- إنضم
- 16 يوليو 2010
- المشاركات
- 4,416
- مستوى التفاعل
- 3
- النقاط
- 0

"منذ سنوات كثيرة، رأيت فيلماً بولندياً صامتاً لا يزيد طوله على عشر دقائق، ظلت قصته تعود إلى ذهنى من وقت لآخر، وعلى الأخص كلما رأيت أحداً من أهلى أو معارفى يصادف فى حياته ما لا قِبَل له برده أو التحكم فيه.
تبدأ القصة البسيطة بمنظر بحر واسع، يخرج منه رجلان يرتديان ملابسهما الكاملة، ويحملان معاً، كل منهما فى طرف، دولاباً عتيقاً ضخماً، يتكون من ثلاث ضلف، وعلى ضلفته الوسطى مرآة كبيرة. يسير الرجلان فى اتجاه الشاطئ وهما يحملان هذا الدولاب بمشقة كبيرة، حتى يصلا إلى البر فى حالة إعياء شديد، ثم يبدآن فى التجول فى أنحاء المدينة وهما لا يزالان يحملان الدولاب. فإذا أرادا ركوب الترام حاولا الصعود بالدولاب وسط زحام الركاب وصيحات الاحتجاج، وإذا أصابهما الجوع وأرادا دخول مطعم، حاولا دخول المطعم بالدولاب فيطردهما صاحب المكان.
لا يحتوى الفيلم إلا على تصوير محاولاتهما المستميتة فى الاستمرار فى الحياة وهما يحملان دولابهما الثقيل، إلى أن ينتهى بهما الأمر بالعودة من حيث أتيا، فيبلغان الشاطئ الذى رأيناه فى أول الفيلم، ثم يغيبان شيئاً فشيئاً فى البحر، حيث تغمرهما المياه وهما لا يزالان يحملان الدولاب.
منذ رأيت الفيلم وأنا أتصور حالى وحال كل من أعرف وكأن كلاً منا يحمل دولابه الثقيل يأتى معه إلى الدنيا ويقضى حياته حاملاً إياه دون أن تكون لديه أية فرصة للتخلص منه، ثم يموت وهو يحمله. على أنه دولاب غير مرئى، وقد نقضى حياتنا متظاهرين بعدم وجوده، أو محاولين إخفاءه، ولكنه قدر كل منا المحتوم الذى يحكم تصرفاتنا ومشاعرنا واختياراتنا أو ما نظن أنها اختياراتنا، فأنا لم أختر أبى وأمى أو نوع العائلة التى نشأت بها، أو عدد إخوتى أو موقعى بينهم، ولم أختر طولى أو قصرى، ولا درجة وسامتى أو دمامتى، أو مواطن القوة والضعف فى جسمى وعقلى. كل هذا على أن أحمله أينما ذهبت، وليس لدىّ أمل فى التخلص منه."
كانت هذه القصة البسيطة الحكيمة البليغة هى نهاية المقدمة التى كتبها الدكتور/ جلال أمين، أستاذ الاقتصاد، وابن الكاتب الكبير أحمد أمين، لمذكراته الشخصية، أو سيرته الذاتية والتى أسماها "ماذا علمتنى الحياة؟".
وقد قسم الدكتور جلال أمين سيرته الذاتية إلى (19) قسم، و أعطى لكل قسم منهم عنوان يعبر عنه وعن المرحلة التى سيتحدث فيه عنها من حياته. وعناوين هذه الأقسام هى: (ولادة متعسرة – أبى وأمى – مذكرات أبى عن أمى – البيت – الإخوة السبعة – أصدقاء الصبا – مباهج الصبا – الجامعة – البعث – البعثة – ثورة يوليو – عين شمس – الكويت – لوس أنجلوس – الجامعة الأمريكية – ماذا حدث للمصريين؟ – التراثيون الجدد – المرض و الشيخوخة – البدايات و النهايات).
يقول فى التمهيد انه كتب تلك المذكرات على فترات ثم اعاد قرأتها مرة اخرى فاستبعد منها اجزاء وحوادث واستبعد ايضا منها اسماء
اذ ربما ذكر الاسماء يسبب لاصحابها حرج .. وان الفائدة فى ذكر الحادثه نفسها وليس فى ذكر صاحبها ..
وساقوم هنا بالحديث عن بعض ماورد فى الكتاب وفق مافهمته انا وليس شرطا كما اراده الدكتور جلال امين نفسه
الاسرة
يقول لنا الدكتور جلال ان والده هو العالم الازهرى والقاضى الشرعى احمد امين صاحب الكتب والتصانيف
وانه تزوج من فتاة لم يرتبط بقصة حب معها قبل الزواج بل هو زواج
صالونات .
وكان نتيجة هذا الزواج هو 10 ابناء مات اثنين منهما وكان اخر الابناء مولداذكرا هو الدكتور جلال امين وكان الاب رافضا للطفل الاخير وحاول انزاله وذهب بزوجته الى دكتور ايطالى وكانت الزوجه رافضة انزل هذا الطفل وقد حاولت إثناء زوجها عن ذلك
لدرجة انه اخذها مرة لموعد حدده مع الدكتور وعندما جاء الترام ركبت فى الجزء المخصص للحريم وركب هو الجزء المخصص للرجال
وعندما نزل فى المحطه وجد ان زوجته قد غادرت الترام وذهبت الى البيت .. فيصر الزوج لاخذ زوجته للدكتور مرة اخرى ولاتجد مفرً هذه المرة
ويعانى الدكتور فى محاولة الكشف عليها فيخرج للزوج ويقول له باللغه العربية ذات اللكنه الاجنبية (( خبيبى أيزه تخبل تخبل مش ايزه تخبل ماتخبلش .. هى خُره ))
يقول الدكتور جلال انه عندما شرع فى كتابة هذه المذكرات تذكر النحات الذى يقف امام قطعه من الرخام ليزيل عنها بعض القطع ليظهر المضمون , وفى نهاية عمله نكون امام عمل جيد .. وهكذا حياة الانسان وذكرياته يجب ان نزيل عنها بعض الاشياء الغير ضروري
حتى نصل الى المضمون الخاص بالانسان
يقص لنا الدكتور عن اهتمام ابيه بتعليمهم واصراره على ضرورة تعلمهم لغة اجنبيه حيث عانا الوالد فى تعليم نفسه بنفسه لغة اجنبية وهو فى سن الثلاثينات ..
ايضا يرى الدكتور ان القيم الاخلاقية والعقلية لايصنعها التعليم انما تصنعها الاسرة والبيئة
يحدثنا الدكتور على ترتيب الابناء فى الاسرة وماقد يحتله الابن الاكبر والاصغر من بعض المميزات دون الابناء الاخرين دون منطق فى هذا التفضيل .
يروى لنا انه كان يعيش فى بيت يمتلكه والده وكانت الام تدخر جزء من المصروف فى دفتر بالبوسطة وكانت تبرر طلبها لمزيد من المصروف بأن الحياة اصبحت غالية والاسعار زادت
وكان الاب يعلم بقيامها بتحويش جزء من المصروف ولكنه لايرى بأس من ذلك ....وقد فاجئت الاب ذات يوما بانها تدخر حوالى 400 جنيه وتطلب من الاب شراء نصف البيت الذى يمتلكه ويعيشون فيه مقابل هذا المبلغ فيوافق الاب رغم ان نصف البيت يساوى اكثر من ذلك
تستمر الام فى الادخار وتطلب من الاب بعد مرور فترة من الزمن شراء النصف الاخر من البيت ويوافق الاب مرة اخرى .. ثم تتندر الام مع الاب فى جلسات الصفاء عندما يجلسون فى حديقة البيت بانه يعيش دون ايجار فى بيت كبير بجنينه بها اشجار جوافه
ومانجو ويقرر الاب منح الزوجه عشرون جنيها ايجارا للبيت ثم من فترة الى اخرى كانت تطالب الزوج بزيادة الايجار بحجة ان الدنيا غليت
يسجل الاب مذكراته وعندما يريد ان يكتب شئ عن زوجته ويخشى ان تراه فيجرح مشاعرها يسارع الاب بكتابته باللغه الانجليزية
يحدثنا عن افتتان الشباب بالموسيقى الوافده الى المجتمع المصرى بعد الحرب العالمية الثانية
وهى موسيقى الروك وغيرها ... ثم يدلف بنا الى قيام الثورة وفرحته بها مثله مثل باقى الشباب ويحدثنا عن ازمة مارس 54 واقالة اللواء محمد نجيب وخروج المظاهرات الرافضة لذلك ثم اعادة نجيب مرة اخرى ثم عزله بعد ذلك وتحديد اقامته فى فيلا زينب الوكيل بضاحيةالمرج ..
يحصل الدكتور جلال امين على الثانوية العامة ويلتحق بكلية الحقوق وهناك يتعرف على مجموعة من الطلبة اللبنانين والعراقيين ويسمع لاول مرة منهم عن العروبة والوحدة العربية
ويعلم انهم ضمن حزب البعث الذى اسسه ميشيل عفلق فى عام 1942 فيروق له هذا الفكر وخصوصا انه يحدث تكامل اقتصادى بين الدول العربية .. ويقابل الدكتور جلال ميشيل عفلق فى زياراته للقاهره فى احد الفنادق المطلة على النيل خلال زياراته المتكرره لمصر
ثم يقرر حزب البعث ان يكون الدكتور جلال امين هو احد نواته فى القاهرة لتأسيس فرع له فى مصر ....
ايضا يحدثنا على اساتذه فى كلية الحقوق والتى كان من بينهم استاذة مادة الشريعة الاسلامية واعجابه بهم وكان على رأسهم الشيخ محمد ابو زهرة والشيخ على الفيل حيث يمثلون العلم الازهرى بقوته
وزيه التقليدى الجبه والعمامة .. ولكن هؤلاء العلماء لايجدون الترحيب فى كلية الحقوق حيث ان اغلب دكاترتها علمانين .. ومايلاحظه الدكتور جلال هو ان استاذ المادة يجلس على المنصة ويلقى محاضرته من خلال الميكروفون ولايوجد بينه وبين الطلبة اى حوار .
يحصل الدكتور جلال على ليسانس الحقوق و يستطيع والده توفير فرصة لابنه لتحضير درجة الماجيستر والدكتوراه فى الخارج ( انجلترا ) ويسافر الدكتور للحصول على درجة الماجستير ويقيد له
الله دكتور اقتصاد من افضل ماانجبت انجلترا ..
فى ذلك الوقت كانت الافكار الاشتراكية والماركسية تملئ عقل الدكتور جلال ويحاول نقاش مشرفه على رسالة الماجيستير حولها ولايمنعه استاذه من ذلك بل يستمع اليه ويحيله الى بعض الكتب التى يجب ان يقرأها وشيئا فشيئا يتخلى الدكتور جلال عن ايمانه الكامل بتلك الافكار ..... يحصل على درجة الماجستير ويعود للقاهرة فى اجازة ويذهب الى كلية حقوق عين شمس فرحا بالماجستير ويظن ان الكلية ستفرش له الرمال وتقيم له الافراح .. وفى مقابله كريمة مع عميد الكلية يستمع له بتبسط بل يدعوه لتناول الغذاء معه ويجلس يستمع له لمده اربع ساعات .. يقول الدكتور جلال انه عندما يتذكرذلك – فيما بعد- يعترف بان العميد كان كريما جدا معه وصبورا جدا لانه جلس يستمع الى هذا الهراء طول هذا الوقت.
يقوم الدكتور برحلة الى المانيا الشرقية والغربية يجد ان الوجوه فى المانيا الشرقية مجهدة وان الشباب شاخ قبل الاوان والحياة فقيرة جدا ومع هذا فان السلع متوافرة وقد يقوم الشخص بشراء السلع
من المانيا الشرقية ويبعها فى المانيا الغربية حيث ان السلع فى المانيا الشرقية مدعمة .. يلحظ الدكتور الفرق بين الشرقية والغربية فالحياة فى المانيا الغربية شئء اخر تماما من الرفاهية .
يعود الدكتور الى انجلترا للحصول على درجة الدكتوراه تحت اشراف استاذه امريكية كانت تهتم باقتصاديات الشرق الاوسط .. ويقول عنها انها ضحلة الفكر لاترتقى الى مستوى استاذه ومشرفه فى درجة الماجستير . وعند اقتراب انهاء رسالته يحضر الى انجلترا شاب ضمن البعثة التعليمة ويساعدة الدكتور جلال على ايجاد شقه يعيش فيها ولكنه يتحدث معه فى أمور السياسه المصرية ويبدى له وجهة نظره فى بعض الامور التى يعترض عليها ويصل تفاصيل هذا الحديث الى مدير البعثات ويستدعيه ويساله عما دار مع هذا الوافد الجديد ويعلم لحظتها ان هذا الشخص يتبع المباحث العامة والمخابرات المصرية وهنا يتأكد الدكتور جلال اننا نعيش فى ظل دولة بوليسيه امتدت الى
الخارج عبر الالف الاميال ....
ايضا يسرد االدكتور عدة امثلة عن تلك الدولة بانه تعرض لتحقيق على المركب عندما عاد الى مصر وهو يحمل درجة الدكتوراه .. ويذكر انه تلقى دعوة من انجلترا لحضور احدى المؤتمرات وحاول الحصول على تصريح سفر الا انه وجد نفسه ممنوع من السفر فوسط الاستاذ خالد محى الدين لحل تلك الازمه وفى مقابله مع وزير الداخلية حينها شمس بدران
فتح شمس بدران ملفه وبمجرد ان نظرفيه تغير وجهه ورفض ان يمنحه التصريح لانه كان متهما بانه بعثى الفكر ثم بعد ذلك باسبوع اتصل به الاستاذ خالد محى الدين واخبره باستخراج تصريح السفر له ..ايضا يروى لنا ان الجميع كان يتجسس على الجميع فالرجل يجسس على الابناء والابناء تتجسس على الاب والام .. لدرجة انه كان يجلس فى مكتبه يتحدث مع استاذ كان غاضبا جدا من النظام ودخل الفراش ووضع القهوة وفى تلك المسافه بين تقديم القهوة وخروج الفراش كان الحديث وصل لدى اجهزة الامن .
ينقلنا بعد ذلك للحديث عن الحياة الجامعية ومافيها ويروى لنا عن الطلبة والاساتذه
يحدثنا عن الطالب الذى يحاول ان يغش فى الامتحان وعن الاستاذ الذى يحاول جمع المال باى طريقة عن طريق الكتب الجامعية وعن الاستاذ الذى يتوسط لدى الاساتذه حتى تنجح زوجته الطالبة بالكلية والتى قررت تكملة تعليمها عد سنوات طويلة من الجلوس فى البيت ..
التعديل الأخير: