- إنضم
- 1 سبتمبر 2010
- المشاركات
- 11,772
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 0
استعرضنا في مقال سابق خمسا من أهم النصائح التي تساعد على تربية طفل سعيد، وفي السطور التالية نستكمل باقي النصائح:
6- امنحيهم حنانك، وشاركيهم المرح: مما يهون على الإنسان صعوبات الحياة ومشاقها ذلك المخزون الوجداني للحظات سعيدة مع من يحبهم، وإذا كانت الطفولة المبكرة أكثر مراحل العمر تأثيرا وخطورة، فحريّ بكل أُمٍّ أن تقتطع من وقتها لتؤسس ذكريات سعيدة مع طفلها. إن مشاركة الأم لأطفالها في اللعب يقوي ثقتهم بأنفسهم، ويزيد من بهجتهم، ويعزز علاقتهم بالأم ويمهد لأواصر صداقة بينهم وبينها من شأنها أن تحصِّنهم في مستقبل أيامهم. إن الأم التي تغمر طفلها حنانا ورحمة، وتشاركه مرحه وتلاعبه منذ صغره، لا تسعده في اللحظة الآنية وحسب، بل ترسخ مشاعر السعادة بداخله.
7- احمِ قلوبهم الصغيرة من الصراعات: كيف نتوقع أن تتحمل قلوب الصغار أجواء الصراعات والمشاحنات المستمرة التي تدور حول الأم، دون أن تتلوث فطرتهم، وتبهت معاني الفرحة والسعادة في قلوبهم؟
وإليك الصورة التالية: الأم في صراع مستمر مع الحماة، والمعارك بينهما لا تنتهي، وعمر الهدنات قصير، والأطفال يرصدون بقلوبهم الحية، وعقولهم اليقظة. فالأم تارة باكية مما فعلته بها جدتهم، والجدة كثيرا غاضبة منقطعة عن زيارتهم، وكل واحدة ترمي الأخرى بكلام لا يليق في غيابها. المرير في هذه الصورة هو أن الأم لا تقدِّر في خضم انفعالها وتخطيطها للحرب أن هذا الجو المشحون يؤثر على صغارها، ويقسي قلوبهم، وبعيدا عن معادلات الصواب والخطأ، ومن الظالم ومن المظلوم.. فإن الإحساس بدفء العائلة والحب والتناغم يُدهس بالأقدام في هذا الصراع القبيح.
صورة ثانية: العلاقة السيئة بالجيران والتي كانت بدايتها كثرة الخُلطة بهم، ثم ما لبثت الأمور أن انقلبت فأصبح أصدقاء الأمس هم أعداء اليوم. والأم بعد انتهاء عصر المودة مع جارتها، لم تكتف بمقاطعتها، بل تفاقم الأمر إلى الصراع الذي اتخذ صورا كثيرة، وزُج بالأطفال فيه زجا باعتبارهم إحدى وسائل الحرب.
صورة ثالثة: الأب له زوجتان، ويحاول التقريب بين الإخوة غير الأشقاء، لكن للأمهات رأي آخر، فهما تؤججان الصراع والنقمة في نفوس الأبناء، وتسرقان منهما البراءة وسلامة الصدر والسعادة. ولا شك أن بعض الأوضاع في حياتنا، وبعض العلاقات، وبعض الظروف تثير غضبنا أو تخرجنا عن طورنا، لكن الأمومة مسؤولية والتزام، فالأم الفطنة تدرك أن أفعالها مراقبة من قبل أبنائها، وأنهم يتخذونها قدوة شاءوا أم أبوا، وأن بوصلة مشاعرها تحدد وجهتهم إما: سعداء أو تعساء.
8- خففي صعوبات الحياة وهونيها: تقول القاعدة الفقهية: "من استعجل شيئا قبل أوانه عُوقب بحرمانه". فالعالم الرباني يعلم بصغار العلم قبل كباره. والأم العاقلة لا تعطي رضيعها قطعة لحم شهية ليأكلها ولما تنبت أسنانه. وكذلك أطفالنا.. إذا أردناهم أقوياء معتمدين على أنفسهم فعلينا ألا نلقي بهم ضعافا في دوامة الحياة ولما يشتد عودهم، وألا نقحمهم في مشكلاتنا العسيرة، ونجرعهم اليأس والألم، فهذا من شأنه أن يوهنهم، ويجعلهم سلبيين، هاربين من كل موضوع جِدي، لأنه مرتبط لديهم بالألم. وهذا لا يعني أبدا أن نعزل الأبناء عن واقع الحياة بحلوه ومره، لكن المراد أن نخفف صعوبة الأزمات، ونلوك المحن قبل أن يُعرضوا عليها، وأن نشركهم في شئون البيت والحياة تدريجيا حتى يقوى عودهم، ويبلغوا أشدهم. فالأزمة المالية التي يمر بها الوالد وجعلته في قلق كبير لا يليق أن يخوض الصغار فيها، حتى لا نزرع فيهم القلق دون مبرر، وإنما يكفي التلميح الخفيف إذا دعت الحاجة. والمخاطر الدولية يجب أن يتلقاها الأطفال بشكل صحيح، دون تهويل أو معزل عن الإيمان بالله وتذكر عظيم قدرته، والإيمان بقضائه وقدره. وهكذا في كل صعوبات الحياة ومصائبها، من مرض وموت وحروب ومخاوف. فتعرض الصغار للمصائب دون تخفيف وطبطبة رقيقة على القلب يسلبهم السعادة تماما، ويجعلهم متأرجحين بين القلق وتوقع الشر والحزن. ومن الأهمية بمكان أن تتمتع الأم في غالب أحوالها برباطة الجأش والصبر، وألا تكون فزعة جزعة تترك نفسها وتدخل أولادها في الهواجس والقلق الدائم لكل خطر متوهم، وكما يقال: "أكثر ما يُخاف لا يكون".
9- وسِّعي الآفاق أمامهم: من أسماء الله الحسنى "الواسع"، والتفكر في آثار هذا الاسم العظيم تفتح أمام العبد آفاقا للعبودية ومعرفة الله - جل وعلا -، وتخرجه من انقباض النفس، وضيق العيش إلى بحبوحة الأمل، وسعة التفكير. وصدق من قال: "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل"؛ حيثترتبط السعادة بالسعة، والهم والغم والقلق مقترنين بالضيق، ولقد فتحت الشريعة الغراء الأبواب أمام العقل ليفكر ويبدع وينشط.. قال تعالى: {...وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (يوسف: من الآية 76). وفتحت الأبواب أمام الروح والقلب بالتشويق إلى جنة "عرضها السماوات والأرض"، والطمع في رحمة الله ورضوانه.
لقد ورد معنى "الوسع" في كتاب الله الكريم في مواطن عديدة، منها: - {...رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا...} (غافر: من الآية 7). - {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} (العنكبوت: 56). - {...إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ...} (النجم: من الآية 32). فأي أثر يفعله تدبر هذا الوسع الرباني في الرحمة والعلم والمغفرة؟.. وأي أمل، وأي حياة رحبة سعيدة، تقيل عثرة العاصي، وتشحذ هِمَّة العابد؟ ولتتأمل الأم الفطنة المحبة تأثير تربية الأبناء على قيمة "السعة".. في مشاعرهم وسيرهم إلى الله، وفي طلبهم للعلم ودراستهم، وفي تعاملهم مع أحداث الحياة بخيرها وشرِّها. إن الإيمان بالله الواسع، يحول دون يأس القلوب واكتئاب النفوس، وكيف يكون ذلك وخزائنه تعالى ملأى، و{...كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (الرحمن: من الآية 29)، و{...لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف: من الآية 87)؟ والسعة لا تعني أبدا الفوضى والعشوائية، فثمة فرق هائل وجذري بين ثراء التراث الإسلامي الناتج عن التوسع في إعمال العقل في إطار الكتاب والسنة، وبين شطط من تمدد خارجهما نفورا واستكبارا، فشذّ وزلّ وابتدع. ولا ينبغي أن يؤدي الخوف من الشطط إلى تحجيم العقل وخنق الاجتهاد السليم لمن ملك أدواته؟ ومن الغريب أيضا أن يحول رفض الشطط الروحي إلى سد الطرق أمام القرب من الله وتزكية النفوس، والأغرب أن يكون التطبيق العملي لمفهوم "قِصَر الأمل" هو التضييق على النفس والولد، واعتزال العالم، بدلا من أن يكون نشاطا وتوسعا في العمل الصالح، ومساعدة الناس، وقد تخفف المرء من ثقل التعلق بالدنيا وإيثارها. أيتها الأم الكريمة: وسِّعي الحياة أمام أطفالك، وسعي مداركهم وطريقة تفكيرهم، إن العالم اليوم بحاجة إلى من ترسخت هويتهم الإسلامية، وامتزجت العقيدة بروحهم وعقولهم، فانفتحوا على الآخرين بثقة وعطاء. قال تعالى:{أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ...} (الأنعام: من الآية 122). وسِّعي نظرتهم إلى العالم، ولا تجعليهم رهائن اللحظة الحاضرة، فأوقات استضعاف المسلمين سبقها تاريخ واسع للعزة والانتصار، وبين يديها فضاء فسيح لنصر الله وإعزازه لعباده الصالحين.
10- لا تشعريهم بالذنب كثيرا "البعد عن اللوم والتقريع الدائمين":
يقول الشاعر:
وكما قال المتنبي:
6- امنحيهم حنانك، وشاركيهم المرح: مما يهون على الإنسان صعوبات الحياة ومشاقها ذلك المخزون الوجداني للحظات سعيدة مع من يحبهم، وإذا كانت الطفولة المبكرة أكثر مراحل العمر تأثيرا وخطورة، فحريّ بكل أُمٍّ أن تقتطع من وقتها لتؤسس ذكريات سعيدة مع طفلها. إن مشاركة الأم لأطفالها في اللعب يقوي ثقتهم بأنفسهم، ويزيد من بهجتهم، ويعزز علاقتهم بالأم ويمهد لأواصر صداقة بينهم وبينها من شأنها أن تحصِّنهم في مستقبل أيامهم. إن الأم التي تغمر طفلها حنانا ورحمة، وتشاركه مرحه وتلاعبه منذ صغره، لا تسعده في اللحظة الآنية وحسب، بل ترسخ مشاعر السعادة بداخله.
7- احمِ قلوبهم الصغيرة من الصراعات: كيف نتوقع أن تتحمل قلوب الصغار أجواء الصراعات والمشاحنات المستمرة التي تدور حول الأم، دون أن تتلوث فطرتهم، وتبهت معاني الفرحة والسعادة في قلوبهم؟
وإليك الصورة التالية: الأم في صراع مستمر مع الحماة، والمعارك بينهما لا تنتهي، وعمر الهدنات قصير، والأطفال يرصدون بقلوبهم الحية، وعقولهم اليقظة. فالأم تارة باكية مما فعلته بها جدتهم، والجدة كثيرا غاضبة منقطعة عن زيارتهم، وكل واحدة ترمي الأخرى بكلام لا يليق في غيابها. المرير في هذه الصورة هو أن الأم لا تقدِّر في خضم انفعالها وتخطيطها للحرب أن هذا الجو المشحون يؤثر على صغارها، ويقسي قلوبهم، وبعيدا عن معادلات الصواب والخطأ، ومن الظالم ومن المظلوم.. فإن الإحساس بدفء العائلة والحب والتناغم يُدهس بالأقدام في هذا الصراع القبيح.
صورة ثانية: العلاقة السيئة بالجيران والتي كانت بدايتها كثرة الخُلطة بهم، ثم ما لبثت الأمور أن انقلبت فأصبح أصدقاء الأمس هم أعداء اليوم. والأم بعد انتهاء عصر المودة مع جارتها، لم تكتف بمقاطعتها، بل تفاقم الأمر إلى الصراع الذي اتخذ صورا كثيرة، وزُج بالأطفال فيه زجا باعتبارهم إحدى وسائل الحرب.
صورة ثالثة: الأب له زوجتان، ويحاول التقريب بين الإخوة غير الأشقاء، لكن للأمهات رأي آخر، فهما تؤججان الصراع والنقمة في نفوس الأبناء، وتسرقان منهما البراءة وسلامة الصدر والسعادة. ولا شك أن بعض الأوضاع في حياتنا، وبعض العلاقات، وبعض الظروف تثير غضبنا أو تخرجنا عن طورنا، لكن الأمومة مسؤولية والتزام، فالأم الفطنة تدرك أن أفعالها مراقبة من قبل أبنائها، وأنهم يتخذونها قدوة شاءوا أم أبوا، وأن بوصلة مشاعرها تحدد وجهتهم إما: سعداء أو تعساء.
8- خففي صعوبات الحياة وهونيها: تقول القاعدة الفقهية: "من استعجل شيئا قبل أوانه عُوقب بحرمانه". فالعالم الرباني يعلم بصغار العلم قبل كباره. والأم العاقلة لا تعطي رضيعها قطعة لحم شهية ليأكلها ولما تنبت أسنانه. وكذلك أطفالنا.. إذا أردناهم أقوياء معتمدين على أنفسهم فعلينا ألا نلقي بهم ضعافا في دوامة الحياة ولما يشتد عودهم، وألا نقحمهم في مشكلاتنا العسيرة، ونجرعهم اليأس والألم، فهذا من شأنه أن يوهنهم، ويجعلهم سلبيين، هاربين من كل موضوع جِدي، لأنه مرتبط لديهم بالألم. وهذا لا يعني أبدا أن نعزل الأبناء عن واقع الحياة بحلوه ومره، لكن المراد أن نخفف صعوبة الأزمات، ونلوك المحن قبل أن يُعرضوا عليها، وأن نشركهم في شئون البيت والحياة تدريجيا حتى يقوى عودهم، ويبلغوا أشدهم. فالأزمة المالية التي يمر بها الوالد وجعلته في قلق كبير لا يليق أن يخوض الصغار فيها، حتى لا نزرع فيهم القلق دون مبرر، وإنما يكفي التلميح الخفيف إذا دعت الحاجة. والمخاطر الدولية يجب أن يتلقاها الأطفال بشكل صحيح، دون تهويل أو معزل عن الإيمان بالله وتذكر عظيم قدرته، والإيمان بقضائه وقدره. وهكذا في كل صعوبات الحياة ومصائبها، من مرض وموت وحروب ومخاوف. فتعرض الصغار للمصائب دون تخفيف وطبطبة رقيقة على القلب يسلبهم السعادة تماما، ويجعلهم متأرجحين بين القلق وتوقع الشر والحزن. ومن الأهمية بمكان أن تتمتع الأم في غالب أحوالها برباطة الجأش والصبر، وألا تكون فزعة جزعة تترك نفسها وتدخل أولادها في الهواجس والقلق الدائم لكل خطر متوهم، وكما يقال: "أكثر ما يُخاف لا يكون".
9- وسِّعي الآفاق أمامهم: من أسماء الله الحسنى "الواسع"، والتفكر في آثار هذا الاسم العظيم تفتح أمام العبد آفاقا للعبودية ومعرفة الله - جل وعلا -، وتخرجه من انقباض النفس، وضيق العيش إلى بحبوحة الأمل، وسعة التفكير. وصدق من قال: "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل"؛ حيثترتبط السعادة بالسعة، والهم والغم والقلق مقترنين بالضيق، ولقد فتحت الشريعة الغراء الأبواب أمام العقل ليفكر ويبدع وينشط.. قال تعالى: {...وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (يوسف: من الآية 76). وفتحت الأبواب أمام الروح والقلب بالتشويق إلى جنة "عرضها السماوات والأرض"، والطمع في رحمة الله ورضوانه.
لقد ورد معنى "الوسع" في كتاب الله الكريم في مواطن عديدة، منها: - {...رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا...} (غافر: من الآية 7). - {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} (العنكبوت: 56). - {...إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ...} (النجم: من الآية 32). فأي أثر يفعله تدبر هذا الوسع الرباني في الرحمة والعلم والمغفرة؟.. وأي أمل، وأي حياة رحبة سعيدة، تقيل عثرة العاصي، وتشحذ هِمَّة العابد؟ ولتتأمل الأم الفطنة المحبة تأثير تربية الأبناء على قيمة "السعة".. في مشاعرهم وسيرهم إلى الله، وفي طلبهم للعلم ودراستهم، وفي تعاملهم مع أحداث الحياة بخيرها وشرِّها. إن الإيمان بالله الواسع، يحول دون يأس القلوب واكتئاب النفوس، وكيف يكون ذلك وخزائنه تعالى ملأى، و{...كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (الرحمن: من الآية 29)، و{...لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف: من الآية 87)؟ والسعة لا تعني أبدا الفوضى والعشوائية، فثمة فرق هائل وجذري بين ثراء التراث الإسلامي الناتج عن التوسع في إعمال العقل في إطار الكتاب والسنة، وبين شطط من تمدد خارجهما نفورا واستكبارا، فشذّ وزلّ وابتدع. ولا ينبغي أن يؤدي الخوف من الشطط إلى تحجيم العقل وخنق الاجتهاد السليم لمن ملك أدواته؟ ومن الغريب أيضا أن يحول رفض الشطط الروحي إلى سد الطرق أمام القرب من الله وتزكية النفوس، والأغرب أن يكون التطبيق العملي لمفهوم "قِصَر الأمل" هو التضييق على النفس والولد، واعتزال العالم، بدلا من أن يكون نشاطا وتوسعا في العمل الصالح، ومساعدة الناس، وقد تخفف المرء من ثقل التعلق بالدنيا وإيثارها. أيتها الأم الكريمة: وسِّعي الحياة أمام أطفالك، وسعي مداركهم وطريقة تفكيرهم، إن العالم اليوم بحاجة إلى من ترسخت هويتهم الإسلامية، وامتزجت العقيدة بروحهم وعقولهم، فانفتحوا على الآخرين بثقة وعطاء. قال تعالى:{أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ...} (الأنعام: من الآية 122). وسِّعي نظرتهم إلى العالم، ولا تجعليهم رهائن اللحظة الحاضرة، فأوقات استضعاف المسلمين سبقها تاريخ واسع للعزة والانتصار، وبين يديها فضاء فسيح لنصر الله وإعزازه لعباده الصالحين.
10- لا تشعريهم بالذنب كثيرا "البعد عن اللوم والتقريع الدائمين":
يقول الشاعر:
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلام
إن من أعظم أسباب الحزن والاكتئاب اليأس من الذات وعدم الرضا عنها بل وكرهها، وهذه المشاعر السلبية الناتجة غالبا عما يسمى بـ"عقدة الذنب". إن الأشخاص الذين تعرضوا في طفولتهم للوم والتقريع، وعدم التغاضي والرفق في التعامل مع أخطائهم، يتنامى لديهم الشعور بالذنب يوما تلو الآخر، حتى يخرج عن جانبه الإيجابي والذي يدفع الإنسان لتجنب الأخطاء والترقي نحو الأفضل "النفس اللوامة"، ويجعل منه شخصا حبيسا لمشاعر الذنب الدائمة، والإحساس بالخطأ، فيجلد ذاته بتوبيخها، ويعاقب نفسه ويعرضها للمهالك ويهينها ويذلها. لماذا يقرن البعض حسن التربية باللوم المستمر والتوبيخ الذي لا يقتصر على ذم الخطأ، بل يتعداه إلى ذم المخطئ وإلصاق الخطأ به كجزء منه؟ هناك فرق واضح بين أن تقول للطفل: أنا مستاء من فعلتك، أو أنا أكره قيامك بالكذب، وتعاقبه بالشكل اللائق حسب شخصيته، وبالتناسب مع حجم الخطأ، وكونه جديدا أم متكررا، وبين أن تقول للطفل: أنا أكرهك لأنك كاذب، أنا متضايق لكونك غشاش. إن الفرق بين "أنت غشاش" وبين "لقد غششت"، هو الفرق بين الخطأ العابر الذي سرعان ما ينفر منه الشخص ويتجنبه، وبين العادة التي نلصقها به ونجعلها جزءا منه. إن استخدام "الشعور بالذنب" كأداة تربوية أساسية، واستمرار لوم الطفل وتوبيخه وإلصاق الأخطاء به، يجعل منه شخصا منهارا تعسا يكره ذاته ويسعى لإذلالها، وأول ما يذلها به هو أن يحرمها السعادة، ويمنعها من الشعور بالسرور، بل يغرقها في الفشل والمعاصي، لأن نفسه اللوامة تحولت إلى أمارة بالسوء لفرط اليأس واعتياد الشعور بالخطأ.ما لجرح بميت إيلام
وكما قال المتنبي:
ووضعُ الندى في موضع السيفِ بالعلا
مضرٌّ كوضع السيفِ في موضع الندى
فالحكمة تقتضي الرفق بالأطفال وتقييم الخطأ ووسيلة العقاب قبل البدء فيه حنقا وغيظا، لأن هذا الأسلوب لا يجدي بل يدمر الطفل، ويدمر علاقته مع أبويه. وختاما تجدر الإشارة إلى أن هذه النصائح ليست بديلا عن التقويم والتربية، بل يجب أن تسير معها جنبا إلى جنب لتحقيق التوازن النفسي، وحتى لا تقترن الأخلاق الحسنة، والتربية الراقية بركود التفاؤل والابتهاج المعتدل والسعادة. مضرٌّ كوضع السيفِ في موضع الندى