
" على قلق كأن الريح تحته .. كان الشاعر الكويتي خالد الفرج وهو ينتقل من قطر ، الى آخر حامِلاً همومه القومية المغلفة بإطار شعري إبداعي واعٍ ، ليسجلها في إبداعاته الكتابية المتنوعة ، ولتصبح فيما بعد تاريخه المضيء على إمتداد الخليج العربي كله ، ورُبما أبعد من ذلِك الخليج ايضاً .. "
الكويت ، الهند ، البحرين ، السعودية ، سوريا ، لبنان.. هي البلاد التي تنقل بينها الشاعر الكويتي الذي يحلو لبعض مؤرخي الأدب اعتباره سعودياً ، على الرغم من أنه لم يكن ليهتم بتحديد تل الهوية فقد بقى طوال حياته عربياً حالماً بالوحدة وعاملاً على تحقيقها ليس في أشعاره ومقالاته وحسب ، بل أيضاً في مفاصل عملية مهمة في حياته الوظيفية .
لِكن الفرج عرف " شاعر الخليج " وهو اللقب الذي اطلقته عليه بعض الصحف التي كانت تنشر مقالاته وقصائده حتى عرف به بين القراء .
ولد خالد الفرج آل طراد الدوسري في الكويت في العام 1898 م لأسره ميسورة الحال عهدت به إلى الكتاب ليبدأ رحلة تعليمه الأولى . وعندما افتتحت أول مدرسة نظامية في الكويت وهي المدرسه المباركيه ، أبدى نبوغاً مُبكِراً فيها ولفت انتباه أساتذته الذين رشحوه ليصبح معلماً في المدرسة ذاتها بعد سنوات قليلة جداً ضاها فيها ، حيث كأن أصغر المعلمين عمراً في تاريخ الكويت ، ولكن العمل في التدريس لم يرض طموح الفتى المتوثب فاستغل اول فرصه له للسفر إلى الهند فسافر الى هناك على عادة كثير من الكويتين في ذلك الوقت ، وما ان استقر في بومباي حتى عمل موظفاً لدى أحد التجار الكويتين المقيمين في الهند ، وقد أتاحت له تلك الإقامة أن يتعلم اللغة الإنجليزية وبعض اللغات الهندية . وكانت موهبته الشعرية تتفتح بذلك الوقت ، وتتعزز ثقافته بقراءاته المتنوعه بالعربية وبما تعلم من لغات آخرى ، وقد ظهرت في قصائده الأولى بعض الأطاف الفكرية والفنية لتِلك اللغات والثقافات .
ولم يبق خالد الفرج في الهند طويلاً ، بل هي سنوات خمس تقاطع فيها العمل الوظيفي التجاري بالعمل الثقافي ، والذي توجه بإنشائه للمطبعة العمومية هناك لطباعة الكتب العربية ، إلا ان الحنين الى مرابع الطفولة والصبا قد بلغ أوجه فعاد الى الكويت ليقضي فيها بعضاً من الوقت قبل أن يتجه الى البحرين التي استقبلته بحفاوة تليق باسمه كمثقف كان قد بدأ يعرف المنطقة كلها .
وفي البحرين عمل الفرج في الوظائف التي سبق أن عمل فيها ، فبدأ مدرساً في مدرسة الهادايه الخليفية ثم موظفاً في إدارة المعارف . وكان أثناء ذلِك يكتب المقالات وينظم القصائد التي حملت طابعاً ثورياً ضد الإحتلال الإنجليزي لدول الخليج في ذلك الوقت .
واستغل الفرج علاقاته الثقافيه الواسعه مع كثير من رموز الصحافة العربية آنذاك في نشر تلك المقالات والقصائد بالإضافه الى الأخبار التي تتناول شؤون الإحتلال وتحرض عليه ، في المجلات العربية وخصوصاً في مصر . فكانت تلك اكتابات التحريضية ذات النفس القومي الواضح السبب الذي دعا الإنجليز للغضب منه . ومع أنه كان مقرباً من الأسرة الخليفية الحاكمة في البحرين ، حيث عينه حاكمها أنذاك عضواً في المجلس البلدي ، ومعززاً من قبل ابناء أعمامه الدواسر المقيمين هناك ، فإن البلاد كلها كانت تئن تحت وطأة الإحتلال الانجليزي والذي سرعان ما اشتدت قبضته على البلاد مما دعا كثيرين ومنهم الشاعر للنزوح إلى البلدان المجاورة .
وفي حين قام أبناء عمومته بعبور البحر متجهين مدينة الدمام فضل الشاعر ان يعود إلى وطنه الكويت ليتنفس قليلاً من عبق الآهل ، وليعود الى كتاباته الشعريه والقصصية والصحفية أيضاً .
وكعادته ، فكر مجدداً في الرحيل ، وكانت وجهته هذه المرة القطيف بدعوة من رجال المل عبدالعزيز بن سعود الذين أرادوا الاستفادة من خبراته الوظيفية العالية بالإضافة الى ثقافته الواسعه وعلاقاته المتعددة ، وقد كرم الملك الشاعر وعهد إليه برئاسة بلدية الإحساء ثم القطيف ، بالاضافة الى تكليفه بالاشراف على الإذاعة السعودية وإعداد بعض برامجها الثقافيه .
ولم تشغل كل هذه المهام الإداريه الشاعر عن مواصلة شغفه الآول في الكتابة والحث بالإضافة الى الشعر .
وعندما تكاثرت عليه المهام الوظيفية فضل الشاعر أن يتفرغ للكتابة وحدها ، فاستقال من كل تلك المهام وأقام في الدمام بين كتبه وأوراقه ، وبالقرب من مطبعته التي أسسها في تلك المدينة باسم المطبعه السعوديه وطبع فيها عدداً كبيرً من الكتب .
وقبل وفاته بعامين انتقل خالد الفرج الذي لا يطيق الاستقرار في بلد واحد سنوات طويلة الى الإقامه في دمشق ومنها توجه الى بيروت للعلاج قبل أن يرحل في العام 1954 م ، وفي جعبته الكثير من الآوراق التي لم تخرج في كتب كما كان يتمنى ويخطط .
ومن خلال ستعراضنا السريع لسيره حياة هذا المبدع المتعدد المواهب في الكتابة يتضح لنا أنها سيرة تكاملت في البلاد التي توزعتها سنوات عمره ، فكانت صورة عن فكرته القومية التي أمن بها ودافع عنها ، ورسخها في قصائد انتظمها وجد عربي وحدوي . ولم يكتف الفرج بالقصيد ليعبر عن ذلك الوجد بل كان هو الموضوع الآول لكل كتاباته الآخرى وبتجليات مختلفة في القصة القصيرة ، والتي كانت له قصب السبق في كتابتها في الكويت من خلال نشره لقصه قصيره " منيره " والتي يتذكرها مؤرخو الأدب باعتبارها اول قصة قصيرة نشرت في الكويت في العام 1930 م
ومن عناوينه الآخرى بالإضافه الى ديوان شعره ، كتاب " علاج الأمية في تبسيط الحروف العربية " وكتاب " أحسن القصص " وهو ملحمة شعرية في جرأين ترصد سيرة الملك عبدالعزيز منذ ولادته حتى وفاته . وله كتاب " رجال الخليج " الذي يترجم لعدد من رجال الخليج العربي ، و " ديوان النبط " وهو عبارة عن مجموعة من الشعر العامي في نجد وما يجاورها ، بالإضافة الى بعض العناوين الآخرى .
سعدية مفرح " شاعرة وكاتبة صحفية من الكويت "
مجلة العربي العدد 639 فبراير 2012
مجلة العربي العدد 639 فبراير 2012