مشاركة: الابلات الروضه
قطره ماء
في يوم مطير انفردت قطرة من ماء المطر، وأخذت تبحث لها عن مكان على الأرض. وقبل أن تستقر قالت لنفسها : ما هذا العالم ؟ وما هذه الدنيا الفسيحة ؟ ترى هل لي مكان فيها ثم سارت في طريقها على غير هدى وأخذت تمشي . . وتمشي إلى أن وجدت مجموعة من الأطفال يلعبون ويركضون ، وفي يد كل واحد منهم شئ تخرج منه قطرات ماء يرش بعضهم بعضاً ، ويجرون ويتصايحون ، وقطرات الماء تتناثر هنا وهناك وتملأ المكان حتى أوشك سيل الماء المتناثر أن يجرفها ، فجرت مبتعدة خائفة . . .
فإذا بمياه جارفة تقابلها ، فصعدت فوق الرصيف ونظرت ، فلما اقتربت منها المياه سألت قطرة منها: ما هذا الماء الكثير ؟ ماذا يفعل هذا الرجل ؟ قالت قطرة المياه: إنه يغسل سيارته . . كل يوم يغسلها ، ويهدر من الماء الشئ الكثير. فانزعجت قطرة المطر من هذا العمل وفكرت في نفسها وقالت: هل يعني هذا أنه لا قيمة لي، لا أهمية لوجودي في هذا العالم. فسمعتها قطرة المياه وقالت لها : بل لنا في هذا العالم قيمة عظيمة، ولكن الناس يسرفون في استخدام الماء . . يضيعونه باستهتار، ولا يفكرون . . ماذا لو فقدوه . . كيف تصبح حياتهم ؟ وهل ستصبح لهم حياة . إذا كان الله عز وجل يقول في كتابة الكريم: { وجعلنا من الماء كل شئ حي }1. وهم يستهلكون هذه الحياة يستنزفونها بإسرافهم. ثم ودعت قطرة المطر قطرة المياه وسارت في طريقها.
وبعد فترة وجدت نهراً يجري . مياه كثيرة في مكان واسع ، فدهشت وقالت :
ما هذه المياه المجتمعة ؟ ترى ماذا يفعلون ؟ ثم اقتربت وسألت قطرة منها :
ماذا تفعلون هنا ؟
قالت قطرة النهر :
من أنتِ ؟ ومن أين جئت ِ ؟
قالت قطرة المطر :
لقد نزلت من السماء .
قالت قطرة النهر :
إذاً أنت قطرة من ماء المطر . . أهلاً بك .
نحن في هذا المكان نسمى نهراً ، وماؤنا عذب غزير كماء المطر . وهناك
مكان آخر أكبر منا بكثير ويسمى بحراً ولكن ماؤه مالح .
فقالت قطرة المطر :
ولكن أين هو هذا البحر أني لا أراه .
قالت قطرة النهر :
إنه بعيد، وماء النهر يجري ويختلط مع ماء البحر .
فقالت قطرة المطر :
وعندها يصبح ماء النهر مالحا . أليس كذلك .
فضحكت قطرة النهر وقالت :
لا . وهذا عجيب خلق الرحمن الذي يقول : ( مرج البحرين يلتقيان )1 أي يتجاوران لا فصل بينهما في مرأي العين ، ومع ذلك فلم يختلطا ، ( بينهما برزخ ) أي : حاجز يحجز بينهم ( لا يبغيان )2 لايبغي أحدهما على الآخر .
بأن يدخل ويختلط به3 . فقالت قطرة المطر : سبحان الله ، ولكن هل أستطيع أن أعيش معكم هنا .
قالت قطرة النهر :
نعم أهلاً ومرحبا بك .
ظلت قطرة المطر في النهر سعيدة برفقة إخوتها قطرات مياه النهر فترة من الزمان، ثم أحبت أن تنتقل إلى مكان آخر ٍ، وترى ما في هذا العالم .
أخذت تسير في جو عاصف ، ورياح شديدة . وتوارت في جبل خشية الريح فإذا بها تسمع صوتاً يقرأ .
( وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فاسقيناكموه وما أنتم له بخازنين ) . فاستدارت لترى من المتكلم فرآها صاحب الصوت وقال لها : ما بك أيتها القطرة الصغيرة . قالت : إني خائفة من الرياح . فضحك صاحب الصوت وقال : ومن يخاف من رحمة الله ! ثم أنت قطرة ماء , ألا تعرفين كيف جئت ؟ ومن أين نزلت ؟ قالت قطرة المطر: أنا لا أعرف سوى أني قطرة نزلت من السماء . قال صاحب الصوت: نعم، واستمعي لقوله تعالى: ( وأرسلنا الرياح لواقح )
تلقح السحاب ببخار الماء فيمتلئ ماء، وتلقح ا لشجر ليثمر . ( فأنزلنا من السماء ماء فاسقيناكموه ) أي جعلنا ذلك المطر لسقياكم، ولشرب مواشيكم وأرضكم . ( وما أنتم له بخازنين )1 في الآبار والغدران والعيون. فقالت قطرة المطر سبحان الله تعالى. . . . وإذا بالرياح تعصف بشدة، وتأخذ معها قطرة المطر بعيداً وتلقي بها في بستان كبير، استكانت فيه إلى أن هدأت الرياح، ثم أجالت نظرها فيما حولها فبهرت بما رأت من جمال آسر أخاذ، أشجار كبيرة، وأشجار صغيرة، فواكه مختلفة الأشكال، وثمار متنوعة الألوان، فشعرت بقيمتها ( هو الذي أنزل من السماء ماء لكم فيه شراب ومنه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون )1. بقيت قطرة المطر في البستان مدة تتمعن في بديع صنع الله وتسبح الرحمن .
ثم تابعت مسيرها . . فإذا بحفرة عميقة في الأرض ، نظرت بداخلها، ورأت في قاعها ماءً قليلاً فتشجعت ونزلت إلى الداخل . سلمت على قطرات المياه وسألتهن: ماذا تفعلن في هذه الحفرة، إن هذا المكان عميق ومخيف، فانفردت بها قطرة من ماء البئر من الواضح أنها كبيرة وقديمة وسألتها: من أين جئت ؟ إنك قطرة مطر صغيرة فتية . . . ألا تعرفين أن هذه الحفرة تسمى بئراً . . وأن البئر من أقدم ما عرفه الإنسان كمصدر للماء . فتعجبت قطرة المطر وقالت : ولكني سمعت قبل قليل أن الماء يأتي من السماء وليس من الأرض . فضحكت قطرة البئر الكبيرة وقالت : نعم ، ولكن بعد أن ينزل الماء من السماء إلى أين يذهب؟ إنه بلا شك يتجه إلى الأرض فتتشربه الأرض ويدخل إلى باطنها ، فإذا شح الماء عندالإنسان وأراد أن يرتوي ويسقي أشجاره وحيواناته شق في الأرض بئراً وطلب الماء من باطنها . فقالت قطرة المطر : ولكن كيف يشح الماء عند الإنسان، لقد رأيته كيف يستطيع أن يجد الماء بسهولة ويسر، وكيف أن الأمر لا يتطلب سوى أن يفتح أداة أمامه ويجد الماء، يستعمله ويستغله في كل ما يريد، بل رأيت كيف يسرف في استخدام ويبذره ويجد غيره حاضراً وبوفرة. قالت قطرة البئر : قديماً يا صغيرتي كان الحصول على الماء صعباً للغاية وكان المرء إذا أراد الماء يتعب ويشقى إلى أن يجد ماءُ يسيراُ يكاد يفي باحتياجاته، فإما أن ينتقل من مكان إلى آخر ، و إما أن يضرب في الأرض إلى أعماق كبيرة بحثاً عن الماء، وقد يجده صالحا للاستعمال، أو غير صالح للاستعمال. وعندها أدركت قطرة المطر ما لها من أهمية في حياة الإنسان وجميع الكائنات الحية، فهي نعمة جليلة