتين ، وحكاية كلاريتا بيتاشي عشيقة موسوليني في إيطاليا ، وحكاية مونيكا كلينتون في الولايات المتحدة.. حكايات غواني دخلن التاريخ من باب السياسة السري.
في كتابها "الحريم والسلطة.. من أميرات الشرق إلى عاهرة الجمهورية" الصادر عن سلسلة كتاب اليوم، تروي لنا سلمى قاسم جودة، قصة كريستين تلك المرأة الحالمة التي جاءت من جوف الريف لتصبح شخصية طاغية التأثير خاصة على كبار المسئولين والسياسيين ، حتى أصبحت توصف بأنها أخطر امرأة في فرنسا.
كان رولان دوماس وزير خارجية فرنسا من ألمع رجال الرئيس فرانسوا ميتران، وقد بدأت علاقة كريستين به عندما كانت مسئولة عن العلاقات العامة في "ألف أكيتين" أكبر شركة بترول في فرنسا، وكان عليها أن تكون همزة الوصل بين الشركة ووزارة الخارجية، فنشأت صداقة بينها وبين الوزير، ثم وجدت من رؤسائها تشجيعاً لهذه الصداقة من أجل تحقيق المزيد من الأرباح، وما أن انكشفت الفضيحة حتى تنكرت الشركة لها وأنكرت أنها تعرفها، وهو ما جعلها تتهم بانتحال وظيفة وهمية، وتتهم بالاختلاس والتورط في صفقات سلاح مشبوهة واستغلال النفوذ والفساد السافر، وكلها قضايا أمن دولة.
بدأت القصة في خريف 1997 عندما كان الصراع السياسي في فرنسا على أشده، وقد روت كريستين قصتها في كتاب بعنوان "عاهرة الجمهورية" الذي اختارت عنوانه بنفسها رغم استنكار عائلتها. وقصدت به أن تبصق على الرجال الذين عرفتهم في حياتها وحولوها من فتاة ريفية بسيطة إلى زوجة يدفعها زوجها إلى فراش كبار المسئولين والوزراء ورجال الأعمال، ليمرر صفقات شركة البترول التي يعمل بها.
تقول كريستين في كتابها "ليالي طويلة في السجن هجرني النعاس.. وكانت وسيلتي الوحيدة للهرب من الواقع الحزين هو استرجاع الماضي.. فلم يعد لي سواه احتمي به. لقد نشأت في بيئة ريفية متواضعة.. الأب والأم يعملان في مجال التعليم.. كنت طفلة صغيرة ومصدر فخر لهما.. وكنت كنزهما الثمين.. وكانا أن قاما بكثير من التضحيات كي أتمتع بحياة أفضل.. إن أبي لم يستطع أن يمنحني بيانو الأثرياء المعروف.. لكنه منحني بيانو الفقراء.. الأكورديون.
رويدا رويدا بدأت الطفولة تهجرني، وبدأت الأنوثة تزحف عليّ قبل موسمها.. لقد أصبحت جميلة، الشباب يحوم حولي.. يقولون إن في عيني لون الحياة.. زرقة البحر، وخضرة أشجار الخريف المبللة.. ولكني كنت أهرب منهم.. وفي السابعة عشرة من عمري قابلته.. قابلت بيرتييه.. كنا نهرب إلى الدروب العتيقة عندما يسدل الليل ستائره فنشعر بالقمر حتى لو في ليالي اختفاءه.. وتزوجنا، ورزقت منه بطفل.. ثم انتهت قصتنا.. ولم يبق منها سوى ذهابي إلى المحكمة كي أحصل على نفقة لابني الذي كان معتل الصحة.. ولم يعد أبوه الذي صعد سلم الوزارة يراه".

رولان دوماس
خليلة دوماس
"الحياة في السجن أقرب إلى حياة الحيوانات.. عزائي الوحيد قصائد الشعر التي كنت أقرأها في مكتبة السجن.. كنت احلم أحيانا بأن يطلقوا سراحي.. فأنا لم اقترف أي ذنب.. لكن كيف يمكن أن يجري ذلك وأنا امرأة متهمة في قضية سياسية ومالية زلزلت الإعلام وفجرت البراكين الخاملة.. وأهم من كل شيء كما تقول الصحافة أنني امرأة جذابة.. مغرية.. طاغية الحسن.. مما يوحي بالندم والحسرة لبعض الرجال الذين صادفتهم بشكل عابر.. أصبحت المرأة الغامضة التي هزت الدولة العظيمة.. المحامي قال لي عليّ أن أدرك خطورة وضعي.. فأنا في قلب قضية أمن دولة.. وأنا خليلة رولان دوماس.. وزير الخارجية السابق، وهو وقت القضية الرجل الخامس في الدولة، ورئيس اللجنة العليا للدستور.. وعلى شاشة التلفزيون أصبحت فقرة دائمة مثل المسلسلات بجوار صورة الوزير، الذي بدا على الشاشة مهزوما، يعاني الانكسار مثل كل ما هو شامخ.. إن الهزيمة تأتي دائما من الداخل.. أنا وهو نمر الآن بالأسوأ بعد أن عرفنا معا من قبل الأفضل".
تتابع كريستين: علم رولان دوماس بوجودي في الدنيا عام 1987 من خلال أصدقائنا، وأثناء حملته الانتخابية زارني في بيت عائلتي الريفي.. هو من نفس جيل والدي، وله نفس المعتقدات السياسية، ونفس الجذور الريفية البسيطة. وهو مثل أمي كان فيما مضى في المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي.. ماضيه أكسبه قوة وقدرة على احتمال الألم، فهو لم يذهب قط على طبيب.
في منزلنا الريفي كان دوماس دائما الرجل المرتبط بالأرض، بالجذور.. وليس المحامي الشهير والوزير البارع، وقد كان تذوقنا للفن هو البداية والأساس في علاقتنا، كنا نستمع معا إلى الموسيقى في خشوع وتضرع، لقد كان رجلا مولعا بالإبداع.. لم أكن أتخيل في ذلك الوقت إن العاطفة سوف تجرفنا إلى ما هو بعيد وعميق ومجهول.. وأثناء الحملة الانتخابية كان زوجي السابق منافسا له وقد عاتبني على حماسي لدوماس. وبفوز دوماس توقفت مؤقتا علاقتنا، وقال لي مودعا: سوف نتقابل قريبا.. يجب أن تستمري بالاهتمام بي.. قلت: لماذا؟ قال ضاحكا: من أجل الجمهورية.. من أجل فرنسا.
كان هناك 44 متهما في القضية كلهم هاربون، بينما سجنت كريستين وحدها، وتحكي في كتابها عن الفريد سيرفان أحد المتهمين الهاربين، والذي كان مرشحا لأحد شركات البترول، ومن ثم طمع زوجها في الحصول على منصب بشركة البترول، مما جعله يقول لزوجته "اذهبي إلى الوزير دوماس.. كلميه.. حاصريه".. كان كلامه يحمل في طياته تلميحا، سرعان ما أصبح تصريحا.

رولان دوماس مع كريستن جونكور
سرعان ما طرد سيرفان الزوج من اللعبة ، ثم عرض على كريستين – التي كانت تسعى للحصول على الطلاق - العمل في وظيفة مسئولة العلاقات العامة التي تقوم بهمزة الوصل بين شركة البترول العملاقة ووزارة الخارجية.. بدا سيرفان يتدخل في مظهرها وملابسها، وأنهى في حياتها زمن الجينز والأحذية الكاوتش، فبدأت تختار ملابسها من أشهر بيوت الأزياء الباريسية، وعاشت في عالم الساحرات عندما تتحول ملابس سندريلا البالية الرثة إلى أجمل الثياب وأروعها.
" لقد علمني سيرفان كيف نعقد الصفقات العملاقة والتعامل مع الوسطاء والسماسرة وكيف تنفق ملايين الدولارات في البيع والشراء.. ليس لدي مكتب في شركة "إلف" ولكن مقري في مكان أخر.. سافرت إلى العديد من بلدان أفريقيا، وكانت الشركة تتعمد أن يراني الزعماء مع الوزير".
حواديت الساحرات
تحت عنوان "حواديت الساحرات" تحكي كريستين عن علاقة الحب التي جمعت بينها وبين الوزير، فتقول: رولان دوماس رجل ضخم يشبه والدي من ناحية الشكل والعمر وكان من الممكن أن يلجم فارق السن، مشاعري نحوه ولكن بمرور الوقت اكتشفت ثراءه الفكري والثقافي وخياله الخصب. كان وزيري العاشق يشبه الطبيعة في بلدتي بالمدن الخرافية للساحرات حيث مغارات ملوك الجان.. كان الحب بيننا تارة ترتيلا سماويا وتارة قصيدة برية وأحيانا لحنا غجريا.
وهكذا استسلمنا لعواطفنا الجارفة وليكن ما يكون، لقد كان دوماس يتعلم الصينية والروسية والفارسية وكان ينصحني بالقراءة لعظماء الأدب باللغة الأصلية فما أحلى بوشكين مثلا بالروسية.. كم من أمسيات أمضيناها في فيينا لزيارة منزل فرويد وبيتهوفن وفاجنر، وفي نوفمبر 1990 رافقته إلى الإسكندرية من أجل افتتاح الجامعة الفرانكوفونية، وكان على رأس المدعوين الرئيس حسني مبارك وفرانسوا ميتران.
كنت في بداية عملي معه أحاول اختراق القوقعة التي يختبئ في داخلها فكان يتحتم عليّ فهمه وإثارة إعجابه من أجل التأثير عليه في ناحية العمل، وكنت أحاول جاهدة السيطرة على مشاعري، ولكن تحت وطأة اتصالاتنا المكثفة ورحلاتنا المتعددة فاجأنا كائن ثالث تحكم في أقدارنا هو الحب".
لم تكن كريستين تقريبا تترك دوماس، حتى أنه أثناء حرب الخليج كان جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا السابق يتصل بها في منزل دوماس الريفي، ووقعت شركة "إلف" عقودا باهظة على الرغم من الحصار المحكم على العراق.

قصر الاليزيه
المأساة الأخرى كما ترويها كريستين بدأت في رحلة إلى جنيف مع سيرفان، عندما أرادت إحدى الشركات بيع فرقاطات وطائرات ميراج 2000 إلى تايوان، وبما أن الرئيس ديجول كان قد وقع اتفاقية مع الصين تحظر تسليح تايوان، فإن الصفقة كانت متعثرة حيث هددت الصين بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع فرنسا إذا ما تمت الصفقة.
بدأ سيرفان يلح على كريستين قائلا: ما جدوى وجودك إذا لم تستطيعي التأثير على الوزير، سوف تحصلين على 45 مليون فرنك عمولة. وسألته: هل العمولة شرعية؟ فأجابها: بالطبع نعم فإن الفائدة سوف تعم على الشعب المسكين حيث أنها سوف تساعد على القضاء على البطالة.
على الرغم من رفض دوماس، فإن الإليزيه قرر قبول الصفقة وبالتالي وقعت الفضيحة الثانية، قيل إن السماسرة سهلوا الصفقة مع الحكومة الفرنسية وحصلوا على 500 مليون دولار عمولات. تقول كريستين "لقد اشتعلت حرب العمالقة والحيتان من أجل اسكاتي ووضع مبلغ 45 مليون فرنك باسمي في جنيف وهكذا أضيف إليّ تهمة الاختلاس".
لكي تدفع كريستين الكفالة الخاصة بها للخروج من السجن وهي مليون فرنك، كتبت "عاهرة الجمهورية" التي كان عائدها 600 مليون فرنك، ثم اضطرت لبيع صورها مع دوماس على البلاج إلى مجلة "باري ماتش".