- إنضم
- 16 يوليو 2010
- المشاركات
- 4,416
- مستوى التفاعل
- 3
- النقاط
- 0
عايدة ثابت وعبد العظيم أنيس
رسائل الحب والحزن والثورة

عبدالعظيم أنيس
هذه قصة حب واقعية جمعت بين امرأة جميلة مثقفة ناجحة، هي الصحفية عايدة ثابت التي كان لها كلمة مسموعة بين جمهور القراء، وبين رجل له مقام علمي وفكري رفيع هو الدكتور عبد العظيم أنيس الذي كان أحد أكبر المفكرين والمثقفين العرب المعاصرين.
يروي الناقد رجاء النقاش في كتابه "أجمل قصص الحب من الشرق والغرب" أن نبوغ أنيس العلمي ساعده على أن يجد لنفسه وظيفة مدرس للرياضيات في جامعة لندن عام 1954 وذلك بعد أن تعرض للطرد من كلية العلوم بجامعة القاهرة، في حملة هدفها تطهير الجامعة من الأساتذة المعروفين بميولهم السياسية الحرة.
جاء العدوان الثلاثي على مصر، فلم يتردد أنيس في الاستقالة من جامعة لندن احتجاجا على العدوان ضد بلاده، وبعد عودته التحق بصحيفة "المساء"وأصبح من أهم الكتاب اللامعين في الصحافة العربية، حيث كان يتيز بالوضوح ، وفي الجريدة التقي بالصحفية عايدة ثابت ونشأت بينهما علاقة حب عميقة انتهت بالزواج في نوفمبر 1985 م. رغم كل العقبات، فقد كان هو زوجا وأبا وحاول كثيرون من أصدقائه إقناعه بالتروي، وأن هذه العلاقة ليست سوي "نزوة عابرة"، لكنهما تزوجا برغم كل شيء.
يقول أنيس في مذكراته "لقد تزوجت بعايدة بعد قصة حب دامت عدة شهور قبل الزواج، وعشنا نحو شهرين كان من أسعد أيام حياتنا ، حتى فاجأتنا إحدى عواصف الحياة، فوضعت حدا لكثير من أحلامنا وآمالنا.. فصلت عايدة ثابت من عملها في صحيفة "المساء" وإن لم تعتقل كما فصلت أنا أيضا إثر اعتقالي وأصبحنا نحن الاثنان نواجه الحياة بلا مورد، أنا في المعتقل وهي في الخارج..".
كانت العاصفة هي حركة الاتقالات الواسعة التي تمت في مصر في فجر أول يناير 1959 التي كان عبد العظيم أنيس أول ضحاياها، وكانت التهمة الموجهة إليه مع غيره هي أنهم يساريون معارضون لعبد الناصر ويعملون لى إسقاطه.
دخل الزوج السجن وبقي فيه خمس سنوات عانت فيها الزوجة لكنها بقوة الحب تحملت ما أصابها ، وبعد أن نال الزوج حريته استأنف حياته الزوجية واستمر الحال حتى 1975 حيث ماتت عايدة في 10 نوفمبر من نفس العام.
يقول عبد العظيم أنيس في كتابه "ذكريات من حياتي" أن زوجته ماتت على إثر فاجعة مروعة فيروي " كنت عائدا بالطائرة من روما حيث حضرت اجتماعا لمنظمة الأغذية والزراعة الدولية وجاءت زوجتي وابنتي للانتظار في المطار، وقبل وصولي بربع ساعة هاجم كلب ضال ابنتي حنان وعقرها في قدمها اليسرى، واندفعت زوجتي تدافع عن حنان فهجم عليها الكلب وطرحها أرضا حيث عقرها في ساقها اليمنى وكفها اليمنى وذهبت عايدة وابنتها إلى المستشى وتلقيا العلاج وانتظمتا واطمأن الجميع إلى النتائج، وبعد نحو 24 يوما توفيت عايدة وكانت قد دخلت قبلها بيوم واحد في غيبوبة.
يبكي أنيس زوجته في مذكراته فيقول "لقد ماتت عايدة في أنضج سنوات حياتها، وبعد أن ما بدا أن القدر قد ابتسم لنا بالبيت السعيد والابنة حنان التي هي قرة عين والديها جاءت هذه الفاجعة الخاطفة لتخلق آمالا مزدهرة في حياة سعيدة لنا نحن الثلاثة، وهكذا شاء القدر أن يحرمني وابنتي أعز وأحب من كان لنا في الحياة ، وقد كانت عايدة إنسانة بكل معنى الكلمة رقيقة كالنسيم، باسمة كالزهور، فيها دماثة الكلمة الطيبة وكانت دائما قادرة على أن تشيع في كل من حولها روح البهجة والسرور مهما كانت الظروف. وتصدق عليها كلمة الكاتب الأمريكي "مارك توين" حين قال مشيرا إلى زوجته: "أينما حلت كان هناك جن" ، فما أقسى الحياة بعدها لى الذين عرفوها جيدا ، وأحبوها من صميم قلوبهم".
رسائل الحب والحزن
تبقي لكتاب عبدالعظيم أنيس "رسائل الحب والحزن والثورة 1976" مكانة خاصة، كان من حق المساجين أن يتلقوا رسائل في ذويهم أما المعتقلون فلم يكن لديهم هذا الحق، فكانت الرسائل ترسل باسم أحد الزملاء المسجونين وكان عليها أن تخاطبه باسم غير اسمه وأن توقّع رسائلها باسم غير اسمها
تبقي تلك الرسائل المتبادلة قطعا حية نابضة من المشاعر الإنسانية، ويقول أنيس في كتابه: "إن العواطف الملتهبة التي تبدو في هذه الرسائل ليس مصدرها فقط أنها رسائل زوجة كانت في الرابعة والعشرين من عمرها، وزوج كان في الخامسة والثلاثين بكل ما يعنيه هذا من التهاب العواطف وتأجج الأحاسيس بين عاشقين وإنما مصدرها أيضا رباط فكري قوي ظل يقرب بيننا ويبعث الدفء في حياتنا علي طول السنين في ظل الحرية.. عن أي شيء يعتذر؟ هل يعتذر عن قوله لها: "يا حمامتي الجميلة.. أنت دائما معي في القلب والفكر والخيال، أعيش علي ذكرياتي معك.. الكلمة الباسمة والعيون الضاحكة والقبلة المذيبة وأنفاسك البريئة وأنت نائمة في السرير كالملاك الطاهر: منذ أفتح عيني في الصباح حتي أنام ألفي خيالك كل دقيقة فإذا نمت عدت إلي في الأحلام".
كان أنيس يرسل رسائله باسم "كامل" ويتحدث عن ظروف السجن وعن رفاقه، وعن التعذيب الذى تعرضوا له، وعن حكايات وقصص تحدث داخل المعتقل، وعن إرادة الناس فى تجاوز ما يمرون به، وعن الأمل الذى يرافقهم فى كل لحظة، فى أن شمسا ساطعة سوف تشرق يوما، إنها رسائل مقاتلة وعاشقة.
هذه مقتطفات من رسائله إلى زوجته فيقول:
"زوجتي الحبيبة: ها أنذا أرسل لك هذه الرسالة بعد غيبة طويلة منذ أن أرسلت لك خطابي خلال المحاكمة أيام المجلس العسكري بالإسكندرية في أكتوبر الماضي، ولقد مضى على خطابي هذا نحو عشرة شهور اجتزنا فيها تجربة طالت، وكأنها عشر سنوات! أعنى تجربة الأوردي بما تعنيه من تعذيب يومي، وإهدار لآدمية المعتقلين، وعمل كالسخرة في جبل أبو زعبل، ثم قتل لعدد من زملائنا، إنها باختصار تذكر بما صنعته النازية في خصومها السياسيين في معتقلات أوروبا المشهورة، ولم يكن لينقصها لتصبح الصورة مطابقة تماما غير غرف الغاز!
لقد انتهت هذه التجربة الآن، وعدنا الى أدميتنا من جديد•• ولعلك أدركت من خلال زيارتك لي في الشهور الأخيرة مبلغ السوء الذي وصلت إليه حالتي الصحية• غير أني اليوم أسترد صحتي بالتدريج فلا تقلقي• ولكن ما يقض مضجعي حتى اليوم أن شهدي عطية، بمصرعه الفاجع في الأوردي تحت سياط التعذيب، هو وحده الذي فدانا جميعا• ولولا مصرعه وما أثار من ضجة خارجية لاستمر التعذيب حتى اليوم•
وكانت مهزلة، وما أبشعها من مهزلة ومع ذلك فإن "حفلة الاستقبال" كما واجهناها لم تكن شيئا بالمقارنة بـ "حفلة الاستقبال" التي أعدت لدفعة شهدي عطية في يونيو الماضي، والتي مات فيها هذا الصديق العزيز•• فضلا عن الزملاء الآخرين الذين ظلوا في حالة خطرة لأيام عدة بعد ذلك• وفي اليوم التالي لوصولنا بدأ روتين الحياة المعدة لنا"•
كذلك يتحدث عن مشاعر بسيطة ودقيقة مثل: "خطابك أدخل الفرحة إلى قلبى بقدر ما أحزننى، نعم يا حبوبة يجب أن أعترف لك بهذا وقد عودتك الصدق فى كل خلجات قلبى".. ثم: "شكرا لك على الأغنية المرسلة فى خطابك، وقد حرصت على أن أسمعها من صديق له صوت جميل هنا وأرجو أن تذكرى لى شيئا فى خطاباتك القادمة عن الأغانى الجديدة التى تسمعينها وتحبينها".

عدنا والعود أحمد
التعديل الأخير: