صباح الخير

لاني أسود - الكاتبة الكويتية سعداء الدعاس
حائزة على الجائزة الدولية التشجيعية للرواية
طبعة خاصة (بدون دار نشر)
تستلذون فرز ملامحنا .. تسلخونها من محيطها المتجانس، تعزلونها عن دفئها، لتبرزوا ضخامتها .. وتمنحنوننا مرآة لا تعرف جمال تقاطيعنها .. لا تدرك تاريخنا، وتعجز عن كشف أرواحنا المثقلة بالحب.
وفي لحظة عرينا في أعينكم .. نمسك مرآتكم المضببة بأيد مرتعشة .. ننظر في تفاصيلنا بعين مدثرة بالدمع .. فنمقتها بعد أن كنا نعشقها .. ونبدأ طقوس الولادة على أيديكم المشبعة بالمذنب: نملس شعورنا التي أحببناها منكوشة .. كي لا نؤذي مقلكم التي لا حياة فيها.
نقشر جلودنا السوداء، اللامعة، المصقولة .. لنجانس ألوانكم الشفافة الباردة.
نرتدي وجوها لا نعرفها، لا نستسيغها، نمقتها .. لنكون مرئيين في محيط لا مرئي.
.........................................................................
آراء القراء
بثينة العيسى
سعداء الدعاس تكتب بفتنة. لديها لغة خصبة، وطيعة، وذكية، وهي تحسنُ إلى حد بعيد الكتابة بشكل مفاجئ ومحمل بالوعي.
الرواية جميلة بالفعل، لولا المباشرة أحيانا، ولولا اتكائها على محورٍ واحد وحيد هو العنصرية ..
مارست الكاتبة الكثير من النقد الثقافي داخل العمل وفضحت أطوار وأنواع وألوان العنصرية المتوغلة في نسيج المجتمع من حيث لا ندري .. بين الكويت والولايات الأمريكية تنويعات سطحية لحقيقة مفجعة واحدة، ليس ثمة إنسان لا يرزح تحت أي نوع من أنواع العنصرية والتمييز والتصنيف على أقل تقدير
................................................................................
رأي آخر
تمنيت أن أجد في الرواية أكثر مما تحمله التوقعات المصحوبة بعنوانها. معاناة شابٍ وُلِد أسوّد فلم يتقبل نفسه لأن لا مجتمع تقبله. أحب نفسه, لكنه بقي حزينًا على مجتمع لا يفهمه. وكأن ذلك يهم. وجدت بعض المبالغة في الوصف. ولاحظت أخطاء كثيرة في الترتيب الزمني فلو ولد "جمال" في يوليو 1990 وأكمل والده الماجستير بعد الغزو أي 1991 فكيف يعقل أن يتوفى الأب قبل أن يتم دراسته بينما يكون ولده في الثامنة من عمره؟ وكيف يرفض فوزي زواج اخته قبل الغزو ولنفترض أنه بسنة 1990 حيث كان عمرها 30 سنة ثم تعود بينما طفل الـ1990 صار رجلًا في 16 من عمره ليكون عمرها ما يقارب الأربعين فقط! غير أن "جمال" يدخل الجامعة ولنفترض في الـ2005 أو 2006 ويشتكي عدم وجود أي جامعة أخرى في الكويت!
هذه الرواية هي محاولة للغوض في أعماق المشاعر لتدفعنا للحنين, وللتفكر. لكنها حقيقةً لم تستفز فيني أي مشاعر. ربما ضحكت قليلًا لأن الكاتبة تحاملت قليلًا على البيض. ومع ذلك لا أعتقد أنها قضية ألوان. ولا أنكر أو أختلف عن وجود العنصرية في أي مجتمع. خلقنا جميعًا بإختلافات, ولكل شخصٍ معاناته
..........................................................................................
لغة الأشياء / حتى الأبطال... يعانون أحيانا!
| باسمة العنزي |
«الجميع يعرف بانتمائه، إلا نحن... نعرف بألواننا!»*
رواية «لأني أسود» للقاصة والروائية سعداء الدعاس، المفرح أنها استحقت عليها جائزة الدولة التشجيعية العام الماضي. الغريب أنها لم تصل ليد القراء أو الوسط الثقافي قبل الجائزة! أظن الجميع كان يتساءل عن من قرأ الرواية الفائزة؟ التي سمع الكثيرون بها للمرة الأولى من خلال اعلان نتائج الجائزة في مهرجان القرين!
المفاجأة الأخرى في رواية سعداء اختيارها لأجواء جديدة ومغايرة في الرواية الكويتية الحديثة. بأبطال وأفكار وتفاصيل جمعت بين الفرادة ومغامرة البحث بعيدا عما هو سائد ومطروق نحو آفاق انسانية رحبة.
البطل الكويتي الذي يعاني التمييز العنصري بسبب اللون، يسافر الى الولايات المتحدة للدراسة، وهناك يقع في غرام فتاة أميركية سوداء. كلاهما رغم الفارق الحضاري وحزمة الاختلافات، يحمل تركة ثقيلة من التمييز، تبدأ منذ الطفولة وتستمر مع الانسان الى النهاية، طالما هو يعيش في محيط يعرف الآخرين أولا على أساس هويتهم اللونية.
«هذه هويتي... هل تقبل بها أنت؟ هل تقبل أن تكبل حياتك في أحياء لا يسكنها غيرك؟ هل تقبل أن تقنن مشاعرك بنساء لا يخرجن عن حدود هويتك؟ هل تقبل أن تعيش يومك رهن حماقات ونكات تتلذذ بصفعك؟»*.
نبرة الألم وعدم الرضا كانت مستمرة على امتداد العمل من البطل والبطلة وابنهما وأيضا العمة، التي تخفي حكاية تمييز طائفي تتضح في النصف الثاني من العمل. الكل كان مثقلاً بتركة التمييز والعنصرية التي تمارس ضده كفعل تاريخي مقيت، لا ينتهي ولا يخفت سوى بالانعزال في نفس الدائرة. أو مسايرته - مع الشعور بالدونية - للفظاظة الجمعية ضده.
الكاتبة وعبر الكثير من الحوارات بين الأبطال حاولت الولوج لمشاعر الضحايا برهافة بالغة وقرب، ما مكنها من نقل الصورة المليئة بالبثور لمتلقٍ يشرع معها في البحث عن اجابات شافية، ممسكا بأربطة يلف بها جروح تلك الأرواح الحائرة. التي تحاول زرع الثقة والتغاضي عن هفوات الآخر بشمولية نابعة من فهم الذات والتصالح معها أولا.
«حين تقرر المرأة البيضاء الزواج بأسود، فانها تشوه نسب عائلتها، كمن تحقن جيناتها بالجراثيم... فتخشى العائلة بأكملها من العدوى!»*.
حاولت الكاتبة عبر العمل الاحاطة بالكثير من التفاصيل بمهارة، من مواقف الآخرين مرورا بالشعر العربي والأمثال الشعبية والحكايات التاريخية والنكت ومجالات العمل والأحياء السكنية والأسماء وغيرها الكثير.
«ليس كل أسود كومبارس، ويقبل أن يتحول الى مادة مخجلة، لكن كل أسود انسان... وكل نجم كان كومبارس، لكنه ليس بالضرورة انساناً»*.
الكاتبة كانت ممسكة بتسلسل الأحداث و التنقل بسلاسة بين «شيكاغو» البطلين فوزي و جوان، و«كويت» جمال ابن المرحوم فوزي و جوان الأم. فبدا انه رغم كل الفروقات والقفزات الزمنية بين الأجيال، مازال العالم يتعامل ببدائية مخجلة في ما يتعلق بموضوع اللون، سيان ما بين الغرب والشرق، الأجداد و الأبناء.
الكاتبة استخدمت لغة بسيطة و مباشرة،مع الكثير من التشويق والقدرة على جعل المتلقي يتماهى مع أبطالها وكأنهم من فرن الواقع، ونجحت في ايصال صوتها المتعاطف للقارئ ونقل الحالة النفسية للمتلقي بشحنة عالية من الانسانية الجميلة.
في بعض المقاطع كان هناك نوع من التركيز على اعادة وتكرار الملاحظات نفسها، كقارئة وددت لو منحتني الكاتبة شيئا من الغموض على الأقل في بداية العمل. العنوان والمقدمة وحتى اختيار لون الغلاف وتصميمه بدت عناصر تدفعني منذ الوهلة الأولى لمعرفة جو العمل وعلى أي أرض تدار الحكاية، ما قلل من المسافة الملتبسة التي يمنحها الكاتب عادة للقارئ قبل الولوج في الربع الثاني من العمل. وكرس لذلك أيضا ارتفاع نسبة الوضوح، عبر استخدام العناوين المباشرة.
ما يحسب للكاتبة أن العمل مر على أكثر من محور عن العنصرية، سواء كانت على أساس عرقي أو طائفي أو مادي أو ديني أو طبقي. ومحاولة الكاتبة تقديم نموذج سريع عن كل منها، بما يخدم ويرفد الحكاية الرئيسية دون الخروج عن سياقها العام.
سعداء عتقت أبطالها من خوفهم وهواجسهم الى حين، بقي أن تعتقهم المجتمعات التي تطورت ظاهريا ولم تنضج كما يجب.
..............................................................................
رواية رائعة.. فوزي هنا لم يكن الأسود فقط.. فوزي كان الشاب العربي ذو الوجهين..
القضية لم تكن قضية لون فقط... القضية كانت شعورنا بالنقص الدائم تجاه انفسنا.. واننا اقل من الآخرون
................................................................................