- إنضم
- 16 يوليو 2010
- المشاركات
- 4,416
- مستوى التفاعل
- 3
- النقاط
- 0
أحب بنت الجيران ورفض قريبته لثرائها
نســـاء في حيـــاة نجــــيب محفـــــــوظ
محفوظ في شبابه
بدأت علاقة نجيب محفوظ بالمرأة في سن مبكرة، ففي سنوات طفولته الأولى التي أمضاها في الجمالية كان متاحا له وللصبيان اللعب مع البنات من نفس أعمارهم، وخاصة في شهر رمضان.. في هذا الجو الطفولي عاش أول قصة حب، وكانت قصة ساذجة وبريئة انتهت بمجرد انتقاله إلى العباسية.
في العباسية عاش محفوظ أول قصة حب حقيقية في حياته، يقول في كتاب "نجيب محفوظ.. صفحات من مذكراته وأضواء جديدة على أدبه وحياته" الذي أعده الناقد الراحل رجاء النقاش "هي قصة غريبة مازلت أشعر بالدهشة لغرابتها كلما مرت بذهني، وكنت أيامها على أعتاب مرحلة المراهقة. وقبل أن أدخل هذه التجربة كانت علاقتي بالبنات لا تزيد على مداعبات تتجاوز الحد أحيانا. وكانت هذه التجاوزات البريئة تصطدم بالإحساس الديني وهو على أشده في تلك الفترة. لدرجة أنني كنت أتوجه بالتوبة إلى الله يوميا، وأعيش في عذاب مستمر من تأنيب الضمير. واستمرت هذه الحالة حتى رأيتها. كنت ألعب كرة القدم في الشارع مع أصدقائي، وكان بيتها يطل على المكان الذي نلعب فيه. وأثناء اللعب شدني وجه ساحر لفتاة تطل من الشرفة. كنت في الثالثة عشرة من عمري، أما هي فكانت في العشرين، فتاة جميلة من أسرة معروفة في العباسية. رأيت وجها أشبه بلوحة "الجيوكندا" التي تجذب الناظر إليها من اللحظة الأولى. ربما جذبني إليها بالإضافة إلى جمالها أنها كانت مختلفة عن كل البنات اللائي عرفتهن قبلها. لم تكن فتاة تقليدية مثل بنات العباسية، بل كانت تميل إلى الطابع الأوروبي في مظهرها وتحركاتها، وهو طابع لم يكن مألوفا آنذاك.
ظل حبي قائما لهذه الفتاة الجميلة من بعيد ومن طرف واحد، ولم أجرؤ على محادثتها أو لفت انتباهها إلى حبي الصامت، واكتفيت منها بمجرد النظر. وكانت متعتي الكبرى أن أجلس بعد انتهاء مباراة كرة القدم قبيل المغرب، وأوجه نظري صوب الشرفة التي تقف فتاتي فيها، وأطيل النظر إلى وجهها الجميل. استمر الحب الصامت لمدة عام كامل. وكم كان حزني شديدا عندما تزوجت فتاتي وانتقلت إلى بيتها الجديد.
كنت أعلم أن ارتباطي بها شبه مستحيل، رغم ذلك همت بها حبا، وصبرت على الصمت عاما كاملا دون أن أظفر بأي فرصة للحديث معها، وصدمت لزواجها بشدة. انقطعت عني أخبارها، ومضت الأيام وبدأ حبها يخفت وتنطفئ نيرانه، خاصة بعد أن تخرجت من الجامعة وانشغلت بالوظيفة وبحياتي الأدبية ثم زواجي بعد ذلك. إلا أن حبي لها لم يهدأ أبدا، وظلت آثاره عالقة بقلبي وذاكرتي.
الثلاثية
بعد سنوات طويلة من الفراق، قابلت شقيقتها بالصدفة في مصيف رأس البر. كان ذلك عام 1951 على وجه التقريب، لأنني سافرت في نفس صيف ذلك العام لتمضية أسبوعين هناك. فوجئت بشقيقة الحبيبة القديمة في نفس المصيف بصحبة أسرتها، وكان بين أفراد هذه الأسرة شخص أعرفه، فوجدتها فرصة سانحة لأتحدث معهم. وعرفت أن أصل الأسرة من دمياط ثم نزحت إلى القاهرة. ودار بيننا حديث طويل لم أجرؤ خلاله على السؤال من قريب أو بعيد عن فتاتي القديمة. ولقد صورت قصتي مع تلك الفتاة في رواية "قصر الشوق" مع تعديلات تتفق مع الإطار العام الذي وضعته للرواية.
وأعترف صراحة بأن شخصية "كمال عبد الجواد" في الرواية تتشابه معي إلى حد كبير، حتى في قصة حبي الأول، وإن كان كمال استطاع الوصول إلى حبيبته".
يعترف محفوظ في هذا الكتاب بأن الفترة التي سبقت زواجه كانت حياة عربدة كاملة، فيقول "كنت من رواد دور البغاء الرسمي والسري، ومن رواد الصالات والكباريهات. ومن يراني في ذلك الوقت لا يمكن أن يتصور أبدا أن شخصا يعيش مثل هذه الحياة المضطربة، وتستطيع أن تصفه بأنه حيوان جنسي، يمكن أن يعرف الحب أو الزواج. كانت نظرتي للمرأة في ذك الحين جنسية بحتة. ليس فيها أي دور للعواطف أو المشاعر، وإن كان يشوبها أحيانا شيء من الاحترام. ثم تطورت هذه النظرة وأخذت في الاعتدال بعدما فكرت في الزواج والاستقرار".
كان زواج شيخ الروائيين العرب من "عطية الله" زواجا علميا كما يؤكد في الكتاب قائلا " اخترت الزوجة المناسبة لظروفي، ولم تنشأ بيننا قصة حب سابقة على الزواج، كنت في حاجة إلى زوجة توفر لي ظروفا مريحة تساعدني على الكتابة ولا تنغص حياتي. زوجة تفهم أنني لست كائنا اجتماعيا، ولا أحب أن أزور أحدا أو يزورني أحد، وأنني وهبت حياتي كلها للأدب. ووجدت في "عطية الله" هذا التفهم وتلك الصفات المناسبة لي. واستطاعت هذه الزوجة أن توفر لي جوا مناسبا جعلني أتفرغ للكتابة والقراءة. حتى إن إخوتي عندما كانوا يقومون بزيارتهم المعتادة لنا، كانت زوجتي تستقبلهم وتجلس معهم لتتركني وشأني، حتى لا أضيع وقتي في مثل هذه الواجبات الاجتماعية".
ليس معنى هذا أن محفوظ كان مشغولا عن زوجته على الدوام، ففي أوقات الراحة عندما ينتهي من عمله وتفرغ هي من أعمال المنزل، كانا يجلسان سويا لسماع الإذاعة أو مشاهدة التلفزيون. وبعد إنجاب البنتين "أم كلثوم" و"فاطمة" خصصا يوما في الأسبوع للخروج فيه، وفي الغالب كانا يذهبا لمشاهدة أحدث الأفلام السينمائية أو التنزه في الحدائق العامة.
طوال حياة أديبنا الزوجية لم يحدث أن طلب مشورة من زوجته أو ابنتيه في أي عمل أدبي يكتبه، ولم يحدث أن عرض عليهن عملا قبل صدوره، وكن يقرأنه عندما يخرج للنور مع القراء. أما أعماله التي نقلتها السينما أو تحولت إلى أعمال تلفزيونية كن يشاهدنها أيضا مع الجمهور، ويبدين رأيهن فيها، وكانت آراؤهن في الغالب انطباعية غير متخصصة، مما لا يفيده على المستوى الأدبي.
لم يكن محفوظ ينوي الزواج أبدا، وكان يحسب أنه سيعطله عن حبه للأدب الذي قرر أن يعطيه كل وقته واهتمامه. وساعده فيما انتواه طبيعة الحياة التي كانت يحياها. يقول محفوظ "منذ مولدي وأنا أجد من يقوم بخدمتي ويقضي لي احتياجاتي. في البيت والدتي تقوم بتجهيز طعامي وملابسي وحجرتي، وكنت أعيش حياة منظمة لا أثر فيها للتعب أو المشقة. ولم أجرب أبدا العيش خارج القاهرة بعيدا عن أهلي مثل صديقي "فؤاد نويرة" الذي اضطرته ظروف عمله لتمضية بعض الوقت في مدينة أبو تيج في الصعيد، فعاش في لوكاندة متواضعة عدة أيام حتى عثر على شقة، وكان يخدم نفسه بنفسه. وكنت أتعجب حينما أسمع عن أدباء يعيشون حياة الصعلكة، ولم أتخيل نفسي أبدا أعيش هذه الحياة. وعندما تقدم العمر بوالدتي وضعفت صحتها، وأصبحت لا تقدر على الأعباء الكثيرة المطلوبة منها، بدأت أشعر بالوحدة، وبدأت أمي تدرك ضرورة زواجي.
نجيب محفوظ
وعرضت عليّ أمر الزواج مرارا وألحت فيه، ولكنني كل مرة كنت أرفض وأتذرع بحجج واهية. لم تقبل أمي الهزيمة وكررت عرضها، واختارت لي بالفعل فتاة من أقاربي وتحدثت مع أمها في الموضوع. والدة تلك الفتاة رحبت بي، فابنتها ثرية ومطمع للرجال، وتخشى عليها من زوج غريب لا تعرفه قد يحيل حياتها إلى جحيم ويستنزف ثروتها. بينما أنا شاب من الأسرة، ولن تكون لي أطماع في مال ابنتها، كما أنني سأكون حريصا عليها. وعندما فكرت وجدت أن هذه الزيجة ستكون ماسة بكرامتي بسبب أوضاع الفتاة المالية، فهي شديدة الثراء، وقد تعلمت في أحسن المدارس الأجنبية، ولا يوجد تكافؤ بيننا من الناحية المادية، وليس هناك ما يجبرها على الزواج من أديب له مزاج خاص وطريقة حياة مختلفة ولا يمكن السيطرة عليه.
رفضت عرض أمي هذا، خاصة بعد أن علمت أن أهل الفتاة سيتكفلون بكل تكاليف الزواج من مهر وشبكة وأثاث المنزل. ومرت السنوات إلى أن قابلت "عطية الله" ووجدت فيها الصفات التي أبحث عنها كأديب، وتزوجنا في السر. أخفيت أمر زواجي عن أمي، ودخلت بزوجتي في شقة شقيقي "محمد" حتى أتجنب ثورة أمي، لأنها كانت رتبت أمر زواجي من قريبتها الثرية وأنا خذلتها أمام الجميع، فلم أستطع أن أفاجئها بزواجي من امرأة أخرى".
بعد سنوات طويلة من زواج أديب نوبل، يقر بدور زوجته العظيم، فيقول "لا يمكنني أن أنكر أن زوجتي "عطية الله" تحملتني كثيرا وساعدتني على تطبيق النظام الصارم الذي فرضته على حياتي. ووفرت لي جوا مكنني من التفرغ للكتابة، وحاولت بقدر طاقتها أن تبعدني عن كل ما يعطلني ويشغل تفكيري. وإذا كان لأحد فضل في المكانة التي وصلت إليها، فزوجتي في المقدمة. جزاها الله كل خير".
نســـاء في حيـــاة نجــــيب محفـــــــوظ
![](http://moheet.com/image/54/225-300/545044.jpg)
محفوظ في شبابه
بدأت علاقة نجيب محفوظ بالمرأة في سن مبكرة، ففي سنوات طفولته الأولى التي أمضاها في الجمالية كان متاحا له وللصبيان اللعب مع البنات من نفس أعمارهم، وخاصة في شهر رمضان.. في هذا الجو الطفولي عاش أول قصة حب، وكانت قصة ساذجة وبريئة انتهت بمجرد انتقاله إلى العباسية.
في العباسية عاش محفوظ أول قصة حب حقيقية في حياته، يقول في كتاب "نجيب محفوظ.. صفحات من مذكراته وأضواء جديدة على أدبه وحياته" الذي أعده الناقد الراحل رجاء النقاش "هي قصة غريبة مازلت أشعر بالدهشة لغرابتها كلما مرت بذهني، وكنت أيامها على أعتاب مرحلة المراهقة. وقبل أن أدخل هذه التجربة كانت علاقتي بالبنات لا تزيد على مداعبات تتجاوز الحد أحيانا. وكانت هذه التجاوزات البريئة تصطدم بالإحساس الديني وهو على أشده في تلك الفترة. لدرجة أنني كنت أتوجه بالتوبة إلى الله يوميا، وأعيش في عذاب مستمر من تأنيب الضمير. واستمرت هذه الحالة حتى رأيتها. كنت ألعب كرة القدم في الشارع مع أصدقائي، وكان بيتها يطل على المكان الذي نلعب فيه. وأثناء اللعب شدني وجه ساحر لفتاة تطل من الشرفة. كنت في الثالثة عشرة من عمري، أما هي فكانت في العشرين، فتاة جميلة من أسرة معروفة في العباسية. رأيت وجها أشبه بلوحة "الجيوكندا" التي تجذب الناظر إليها من اللحظة الأولى. ربما جذبني إليها بالإضافة إلى جمالها أنها كانت مختلفة عن كل البنات اللائي عرفتهن قبلها. لم تكن فتاة تقليدية مثل بنات العباسية، بل كانت تميل إلى الطابع الأوروبي في مظهرها وتحركاتها، وهو طابع لم يكن مألوفا آنذاك.
ظل حبي قائما لهذه الفتاة الجميلة من بعيد ومن طرف واحد، ولم أجرؤ على محادثتها أو لفت انتباهها إلى حبي الصامت، واكتفيت منها بمجرد النظر. وكانت متعتي الكبرى أن أجلس بعد انتهاء مباراة كرة القدم قبيل المغرب، وأوجه نظري صوب الشرفة التي تقف فتاتي فيها، وأطيل النظر إلى وجهها الجميل. استمر الحب الصامت لمدة عام كامل. وكم كان حزني شديدا عندما تزوجت فتاتي وانتقلت إلى بيتها الجديد.
كنت أعلم أن ارتباطي بها شبه مستحيل، رغم ذلك همت بها حبا، وصبرت على الصمت عاما كاملا دون أن أظفر بأي فرصة للحديث معها، وصدمت لزواجها بشدة. انقطعت عني أخبارها، ومضت الأيام وبدأ حبها يخفت وتنطفئ نيرانه، خاصة بعد أن تخرجت من الجامعة وانشغلت بالوظيفة وبحياتي الأدبية ثم زواجي بعد ذلك. إلا أن حبي لها لم يهدأ أبدا، وظلت آثاره عالقة بقلبي وذاكرتي.
![](http://moheet.com/image/55/225-300/551390.jpg)
الثلاثية
بعد سنوات طويلة من الفراق، قابلت شقيقتها بالصدفة في مصيف رأس البر. كان ذلك عام 1951 على وجه التقريب، لأنني سافرت في نفس صيف ذلك العام لتمضية أسبوعين هناك. فوجئت بشقيقة الحبيبة القديمة في نفس المصيف بصحبة أسرتها، وكان بين أفراد هذه الأسرة شخص أعرفه، فوجدتها فرصة سانحة لأتحدث معهم. وعرفت أن أصل الأسرة من دمياط ثم نزحت إلى القاهرة. ودار بيننا حديث طويل لم أجرؤ خلاله على السؤال من قريب أو بعيد عن فتاتي القديمة. ولقد صورت قصتي مع تلك الفتاة في رواية "قصر الشوق" مع تعديلات تتفق مع الإطار العام الذي وضعته للرواية.
وأعترف صراحة بأن شخصية "كمال عبد الجواد" في الرواية تتشابه معي إلى حد كبير، حتى في قصة حبي الأول، وإن كان كمال استطاع الوصول إلى حبيبته".
يعترف محفوظ في هذا الكتاب بأن الفترة التي سبقت زواجه كانت حياة عربدة كاملة، فيقول "كنت من رواد دور البغاء الرسمي والسري، ومن رواد الصالات والكباريهات. ومن يراني في ذلك الوقت لا يمكن أن يتصور أبدا أن شخصا يعيش مثل هذه الحياة المضطربة، وتستطيع أن تصفه بأنه حيوان جنسي، يمكن أن يعرف الحب أو الزواج. كانت نظرتي للمرأة في ذك الحين جنسية بحتة. ليس فيها أي دور للعواطف أو المشاعر، وإن كان يشوبها أحيانا شيء من الاحترام. ثم تطورت هذه النظرة وأخذت في الاعتدال بعدما فكرت في الزواج والاستقرار".
كان زواج شيخ الروائيين العرب من "عطية الله" زواجا علميا كما يؤكد في الكتاب قائلا " اخترت الزوجة المناسبة لظروفي، ولم تنشأ بيننا قصة حب سابقة على الزواج، كنت في حاجة إلى زوجة توفر لي ظروفا مريحة تساعدني على الكتابة ولا تنغص حياتي. زوجة تفهم أنني لست كائنا اجتماعيا، ولا أحب أن أزور أحدا أو يزورني أحد، وأنني وهبت حياتي كلها للأدب. ووجدت في "عطية الله" هذا التفهم وتلك الصفات المناسبة لي. واستطاعت هذه الزوجة أن توفر لي جوا مناسبا جعلني أتفرغ للكتابة والقراءة. حتى إن إخوتي عندما كانوا يقومون بزيارتهم المعتادة لنا، كانت زوجتي تستقبلهم وتجلس معهم لتتركني وشأني، حتى لا أضيع وقتي في مثل هذه الواجبات الاجتماعية".
![](http://moheet.com/image/52/225-300/526962.jpg)
ليس معنى هذا أن محفوظ كان مشغولا عن زوجته على الدوام، ففي أوقات الراحة عندما ينتهي من عمله وتفرغ هي من أعمال المنزل، كانا يجلسان سويا لسماع الإذاعة أو مشاهدة التلفزيون. وبعد إنجاب البنتين "أم كلثوم" و"فاطمة" خصصا يوما في الأسبوع للخروج فيه، وفي الغالب كانا يذهبا لمشاهدة أحدث الأفلام السينمائية أو التنزه في الحدائق العامة.
طوال حياة أديبنا الزوجية لم يحدث أن طلب مشورة من زوجته أو ابنتيه في أي عمل أدبي يكتبه، ولم يحدث أن عرض عليهن عملا قبل صدوره، وكن يقرأنه عندما يخرج للنور مع القراء. أما أعماله التي نقلتها السينما أو تحولت إلى أعمال تلفزيونية كن يشاهدنها أيضا مع الجمهور، ويبدين رأيهن فيها، وكانت آراؤهن في الغالب انطباعية غير متخصصة، مما لا يفيده على المستوى الأدبي.
لم يكن محفوظ ينوي الزواج أبدا، وكان يحسب أنه سيعطله عن حبه للأدب الذي قرر أن يعطيه كل وقته واهتمامه. وساعده فيما انتواه طبيعة الحياة التي كانت يحياها. يقول محفوظ "منذ مولدي وأنا أجد من يقوم بخدمتي ويقضي لي احتياجاتي. في البيت والدتي تقوم بتجهيز طعامي وملابسي وحجرتي، وكنت أعيش حياة منظمة لا أثر فيها للتعب أو المشقة. ولم أجرب أبدا العيش خارج القاهرة بعيدا عن أهلي مثل صديقي "فؤاد نويرة" الذي اضطرته ظروف عمله لتمضية بعض الوقت في مدينة أبو تيج في الصعيد، فعاش في لوكاندة متواضعة عدة أيام حتى عثر على شقة، وكان يخدم نفسه بنفسه. وكنت أتعجب حينما أسمع عن أدباء يعيشون حياة الصعلكة، ولم أتخيل نفسي أبدا أعيش هذه الحياة. وعندما تقدم العمر بوالدتي وضعفت صحتها، وأصبحت لا تقدر على الأعباء الكثيرة المطلوبة منها، بدأت أشعر بالوحدة، وبدأت أمي تدرك ضرورة زواجي.
![](http://moheet.com/image/70/225-300/709229.jpg)
نجيب محفوظ
وعرضت عليّ أمر الزواج مرارا وألحت فيه، ولكنني كل مرة كنت أرفض وأتذرع بحجج واهية. لم تقبل أمي الهزيمة وكررت عرضها، واختارت لي بالفعل فتاة من أقاربي وتحدثت مع أمها في الموضوع. والدة تلك الفتاة رحبت بي، فابنتها ثرية ومطمع للرجال، وتخشى عليها من زوج غريب لا تعرفه قد يحيل حياتها إلى جحيم ويستنزف ثروتها. بينما أنا شاب من الأسرة، ولن تكون لي أطماع في مال ابنتها، كما أنني سأكون حريصا عليها. وعندما فكرت وجدت أن هذه الزيجة ستكون ماسة بكرامتي بسبب أوضاع الفتاة المالية، فهي شديدة الثراء، وقد تعلمت في أحسن المدارس الأجنبية، ولا يوجد تكافؤ بيننا من الناحية المادية، وليس هناك ما يجبرها على الزواج من أديب له مزاج خاص وطريقة حياة مختلفة ولا يمكن السيطرة عليه.
رفضت عرض أمي هذا، خاصة بعد أن علمت أن أهل الفتاة سيتكفلون بكل تكاليف الزواج من مهر وشبكة وأثاث المنزل. ومرت السنوات إلى أن قابلت "عطية الله" ووجدت فيها الصفات التي أبحث عنها كأديب، وتزوجنا في السر. أخفيت أمر زواجي عن أمي، ودخلت بزوجتي في شقة شقيقي "محمد" حتى أتجنب ثورة أمي، لأنها كانت رتبت أمر زواجي من قريبتها الثرية وأنا خذلتها أمام الجميع، فلم أستطع أن أفاجئها بزواجي من امرأة أخرى".
بعد سنوات طويلة من زواج أديب نوبل، يقر بدور زوجته العظيم، فيقول "لا يمكنني أن أنكر أن زوجتي "عطية الله" تحملتني كثيرا وساعدتني على تطبيق النظام الصارم الذي فرضته على حياتي. ووفرت لي جوا مكنني من التفرغ للكتابة، وحاولت بقدر طاقتها أن تبعدني عن كل ما يعطلني ويشغل تفكيري. وإذا كان لأحد فضل في المكانة التي وصلت إليها، فزوجتي في المقدمة. جزاها الله كل خير".