هكذا تكلم النوخذه قصه من اجزاء اتمنى ان تثبت

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

jasmine_flower

New member
إنضم
4 سبتمبر 2006
المشاركات
2,053
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
قصه من عده اجزاء اختصارا يتكلم فيها النوخذه عن ماضى وحاضر ومتسقبل الكويت موضوع اتمنى كل مواطنه تقراه بتمعن وتستفيد منه والقصه منقوله من مدونه كله مطقوق

في يوم حار من أيام صيف عام 2009 اشتدت الزوابع البحرية على مجموعة

صغيرة من الشباب الكويتي المشارك في رحلات الغوص التابعة للنادي البحري الكويتي , و قد اشتدت العواصف و الزوابع على مركبهم الذي بدأ يرقص كالريشة بين أمواج البحر مما جعلهم يفضلون الهروب و القفز من على ظهره الى البحر مباشرة عل و عسى يستطيعون النجاة بأرواحهم من مخالب هذه الكارثة

و بعد صراع طويل بين السابحين و أمواج البحر العاتية استطاع ثلة قليلة منهم الوصول الى جزيرة قاروه الكويتية , تلك الجزيرة الصغيرة و البعيدة نسبيا عن شواطيء مدينة الكويت , و هناك تغلب الجهد و التعب على أجسامهم النحيلة مما جعلها تتسابق الى الانبطاح على رمال الجزيرة محاولين نسيان ما مروا به من أحداث مرعبة و خلدوا جميعا في نوم عميق
.


.
مع اشراقة اشعة شمس اليوم التالي نهض أحدهم من نومه ليرى بجانبه خمسة من رفاقه , فبدأ بإيقاظهم من النوم ثم نظر حوله للبحث عن ناجين آخرين قد تمكنوا من الوصول الى الجزيرة بعدهم , الا أنهم لم يجدوا احدا

و من هنا بدأ بالتفكير في كيفية العودة الى أراضي المدينة و كيفية الصمود في هذه الجزيرة المهجورة بلا ماء أو طعام , خاصة و أن حرارة الشمس لم تكن أرحم عليهم من عاصفة البارحة , و بينما هم يفكرون فيما سيفعلونه وقف أحدهم أمام الشاطيء مطلقا نظراته في عمق الأفق ليبتسم فمه بدون أن يشعر و يبدأ بالتلويح و القفز و الصراخ , نعم , انه قادم
.
.
كان القارب الخشبي الصغير يقترب الى الشاطيء ببطيء شديد بينما اصطف البحارة على الشاطيء منتظرين وصوله اليهم عله يكون فرصتهم الأولى و الأخيرة للنجاة و العودة الى أراضي المدينة

و عند وصول القارب الصغير نزل منه رجل طاعن في السن ذو جسد نحيل و ملابس رثة حتى أنهم شكوّا في أنه يحتاج الى مساعدتهم أكثر من حاجتهم الى مساعدته , وقف الرجل صامتا يتفرس وجوههم بنظرات تختلط فيها حدة الاتهام باضطراب الاستفسار , فبادر أكبرهم سنا بالترحيب به

هلا هلا عمي , حمدلله أننا وجدناك , لقد غرق مركبنا بالأمس و لم ينجو منه أحد الا نحن السته.
لم يبدي الرجل أي تعاطف معه , فنظارته لا زالت حادة , و لكنه رد عليهم السلام بهدوء و وقار مع مسحة من عدم الاهتمام

و من هنا التف الشباب حوله و بدأ كل منهم يوجه له مجموعة من الأسئلة و الاستفسارات

فسأل الأول , من أنت و مِن أين أتيت ؟

فرد عليه الرجل , ليس مهما من أنا , و ليس مهما من أين أتيت , تستطيع أن تناديني باسم النوخذة

فسأل آخر , حسنا يا نوخذة , يبدو لي أنك قد تجاوزت الثمانين عاما ؟ هل أنت من أهل الكويت ؟

فرد عليه النوخذة , ثمانين عاما هي أكثر من نصف عمري بقليل , و أنا أعيش بين بحار و جزر العالم , لكني أعرف الكويت جيدا و لي فيها الكثير من الذكريات
فسأله ثالث , و ما الذي أتى بك الى هنا , في هذه الأحوال الجوية المضطربة ؟.
عمري تجاوز المئة عام , قضيت آخر سبعين منها في البحث عن كنز مردخاي , و بعد أن اقتصصت أثره في عشرات الجزر حول العالم القديم , اكتشفت أنه شوهد آخر مرة مع الكنز عندما توقف في هذه الجزيرة الصغيرة للراحة , و بعدها لم يعد له ذكر
هنا بدأ الجميع بالتساؤل , من هو مردخاي ؟ و ما قصة هذا الكنز ؟ و ما الذي جعله يمر من هنا ؟

مردخاي هو أغنى أغنياء مملكة اسرائيل القديمة , و قد تمكن من الهرب من جيوش نبوخذنصر الذي حرق اسرائيل عن بكرة أبيها و قام بتهجير أهلها قبل حوالي الفان و خمسمئة سنة , و قد ظل مردخاي يهرب من سلطات نبوخذنصر مع ثروته من مكان الى آخر , و كانت أغلب ملاجئه في الجزر الغير مأهولة , و أنا هنا أتقفى أثرهفسأل أحدهم , و هل انت قادر على تحديد مكان الكنز بالضبط ؟

رد النوخذة عليه بعد أن همهم طويلا , لا استطيع تحديد الموقع بالضبط , الا أنني تمكنت من تحديد ستة مواقع على هذه الجزيرة , و سيكون الكنز تحت أحدها بالتأكيد
بدأت نظرات الريبة تنتقل بين البحارة و قد بدى عليهم الاعياء و الجهد نتيجة عدم الأكل و الشرب بالاضافة الى حرارة الشمس اللاهبة , فبادر أحدهم قائلا

هل نجد عندك شربة ماء؟ أو لقمة نسد بها جوعنا و نصبِّر بها أجسادنا ؟

ابتسم هنا النوخذة و قال , سيكون لكم ذلك و أكثر , لكن عليكم تنفيذ شَرطي أولا

فرد عليه الجميع , و ما هو شرطك؟

كما ترون يا رفاقي , أنا شيخ طاعن في السن , و لم تعد لي قوة على الحفر , خصوصا و أنني بحاجة الى حفر ستة مواقع , لذلك فإنني أطلب من كل واحد منكم أن يقوم بحفر أحد مواقع الكنز , و بعد انتهاءكم من الحفر و الحصول على الكنز , سأقتسم نصفه معكم , و سأعطيكم كل ما معي من شراب و طعام , أيضا سآخذ أحدكم معي الى مدينة الكويت حتى يطلب النجدة لرفاقه , فما هو ردكم ؟
تشاور البحارة لبرهة ثم اتفقوا على ان لا خيار أمامهم غير القبول بهذا العرض , فمن يعلم , قد يكونوا بالأمس ناجين من الموت بإعجوبة , و يصبحوا في الغد من أصحاب الملايين

هكذا تكلم النوخذة , ثم انصرف الى قاربه الخشبي الصغير
 
إنضم
2 مارس 2008
المشاركات
42,349
مستوى التفاعل
45
النقاط
0
العمر
92
كملي متآبعتج

بس أنتي كتبتي 2009 أتوقع فيه غلط لأن صيف 2009 بعده مآ جآ

بآين القصة حلوة

بس صج فيه كنز مردخآي ؟

أو أسطورة ؟
 

jasmine_flower

New member
إنضم
4 سبتمبر 2006
المشاركات
2,053
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
هكذا تكلم النوخذة - المرحلة الخامسة

ذهب النوخذة الى قاربه الصغير و أخرج منه عدة الحفر , ثم قام بتسليم كل واحد منهم مجرفه و بدأ باصطحابهم الواحد تلو الآخر الى المواقع المحددة على الخريطة , و قد كان يحث كل منهم على عدم الانشغال بشيء آخر غير الحفر , و بعد ذلك بدأ النوخذة بجولة اشرافية ليتأكد من سير العمل حسب المطلوب

توقف النوخذة عند أول موقع للحفر و بادر الشاب بالسؤال , ما اسمك ؟

فهد , رد عليه الشاب

كم عمرك ؟

27 سنة

تعمل أم تدرس؟ سأل النوخذة

أنا أعمل

أين ؟

في وزارة الاعلام

و ما هي وظيفتك بالضبط؟

فرد فهد , أعمل في قسم العلاقات العامة , الا أنني لا أداوم بصراحة

فنظر اليه النوخذة بحدة

هل هذا سيء؟ سأل فهد

لا لا , أبدا , لست بهذا السوء يا ابني , رد النوخذة

فأنا لا ألومك على عدم الالتزام بالعمل , و لا ألوم والدك أيضا , فهناك من أرضعكم حليب الاتكالية و التسيب مذ أن كنتم صغارا في المهد , لقد شهد الكويتيون عملية تغيير جيني بعد اكتشاف النفط , فالكويت مرت بثلاثة مراحل رئيسية , و أعتقد أنها ستمر بمرحلتين لاحقتين في المستقبل
فتوقف فهد عن الحفر و بدأ يحدق باستغراب الى هذا العجوز , عن ماذا تتكلم ؟ أي مراحل و أي حليب و أي عمليات جينية؟

إعرف يا ابني أن كل دولة تمر بمراحل مختلفة , و بلادك مرت أيضا بمراحل غير ثابته , و ستنتقل من المرحلة الحالية الى مرحلة مختلفة في المستقبلفاللبنة الأولى لتأسيس الكويت ككيان مستقل يسكنه شعب ذو خصوصية بدأت قبل ثلاثمائة سنة تقريبا , و قد واجهت الكويت الكثير من الأحداث السياسية و التاريخية الصعبة خلال هذه الفترة , حتى أن بعض هذه الأحداث كادت أن تلغي استقلال الكويت بلمح البصر , فأنت تعلم بأن الكويت تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي يجعل السيطرة عليها هدفا للقوى العظمى في المنطقة
.
و عندما أتذكر حياة أهل الكويت في تلك المرحلة فإنني أتذكر كيف كان هذا الشعب يعاني من ظروف الحياة القاسية و الفقر الشديد في تلك الفترة , مما جعل أغلبهم يعملون في أخطر المهن السلمية في ذلك الوقت و هي مهنة صيد اللؤلؤ و السفر الى الهند عبر البحر لأشهر طويلة , يحدث فيها كل ما تتوقعه و ما لا تتوقعه من أحداث و مآسي كثيرة كما حصل معكم في رحلتكم , فكم من أم مات أولادها بعيدا عن عينها في البحر , و كم من طفل وُلد بدون أن يعرف والده الذي مات غريبا في هذا البحر المظلم
و بالرغم من انغماس أهل الكويت في الكفاح من أجل لقمة العيش و تكيف جيناتهم مع قسوة الحياة الا أنهم لم يستطيعوا السيطرة على نفوسهم بشكل جيد في المرحلة الثانية , و هي مرحلة اكتشاف أهم ثروة في العالم , و في الوقت الصحيح و هي ثروة النفط التي نقلت الكويت و شعبها من حالة الكفاح من أجل البقاء الى حالة الازدهار و الاسترخاء , و هذه حالة طبيعية تصيب أي انسان أو دولة تحصل على الثروة بوقت قصير و من دون جهد يذكر , فبدأت الحكومة بتدليل شعبها - المكافح سابقا – من خلال ضمان السكن و التعليم و العلاج و فرص العمل للجميع , مع ضمان الرواتب لمن يعمل و من لا يعمل , أيضا بدأ ضخ الأموال عبر التثمين و انشاء المشاريع العمرانية العملاقة من بناء للمناطق و الشوارع الجديدة مما فتح المجال أمام كل من كان يرفض الاسترخاء و يتمسك بالعمل و الكفاح ليصبح تاجرا لا يشق له غبار
.
هكذا كان وجه كويت ما بعد النفط , ثروة , رفاهية , عمران , نهضة في جميع المجالات , لكن هذا كله لم يحدث بلا سلبيات , فقد تحولت جينات هذا الشعب المكافح المقاتل من أجل البقاء الى جينات طفل مدلل يعتمد على رعاية حكومته في كل شيء , حتى أنهم أصبحوا لا يقبلون بتحمل مسؤولية أخطاؤهم الجسيمة كما حصل قبل نهاية المرحلة الثانية في أزمة المناخ , حيث اعتمد الخاسرون على أموال الحكومة لانقاذهم , و من تلك اللحظة اتفق الشعب و الحكومة ضمنياًّ على مبدأ عدم محاسبة كل منهم للآخر على أخطائه , و سقطت من قاموس الكويت كلمة مسؤولية .
أما المرحلة الثالثة يا صديقي فقد بدأت بأعنف صدمة تاريخية تتعرض لها منطقة الشرق الأوسط في القرن العشرين , عندما غزا الجيش العراقي بلادك و شرد شعبها المسالم , و بالرغم من عودة أرض الكويت حرة و اعادة اعمار الدمار المادي للغزو , الا أن الشعب لم يتحرر نفسيا من آثار هذا الدمار الذي خلفته هذه الهزّة العنيفة, فقد تغلغل الشعور بأن كيان الدولة مؤقت و غياب الأمن و عدم قدرة الحكومة على ادارة الدولة و تطبيق القانون في نفوس المواطنين , و هذا ما جعل الغالبية يسعون شعوريا أو لا شعوريا الى تأمين أنفسهم ماديا و جغرافيا من أي احتمالات مستقبلية
.
و مع سيطرة هاجس عدم الشعور بالأمان و تراكم الشعور بعدم الثقة اتجاه الادارة الحكومية أصبح من السهل على المواطنين القيام بكسر القانون و التعدي عليه , و بالطبع فإن هذه العادة السيئة بدأت بالانتقال من الخاص الى العام و من الكبير الى الصغير و من المواطن الى المقيم حتى وصلتم الى مرحلة الفوضى الأخلاقية و القانونية التي يُعتبر فيها الالتزام بالقانون فعل شاذ يستحق عليه التأنيب و التقريع.
كل ذلك يتم بخطوات واضحة و ثابته أمام مرأى و مسمع من السلطة العاجزة , و التي شاركت بدورها بشكل فعال في خلق هذا الوضع و لم تبذل أقل جهد للسيطرة عليه , و اليوم أنتم كشعب و دولة تستطيعون ارتكاب كل هذه الأخطاء الضخمة و أكثر , فأموال النفط أضخم بكثير من أخطائكم و تستطيع – مؤقتا - أن تستر عوراتكم , الا أن النفط لن يدوم , و تاريخ الانسانية لن يتوقف بتوقف النفط , فسيأتي اليوم الذي تنضب فيه هذه الثروة أو تفقد قيمتها كمصدر وحيد للطاقة في العالم , و عندها ستقف سفينتكم عارية في وجه العاصفة , و أنت تعلم النتيجة
.
و لأنكم تنتمون الى دول العالم الثالث و لستم كالسويد أو النرويج فالمتوقع دخولكم المرحلة الرابعة بدون أي استعداد مسبق أو خطة بديلة, و هي مرحلة شح مصادر الدخل المادية و عدم قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المادية , و في ظل ازدياد معدل الفساد الحكومي و الانحدار العام للقيم الأخلاقية , مع غياب سلطة القانون لا أستبعد أن تشهد هذه المرحلة فوضى عارمة تجتاح البلاد , و توقع أن ترى حدة التجاذبات و الصراعات الداخلية تصل الى مرحلة استخدام العنف و المواجهات المسلحة , نعم يا فهد , وفرة المال اليوم تستطيع أن تطفيء مستصغر الشرر هنا و هناك , الا أن غياب المال سيحرق يابسكم قبل أخضركم
.
هنا توقف فهد عن الحفر و قد ازدحمت الدموع في عينه , فسأل النوخذة ؟ ما الذي تقوله يا رجل ؟ و هل بعد كل هذه الأحداث سنشهد مرحلة خامسة ؟
لم يبتسم النوخذة و وجّه نظرته الثاقبة الى فهد ثم قال

ستنتهي المرحلة الرابعة على تفكك عام في الداخل , و مؤامرات متشابكة بين أطراف الداخل و الخارج , مع استمرار ضعف سيطرة الحكومة و السلطة , و شح في الأموال , و غياب للقانون , و ضمور روح الانتماء الوطني لأبناء الشعب , و فتور في استعجال الدول الكبرى لحمايتكم , و هذا ما سيجعلكم تعودون الى المربع الأول لتتكرر ظروف المرحلة الأولى , و تنتقلون من حالة الرفاهية و الرخاء الى حالة القتال من أجل البقاء و مواجهة التهديدات المستمرة للحفاظ على استقلال دولتكم , و أنا أشك في قدرتكم على ذلك , لأنكم أصبحتم شعب قابل للذوبان
.
سيأتي هذا اليوم , عاجلا أم آجلا
.
هكذا تكلم النوخذة , ثم انصرف الى الحفرة الثانية
.
يتبع​
 

jasmine_flower

New member
إنضم
4 سبتمبر 2006
المشاركات
2,053
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
والله كاتب القصه كتب الموضوع بالمستقبل هالسنه صيف 2009م عن وضع الكويت الراهن وكنز مردخاى اعتقد والله اعلم انها قصه من الكتب الدينيه اليهوديه واتمنى وراح اكمل ان شاء الله:)
 

jasmine_flower

New member
إنضم
4 سبتمبر 2006
المشاركات
2,053
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
هكذا تكلم النوخذة - دين

شارفت الشمس على المغيب , و وصل النوخذة الى الحفرة الثالثة , هناك وجد البحّار يحفر بجد و اجتهاد , فبادره التحية و قال

جديتك في العمل تذكرني بأجدادك , أهل الكويت السابقين , ما اسمك؟

اسمي صالح , العمل عبادة كما تعرف

أجل أجل , العمل عبادة , جميل , أنت تعمل بجد للفوز بجائزة الآخرة , و ليس للحصول على الكنز الدنيوي؟

ليس بالضبط , فأنا أطمع للحصول على الاثنان معا , رد صالح

تبدو لي أكثر هدوءا و سكينة من رفاقك , هل التزامك الديني سببا في ذلك ؟

بالطبع , فأنا على ثقة بأن هذه المصيبة اختبار من الله , و أننا انشاءالله سنتجاوزها و نعود الى الديار , و ماذا عنك يا نوخذة ؟ هل تعتقد أننا سننجو ؟
أتمنى ذلك , و لكن تفكيري الآن مرتكز على كيفية الحصول على الكنز, الدنيوي طبعا
.
الكنز ! قال صالح , و ما الذي سيفعله رجل في مثل عمرك بالمال؟ أنت اليوم أقرب الى الآخرة منك الى الدنيا , أنصحك بالاهتمام بشأن آخرتك و ركن الأطماع الدنيوية جانباأنت محق يا صالح , أنا أيضا أفكر في مالذي سأفعله بالمال , أعتقد أنني جعلت الحصول على الكنز هدفا لي بالحياة , كما جعلت أنت الدخول الى الفردوس هدفا لك في الحياة
أرجوك , لا تقارن كنزك الدنيوي الزائل بجنة الله الخالدة , فالموضوع مختلف تماما , ألا تؤمن بالأديان ؟
.
فأجاب النوخذة , لقد قضيت عمري كله في التنقل و الترحال من جزيرة الى أخرى , و بلد الى آخر , تعرفت خلالها على عشرات الأديان و المذاهب و الطوائف و المعتقدات , فلم أعد أعرف من منكم على صواب و من على خطأ
.
أنا سألتك عن الأديان و لم أسأل عن الناس ؟ ألا تؤمن بالأديان ؟
.
و ما هي الأديان من غير الناس؟ يا صديقي ان الفكرة الاساسية لكل الأديان تتشابه , فهي جاءت لتجاوب الانسان على ثلاثة اسئلة أساسية , من أين أتينا ؟ و كيف علينا أن نعيش ؟ و الى أين سنذهب بعد الموت ؟ هذه هي الأديان يا بُني
.
أما بقية التفاصيل و التعقيدات فهي تتشكل على شكل القالب الذي تُصب فيه , و البيئة التي تنشأ فيها , و الزمن الذي تتطور من خلاله , و الظروف المحيطة حول من يمارسها , و هذا ما يجعل تفاصيل المعتقدات الدينية تتغير بتغير الزمان و المكان و ظروف الفئة المؤمنة فيها
.
اندهش صالح من كلام النوخذة ,فحاول أن يصحح له أفكاره , لكنك لا تستطيع أن تساوي بين جميع الأديان , فهناك أديان صحيحة و هناك أديان خاطئة ,و لا تستطيع أن تساوي بين الاثنان ؟.
نعم نعم , أنت محق يا صالح , فالصحيح بالنسبة لك خطأ عند غيرك , و الصحيح عند الآخرين خطأ عندك , و من هنا نشأت الأديان و المذاهب و الطوائف المتعددة , فالاختلافات بين الأديان تبدأ من فكرة نشأة الخلق و تنتهي الى أدق تفاصيل الممارسات الدينية ككيفية مسح القدم في الوضوء و غيرها من التفاصيل الكثيرة.
كما قلت لك يا صالح , الأديان عبارة عن معتقدات و تعليمات عامة , و الانسان هو من يفسر و يحلل و يطبق هذه التعليمات حسب مفاهيمه الخاصة , فأنا لا أرى للدين رجال , و لكني أرى أديان فصِّلت لكل رجل , و أعتقد أن الأديان تلعب دور ايجابي ان تمت ممارستها حسب هذه المفاهيم العامة, لكنها تتحول – أو يحولها الانسان - الى آلة مدمرة تولد الكراهية عندما يتعامل معها كمقياس وحيد لتقييم الآخرين , المختلفين معهم في الأفكار العامة أو التفاصيل الخاصة للأديان
.
فهمهم صالح ثم قال , و ما رأيك في الاسلام؟
.
فرد النوخذة , لكم اسلامكم و لي اسلامي
.
و ما هو اسلامك ؟ سأل صالح
.
اسلامي هو الحياة البسيطة و العقل الصافي و الأخلاق المتسامحة , اسلامي هو ترك الآخرين يديرون شؤونهم بلا تطفل و لا أحكام مسبقة , اسلامي هو التأمل في الخلق و الخالق , اسلامي هو معرفة الله , و الخشية من الافراط في استعماله و التجني على الآخرين بسلطاته , اسلامي هو عدم تأليه الناس و عدم أنسنة الخالق , اسلامي هو رسالة الأذان الذي علمه محمد – ص - لبلال الحبشي.
الله أكبر , أن الله عظيم , و هو أكبر من أي شيء و كل شيء
.
أشهد أن لا اله الا الله , أعترف بأن الله هو الإله الوحيد , لا شريك له.
أشهد أن محمد رسول الله , و محمد هو رسوله
.
حي على الصلاة , و فيها نحمد الله و نتواصل معه.
حي على الفلاح , و نعمل الخير للجميع و نتعامل به مع الجميع
.
لا اله الا الله , تأكيد على أن الله هو الاله الوحيد
.
فقط ؟ سأل صالح
.
فابتسم النوخذة و قال , لكم اسلامكم و لي اسلامي
.
و في هذه الأثناء كان الظلام يودع النور و قد حل وقت صلاة المغرب فقال صالح
.
هل نصلي المغرب جماعة ؟.
فأجاب النوخذة صالح , و صلى الاثنان جماعة , و بعد انتهاء الصلاة ودع النوخذة صالح
.
هكذا تكلم النوخذة , ثم انصرف الى الحفرة الرابعة
.
يتبع
 

jasmine_flower

New member
إنضم
4 سبتمبر 2006
المشاركات
2,053
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
هكذا تكلم النوخذة - حب

كان الظلام دامسا , و الليل هادئا على الجزيرة , فتقدم النوخذة ببطيء اتجاه الحفرة الرابعة , و هناك وجد البحار جالسا بقرب حفرة صغيرة جدا لا تتناسب مع الوقت الذي قضاه في الحفر , فسأله النوخذة عن السبب؟
.
فرد الشاب عليه , بدأت بالحفر و لكنني متعب و شعرت بالملل , فأنا لا أعرف شيئا عن مكان الكنز و لكنني على يقين بأني لن أجده , حتى لو قمت بحفر الجزيرة كلها , فأنا أعرف حظي التعيس.
ما هذا التشاؤم ؟ ما اسمك؟ سأله النوخذة
.
اسمي علي , و أنا لست متشائما , لكن كل يوم يمر في حياتي يثبت ذلك
.
فقال النوخذة , هل أحتاج الى توجيهك لرؤية الجانب الممتليء من الكأس؟ على الأقل أنت اليوم حي ترزق بينما أغلب من كان معك فقد روحه بين الأمواج.
أنا لا أتكلم عن أحداث الأيام السابقة , فسوء الحظ يلازمني لسنوات طويلة
.
مسكين هو الحظ , فهو المتهم الثاني بعد الدين في اخفاقاتنا و سوء تصرفاتنا
.
هل تعلم أنني قررت الاشتراك في هذه الرحلة هروبا من الحزن و حظي السيء , لقد تطلقت من زوجتي في الاسبوع الماضي , و انظر ماذا حصل , لحقني حظي السيء الى البحر و غرق مركبنا.
ابتسم النوخذة و قال , ربما كان ذلك من صالحك , هوّن عليك يا بني , فالطلاق و الزواج قسمة و نصيب و لا تُحمل الأمور أكثر من ما تتحمل , عندما تعود سنبحث لك عن زوجة أخرى.
لا أعتقد أني سأتزوج مرة أخرى , فقد قضيت ست سنوات من عمري مع زوجتي السابقة , خمسة سنوات علاقة حب و سنة زواج , و النتيجة كانت مأساوية
.
ما الذي حصل؟ سأل النوخذة
.
لا اعرف , كانت علاقتنا مضربا للأمثال في الحب و الوفاء قبل الزواج , الا أن الحال انقلب بعد أن تم الزواج , فقد اصبحت العلاقة مملة و معقدة , أضف الى ذلك تدخلات الأهل من الجانبين , و أعتقد أننا لم نستطع استيعاب هذه التغيرات ففضلنا الانفصال
.
لا تقسو على نفسك , و لا تتذمر من حظك , فقد وقعت في فخ يقع فيه الكثير من الشباب حديثي الزواج , فخ المقارنة بين العلاقة قبل و بعد الزواج , و اختلاف لون و درجة حرارة الحب بين العلاقتين
.
فللأسف تساهم البيئة و المعتقدات و المسلّمات و الروايات و الأفلام على رسم صورة واحدة – غير دقيقة – لمعنى كلمة حب , و أنا لا أعترض على ذلك , الا اني أعتقد بأن المعاني الأخرى للحب قد تعرضت للتهميش و الظلم المتعمد.أنواع الحب ؟ ماذا تقصد يا نوخذة ؟
.
نعم , الحب أنواع , و لكل نوع متعته , لكن الشعراء و الرواة استثمروا جل طاقاتهم و مهاراتهم في الترويج لنوع واحد من الحب , و هو حب العشاق , و حرارة اللقاء بعد الفراق , و اختلاس القبلات خلف الأبواب و غيرها من التصاوير الاسطورية الخالدة لما تمثله معاني الحب و الغرام
.
حب العشاق يا بني تحكمه عدة عناصر أساسية , و هذه العناصر قد لا تتوفر بالضرورة في علاقة الأزواج , فالحب كالشعلة , تهيجها بعض العوامل و تطفئها عوامل أخرى
.
فأول عامل يزيد اشتعال ما تسميه الحب هو عامل الشوق , في علاقات ما قبل الزواج يقضي الحبيب معظم وقته بعيدا عن حبيبته , فهو محروم من الاقتراب منها وقتما شاء , و هذا ما يجعلهما يعيشان في حالة اشتياق دائم
.
أما علاقة الأزواج فهي غالبا ما تفتقد لهذ العنصر المهم , فالمتزوجون يقضون أغلب أوقاتهم معا , و تتوفر لهم فرصة اللقاء متى ما أرادوا , و هذا بالطبع يُخرج عنصر الشوق من المعادلة , لذلك نقرأ اليوم آلاف القصائد التي تحكي عن الشوق و لوعة فراق العشاق , و لا نقرأ عُشر هذه القصائد عن شوق و لوعة الأزواج
.
أما العنصر الثاني فهو الغموض , فالانسان بشكل عام تزداد اثارته اتجاه كل غامض و جديد , و هذا ينطبق على علاقة الأحباب قبل الزواج , فهم يقضون الفترة الأولى من العلاقة في مرحلة الغموض و الاكتشافات , فكل يوم يحمل مفاجأة أو معلومة جديدة عن الطرف الآخر , و هذا يساعد على ايجاد عنصر المفاجأة و التحفيز الدائم في العلاقة
.
و بالعودة الى علاقة الزواج , فإن عنصر الغموض يكون فقط في فترة البداية , لكنه يتلاشى مع مرور الوقت , فالزوج و الزوجة يصبحان كتاب مفتوح و محفوظ و مكرر لبعضهما البعض , فهما يعرفان أدق تفاصيل حياة بعضهما البعض , و هذا ما يقتل عنصر الغموض شر قتلة , و الأسوأ من ذلك أن أي عادة أو حركة جديدة غامضة تدخل على العلاقة ستجعل الطرف الآخر يشك في أن شيئا ليس على ما يرام
..
و العنصر الثالث هو القدرة على انتقاء وقت اللقاء , فالعشاق و لأنهم يعيشون في حالة اشتياق دائم نتيجة للبعد يستثمرون الكثير من طاقاتهم الذهنية و الفيزيائية في لحظات اللقاء , فالبعد يجعل الحبيب يحبس أو يخزن عواطفه الجياشة اتجاه محبوبته ليطلق سراحها عند اللقاء , و هذا ما يجعل لحظات اللقاء مليئة بالمشاعر الفياضة و الكرم العاطفي
.
أيضا علم الطرفين المسبق بموعد و فترة اللقاء تجعلهم قادرين على تجهيز أنفسهم معنويا و ماديا له , فالحبيبة تستعد بلبس أفضل ما تملك من الملابس و العطور التي ستبهر حبيبها , و الحبيب لن يخيّب ظن محبوبته في اظهار مدى شوقه لها
.
لكن علاقة الزواج تختلف تماما , فالزوج و الزوجة يعيشان تحت سقف واحد , و لقائهم شبه دائم في المنزل , و لذلك لا تُتاح لهم المدة الكافية لتخزين المشاعر , أيضا وجودهم الدائم معا يجعلهم مطّلعين على حالاتهم المتعددة , فالزوجة ترى زوجها و هو يشخر نائما , و هو يراها و هي مريضة تسعل , ثم تراه يمارس عاداته الذكورية السيئة , و هو يراها بالملابس المنزلية بلا مكياج أو اكسسوارات جمالية , أعتقد أن مقصدي واضح و لا أحتاج الى الشرح؟
.
فهمت , قال علي
.
نأتي الآن على العنصر الرابع و هو عدم الالتزام في علاقة العشاق , فبالرغم من الارتباط العاطفي بين العشاق الا أنهم غير معرضين لضغط الالتزام في العلاقة , فعندما يهدي العاشق محبوبته وردة حمراء في أحدى المناسبات يتحول الى أروع رجل على وجه الكرة الأرضية و سيد أسياد الرومانسية , بينما يكون الزوج تحت ضغط الواجب في احضار الهدايا للزوجة في المناسبات و ان أغفل ذلك سيتعرض لشتى أنواع الارهاب النفسي و الاتهامات اللاذعة بالاهمال و الخيانة و عدم الأهلية
.
و عندما تعلن الحبيية لحبيبها عن رغبتها في طبخ طبقه المفضل على العشاء ترتفع أسهمها في بورصة الحبيب الى الحد الأعلى , حتى و ان كانت قدراتها المطبخية متواضعة , بينما تعيش الزوجة تحت رحمة هواجس تذمر زوجها يوميا من الطعام لأنه مالح زيادة أو ملحه ناقص , و لن يكون الحظ حليفها لو ربط الزوج سبب زيادة ملح الطعام بمؤامرات أخرى تهدف جميعها الى اغاضته
.
أما العنصر الخامس فهو عدم توفر بيئة تساعد على تفاقم المشاكل بين العشاق , بينما يعيش الأزواج في حقل ألغام لسهولة انفجار المشاكل في أي لحظة و من ثم اجترارها لسلسلة أخرى من الانفجارات الجانبية لكل سبب و لأي سبب و بلا سبب أحيانا , فترتيب المنزل و مدارس الأولاد و الزيارات العائلية و غلاء الأسعار و حفلة عيد ميلاد بنت الجيران كلها قنابل موقوته تنتظر أقل فرصة للانفجار
.
و العنصر السادس و ليس الأخير هو انحصار علاقة العشاق بين شخصين اثنين يحلون مشاكلهم بأنفسهم في أغلب الأحيان , بينما يتدخل في علاقة الزواج أطراف نعرف أولهم و لا نتوقع آخرهم , فأسرار العلاقات الزوجية و مشاكل الأزواج هي ملح جلساتنا العائلية , بل أن الزوجين يتحولون أحيانا الى كومبارس هامشيين عند تفاقم المشكلة و تدخل الأهل من الطرفين , و هذا ما يجعل السيطرة على المشاكل و آثارها شبه مستحيل في الزواج
.
نعم يا علي , فعلاقة الزواج ليست كعلاقات العشاق , و شعلة حب العشاق ليست كشمعة حب الأزواج , و انتم مبرمجون مسبقا على السعي للحصول على حب العشاق , و عدم الالتفات الى مزايا حب الزواج
.
و هل في الزواج أي شيء ايجابي بعد كل هذه السلبيات؟
.
أولا أنا لم أقل أنها سلبيات , بل هي اختلافات , و على الانسان المقدم على الزواج أن يعرفها مسبقا حتى لا يصاب بالصدمة كما حصل معك , ثانيا نعم , الزواج مليء بالمميزات الايجابية و لكنها للأسف مُهمَلة اعلاميا
.
فالزواج هو الكأس الذي يجمع مشاعر الانسان المتناثرة , و هو البرواز الذي يهذب حدة ردود أفعالنا على ما يدور حولنا , و هو المدرسة التي نتعلم من خلالها الرعي بعد أن كنا رعية , الزواج يوفر عنصر الأمان النفسي و الاستقرار العاطفي , و هذا الشعور لا يتوفر بسهولة في العلاقات الأخرى , أيضا انجاب الأبناء يضيف الى حياة الانسان بُعد آخر لا يشعر به من لم يجربه , فلا متعة تفوق لهفة ابنائك اليك , و لا أمان لك في غير حجر زوجتك
.
هنا بدأ الإعياء يظهر على جسد الشاب من نقص الماء و الطعام , فحاول النوخذة أن يساعده على الجلوس للراحة و قال
.
كل شيء قسمة و نصيب , قسمة و نصيب يا علي
.
هكذا تكلم النوخذة , ثم انصرف الى الحفرة الخامسة
.
يتبع
 

jasmine_flower

New member
إنضم
4 سبتمبر 2006
المشاركات
2,053
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
هكذا تكلم النوخذة - مال

كان الوقت قد اقترب الى منتصف الليل , و بدأت الرياح بمداعبة أهل الجزيرة , مذكرة إياهم بليلة البارحة , وصل النوخذة الى الحفرة الخامسة فوجد الشاب و قد انتهي بالفعل من حفر حفرة عميقة

توقف عن الحفر يا صديقي , فلا أتوقع أن يكون الكنز على عمق أبعد من هذه الحفرة

تباًّ , ترى من منا سيجده ؟

لا أعرف , فلم تظهر بوادره على أي منهم حتى الآن , ما اسمك؟
.
اسمي باسل , هل تستطيع أن تقيِّم القيمة الاجمالية للكنز في وقتنا الحاضر؟
.
لست خبيرا اقتصاديا و لكن لنفكر معا , لقد كان مردخاي أحد كبار تجار مملكة اسرائيل القديمة , و كانت مملكة اسرائيل من أغنى المدن في العالم القديم بعد حكم داود و سليمان الحكيم , فقد عقد سليمان تحالفات سياسية مع الكثير من الدول المجاورة عن طريق التزاوج معهم , و قد كان يحظى بحماية المصريين , الا أن ابنه لم يستطع الحفاظ على هذه الثروة , فقد انشقت أغلب القبائل الاسرائلية عنه و كونت مملكة يهودا , و من هنا بدأت الانقسامات الداخلية و الأطماع الخارجية بالتزايد , و هذا ما أدى الى النتيجة الحتمية , و هي غزو البابليين و حرقهم اسرائيل عن بكرة أبيها
.
و قد كان مردخاي يتمتع بذكاء شديد , مما جعله يشعر مبكرا بصدق تنبؤات النبي إرميا بالدمار الذي سيلحق باسرائيل و هذا ما جعله يعد العدة للهروب بأمواله مبكرا , لذلك سعى مردخاي الى التخلص من ارتباطاته التجارية في اسرائيل و بيع كل ما يملك من أصول غير سائلة , و قد صدق عليه القول , أخذ كل ما خف وزنه و زادت قيمته , و استطاع أن يخرج من الأرض المنكوبة برفقة عائلته القريبة و قافلة من العبيد قبل أن تحل الكارثة
.
لقد بدأ رحلته شمالا الى صور في لبنان و منها انتقل الى دمشق و منها الى آرام لينتقل منها الى آشور و من ثم يسلك الطريق المحاذي لنهر دجلة الذي اوصله جنوبا الى ارض الكويت اليوم , و في الحقيقة أنا لم أتوقع سلوكه هذا الطريق الخطر , فالمفروض أنه يهرب بعيدا عن البابليين عبر المتوسط أو باتجاه أفريقيا حتى يكون أبعد ما يكون عن متناول أيديهم , و لهذا قضيت أغلب فترة البحث في تلك المناطق , الا أن مردخاي كان أذكى مني و من رجال نبوخذنصر , فقد تمكن من المرور بمحاذات سلطاتهم بدون أن يتمكنوا من التعرف والقبض عليه , و هذا ما جعله يأتي الى هذه الجزيرة لدفن جزء كبير من ثروته فيها
.
و ما الذي حدث بعد ذلك ؟ سأل باسل
.
لم يذكره التاريخ بعد ذلك , و أنا أعتقد بأنه نجح في تغيير هويته كما فعل غيره من اليهود في تلك الحقبة خشية من التعذيب و التنكيل و التصفية العنصرية , فكرت كثيرا في سبب عدم عودته للكنز و لكني أعتقد أنه مات بعد ذلك بشكل أو بآخر بدون أن يخبر أحد عن مكان كنزه , هه لم تأتي سمعة حرص اليهود على المال صدفة يا صديقي.
ليس اليهود فقط هم من يحبون المال , كنت اتمنى أن يكون الكنز من نصيبي , لم تجبني يا نوخذة , كم تتوقع ان تكون قيمة الكنز في يومنا هذا ؟.
كما قلت لك , معلوماتي ليست دقيقة في هذا المجال , الا أن قيمته المادية و التاريخية قد تصل الى عشرات الملايين ان لم يكن المئات , كل هذا يعتمد على الحالة التي سنجده فيها و كيف سنحتفظ بما نريد و كيف سنبيع ما نقرر بيعه
.
رائع رائع يا نوخذة , عاش مردخاي عاش مردخاي , كلمني أكثر عن المال يا نوخذة ؟ كيف سنبيع الكنز و على من ؟ سأل باسل منتشيا.
واضح انك تحب المال أكثر من اليهود يا باسل , ابتسم النوخذة
.
جدا , جدا , ارجوك لا تدعيّ انك لا تحبه ؟.
احبه و لا احبه , قضيت نصف عمري في البحث عنه , و سأقضي نصف عمري الآخر في حمايته , ثم سأموت كما مات صاحبنا مردخاي تاركا ماله في بطن الرمال , أو في بطون من لم يتعب عليه يوما , و سيقوم بمسح عرقي بمنديل متعته , هذا هو المال يا باسل
.
لا أفهم ما تقوله , و لكنك لا تبدو لي شغوفا به , فلماذا أضعت حياتك في البحث عنه ؟
.
المال و البنون زينة الحياة الدنيا , و أنا ليس لي بنون , فلم يبقى أمامي الا المال من زينة حياة الدنيا , في الحقيقة أنا لم أعد أعلم ما الذي يدفعني للبحث عن المال , ربما كنت أحد ضحايا غسيل المخ الرأسمالي , فكل ما حولك يدفعك لجمع المال , فأغلب المشاكل التي تراها و انت صغير تدور حول موضوع المال , فوالدك لم يحضر لك اللعبة التي طلبتها بسبب المال , و والدتك غاضبة من والدك بسبب عدم موافقته على سفرتها الصيفية بسبب المال , بالطبع تكرر هذه القصص و المشاهد تجعلك تعرف مبكرا أهمية المال – و كثرته – لسعادتك في حياتك المستقبلية
.
و بعد وصولك الى سن النضوج تبدأ بملاحظة اختلاف معاملة و نظرة الناس للأغنياء عن غيرهم , و يترسخ في ذهنك مفهوم الشخص او العائلة ال ﭬفي آي بي , فكيف تهرب من فخ حب المال و جمعه ؟ ألا تلاحظ اهتمام وسائل الاعلام بكل ما يتعلق بحياة الأغنياء , فوسائل الاعلام و المجتمع يهدر الكثير من الوقت و الطاقات في الحديث عن حياة الأغنياء , اين يسكنون ؟ ماذا يأكلون ؟ أين يتسوقون ؟ كم يربحون ؟ ثم كم يخسرون ؟ بل أن وسائل الاعلام بدأت هذه الأيام بترويج فكرة المسابقات المالية عبر ترويج قائمة أغنياء العالم , و كأنهم يريدون اقناعنا بأننا نعيش في مسابقة من الأغنى ! و أنك ان لم تشترك في هذه المسابقة فأنت فاشل و خارج دائرة الاهتمام
.
أقول يا باسل ربما , ربما نجح المال في تنصيب نفسه المعيار الأول و الأهم للنجاح , هذا ما تعلمناه كشعب و عائلة و أفراد , و قليل من ينجح في الهروب من فخ حب المال , و الأقل من ينجح في الهروب من فخ حب المال و لا يسقط في فخ حب شيء آخر , أسوأ من المال
.
المال يا باسل هو الأمان , هو النجاح , هو العمل , هو تقدير الناس لك , و هذا ليس سيء , فالناس يقدرون كل ما ظاهره يلمع , و يعجزون عن اكتشاف لمعان الباطن , لكني أحذرك يا باسل من استعمال المال في تقييمك لنفسك , و قياس مدى نجاحك , فكما قلت لك , ستقضي نصف عمرك في جمعه , و النصف الآخر في الخوف عليه , ثم تموت و يسعد به من يأتي بعدك
.
هكذا تكلم النوخذة , ثم انصرف الى الحفرة السادسة
.
يتبع
 

jasmine_flower

New member
إنضم
4 سبتمبر 2006
المشاركات
2,053
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
هكذا تكلم النوخذة - سعادة

اقترب الوقت من الفجر , و بدأت خيوط النور تطل من بين ثقوب السواد , انها الحفرة السادسة و الأخيرة , وقف النوخذة بجانبها , و نظر حولها , فوجد البحار مطروحا على الأرض بالقرب من الشاطيء , فسارع النوخذة اليه , و مسح وجهه بماء البحر
.
فتح الشاب عينيه ليجد نفسه بين يد النوخذة , كان مشوشا و لا يرى بوضوح , قال بصوت مسحوب , الماء الماء , أنا عطشان , اسعفني يا هذا بالماء.
و لكن اتفاقي معكم أن تجدوا لي الكنز أولا , ثم تحصلون على الماء و الطعام , و أنا غير قادر على كسر شروط هذا الاتفاق , قال النوخذة.
جلس الشاب بصعوبة ثم قال , أرجوك يا سيدي , ما الذي ستخسره لو سقيتني الماء ؟
.
فرد النوخذة , سأخسر التزامي و احترامي لعقودي و اتفاقاتي , و أنت أيضا ستخسر التزامك و احترامك لعقودك , و هذا ليس من صالحك في هذه السن المبكرة.
انا ملتزم بعقودي , و لكننا نمر الآن في حالة طواريء , فالمسألة مسألة حياة او موت
.
انا اكبر منك سنا و أعرف أن هذه ليست حالة طارئة , لا تخف يا بُني , ستعودون من حيث أتيتم , رد النوخذة , ما اسمك ؟
.
و ما شأنك في اسمي يا هذا , هل أنت سعيد بهذه اللعبة السمجة ؟ انا عطشان
.
سعيد ؟ لا أعتقد أني سعيد بما تعانيه , و لست حزيناً به أيضا , فالسعادة بشكل عام ليست حالة دائمة , هي حالة مؤقته جدا تصيب الانسان عند تحقق ما ينتظر وقوعه من أحداث ايجابية , أو حتى في حالة وقوعها من دون أن يتوقع , فلو سقيتك بالماء الآن ستكون سعيدا للحظات معدودة , ثم ستلتفت الى حاجاتك الأخرى و تطلب مني الطعام , فأعطيك قليلا من الطعام , ستدخل في حالة السعادة مرة أخرى , ثم ستلتفت الى حاجاتك الأخرى و تبدأ بالتفكير في كيفية الحصول عليها , هكذا أنت أيها الانسان , تسعى للحصول على حاجتك الملحة , ثم تشعر بالسعادة , و بعدها تبدأ اوتوماتيكيا بالبحث عن حاجة أخرى , و هكذا دواليك
.
بل أن الانسان يصل في بعض الأحيان الى حالة اشباع جميع حاجاته الأساسية , فينتقل من حالة البحث عن الحاجات الى حالة السعي لتطوير هذه الحاجات , كأن يسعى للحصول على نوعية أفضل من الأطعمة و الملابس و غيرها من الرفاهيات
.
ليست السعادة هي ما أبحث عنه , لكنني أبحث عن الرضا , و أنصحك بالبحث عنه أيضا , فالرضا بما لك و ما عليك هو أقصى مراحل الايمان و التسليم , و الانسان في العادة يكون راضيا بما لديه الى أن تقع عينه على ما عند غيره , و عندها تبدأ المقارنة , ليشعر بأن ما عند غيره أفضل مما عنده , فيبدأ بسؤال الأرض و السماء عن سبب تفضيلهما غيره عليه ؟ و يستسلم بعدها للشعور بالظلم و عدم العدالة , ثم يتحول شعوره السابق بالرضا الايجابي الى خمسة و سبعين شعور سلبي كالحسد و البغض و الحقد اتجاه الآخرين , لا لشيء , الا لأنه يعتقد بأن ما عندهم أفضل من ما عنده.
فالأب راضٍ بأبنائه , الى أن يرى أبناء أخيه الأكثر تفوقا من ابنائه , ليشعر بعدم الرضا من ما لديه , و الزوج راضٍ عن زوجته , الى أن تقع عينيه على جمال زوجة جاره , فيرمي الرضا جانبا و يتفرغ لاستعراض مساويء زوجته مقابل محاسنها , و العامل راضٍ بأجره الى أن يكتشف أجر زميله فيبدأ بالضجر و الاهمال بالعمل لشعوره بالظلم و عدم العدالة
.
آه
.
لقد تعبت منكم أيها البشر , أتعبتموني بتفننكم باتعاب انفسكم , و بتضييع جهود عقولكم في ما لا ينفعكم , تعجزون عن حل أصغر مشكلاتكم , و تجتهدون لحشر أنوفكم في مشكلات غيركم , تشهرون ألف سيف و عشرات المدافع على زلّات الآخرين , ثم تذرفون أنهار الدموع لأن الآخرين لم يسامحوكم على أخطائكم
.
عليك بالرضا يا بدر , عليك بالرضا يا بني

.
و هنا التفت النوخذة الى بدر فوجده طريح الأرض ينازع الموت , فذهب اليه , و قبّله على رأسه , أسدل أجفانه على عينيه , فخرجت روحه حالا , ثم حمله النوخذة و وضعه في حفرته , و أهال عليه التراب و قال
.
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ , وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
ثم انصرف النوخذة الى الحفرة الأولى , فوجد فهد و قد فارق الحياة داخل حفرته , فأهال عليه التراب و قال
.
لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ
.
ثم توجه النوخذة الى الحفرة الثانية , و هناك وجد أحمد ميت بجانب حفرته , فكرر معه ما فعله مع رفاقه ثم قال
.
وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
.
و عند صالح وقف النوخذة برهة ليتأمل في وجهه المبتسم , فوضعه داخل حفرته و دفنه ثم قال
.
وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا
.
و عند وصوله الى حفرة علي , كرر النوخذة ما فعله مع أصحابه ثم ابتسم بلطف و قرأ
.
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً
.
و جاءت الحفرة الخامسة , عميقة جدا , ليس بها كنز , هو باسل فقط , يبكي مرتعبا من رؤية وجه النوخذة , فقد عرف من هو , و عرف سبب وجوده معهم , فقال باسل
.
اتركني أرجوك.
لقد تركتك قبل ثلاثة أيام بين أمواج البحر يا باسل , ان الامواج هي من أوصلت جثتك الى هذه الجزيرة مع أصدقائك , فاترك هذا الجسد و تعال معي , ليس لدي المزيد من الوقت.
لم يستجب له باسل , و لكنه أغمض عينيه فقط
.
فقبّله النوخذة على رأسه منتزعا روحه بدون ألم و قال
.
وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ , لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا , وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُواْ .

هكذا تكلم النوخذة , ثم انصرف ليكمل أعمال يومه الجديد
.
انتهى
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.