(زهور) أمل دنقل
عناصر المحاضرة
§ المقدّمة.
§ النص الشعري.
§ تحليل النص.
الشعر الحر
الشعر الحر شعر يجري وفق القواعد العروضية للقصيدة العربية ، ويلتزم بها ، ولا يخرج عنها إلا من حيث الشكل ، والتحرر من القافية الواحدة في أغلب الأحيان . فالوزن العروضي موجود والتفعيلة ثابتة مع اختلاف في الشكل الخارجي ليس غير. ويتناول الشعر الحر التعبير عن معاناة الشاعر الحقيقية للواقع الذي تعيشه الإنسانية.
وهناك عوامل ساعدت على نشأته، وهيأت له، تعود في جوهرها إلى دوافع اجتماعية وأخرى نفسية بالدرجة الأولى، إلى جانب بعض العوامل الأخرى المنبثقة عن سابقتها .
يؤكد الدكتور محمد النويهي بأن الدافع الحقيقي إلى استخدام هذا اللون من الشعرهو ”الرغبة في استخدام التجربة مع الحالة النفسية والعاطفية للشاعر ، وذلك لكي يتآلف الإيقاع والنغم مع المشاعر الذاتية في وحدة موسيقية عضوية واحدة” .
الشعر الحر
ومن أهم مميزاته:
1.الوحدة العضوية، بمعنى أن أسطر القصيدة يكمل بعضها بعضاً، وتشكل كلها تركيباً متكاملاً يصعب معه إبدال سطر بآخر أو وضع مقطع مكان مقطع.
2.تحررها من القيود الشكلية التي تحد من قدرات الشاعر وانطلاقه في التعبير عن خوالج نفسه بحرية وعفوية تامتين.
3. الوحدة الموضوعية، فالقصيدة كلها فكرة واحدة.
4. استخدام الرمز والأسطورة.
5. عدم الالتزام بعمود الشعر العربي كالبحر العروضي والقافية.
القصيدة
اخترت لكم قصيدة ” الزهور“ للشاعر أمل دنقل كأنموذج للشعر الحر في العصرالحديث، فلم بعد الشعراء يقلدون العصرين الجاهلي والعباسي بل انطلقوا ليكون لهم قصب السبق في ابتداع الشعر الحر. والقصيدة جميلة وإن كانت حزينة، فهي تحمل في طياتها صوراً جديدة، فقد أصبح للورد معنى آخر، ربما يجعلنا نعيد النظر في أخذنا باقة ورد لمريض.
أمل دنقل
ولد أمل دنقل في صعيد مصر، وقد كان والده عالماً من علماء الأزهرالشريف مما أثر في شخصية أمل دنقل الثقافية، فانعكس ذلك في قصائده بشكل واضح.
سمي أمل دنقل بهذا الاسم لأنه ولد بنفس السنة التي حصل فيها والده على إجازة العالمية فسماه باسم أمل تيمنا بالنجاح الذي حققه. وكان هو من ورث عنه أمل دنقل موهبة الشعر فقد كان يكتب الشعر العامودي وأيضاً كان يمتلك مكتبة ضخمة تضم كتب الفقه والشريعة والتفسير وذخائر التراث العربي مما أثر كثيراً في أمل دنقل. فقد أمل دنقل والده وهو في العاشرة من عمره مما أثر عليه كثيراً وأكسبه مسحة من الحزن تجدها في كل أشعاره.
مخالفاً لمعظم المدارس الشعرية في الخمسينيات إستوحى أمل دنقل قصائده من رموز التراث العربي، عاصر أمل دنقل عصر أحلام العروبة والثورة المصرية مما ساهم في تشكيل نفسيته وقد صدم ككل المصريين بانكسار مصر في عام 1967وعبر عن صدمته في رائعته "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" ومجموعته "تعليق على ما حدث ".
أصيب أمل دنقل بالسرطان وعانى منه لمدة تقرب من ثلاث سنوات وتتضح معاناته مع المرض في مجموعته "اوراق الغرفة 8" وهو رقم غرفته في المعهد القومي للأورام والذي قضى فيه ما يقارب ال 4 سنوات، وهذه القصيدة التي بين أيدينا إحدى قصائده وهو على سرير الشفاء أو قل الموت.
توفي أمل دنقل عام 1983لتنتهي معاناته مع كل شيء.
أمل دنقل
صدرت له ست مجموعات شعرية هي:
1.البكاء بين يدي زرقاء اليمامة.
2.تعليق على ما حدث.
3.مقتل القمر.
4.العهد الآتي.
5.أقوال جديدة عن حرب البسوس.
6.أوراق الغرفة 8.
نص القصيدة
وسلالٌ منَ الورِد,
ألمحُها بينَ إغماءة وإفاقه
وعلى كلِّ باقةٍ
اسمُ حامِلِها في بِطاقه
***
تَتَحدثُ لي الزَهراتُ الجميلهْ
أن أَعيُنَها اتَّسَعَتْ - دهشةً -
لحظةَ القَطْف,
لحظةَ القَصْف,
لحظة إعدامها في الخميلهْ!
تَتَحدثُ لي..
أَنها سَقَطتْ منْ على عرشِها في البسَاتين
ثم أَفَاقَتْ على عَرْضِها في زُجاجِ الدكاكينِ, أو بينَ أيدي المُنادين,
حتى اشترَتْها اليدُ المتَفضِّلةُ العابِرهْ
تَتَحدثُ لي..
كيف جاءتْ إليّ..
(وأحزانُها الملَكيةُ ترفع أعناقَها الخضْرَ)
كي تَتَمني ليَ العُمرَ!
وهي تجودُ بأنفاسِها الآخرهْ!!
***
كلُّ باقهْ..
بينَ إغماءة وإفاقهْ
تتنفسُ مِثلِىَ - بالكادِ - ثانيةً.. ثانيهْ
وعلى صدرِها حمَلتْ - راضيهْ...
اسمَ قاتِلها في بطاقهْ!
تحليل النص
أولاً: قال الشاعر هذه القصيدة وهو يرقد على سرير الشفاء بل الموت، بين الأمل في الحياة والألم من مرض هد قواه، يمثل له الموت المرتقب، ما بين الموت والحياة وبين الألم والأمل ولدت (زهور) أمل دنقل. وظل أمل دنقل يكتب الشعر في مرقده بالغرفه رقم 8 بالمستشفى على علب الثقاب وهوامش الجرائد، ولم يهمل الشعر لحظة حتى آخر أيامه، حتى إنه يتم ديوانا كاملا باسم "أوراق الغرفة 8" نشرته زوجته بعد أربعين يوماً من وفاته بمساعده وزاره الثقافة.
ووصولاً إلى المحطة الأخيرة الأكثر خطورة في (غرفة رقم8) بمعهد الأورام وهنا تبدو مفارقة أخرى في رحلة المفارقات الشعريّة عند أمل دنقل, مفارقة كما يقول النقاد تبدو قليلة في تاريخ الإبداع والمبدعين وهي الكتابة على
عتبة الموت القادم حتماً، حيث الشخص الموشك على الانطفاء النهائي, ينهي مسار تحديّاته للحياة والزمن ويستكين إلى قَدره.
ثانياً: المعنى العام للنص الشعري هو الإحساس بهذه الورود التي يقدمها الزوار في المستشفيات لمرضاهم، وهو معنى جديد وطريف لا يحس به إلا شاعر مرهف جعل من هذه الورود إنساناً ذا حس ومشاعر، يموت ليقدّر الآخرين ويعطيهم إحساساً بالحياة.
ثالثاً: نتوقف في هذا النص عند ملامح نقدية وجمالية وتحليلية نتوصل إليها عند قراءة النص قراءات متكررة، وهذا شأن الشعر الجميل لا تستطيع أن تستكنه جمالياته إلا بمعاودة قراءته.
1. جاء المقطع الأول ممهّداً للموضوع وبدأ بحرف الواو على الرغم أنه لم يسبق بشيء، وهذه إشارة إلى معاناة مستمرة وقديمة، لم تبدأ في المستشفى ولم يكن أولها (سلال الورد)، فما تلك السلال إلا جزء من الألم الذي يعانيه الشاعر. ثم يأتي بعد الواو بكلمة(سلال) وهي نكرة من جهة وتدل على الكثرة من جهة أخرى، وفي ذلك إشارتان، أولاهما طول مكثه على سرير الموت حتى تراكمت سلال ورد الزائرين عنده، وثانيتهما: أنه في حالة مرضية لا تسمح له بالتعرف على أصحابها فهم نكرة مثل كلمة (سلال).
وفي كلمة (ألمحها) دلالة واضحة على ضعف الشاعر ووهنه، فهو لا يكاد يبصر وإنما يلمح لمحاً.
وفي قوله: (ما بين إغمائة وإفاقه) تمثيل للهاجس الذي يعيشه الشاعر بين الحياة والموت.
2. وفي المقطع الثاني ينتقل إلى حوارية مع تلك الورود، فيبدؤه بقوله
تتحدث لي الزهرات) والحديث يحمل دلالة الودّ أكثر من الكلام فلم يقل(تكلمني) فهي تحدثه، وهو أحوج ما يكون إلى الحديث للشعور بوجوده والإحساس بالحياة، ثم إنه يضفي على الورد عنصر الحياة ذلك العنصر الذي يفتقده هو، وهذه إشارة أخرى إلى سيطرة هاجس الموت والحياة على الشاعر.
ثم يستمرُّ في نقل حديث الزهرات واندهاشها من الموت بلا سبب، وهي تتلقى أقسى حكم قضائي(الإعدام) دون أن تقترف أدنى ذنب. أليس في ذلك إشارة إلى إحساس الشاعر القوي بالموت؟ بلى.
وبعد ذلك ينقل الشاعر لنا هذا السقوط المفاجئ للحياة فالوردات تهوي من عروشها بعدما كانت كالملوك في عروشهم، لتفاجأ بنفسها أسيرة ميتةً جثةً هامدة تعرض للبيع وراء زجاج الدكاكين، هذا ما يحدث للشاعر، فقد هوى من علياء شبابه وقوته فهو لم يتجاوز الأربعين سنة حتى وجد نفسه جثة هامدة في المستشفى.
ثم يعلن في ختام هذا المقطع عن ذلك الهاجس وتلك المرحلة الوسطى بين الحياة والموت وتلك الثنائية التي يقوم عليها النص كله:
تَتَحدثُ لي..
كيف جاءتْ إليّ..
(وأحزانُها الملَكيةُ ترفع أعناقَها الخضْرَ)
كي تَتَمني ليَ العُمرَ!
وهي تجودُ بأنفاسِها الآخرهْ!!
فهي تتمنى لي الحياة وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة. فتلك مفارقة عجيبة.
3. أما في المقطع الأخير فيكشف الشاعر عن الرابط الوثيق بينه وبين الورود، فهي مثله تماماً تجود بأنفاسها الأخيرة، وكلاهما وإن دهش لحظة القطف ولحظة القصف إلا أنه يبدو راضياً:
وعلى صدرِها حمَلتْ - راضيهْ...
اسمَ قاتِلها في بطاقهْ!
فكلمة(راضية) جاءت معترضة بين الفعل(حملت) والمفعول (اسم) فهي كلمة أرادها الشاعر بقوة لذا أبرزها بتقديمها على المفعول ليبين رضاه عما وصل إليه.
ثم انظر إلى دلالة الكلمات(بالكاد) وتكرار كلمة (ثانية):
تتنفسُ مِثلِىَ - بالكادِ - ثانيةً.. ثانيهْ
فهي تشير إلى لحظة الموت والإنتهاء فهو بالكاد يتنفس ويشعر بالموت في كل ثانية، ثم جاءت النقاط الثلاثة(...) فضاء نصياً يعبر عن بطء الزمن ويصور تلك الحالة النفسية التي يشعر بها الشاعر.
ملامح عامة في النص
1.تقوم القصيدة على المفارقة بين الحياة والموت، لذا قامت على الثنائية الضدية
ياليت العوده للمحتوى فيه هنا جدول )
2.انتهت الأسطر الشعرية في معظمها بالهاء الساكنة، وهذا مناسب لحالة السكون التي يعيشها الشاعر بل هي مناسبة لحالة الانتهاء وتوقف الحياة، فقد اختار العرب صوت الهاء للسكت وانتهاء الكلام.
3.ربما كان للحياة السياسية والثورية المتمردة التي عاشها الشاعر أثر في النص إذ نلمح بعض الألفاظ السياسية والثورية مثل: القصف، الملكية، عروشها، الإعدام، سقطت، قاتل.
4. كشف الشاعر عن مقته لأولئك الذين يقطفون الورود لتهاديها في البيت الأخير بصراحة تامة عندما قال: وعلى صدرِها حمَلتْ - راضيهْ...
اسمَ قاتِلها في بطاقهْ!
حيث استبدل كلمة (حاملها) الواردة في المقطع الأول ووضع عوضاً منها كلمة(قاتلها) ليدلّ على بشاعة تلك العمليّة.
5. عمد الشاعر إلى الفعل المضارع لنقل حواريته مع الزهرات(تتحدث، تتنفس، تتمنى...) والفعل المضارع يدل على الاستمرار ، ففي ذلك شعور باستمرار حالة المعاناة والألم.
6. يجعل الشاعر من نفسه محور القصيدة، وهو بالفعل محورها، فالقصيدة تعبّر عن تجربة ذاتية حزينة، لذلك نلمح فيها (الأنا) بشكل واضح، وذلك من خلال ياء المتكلم في النص:
تتحدث لي....وقد وردت ثلاث مرات.
جاءت إليّ.
تتمنى لي
تتنفّس مثلي