LUCK GIRL
New member

عمري 21 سنة، متزوجة، والبداية كانت انفصال والديّ قبل أن أكمل عامي الثالث. عشت مع أمي وأخي الذي يكبرني بعامين. وبعد الانفصال تزوج أبي قبل أن يمر عام، وبقيت أمي بلا زواج إلى ان بلغت الحادية عشرة، لأن أبي لم يقبل أن يتركنا لوالدتي إن تزوجت. عشنا في بيت جدي لأمي، وهو وجدتي كبيران بالعمر. وحين بلغت الحادية عشرة، طردنا جدي بعد مشاجرات بينه وبين أمي. عشنا مع أمي فقط وكانت أياماً قاسية بسبب أبي الذي ظل يتشاجر معها، فكنا نبكي ليالي طويلة أنا وأخي خوفاً مما قد يحل بنا.
وتزوجت أمي وحدثت المشاجرات بينها وبين زوجها بسبب طبعها العصبي. كنت أخاف أن يطردنا زوجها فنضطر للذهاب إلى بيت أبي.
الحقيقة أن زوج أمي ليس شريراً، لكنه غير منسجم مع عصبية أمي.
كنت اشعر بالضياع لأنني أخاف من أبي، ولا اشعر نحوه بمشاعر طبيعية. وأحب أمي لأنها ربتني وتحملت نفقاتنا، لكني اكره عصبيتها. التمس لها الأعذار لأنها كانت لنا أماً وأباً في آن واحد في مجتمع لا يرحم المطلقات. فكانت قاسية في تربيتنا لأنها بلا زوج. أما أبي فلا يعرف عني شيئاً: مجرد اسم يتبع اسمي.
المهم هو أنني تعرفت على احد أقاربنا وأنا في السادسة عشرة. هو شاب يكبرني بثماني سنوات؟، شجعني على الدراسة وعلى تحمل ظروف الأب المفقود. كان لي صديقاً وناصحاً. استمرت العلاقة قبل الخطبة لمدة عام ونصف العام. كنت صغيرة ومحتاجة للحنان. ولما عرفت أمي بالأمر، اعترضت نظراً لصغر سني، خاصة وأنا جميلة ومتفوقة وأمامي خيارات كثيرة في المستقبل، لكنني لم أتقبل وجهة نظرها. وحين علم أبي حارب الموضوع لأن الشاب من أقرباء أمي. وحاربت الجميع حتى وافقوا وتمت الخطبة. بعد الثانوية العامة التحقت بجامعة بعيدة لدراسة الطب. لم تكن علاقتي بخطيبي سلسة في تلك المرحلة بسبب تفاوت السن والتجربة.
درست الطب عاماً ولم أكن سعيدة في الجامعة. تمنيت أن احصل على بعثة للدراسة في الخارج وخفت أن يرفض خطيبي. لكنه لم يرفض. تصورت أن السفر إلى الخارج هو بوابتي إلى الاستقلال والحرية. وبالفعل سافرت وسافر معي خطيبي وظل معي حتى استقرت أموري ثم تركني وسافر. وعشت سنة دراسية وحدي ثم عدت في الإجازة وتزوجت. وبعد الزواج رجعت إلى مقر دراستي وبقيت أربعة أشهر، ثم اكتشفت أنني لا أريد الاستمرار في دراسة الطب. في ذلك الوقت وجدت زوجي الذي كان من قبل قد تقبل فكرة استمراري في الدراسة عدة سنوات، وجدته يطالبني بالعودة إن لم أكن راغبة في الطب، ووعد أن يساعدني على دراسة أخرى في الوطن. فوافقت وعدت. وأنا الآن أعيش مع زوجي.
مشكلتي أنني لم اعد برغبة قاطعة. لقد تعودت على الحياة في الخارج. أما هنا في وطني الخليجي فأشعر بالملل وأحياناً اندم لأنني تزوجت. زوجي يريد الإنجاب بعد فترة غير طويلة. وأنا خائفة من المسؤولية. اشعر بأنني ما زلت صغيرة وبأنه انتشلني من الضياع في مرحلة من حياتي كنت فيها بحاجة إلى طوق نجاة. لقد تعودت على وجودي معه ولا أتخيل حياتي من دونه. لكني أريد أن أظل في الخارج لكي ادرس وأعيش، لكنه يرفض فكرة الاغتراب، لأن مستقبله الوظيفي أفضل في الوطن.
لديّ فرصة لاستئناف البعثة خلال أشهر، وإن لم اغتنمها فقدت البعثة نهائياً. لا اعرف ما هو الأفضل. زوجي يحبني، لكني لا استسيغ الحياة كما هي الآن. ولا أجرؤ بعد أربع سنوات من علاقتي معه أن اتركه فأدمر حياته. أخاف من المواجهة ومن المشاكل ومن تأنيب الضمير.
لا أريد أن امشي في طريق خطأ. هل من العدل أن اتركه؟ وما هو الأهم في الحياة: ما أفكر فيه أم ما هو بين يدي الآن؟ ما هي غلطتي وكيف أصلحها؟ أحياناً أتمنى من ربي أن يفرقني عن زوجي بوسيلة ترغمنا على الفراق حتى لا اشعر بأنني المسؤولة عن ذلك. مشاعري نحو زوجي غير مفهومة. لا اعرف إن كنت أحبه أم أن ما اشعر به هو تعود لا أكثر. ومع ذلك لا أتخيل حياتي من دونه.
اشعر بالتشتت والضياع. أخاف أن أتنازل عن ما أريد فأندم. اشعر بأنني تسرعت في الخطبة والزواج لأنني لم أكن انظر للأمور بعمق كاف. كنت أفكر في الحاضر فقط.
أنا بحاجة إلى من يوجهني لأنني خائفة من المستقبل.
ابنتك الحائرة في الدنيا.
عزيزتي..
عليك أن تسألي نفسك متى يكف الإنسان عن اعتبار نفسه مفعولاً به، فيبدأ أن يكون فاعلاً؟ متى تتحدد اختياراته بناء على إحساس بالمسؤولية تجاه نفسه وتجاه مَن هو حوله فيقدم على الفعل باستعداد كامل لتحمل نتائجه؟. لمست من أسطر رسالتك انك حساسة ولماحة وتفهمين الدوافع والأسباب. حين انفصل والدك عن والدتك لم ينفصل لكي يوقع بك عقاباً. ومن رحمة الله انه وفر لك الاستقرار في ظل أم تحملت الوحدة وظلم المجتمع لكي تربيك أنت وأخاك. والحمد لله انك تلتمسين لها العذر في العصبية التي نتجت عن حرمانها من حقوق طبيعية واجتماعية كثيرة. ولقد كانت لك ناصحة حين شعرت بأنك تسرعت في طلب الزواج قبل ان تستقر عواطفك وتتعمق تجاربك وتصلين إلى مرحلة تتعرفين فيها على ذاتك وطموحك وقدراتك.
لم افهم من رسالتك لماذا تنازلت عن دراسة الطب. ولم افهم إن كنت استأنفت دراسة الطب بعد سفرك إلى الخارج أم اخترت حقلاً آخر من الدراسة. المهم هو ميلك الدائم للهرب من المواقف التي تفرض عليك أخذ نفسك بشيء من الشدة والصمود في وجه الانفعالات الآنية. الشخص الوحيد الذي ساندك في كل المراحل هو زوجك. وأنا لا أرى عيباً في موقفه من الاغتراب. الاغتراب ليس خياراً سهلاً. لقد صدق معك حين صارحك بحقيقة موقفه. وعليك الآن بمصارحته بلا خوف. صارحيه بأنك تتمنين ان يكون قرار الاستقرار معه وإنجاب الأطفال قراراً يمليه عليك عقلك وقلبك معاً. لكنك في الوقت الحالي ما زلت بحاجة إلى مرحلة إضافية لاكتشاف نفسك والاعتماد عليها من دون مساعدة من احد. تريدين إنجازاً دراسياً يشعرك بأنك عبرت إلى بوابة النضج وودعت ذكريات المراهقة المعذبة المشتتة. صارحيه أنك ممتنة لوقوفه معك وأن الحب الذي جمعكما يستحق التضحية. اطلبي منه أن يوافق على سفرك لمدة عام دراسي واحد، تبدئين فيه الدراسة بجدية تتزامن وتتفاعل مع تجربة الحياة وحدك وتقرير المصير على أن تكملي الدراسة في الوطن في ما بعد.
في بداية الاغتراب تبدو الحياة في الثقافة الغربية مثيرة ومغرية. لكن كل مغترب يدرك آجلاً أو عاجلاً أن ثقافته الأم هي جزء من تكوينه النفسي الذي لا يزول. يحن إلى ما ألفه في الوطن ويدرك تدريجياً أن اكتماله كإنسان لا يتم إلا في ظل تلك الثقافة.
إذا قررت العودة إلى وطنك وإلى زوجك، عودي بقرارك أنت وحدك. وإن قررت ألا تعودي، فلا رثاء لنفسك ولا ندم. سوف تتحملين نتائج القرار وحدك. ما تتمتعين به في الوقت الحالي هو ما تطمح إليه كل نساء الدنيا. وإن كان زوجك يرى فيك الشريكة المناسبة لحياته، سوف يتخذ قراراً ناضجاً بأنه يريدك إنسانة كاملة واعية ناضجة تختار الأصلح لحياتها وحياته. لن أقول لك انسي ما تتمنين حتى لا تعيشي معه بنصف عقل ونصف قلب، تنجبين أطفالاً أبرياء وتحملينهم نتائج اختياراتك. بل سأقول لك اختاري أرضاً وسطاً. تحملي مسؤولية نفسك واقتنعي بأنك الآن لست الطفلة التي تخاف من ان يطردها جد أو زوج أم. أنت الآن شريكة بالنصف في مؤسسة زوجية لك مثل الذي عليك بالتفاهم والتراضي مع الزوج الذي أحببت والذي احبك ولم يسئ إليك. الأمومة تفوق كل إحساس آخر بالنجاح. لكن لكي تكوني أماً صالحة لا بد أن تكوني مهيأة نفسياً للتجربة. لكل مرحلة موسم. هناك مواسم للطفولة ومواسم للنمو ومواسم للحب والزواج والأمومة. لكن مواسم حياتك اختلطت واضطربت بسبب انهيار علاقة الوالدين وطلاقهما. التمسي من فشلهما طريقاً لنجاح زواجك. على الزوجين ان يفهم كل منهما دوافع الآخر ونوازعه، وأن يتسامح مع نقائصه لكي يشتد عود العلاقة وتثمر استقراراً وسكينة ومودة كما أمر الله.