الفرق بين ( يتذكرون ) و ( يذ ّكرون )

white ro0oz

مراقبه عامه
إنضم
24 يونيو 2015
المشاركات
28,528
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الفرق بين ( يتذكرون ) و ( يذ ّكرون )

معظم الناس يمرون على هاتين اللفظتين دون أن يسألوا أنفسهم عن الفرق في المعنى بينهما ، بل ولعل المفسرين أنفسهم يظنون أن المعنى واحد في اللفظتين . وربما كان السبب في ذلك هو أن المعنى في اللغة العربية لكلتا اللفظتين هو معنى واحد وهو ( التفكر والتدبر للوصول الى حقيقة الشيء)، فأحياناً تلفظ التاء في ( يتذكرون ) وأحياناً أخرى تدغم التاء بالذال وتشدد الذال لتصير ( يذكرون ) .
ولكن الدقة القرآنية العظيمة أبت إلا أن تستخدم اللفظتين للتعبير عن معنيين مختلفين ، يستطيع المتدبر باستعراضه جميع الآيات التي ذكرت اللفظتين أن يفهم لماذا وردت هنا ( يتذكرون ) ووردت هناك ( يذكرون ).
حيث وردت ( يتذكرون ) سبع مرات في خمس سور .
ووردت ( يذكرون ) ست مرات في خمس سور أخرى .
ولنبدأ بلفظة ( يتذكرون ) فنستعرض الآيات السبع التي وردت فيها :

- (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون الى النار والله يدعوا الى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين ءاياته للناس لعلهم يتذكرون ) البقرة 211 .
- (تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ) إبراهيم 25 .
- (ولقد ءاتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون ) القصص 43 .
- (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون ) القصص 46 .
- (ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون ) القصص 51 .
- (ولقد ضربنا للناس فى هذا القرءان من كل مثل لعلهم يتذكرون ) الزمر 27 .
- (فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ) الدخان 58 .
والملاحظ هنا أن ( يتذكرون ) مقرونة في جميع المرات بحرف الترجي لعل ( لعلهم يتذكرون ) ، مما يعني أن الهدف الأسمى من إرسال الرسل وإنزال الكتب وتقديم البراهين العقلية والحسية وضرب الأمثال للناس هو جعلهم ( يتذكرون ) . أي أن معنى ( يتذكرون ) هو ( يتوصلون بعقولهم وقلوبهم الى الحق فيؤمنوا به ) .
ويؤكد لنا هذا المعنى ورود الكلمة في صيغة المفرد يوم القيامة حيث يتأكد الإنسان تماماً من الحقيقة هناك ، وذلك في مثل قوله تعالى :
( يوم يتذكر الإنسان ما سعى ) النازعات 35 .
( وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى ) الفجر 23 .
فلم تأت ( يذ ّكر ، يذ ّكرون ) في ظرف الآخرة قط .
أما لفظة ( يذ ّكرون ) فقد وردت ست مرات في خمس سور أيضا :
- (وهذا صرط ربك مستقيماً قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون ) الأنعام 126 .
- (يبنى ءادم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير ذلك من ءايات الله لعلهم يذكرون ) الأعراف 26 .
- (ولقد أخذنا ءال فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون ) الأعراف 130 .
- (فإما تثقفنهم فى الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون ) الأنفال 57 .
- (أولا يرون أنهم يفتنون فى كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون ) التوبة 126 .
- (وما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه إن فى ذلك لآية لقوم يذكرون ) النحل 13 .
وفي هذه الآيات فإن لفظة ( يذكرون ) رغم اقترانها ثلاث مرات بحرف الترجي لعل ( لعلهم يذكرون ) ، إلا أن السياق لا يعني أن ( يذكرون ) تعني يصلون الى الحقيقة ويؤمنون بها ، بل تعني ( إعمال العقل والتدبر فقط في آيات الله المتنوعة ) وقد يصلون بذلك الى الحقيقة أو لا يصلون . فتفصيل الآيات للناس وإنزال اللباس المواري لسوءاتهم وأخذهم بالسنين ونقص الثمرات وتشريد المشركين منهم في الحرب وفتنتهم في كل عام وعرض ما خلق الله مختلفاً ألوانه عليهم ، كل ذلك يعتبر دعوة لهم للتفكر والتدبر فقط ، وقد يصلون الى الحقيقة وقد لا يصلون .
وإذاً ، فإن ( يذ ّكرون ) تعني يعملون العقل في التدبر والتفكر بغض النظر عن النتيجة .
أما ( يتذكرون ) فتعني يتوصلون بتدبرهم وتفكرهم الى الحقيقة ويؤمنون بها .