- إنضم
- 16 يوليو 2010
- المشاركات
- 4,416
- مستوى التفاعل
- 3
- النقاط
- 0

بلغني أيها الملك السعيد ذو العقل الرشيد أن حاتم الطائي لما مات دفن في رأس جبل وعملوا على قبره حوضين من حجر وصور بنات محلولات الشعر من حجر وكان تحت ذلك الجبل نهر جار، فإذا نزلت الوفود يسمعون الصراخ في الليل من العشاء إلى الصباح، فإذا أصبحوا لم يجدوا أحد غير البنات المصورة من الحجر، فلما نزل ذو الكراع ملك حمير بذلك الوادي بات تلك الليلة هناك وتقرب من ذلك الموضع فسمع الصراخ فقال: ما هذا العويل الذي فوق الجبل؟ فقالوا له: إن هذا قبر حاتم الطائي.
فقال ذا الكراع يهزأ بحاتم الطائي: يا حاتم نحن الليلة ضيوفك ونحن خماً، فغلبه النوم ثم استيقظ وهو مرعوب وقال: يا عرب ألحقوني وأدركوا راحلتي، فلما جاءوه وجدوا الناقة تضطرب فنحروها وشووا لحمها وأكلوه ثم سألوه عن سبب ذلك فقال: إني نمت فرأيت حاتم الطائي في المنام قد جاءني بسيف وقال: جئنا ولم يكن عندنا شيء، وعقر ناقتي بالسيف ولو لم تنحروها لماتت.
فلما أصبح الصباح ركب ذو الكراع راحلة واحد من أصحابه وأركبه خلفه، فلما كان في وسط النهار رأوا راكباً على راحلة وفي يده ناقة فقالوا له: من أنت؟ قال: أنا عدي بن حاتم الطائي ثم سأل عن ذو الكراع أمير حمير وقال له: اركب هذه الناقة عوضاً عن راحلتك فإن ناقتك نحرها أبي لك.
فسأل ذو الكراع: ومن أخبرك؟ قال: أتاني في المنام في هذه الليلة وقال لي: يا عدي إن ذو الكراع ملك حمير استضافني فنحرت له ناقته فأدركه بناقة يركبها فإني لم يكن عندي شيء.. فأخذها ذو الكراع وتعجب من كرم حاتم حياً وميتاً..!

معن بن زائدة
ومن حكايات الكرام أيضاً ما يروى عن معن بن زائدة أنه كان في يوم من الأيام في الصيد والقنص فعطش ولم يجد مع غلمانه ماء، وبينما هو كذلك وإذا بثلاث جوار أقبلن عليه حاملات ثلاث قرب ماء، فاستقاهن فأسقينه فطلب شيئاً من غلمانه ليعطيه للجواري فلم يجد معه مالاً فدفع لكل واحدة منهن عشرة أسهم نصولها من الذهب فقالت إحداهن لصاحبتيها: لم تكن هذه الشمائل إلا لمعن بن زائدة فلتقل كل واحدة منكن شيئاً من الشعر مدحاً فيه فقالت إحداهن:
ومن جوده يرمي العداة بـأسـهـم *** من الذهب الإبريز صيغت نصولها
لينفقها المجـروح عـنـد دوائهـا *** ويشتري الأكفان منـهـا قـتـيلا
وقيل إن معن بن زائدة خرج في جماعته إلى الصيد فقرب منهم قطيع ظباء فافترقوا في طلبه وانفرد معن خلف ظبي فلما ظفر به نزل فذبحه فرأى شخصاً مقبل من البرية على حمار فركب فريه واستقبله فسلم عليه وقال له: من أين أتيت؟ قال: أتيت من أرض قضاعة وإن مدة من السنين مجدبة وقد أخصبت هذه السنة فزرعت فيها القثاء فطرحت في غير وقتها فجمعت منها ما استحسنته من القثاة وقصدت الأمير معن بن زائدة لكرمه المشهور ومعروفه المأثور فقال له: كم أملت منه؟ قال: ألف دينار.
فقال: فإن قال لك هذا القدر كثير قال: خمسمائة دينار قال: فإن قال لك كثير قال مائة دينار قال: فإن قال لك كثير قال خمسين دينار قال فإن قال لك هذا كثير؟ قال أدخلت قوائم حماري في حرامه ورجعت إلى أهلي صفر اليدين، فضحك معن من كلامه وعاد إلى عسكره وقال لحاجبه: إذا أتاك شخص على حمار بقثاة فأدخله علي، ثم أتى ذلك الرجل بعد ساعة فأذن له الحاجب بالدخول، فلما دخل على الأمير لم يعرف أنه هو الذي قابله في البرية لهيبته وجلاله وكثرة خدمه وحشمه.
فلما سلم عليه قال له الأمير: ما الذي أتى بك يا أخا العرب؟ قال: أملت من الأمير واتيت له بقثاة في غير أوانها فقال له: كم أملت منها؟ قال: ألف دينار، قال لك هذا القدر كثير، قال: خمسمائة دينار قال: كثير قال: كثير قال: ثلثمائة دينار قال: كثير قال: مائتي دينار قال: كثير، قال: مائة دينار قال: كثير، قال خمسين ديناراً قال: كثير، قال ثلاثين ديناراً قال: كثير.
قال: والله لقد كان ذلك الرجل الذي قابلني في البرية مشئوما أفلا أقل من ثلاثين ديناراً، فضحك "معن" وسكت فعلم الإعرابي أنه هو الرجل الذي قابله في البرية فقال له: يا سيدي إذا لم تجيء بالثلاثين فها هو الحمار مربوط بالباب وها معن جالس، فضحك معن ثم استدعى بوكيله وقال: أعطه ألف دينار وخمسمائة دينار وثلثمائة دينار ومائتي دينار ومائة دينار وثلاثين دينار ودع الحمار مربوطاً مكانه، فبهت الإعرابي وتسلم الألفين ومائة وثمانين ديناراً، فرحمة الله عليهم أجمعين.
مملكة الإفرنج

يروى أنه كان هناك مملكة يقال لها البطة وكانت مملكة للإفرنج وكان فيها قصر مقفل دائماً وكلما مات ملك وتولى بعده ملك آخر من الروم رمي عليه قفلاً محكماً فاجتمع على الباب أربعة وعشرون قفلاً من كل ملك قفل، ثم تولى بعدهم رجل ليس من أهل بيت المملكة فأراد فتح تلك الأقفال ليرى ما في ذلك القصر فمنعه من ذلك أكابر الدولة وأنكروا عليه وزجروه وقال: لا بد من فتح ذلك القصر فبذلوا له جميع ما بأيديهم من نفائس الأموال والذخائر على عدم فتحه فلم يرجع عن فتحه.
ثم أزال الأقفال وفتح الباب فوجد فيه صورة العرب على خيلهم وجمالهم وعليهم العمائم المسبلة وهم متقلدون بالسيوف وبأيديهم الرماح الطوال ووجد فيه كتاباً فأخذه وقرأه فوجد مكتوباً فيه: إذا فتح هذا الباب يغلب على هذه الناحية قوم من العرب وهم على هيئة هذه الصور فالحذر ثم الحذر من فتحه، وكانت تلك المدينة بالأندلس.
ففتحها طارق بن زياد في تلك السنة في خلافة الوليد بن عبد الملك من بني أمية، وقتل ذلك الملك أقبح قتلة ونهبت بلاده وسبى بها من النساء والغلمان وغنم أموالها ووجد فيها ذخائر عظيمة، منها ما يقرب من مائة وسبعين تاجاً من الدر والياقوت وأحجاراً نفيسة وإيواناً ترمح فيه الخيالة برماحهم، وأواني الذهب والفضة، ووجد بها المائدة التي كانت لنبي الله سليمان بن داود عليه السلام، وكانت من زمر أخضر. وهذه المائدة إلى الآن باقية في مدينة روما وأوانيها من الذهب وصحافها من الزبرجد ووجد فيها الزبور مكتوباً بخط يوناني في ورق من الذهب مفصص بالجواهر.
كما وجد فيها كتاباً يذكر فيه منافع الأحجار الكريمة والبيوت والمدائن والقرى والطلاسم وعلم الكيمياء من الذهب والفضة، وكتاباً آخر يحكي فيه صناعة اليواقيت والأحجار وتركيب السموم والترياق وصورة شكل الأرض والبحار والبلدان والمعادن وقاعة كبيرة ممتلئة ذهباً خالصاً، ووجد بها مرآة كبيرة مستديرة عجيبة مصنوعة من أخلاط صنعت لنبي الله سليمان بن داود عليه السلام إذا نظر الناظر فيها رأى الأقاليم السبعة عياناً ، فحمل ذلك كله إلى الوليد بن عبد الملك وتفرق العرب في مدنها وهي من أعظم البلاد.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
التعديل الأخير: