عنابه
New member
- إنضم
- 28 فبراير 2005
- المشاركات
- 1,946
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 0
مدينة عربية أنا.. وأنت أصغر أطفالي
Gmt 5:45:00 2006 الخميس 13 أبريل
ناتالي سلوم
المصدر : جريدة إيلاف الألكترونية
--------------------------------------------------------------------------------
تركض في شوارعي كلّما يحلو لك ، تتحدّى كلّ اشارات المرور وكلّ قوانين السير في النساء. ترتكب في كلّ دقيقة عشرون حماقة، وأعتذر منك في كلّ دقيقة عشرون مرّة. تسرق كلّ الثمار من جنائني، وترميها بعد أن تتذوّق منها قضمة. تحلم بالانتقال إلى مكان آخر، ويبكيك الحنين لمجرد الفكرة.
أحب فيك كل الرجال الذين مرّوا في زواريبي، أشمّ في جسمك رائحة الأرض بعد أول مطر، ورائحة القمح، ورائحة الغسيل المنشور تحت الشمس. هذيانك الليلي يؤرقني ويبكيني، ووهجك يذيب الجليد عن أرصفتي.
مدينة عربية أنا، وأنت أحبّ أطفالي. أراك ، ككل الأمهات، غزالاً. كبرى معجباتك أنا، ألاحق خطواتك الأولى بفخر، أراقبك وأنت نائم، أتفرّج عليك وأنت تكبر. الزمن معك منظومة سقطت، والشِّعر منظومة سقطت، والسياسة في إعادة التأهيل. تجعلني أحنّ لذكريات لم أعشها بعد، وتُرقِص دمي على وقع دندنة ستؤلفها حين تتعلم التلحين.
يا ساحتي الحمراء اليتيمة، ومطاري الوحيد: لأجلك أُسقطت من كتب التاريخ والجغرافيا، وبفضلك دخلت الأساطير. يا متوحّداً منذ ما قبل المرأة، ومتمرّداً منذ ما قبل القوانين، ويا يسارياً منذ ما قبل اليمين، توهمني كلّ خريف أنّي روّضتك، لأعود وأكتشف، أنني ما زلت لعبتك المفضّلة، وأنّ كلّ مؤامراتي الأنثوية، محبوكة بإيحاء منك، وأنّك أمليت عليّ كلّ كتاباتي .فلتكن هذه اللعبة عادلة: إجعلني مدينتك الفاضلة، واختبر فيّ أسلحتك الأكثر تطوّراً.
إهدمني وأعد بنائي عشرون مرّة لأصبح على قياسك. لا تنظر أبداً إلى الخلف، كي لا تصير تمثالاً من الملح. إصبر قليلاً قبل أن تمضي، حتى ينقشع اّخر ضباب في هذا العصر. سأهبك ما تبني به جسوراً تعبر كلّ المستنقعات. ثابتة أنا في الأرض، أحضر أنت العالم إليّ، وبالمقابل، سأعطيك سريراً لترتاح، وقبراً لتنبثق منه كلّما متّ. وفّر حملاتك عليّ، واحتفظ بجيوشك لمعارك غير وهمية، فلو هدأت قليلاً، لانتبهت أنّ مفاتيحي جميعها في يدك.
Gmt 5:45:00 2006 الخميس 13 أبريل
ناتالي سلوم
المصدر : جريدة إيلاف الألكترونية
--------------------------------------------------------------------------------
تركض في شوارعي كلّما يحلو لك ، تتحدّى كلّ اشارات المرور وكلّ قوانين السير في النساء. ترتكب في كلّ دقيقة عشرون حماقة، وأعتذر منك في كلّ دقيقة عشرون مرّة. تسرق كلّ الثمار من جنائني، وترميها بعد أن تتذوّق منها قضمة. تحلم بالانتقال إلى مكان آخر، ويبكيك الحنين لمجرد الفكرة.
أحب فيك كل الرجال الذين مرّوا في زواريبي، أشمّ في جسمك رائحة الأرض بعد أول مطر، ورائحة القمح، ورائحة الغسيل المنشور تحت الشمس. هذيانك الليلي يؤرقني ويبكيني، ووهجك يذيب الجليد عن أرصفتي.
مدينة عربية أنا، وأنت أحبّ أطفالي. أراك ، ككل الأمهات، غزالاً. كبرى معجباتك أنا، ألاحق خطواتك الأولى بفخر، أراقبك وأنت نائم، أتفرّج عليك وأنت تكبر. الزمن معك منظومة سقطت، والشِّعر منظومة سقطت، والسياسة في إعادة التأهيل. تجعلني أحنّ لذكريات لم أعشها بعد، وتُرقِص دمي على وقع دندنة ستؤلفها حين تتعلم التلحين.
يا ساحتي الحمراء اليتيمة، ومطاري الوحيد: لأجلك أُسقطت من كتب التاريخ والجغرافيا، وبفضلك دخلت الأساطير. يا متوحّداً منذ ما قبل المرأة، ومتمرّداً منذ ما قبل القوانين، ويا يسارياً منذ ما قبل اليمين، توهمني كلّ خريف أنّي روّضتك، لأعود وأكتشف، أنني ما زلت لعبتك المفضّلة، وأنّ كلّ مؤامراتي الأنثوية، محبوكة بإيحاء منك، وأنّك أمليت عليّ كلّ كتاباتي .فلتكن هذه اللعبة عادلة: إجعلني مدينتك الفاضلة، واختبر فيّ أسلحتك الأكثر تطوّراً.
إهدمني وأعد بنائي عشرون مرّة لأصبح على قياسك. لا تنظر أبداً إلى الخلف، كي لا تصير تمثالاً من الملح. إصبر قليلاً قبل أن تمضي، حتى ينقشع اّخر ضباب في هذا العصر. سأهبك ما تبني به جسوراً تعبر كلّ المستنقعات. ثابتة أنا في الأرض، أحضر أنت العالم إليّ، وبالمقابل، سأعطيك سريراً لترتاح، وقبراً لتنبثق منه كلّما متّ. وفّر حملاتك عليّ، واحتفظ بجيوشك لمعارك غير وهمية، فلو هدأت قليلاً، لانتبهت أنّ مفاتيحي جميعها في يدك.
