- إنضم
- 16 يوليو 2010
- المشاركات
- 4,416
- مستوى التفاعل
- 3
- النقاط
- 0

فدوى طوقان
صفحات من مأساة الوطن الفلسطيني وثقتها الشاعرة الكبيرة فدوى طوقان في كتابها "رحلة جبلية .. رحلة صعبة" وفيه تروي قصة طفولتها حتى عام 1967 مآسي متعددة حملها الكتاب ؛ مأساة المراة التي تتعرض للقهر والضغط ويرفض المحيطون بها أن تكتب شعرا عاطفيا، ويرفضون أن تلبس فستانا جميلا، ويرفضون أن تكون لها علاقة عن طريق الرسائل بالأدباء والشعراء والمفكرين.
تروي المذكرات أيضا، كما يوضح رجاء النقاش في كتابه "الموت في قميص النوم" ، كيف كان الناس في هذا الوطن المسلوب أعزاء وشامخين قبل قيام إسرائيل في 15 مايو 1948 عندما انسحب الانتداب البريطاني واعطى فلسطين هدية لليهود.
عاشت فدوى طفولتها وصباها الأول في جو عنيف من القهر الاجتماعي، ومنعها أهلها من الاستمرار في التعليم وأخرجوها من المدرسة الابتدائية وحكموا أن تكون سجينة البيت، بعد أن اكتشفوا أن هناك صبيا من صبيان مدرستها نابلس يتابعها في ذهابها إلى المدرسة وأنه أرسل إليها زهرة فل تعبيرا عن عواطفه الصامتة نحوها، وهكذا أصبحت ممنوعة من التعليم والحب والخروج من البيت..!
تصور فدوى متاعبها في ذلك الجو القاسي فتقول: " هذا العالم الذي كنت أعيش فيه ظل شديد الوطأة على نفسي، حتى لقد سيطر عليّ الشعور بالعبودية والقسر، أخذت أحس أن المساعدات المستأجرات في البيت "الخادمات" أكثر حرية وسعادة مني، وظللت أعجز وأضعف من أن أفرض نفسي على الشياء والأمور التي كانت تجري من حولي، كنت على وعي بمهانة هذا الوضع وبعجزي عن تحطيمه ، وهكذا قام خصام لا هدنة فيه بين نفسي المقهوة بلاكبت وبين الواقع المتجهم الذي احياه، مما أوجد في نفسي انقساما شقها نصفين: نصف كان يبدو للأعين مستسلما خاضعا، ونصف كان يبرق ويرعد تحت السطح ويكاد يدمر نفسه".

إبراهيم طوقان
كان لفدوى أخ أكبر اسمه "إبراهيم طوقان" وكان شاعرا موهوبا ويكبرها باثنتي عشرة سنة، وكان واسع الثقافة ، طيب العقل، أحب فدوى وأحس بشكلتها واقتنع أن من حقها أن تتعلم، فقال لها ذات يوم: سأعلمك نظم الشعر، وكانت فدوى حينها في الثالثة عشرة من العمر ، وبذلك قيض الله لفدوى من ينقذها من التعاسة والجهل..!
حفظت فدوى آلاف الأبيات من الشعر فأحست بالسكينة . تقول "بالرغم من أنني كنت لا أزال تحت الإقامة الجبرية ، فإن الدراسة وحفظ آلاف الأبيات من الشعر العربي القديم قد غسلت نفسي من العذاب واجترار مشاعر الشفقة على الذات والإحساس بالظلم. أصبح الشعراء الجاهليون والأمويون والعباسيون يعيشون معي، يأكلون ويشربون ويقومون بأعمال المنزل ويتحدثون إلي وأتحدث إليهم. لم أحبهم كلهم في وقت واحد، بل كنت أستغرق في حب شاعر واحد كل مرة، حتى إذا استنفدت ما عنده شعرت بالاكتفاء والحاجة إلى شاعر آخر واكتشاف عالم جديد ، وهكذا..".

تقدمت فدوى وبدأت تكتب الشعر، ولكنها كانت تخاف من نشر شعرها في الصحف بتوقيعها ، ففي ذلك نوع من الفضيحة في نظر أهلها وبيئتها المحافظة، فنشرت قصائدها تحت اسم مستعار هو "دنانير"، واسم أخر هو "المطوقة".. شيئا فشيئا أصبحت معروفة ومشهورة في الحياة الأدبية، فأعطاها النجاح نوعا من الحرية والحصانة وبدأت تنشر باسمها الحقيقي، ووجد أهلها ما يفخرون به خاصة تلك الأشعار الوطنية التي تعبر عن هموم الفلسطينيين.

ظل الحب في حياة فدوى نوعا من المتاعب ، فلم تكن تستطيع الاتصال بشكل مباشر مع الآخرين، وكانت تصر أن يكون زواجها قائما على الحب والاختيار، وكان أهلها يرفضون كل الرفض أن تتزوج من خارج أسرتها أو طبقتها الاجتماعية ، ويرفضون أن تتزوج بعد قصة حب يعرفها الجميع، وظل أهلها حتى بعد نجاحها وشهرتها يراقبون تصرفاتها ويفرضون عليها قطع أي اتصال بشخص غريب.
قرأت فدوى بعض قصائد الشاعر المصري الكبير علي محمود طه، فكتبت إليه تعبيرا عن إعجابها بشعره، فرد عليها الشاعر وأرسل لها نسخة من ديوانه "ليالي الملاح التائه" وكان الشاعر في ذلك الوقت نجما ساطعا، واستمرت المراسلات لفترة قصيرة وكانت فدوى سعيدة بها سعادة كبيرة، ثم فجأة تلقت أوامر بقطع تلك المراسلات التي لم تكن إلا أدبية خالصة، فانقطعت فدوى رغما عنها ولم ترد على مراسلات محمود طه دون أن تشرح له سبب التوقف.
نشات بين فدوى وشاعر مصري أخر هو إبراهيم نجا علاقة عن طريق الرسائل دون أي لقاء بينهما، وتحولت إلى عاطفة رومانسية مشتعلة في قلبيهما، ومع ذلك وبعد فترة كتبت فدوى إليه " ماذا أقول؟ أنا خائفة، إن قلبي يكاد ينفجر في صدري مما يملؤه، أنا لا استطيع أن أقوم بكل هذا العبء، فخذ أنت بيدي ناشدتك الله، وأعني على مقاومة هذه العواطف الجامحة، أتوسل اليك أن تقطع رسائلك عني".
وهكذا انتهت العلاقة العاطفية بينهما وهي علاقة بدأت على الورق وانتهت عليه، وتكررت القصة نفسها عدة مرات مع بعض الشعراء والأدباء، لذلك ظل الحب مطلبا روحيا عميقا من مطالبها لم يتحقق لذلك اتخذت قرارها النهائي بألا تتزوج، وأن تعيش وحيدة.
أصدرت فدوى الجزء الثاني من مذكراتها بعنوان "الرحلة الأصعب" وفيه تروي تجاربها الأكثر مرارة وحزنا، بعد أن أصبحت مدينتها نابلس تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 حتى الآن.
تعذبت فدوى في ظل الاحتلال اإسرائيلي ، وخصوصا بعد أن هدموا بيت جارها العجوز حمزة فكتبت تقول:
جوع حقدي
فاغر فاه. سوى أكبادهم لا يشبع الجوع الذي استوطن جلدي
آه . يا حقدي الرهيب المستثار قتلوا الحب بأعماقي
أحالوا في عروقي الدم غسلينا ونار
ثار الاحتلال وهاج وماج، وارتفعت أقلام الصحف تشن حربا ضروسا على فدوى وتصفها بأنها شاعرة من أكلة لحوم البشر.
في عام 1968 تبنى موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك نظرية الجسور المفتوحة بين الضفة الغربية والشرقية، فأصبح من حق الفلسطينيين في الضفة الغربية أن يزوروا أهلهم في الضفة الشرقية أي في الأردن، بشرط أن يحصلوا على تصاريح مرور من قوات الاحتلال.
وتروي فدوى ما حدث لها ولغيرها من الفلسطينيين بعد ذلك فتقول: " لا . لن أنسى كم كانت لهفتنا شديدة للقاء الأهل والأحبة بعد انقطاعنا عنهم ويأسنا من إمكانية عودة التواصل، ناهيك عن إشفاقنا من الانقطاع عن بقية لاعالم العربي مثلما حدث للفلسطينيين المقيمين في فلسطين المحتلة بعد عام 1948 ".
"لم يكن يعلن السماح لنا بالحصول على تصاريح السفر وعبور الجسر إلى الضفة الشرقية حتى دفعت بنا اللهفة والشوق إلى التمسك بتلابيب الفرصة السانحة، راحت الألوف منا تتوجه نحو جسر اللنبي. وكان الجسر الوحيد الصالح للعبور وذلك قبل إصلاح جسر "دامية" وفتحه أمام المسافرين ".
تواصل فدوى الحديث عن تجربتها القاسية ومحاولة الخروج من نابلس من أجل زيارة بقية أهلها من "آل طوقان" المعروفين والمقيمين في الأردن ، فتقول:
"الحشد البشري يتدفق ويزحف باتجاه شباك التصاريح، الجنود يكبحون المسيرة بالعصي والعنف والشتائم، ويطوقون الحشد من هنا وهناك. تدنو الجموع الأمامية من الشباك . الجندي القابع خلف الشباك يصفقه ويغلقه في وجوه الناس الملهوفين ، يرتفع صوت آخر بالشتائم والصراخ آمرا الحشد بالتراجع والعودة إلى الوراء ، وجندي آخر يدفعني بقبضة يده دفعة شديدة ، أوشك أن أهوى على الأرض. أحد المسافرين يسندني من الخلف براحتيه، الغضروف المنزلق في أسفل ظهري يلمع لمعة أوشك معها على الإغماء من شدة الألم.. شمس منتصف آب / أغسطس تحرقنا بأشعتها الملتهبة وتحول منطقة "غور الأردن" إلى ما يشبه الجحيم ".

صعبة كذكرياتها في "رحلة جبلية.. رحلة صعبة"، كانت بدايات الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان، فقد عاشت ابنة نابلس كل المتناقضات، فأقبلت عليها الدنيا في صغرها قبل أن تحاصرها العادات والتقاليد ثم قهر الاحتلال الإسرائيلي لتخط قصائد تنضح فرحا حينا وحزنا أحيانا كثيرة.
أبصرت فدوى عبد الفتاح آغا طوقان النور بمدينة نابلس كبرى مدن شمال الضفة الغربية عام 1917، لأسرة غنية وذات نفوذ، وتلقت تعليمها الابتدائي في مدرسة الفاطمية أوّلا، ثم العائشية من بعد، ولم تتجاوز مدة دراستها خمس سنوات، إذ حرمها بعض أهلها من مواصلة تعليمها، وفرضت عليها الإقامة الجبرية في المنزل.

المدرسة الفاطمية بنابلس التي تلقت فدوى طوقان تعليمها الابتدائي فيها
زهرة الفل
في روايتها "رحلة جبلية.. رحلة صعبة" تقول فدوى: "كان التواصل الوحيد الذي جرى لي مع الغلام هو "زهرة الفل" التي ركض إليّ بها ذات يوم صبي صغير في (حارة العقبة) وأنا في طريقي إلى بيت خالتي".
و"حلت اللعنة التي تضع النهاية لكل الأشياء الجميلة" بعد أن فطن شقيقها يوسف للأمر، "وأصدر حكمه القاضي بالإقامة الجبرية، وهددني بالقتل إذا غادرت عتبة المنزل، وخرج من الدار لتأديب الغلام".
كانت رياح العادات والتقاليد تعصف بفدوى، رغم أنها تنحدر من أسرة ثرية ومثقفة، وليس سهلا على فتاة في ريعان شبابها حينئذ أن تبوح بكل ما لديها، فآثرت الصمت على المجابهة، وتركت الأيام تحل عقدها.
التزمت فدوى البيت، وأضيفت هذه المعاناة إلى معاناتها السابقة من اعتلال صحتها وجفاء أهلها لها، فغلبتها الوحشة على نفسها، واستبدت بها الكآبة إلى أن عاد شقيقها إبراهيم من الجامعة الأميركية في بيروت، فرق قلبه لها، وعلمها قواعد الشعر والنحو والبلاغة، وشجعها على كتابة الشعر لما رأى فيها من مقدرة وحس مرهف، وكان نجاحها مبهرا لشقيقها المعلم ولعدد من شعراء عهدها.
وإبراهيم هو من خط بأنامله قصيدة "فدائي" و"موطني" التي أصبحت النشيد الوطني الفلسطيني. فكتبت فدوى قصيدة امتنان بعنوان "تاريخ كلمة" تمتدح أخاها إبراهيم.
استهلت فدوى كتاباتها بقصائد متينة، أرسلت بها إلى المجلات الأدبية في القاهرة وبيروت موقعة بأسماء مستعارة، فنشرتها، وبذلك تعززت ثقة فدوى بنفسها وبما تكتبه، وانطلقت نحو المستقبل بآمال عريضة دارت في خلدها.
إلا أن هذه الآمال سرعان ما تحولت إلى آلام، فقد مات المعلم وهو شقيقها إبراهيم عام 1941، فخطت كتابها الأول "أخي إبراهيم"، وحكت به ممتنة له بكل حرف، وعادت من جديد حبيسة الجدران ومتشائمة، إلا من الشعر الذي عاهدت نفسها بأن يبقى رفيقها طوال الدرب.
تحولات الحياة
وتطلّب هذا العهد من فدوى، أن تبقى متواصلة مع الشعر والشعراء، فقرأت في شعر المهجر لإيليا أبو ماضي وعلي محمود طه، وأظهر ديوانها الأول "وحدي مع الأيام" (1952) مدى تأثرها الكبير بهؤلاء الشعراء الرومانسيين.
وخلافا لديوان "وحدي مع الأيام" الذي هيمن عليه الإحساس بالعزلة والكآبة العميقة التي ألمت بها عقب وفاة إبراهيم، فكان ديوانها الثاني "وجدتها" (1956) مختلفا تماما، عكس انبساطها بالحب والحرية التي طرأت على مجتمعها، وكذلك امتاز الديوان بغلبة شعر التفعيلة الذي أصبح الشكل السائد في شعرها منذ ذلك الحين.
وقد زامنت فدوى طوقان -كما يقول الشاعر الفلسطيني وابن مدينتها لطفي زغلول- مع ما طرأ من تحديث على القصيدة العربية العمودية التي انتقلت إلى القصيدة الحرة "التفعيلة".
وبعد أن فقدت الشاعرة الفلسطينية الحب كما ظهر في ديوانها "أعطنا حبا" (1960)، حفزها ذلك على السفر إلى إنجلترا لدراسة الأدب الإنجليزي هناك عام 1962.
وما هي إلا سنوات حتى عادت فدوى من غربتها إلى الوطن، ولتنأى بنفسها عن ضجيج الخارج وحزن الداخل ومعاناة البيت الأثري القديم، بنت لنفسها بيتا في الغرب من مدينة نابلس، وأحاطته ببستان من الأزهار وأشجار النخيل كي تطلق فيه روح الفن والإبداع.
لكن هذه الفرحة والخلوة التي أرادتها فدوى لم تدم طويلا، فهي التي عايشت هزيمة حرب 1967، فتأثرت بالعمل النضالي الفلسطيني ومقاومته للاحتلال، وهو ما عزّز تواصلها مع المجتمع وعقد اللقاءات والانفتاح على الآخر.
وتحولت بقصائدها إلى الهم العام، بعد أن خيّم عليها الهم الخاص بوفاة شقيقها نمر في حادث سقوط طائرة، فرثته بقصيدة "أمام الباب المغلق" التي صارت عنوانا لديوان آخر لها.
وتناولت في شعرها في ذلك الحين تضحيات الفلسطينيين ونضالاتهم، وأصدرت ديوانيها "الليل والفرسان" و"على قمة الدنيا وحيدا"، وعبرت فيهما عن امتنانها لشهداء فلسطين وصمود أسراها رجالا ونساء، ثم نقلت مأساة مدينتها ونكبة أهلها وحزنها على شهدائها.
"امتازت طوقان بالعقلانية بالفكر والسلوك، بعيدا عن الخرافات التي انتابت المجتمع النابلسي آنذاك"
رحلتها الصعبة
ومما برز كثيرا في حياة طوقان هو روايتها الشهيرة "رحلة صعبة.. رحلة جبلية" (1985)، التي كانت عبارة عن الجزء الأول من سيرتها الذاتية، وتغطي الفترة الممتدة بين سنة مولدها وما قبل يونيو/حزيران 1967. وتحدثت فيها بجرأة كبيرة عن حياتها الخاصة، كما لم تغفل عن ذكر الحياة الاجتماعية والسياسية لمدينة نابلس وأطباعها "واختلافها مع الكثير من التقاليد، التي أغلقت العلم والفكر التنويري الذي أحبته فدوى وامتازت به".
وحاز كتابها ذاك على التقدير والإعجاب من قبل القراء والنقّاد، وفيه يقول الشاعر الفلسطيني سميح القاسم: "منذ أيام الراحل العظيم طه حسين، لم تبلغ سيرة ذاتية ما بلغته سيرة فدوى طوقان من جرأة في الطرح وأصالة في التعبير وإشراق في العبارة".
وفي عام 1987 صدر ديوانها "تموز والشيء الآخر"، وأطلقت قصيدة "مراهقة"، وقصيدة "النورس ونفي النفي" المهداة إلى أرواح الشهداء دلال المغربي ورفاقها إلى جانب "مبارك هذا الجمال والعذاب".
وكان ذلك العام هو عام الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وكتبت فدوى قصيدة "شهداء الانتفاضة"، حتى إذا جاء عام 1993 صدر الجزء الثاني من مذكراتها بعنوان "الرحلة الأصعب"، وهو يغطي السنوات القليلة التي أعقبت عام 1967، ويتحدث عن نشاط فدوى السياسي والثقافي الوطني المقاوم للاحتلال، وعن علاقاتها بالشعراء من عرب 48.

وأخيرا وليس آخرا قصيدتها الغاضبة "من صور الاحتلال الصهيوني آهات أمام شباك التصاريح"، وفيها تصف كيف شتمها ومن معها الجندي الهجين بقوله: "عربٌ فوضى، كلاب..."
وفيها تقول:
ألفُ هندٍ تحتَ جلدي
جوعُ حقدي
فاغرٌ فاهُ سوى أكبادِهم لا
يُشبعُ الجوعَ الذي استوطنَ جلدي
وكان لهذه القصيدة وقع على المحتل الذي رأى فيها فرصة لمهاجمة فدوى، ومعاقبتها لكونها تحرّض على سفك الدماء، لكنها أدانته من فمه، ودعته لأن يقرأ ما يمليه شاعرهم المفضل حاييم بباليك في قصيدته "باركوخبا"، التي لم يجد فيها حرجا من دعوته الصريحة شرب دم الأعداء.

وامتازت طوقان بالعقلانية بالفكر والسلوك، بعيدا عن الخرافات التي انتابت المجتمع النابلسي آنذاك، خاصة في عرضها الدقيق والشامل للتمييز في النوع الاجتماعي، ورفضها التام لذلك التمييز في بلدها وخارجه، حتى إنها "أخذت على المجتمع الإنجليزي تقصيره عن تحقيق المساواة التامة بين الجنسين في مختلف ميادين الحياة".
وفي عام 2000 أي قبل وفاتها بثلاث سنوات، صدر لها ديوانها الأخير "اللحن الأخير" الذي ظهرت فيها تأملاتها للحياة والحب والحرية التي شكلت جُل اهتماماتها.
فرحة الموت
ولكن الموت الذي لطالما تخوفت منه طوقان قد جاء، رغم أنه كان حاضرا في معظم قصائد ديوانها الأول "وحدي مع الأيام" موت إبراهيم، وموت الفراشة وموت العدالة.
وظلت شاعرة الحرية والتحرير -كما يقول الكاتب الفلسطيني علي حمد- صامدة إلى أن ألقى بها المرض على فراش الموت أياما وأشهرا عانت فيها فدوى ما عانت، حتى صعدت روحها إلى بارئها في الثاني عشر من ديسمبر/كانون أول عام 2003.
في مستشفى نابلس عن عمر ناهز 85 عاما إثر هبوط في القلب بعد أن ظلت تحت الملاحظة في وحدة العناية المركزة لمدة 20 يوما.

في أيامها الاخيرة
ولكن يبدو أن لفدوى حكاية أيضا مع الموت، فكان اشتياقها لأخيها إبراهيم حاضرا، ولربما كانت مشاعرها تفيض فرحا بدفنها إلى جانبه في قبر لمَّ شملهما معا، بعد غياب قصري استمر أكثر من ستة عقود. وخُط على قبرهما أبياتها الشهيرة من قصيدتها "زهرة الفل":
كفاني أموت على أرضها
وأدفن فيها
وتحت ثراها أذوب وأفنى
وأبعث عشبا على أرضها
وأبعث عشبا على أرضها
أبعث زهرة
تعيث بها كف طفل نمته بلادي
كفاني أظل بحضن بلادي
ترابا وعشبا وزهرة
تعيث بها كف طفل نمته بلادي
كفاني أظل بحضن بلادي
ترابا وعشبا وزهرة
لكن قبل هذا الموت، كانت" شاعرة فلسطين" نالت عددا كبيراً من الجوائز، جائزة رابطة الكتاب الأردنيين 1983، وجائزة ساليرنو للشعر من إيطاليا، ووسام فلسطين وجائزة كافافيس الدولية للشعر عام 1996، وغير ذلك الكثير.
بعض من قصائدها:
http://www.albabtainprize.org/Encyclopedia/poet/1268.htm
فيديو فلم وثائقي "وأنا لوحدي " عن فدوى طوقان
http://www.youtube.com/watch?v=qAfnfaERZ4E&feature=player_embedded#!
التعديل الأخير: