- إنضم
- 16 يوليو 2010
- المشاركات
- 4,416
- مستوى التفاعل
- 3
- النقاط
- 0
![](https://1.bp.blogspot.com/_p9sjYKCETGQ/S7eiwMJLfrI/AAAAAAAABH8/1BM0xjApP0A/s1600/NPUJ6O9UGHKE8HSWUV2G56M8VJA2GSH7.jpg)
هي تلك البلاد ذات الجبال والغابات التي تقع في إحدى جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق ( أوزباكستان حالياً) ، قد فتحها المسلمون بقيادة قتيبة بن مسلم الباهلي في عهد الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز .
كان أهل سمرقند يأتمرون بأمر كهنة قد قلدوهم أمر دينهم وقوانينهم ، وكان من عادة المسلمين كما هو معلوم عند غزوهم لأي بلد أنْ يخيروا أهلها بين ثلاث أمور ، الإسلام أو الجزية والتعهد لهم بالحماية ، أو الحرب ، ولكن في هذه المرّة اجتهد القائد قتيبة وقام بمباغتتهم ، أولاً من أجل قوتهم ومنعتهم ، وثانياً ظناً منه أنَّ دعوة الإسلام قد وصلتهم لأنه قد فتح البلدان القريبة منهم بعد أن أبوا إلا الحرب، وتم لقتيبة الإنتصار على سمرقند بهذه الطريقة التي اختارها ، ولكن الأمر لم يطب للكهنة فقرروا إرسال رسالة إلى خليفة المسلمين في دمشق لما سمعوا من عدله وإنصافه .
إنطلق هذا الفارس المُرسَل من الكهنة فوصل إلى دمشق ولندعه يخبرنا بما جرى معه ...
يقول الفارس : لما وصلت دمشق سألت عن قصر الخليفة ، فأشاروا إلى دار من طين !
فاقتربت منها وإذا برجلٍ يأخذ طيناً ويسد به ثلمة في أعلى جدار الدار ، وامرأة تناوله الطين ، فعندما رأتني اقتربت دخلت دارها ، ونزل الرجل ورحب بي ثم دخل ليغسل يديه وخرج سريعاً ، وقال لي ما خطبك ؟
قلت : يا أمير المؤمنين رجلٌ من أهل سمرقند أحمل مظلمة ، ثم ناولته الرسالة ، فقرأها ثم قلبها وكتب على ظهرها سطراً واحداً فقط :
من عمر بن عبدالعزيز إلى والي سمرقند ، نصِّب قاضياً ينظر فيما ذكروا والسلام .
ثم ختمها وناولنيها ، فخرجت من عنده وأنا أقول في نفسي : ماذا عسى هذا السطر أن يفعل في تلك الجيوش الجرارة وذلك القائد الذي التهم المشرق بدهائه وقوته ؟
فلما وصلت سمرقند أعطيتها الكهنة ، فقالوا : وما تغني هذه الورقة ، ثم ذهبوا بها إلى والي سمرقند فنصب لهم القاضي جُميْع بن حاضر الباجي لينظر في شكواهم ، فحضر الكهنة عند اليوم المحدد لهم في باحة المسجد ، وبعد قليل دخل القاضي وإذا به رجل على هيئة الأعراب هزيل الجسم شاحب اللون ، قد لاث على رأسه عمامة له وليس معه إلا غلام !
عند ذلك انطفأت في نفوس الكهنة آخر شموع الأمل ، إذ لم يكن منظره منظر الرجل الذي تخيلوه ، أهذا هو الرجل الذي جاء ليحكم على قتيبة العظيم ؟
بدأت المحاكمة ؟
أعظم وأعجب محاكمة سمعت بها أذن التاريخ !
نادى الغلام : ياقتيبة ( هكذا بلا لقب )
فجاء قتيبة وجلس هو وكبير الكهنة أمام القاضي جُميْع
ثم قال القاضي : ما دعواك يا سمرقندي ؟
قال : إجتاحنا قتيبة بجيشه ولم يدعنا إلى الإسلام ويمهلنا حتى ننظر في أمرنا .
إلتفت القاضي إلى قتيبة وقال : وما تقول في هذا يا قتيبة ؟
قال قتيبة : الحرب خدعة وهذا بلد عظيم وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون ولم يدخلوا الإسلام ولم يقبلوا بالجزية .
قال القاضي : يا قتيبة هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب ؟
قال قتيبة : لا إنما باغتناهم لما ذكرت لك .
قال القاضي : أراك قد أقررت ، وإذا أقر المدعي عليه انتهت المحاكمة ، يا قتيبة ما نصر الله هذه الأمة إلا بالدين واجتناب الغدر وإقامة العدل .
ثم قال : قضينا بإخراج جميع المسلمين من أرض سمرقند من حكام وجيوش ورجال وأطفال ونساء وأن تترك الدكاكين والدور ، وأنْ لا يبق في سمرقند أحد ، على أنْ ينذرهم المسلمون بعد ذلك !!
لم يصدقوا الكهنة ما شاهدوه وسمعوه ، فلا شهود ولا أدلة ولم تدم المحاكمة إلا دقائق معدودة ، ولم يشعورا إلا والقاضي والغلام وقتيبة ينصرفون أمامهم ، وبعد ساعات قليلة سمع أهل سمرقند بجلبة تعلو وأصوات ترتفع وغبار يعم الجنبات ، ورايات تلوح خلال الغبار ، فسألوا فقيل لهم إنَّ الحكم قد نُفِذَ وأنَّ الجيش قد انسحب ، في مشهدٍ تقشعر منه جلود الذين شاهدوه أو سمعوا به .
وما إنْ غرُبت شمس ذلك اليوم إلا والكلاب تتجول بطرق سمرقند الخالية ، وصوت بكاءٍ يُسمع في كل بيتٍ على خروج تلك الأمة العادلة الرحيمة من بلدهم ، ولم يتمالك الكهنة وأهل سمرقند أنفسهم لساعات أكثر ، حتى خرجوا أفواجاً وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين وهم يرددون شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله .
فيا لله ما أعظمها من قصة ، وما أنصعها من صفحة من صفحات تاريخنا المشرق ، أريتم جيشاً يفتح مدينة ثم يشتكي أهل المدينة للدولة المنتصرة ، فيحكم قضاؤها على الجيش الظافر بالخروج ؟
والله لا نعلم شبه لهذا الموقف لأمة من الأمم .
جمال ذي الأرض كانوا في الحياة وهم .. بعد الممات جمال الكتب والسِّيَرِ