السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا تكتمل زيارة الدوحة دون الجلوس في سوق واقف والتمتع بارتشاف كأس شاي أو قهوة عربية، وربما تذوق أكلة من الأكلات العربية المنتشرة في مطاعمه التي تعد بمثابة صورة تقريبية للوطن العربي من المحيط إلى الخليج.
فقريبا من كورنيش الدوحة، وفي اتجاه وسط المدينة تنتصب بنايات تبدو ظاهريا حديثة بعد الإصلاحات التي خضعت لها عام 2004 بأمر من سمو أمير دولة قطر المفدى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي وجه بإجراء عملية التجديد، لكن هذا التجديد رام إعادة المكان إلى وضعه الطبيعي ليكون خير معبر عن ثقافة أهل قطر بمختلف تلاوينها، خاصة بعد أن أصبح يحظى برعاية اليونيسكو، فكان من الطبيعي التفكير في أنجع الطرق لإرجاعه إلى طبيعته الأولى دون أن تتنافى مع وظائفه الحالية تجاريا وثقافيا وترفيهيا.
ولا يمكن زيارة هذا السوق دون أن تفتتن بتفاصيله التي تجمع بين ثنايا روعة العمارة العربية القديمة والتراثية وبهاء العصرنة التي دخلته دون أن تخل بنظامه كمكان يتنفس التاريخ ويحكي قصة قطر قديما وحديثا، خاصة في ظل انتشار مجموعة من الدكاكين المتخصصة في تسويق تراث قطر وعادات أهل قطر وتقاليدهم، لتقريب صورة البلد الذي يرفل اليوم في ثوب النهضة الاقتصادية والعمرانية، لكن دون أن يتخلى عن إرث الأجداد خاصة أن قطر تعتبر آخر معقل في الخليج العربي نجح في الانفلات من قبضة الهجمة الغربية والتقليعات القادمة من وراء البحار لاجتثاث أعز ما يملكه الإنسان العربي ألا وهو اعتزازه بتراثه وثقافته وحضارته.
كل من يدخل سوق واقف، يتبادر إلى ذهنه أصل التسمية. وحسب ما يتم تداوله، واستنادا إلى كتاب «سوق واقف» للمصور اللبناني ماهر عطار الذي أورد فيه مجموعة من الصور الجميلة والنادرة لهذا السوق التاريخي، فإنه يعطي تعريفا لهذا السوق يقول فيه: «من المعروف عن سوق واقف أنها سوق قديمة لها حضور في مدينة الدوحة منذ أن كانت قرية صغيرة، وكانت تضم أنواعاً عدة من المتاجر، وكان البدو يقيمون فيها كل نهار خميس سوقاً خاصة بهم يبيعون فيها الأخشاب ومنتجات الحليب. ومنذ عام ألفين وأربعة اعتمدت الحكومة القطرية خطة لإعادة إحياء سوق واقف وهي تهدف إلى استعادة أجوائه القديمة بعد أن سيطرت الفوضى العمرانية على الأمكنة التاريخية، مما أدى إلى انتشار الأبنية الإسمنتية التي تتناقض مع الهوية الثقافية العربية والصفات الجمالية للعمارة الإسلامية. ومع تنفيذ خطة إعادة إحياء سوق واقف تم هدم الأبنية الإسمنتية لإبراز الأبنية القديمة، كما تم الاعتماد على التقنية المتطورة لإنارة الممرات والطرق».
إن التجول داخل السوق يأخذك في سفر افتراضي من خلال تنوع معروضات محلاته التجارية التي تستقبلك بفتح كتاب الماضي من خلال منسوجات البدو التي يحرص القائمون على السوق على أن تكون أول ما يستقبل الوافد إليه من مختلف مداخله، خاصة أن هذه المنسوجات ما زالت تحتل مكانا مهما في مجالس العائلات القطرية الحريصة على ماضيها دون أن تفرط في مستقبلها وتعاطيها مع متطلبات التطور الذي تعرفه الدولة. وكلما توغلت داخل السوق تقابلك المحلات المختصة في بيع التذكارات التراثية من مستلزمات الخيول العربية أو مستلزمات الصيد بالصقور أو أنواع القهوة العربية والتي تصطف محلاتها جنبا إلى جنب والتي يأتي على رأسها «الهيل» الذي لا غنى لأية مائدة خليجية عنه. كما يمكن أن تجد بالسوق الكثير من الأعشاب الشعبية التي يلجأ إليها الزائرون بديلا عن العقاقير الطبية.
وبما أن المدينة كانت معرضة دائما للسيول التي تجري في اتجاه البحر فقد كان الباعة الذين يتجمعون على طرفي الوادي يضطرون للوقوف طيلة النهار لتفادي مباغتتهم من طرف هذه السيول فصارت تسميةً لهذا السوق». و «كان السوق يضم ثلاثة أنواع من المحال، أولها «العماير» وهي المخازن الكبرى التي تتعاطى الأعمال التجارية بالجملة والمفرق، وتخزن مواد البناء والأغذية كالتمور والأرز إلى جانب محلات المشغولات اليدوية كالخياطة والنجارة، وإلى جانبهما كان هناك ما يعرف بـ «البسطات» وهي تلك التي كان يقيمها الباعة المحليون في الهواء الطلق
جانب آخر يتميز به السوق، ألا وهو حرصه على المحافظة على الفنون والتراث القطري الشعبي، خاصة في ظل وجود إذاعة «صوت الريان» التي تحرص على تشنيف آذان المستمعين طوال اليوم بقصائد من الشعر النبطي وبأشهر الأغاني الشعبية الخليجية والقطرية التي تكاد تندثر في ظل الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الفن الغنائي في كل العالم العربي، لتأتي هذه الإذاعة التي يسيرها شباب من خيرة أهل قطر من أجل إعادة الاعتبار للغناء الشعبي الذي تصدح به على مدار الساعة، بل ونجحت في تحويل سوق واقف إلى عاصمة للفن الشعبي الخليجي بعد أن شرعت في تنظيم مهرجان للأغنية الشعبية وصل هذا العام إلى محطته الخامسة بمناسبة عيد الأضحى المبارك الذي ودعناه قبل أيام وعرف مشاركة أشهر وأهم فناني الغناء الشعبي في قطر والسعودية واليمن.
فصوت الريان تعتبر خير معبر عن سياسة قطر في المجال الفني والتراثي، وقد نجحت إلى حد الساعة في تحقيق الأهداف المرسومة لها من خلال إعادة توثيق التراث الشعبي وحفظه للأجيال القادمة. وإلى جانبها ترتسم المحلات المتخصصة في بيع الأقراص المدمجة الخاصة بهذه الألوان الشعبية، وكذا المحلات المتخصصة في صناعة وتصليح الآلات الموسيقية خاصة آلة العود التي تعد عماد الجلسات الغنائية داخل مجالس أهل قطر في مختلف المناسبات.
ولأن التأثير الفني لا حدود له، فقد استنسخت المطاعم والمقاهي المقامة داخل السوق هذا الأسلوب، حيث تستقدم مطربين وفرقا موسيقية من أجل ترفيه روادها، فيما يتجمع هواة سماع الموسيقى والأغاني التراثية حولها، رغم أنها لم تعد تقتصر فقط على هذه الألوان الغنائية خاصة بعد أن دخلت أصناف أخرى إلى السوق بحكم توافد الجنسيات العربية، حيث تصدح في بعض الأحيان الموسيقى والأغاني المصرية أو اللبنانية، لكن دون أن تنزع عن المكان أصالته، خاصة أن المحلات التي تلجأ إلى هذه الأنواع الموسيقية تحرص على أن تتمتع أيضا بالأصالة حفاظا على جمالية المكان وإبعاده عن الابتذال الذي قد يسيء إليه
</I>
لا تكتمل زيارة الدوحة دون الجلوس في سوق واقف والتمتع بارتشاف كأس شاي أو قهوة عربية، وربما تذوق أكلة من الأكلات العربية المنتشرة في مطاعمه التي تعد بمثابة صورة تقريبية للوطن العربي من المحيط إلى الخليج.

فقريبا من كورنيش الدوحة، وفي اتجاه وسط المدينة تنتصب بنايات تبدو ظاهريا حديثة بعد الإصلاحات التي خضعت لها عام 2004 بأمر من سمو أمير دولة قطر المفدى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي وجه بإجراء عملية التجديد، لكن هذا التجديد رام إعادة المكان إلى وضعه الطبيعي ليكون خير معبر عن ثقافة أهل قطر بمختلف تلاوينها، خاصة بعد أن أصبح يحظى برعاية اليونيسكو، فكان من الطبيعي التفكير في أنجع الطرق لإرجاعه إلى طبيعته الأولى دون أن تتنافى مع وظائفه الحالية تجاريا وثقافيا وترفيهيا.


ولا يمكن زيارة هذا السوق دون أن تفتتن بتفاصيله التي تجمع بين ثنايا روعة العمارة العربية القديمة والتراثية وبهاء العصرنة التي دخلته دون أن تخل بنظامه كمكان يتنفس التاريخ ويحكي قصة قطر قديما وحديثا، خاصة في ظل انتشار مجموعة من الدكاكين المتخصصة في تسويق تراث قطر وعادات أهل قطر وتقاليدهم، لتقريب صورة البلد الذي يرفل اليوم في ثوب النهضة الاقتصادية والعمرانية، لكن دون أن يتخلى عن إرث الأجداد خاصة أن قطر تعتبر آخر معقل في الخليج العربي نجح في الانفلات من قبضة الهجمة الغربية والتقليعات القادمة من وراء البحار لاجتثاث أعز ما يملكه الإنسان العربي ألا وهو اعتزازه بتراثه وثقافته وحضارته.

كل من يدخل سوق واقف، يتبادر إلى ذهنه أصل التسمية. وحسب ما يتم تداوله، واستنادا إلى كتاب «سوق واقف» للمصور اللبناني ماهر عطار الذي أورد فيه مجموعة من الصور الجميلة والنادرة لهذا السوق التاريخي، فإنه يعطي تعريفا لهذا السوق يقول فيه: «من المعروف عن سوق واقف أنها سوق قديمة لها حضور في مدينة الدوحة منذ أن كانت قرية صغيرة، وكانت تضم أنواعاً عدة من المتاجر، وكان البدو يقيمون فيها كل نهار خميس سوقاً خاصة بهم يبيعون فيها الأخشاب ومنتجات الحليب. ومنذ عام ألفين وأربعة اعتمدت الحكومة القطرية خطة لإعادة إحياء سوق واقف وهي تهدف إلى استعادة أجوائه القديمة بعد أن سيطرت الفوضى العمرانية على الأمكنة التاريخية، مما أدى إلى انتشار الأبنية الإسمنتية التي تتناقض مع الهوية الثقافية العربية والصفات الجمالية للعمارة الإسلامية. ومع تنفيذ خطة إعادة إحياء سوق واقف تم هدم الأبنية الإسمنتية لإبراز الأبنية القديمة، كما تم الاعتماد على التقنية المتطورة لإنارة الممرات والطرق».


إن التجول داخل السوق يأخذك في سفر افتراضي من خلال تنوع معروضات محلاته التجارية التي تستقبلك بفتح كتاب الماضي من خلال منسوجات البدو التي يحرص القائمون على السوق على أن تكون أول ما يستقبل الوافد إليه من مختلف مداخله، خاصة أن هذه المنسوجات ما زالت تحتل مكانا مهما في مجالس العائلات القطرية الحريصة على ماضيها دون أن تفرط في مستقبلها وتعاطيها مع متطلبات التطور الذي تعرفه الدولة. وكلما توغلت داخل السوق تقابلك المحلات المختصة في بيع التذكارات التراثية من مستلزمات الخيول العربية أو مستلزمات الصيد بالصقور أو أنواع القهوة العربية والتي تصطف محلاتها جنبا إلى جنب والتي يأتي على رأسها «الهيل» الذي لا غنى لأية مائدة خليجية عنه. كما يمكن أن تجد بالسوق الكثير من الأعشاب الشعبية التي يلجأ إليها الزائرون بديلا عن العقاقير الطبية.


وبما أن المدينة كانت معرضة دائما للسيول التي تجري في اتجاه البحر فقد كان الباعة الذين يتجمعون على طرفي الوادي يضطرون للوقوف طيلة النهار لتفادي مباغتتهم من طرف هذه السيول فصارت تسميةً لهذا السوق». و «كان السوق يضم ثلاثة أنواع من المحال، أولها «العماير» وهي المخازن الكبرى التي تتعاطى الأعمال التجارية بالجملة والمفرق، وتخزن مواد البناء والأغذية كالتمور والأرز إلى جانب محلات المشغولات اليدوية كالخياطة والنجارة، وإلى جانبهما كان هناك ما يعرف بـ «البسطات» وهي تلك التي كان يقيمها الباعة المحليون في الهواء الطلق

جانب آخر يتميز به السوق، ألا وهو حرصه على المحافظة على الفنون والتراث القطري الشعبي، خاصة في ظل وجود إذاعة «صوت الريان» التي تحرص على تشنيف آذان المستمعين طوال اليوم بقصائد من الشعر النبطي وبأشهر الأغاني الشعبية الخليجية والقطرية التي تكاد تندثر في ظل الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الفن الغنائي في كل العالم العربي، لتأتي هذه الإذاعة التي يسيرها شباب من خيرة أهل قطر من أجل إعادة الاعتبار للغناء الشعبي الذي تصدح به على مدار الساعة، بل ونجحت في تحويل سوق واقف إلى عاصمة للفن الشعبي الخليجي بعد أن شرعت في تنظيم مهرجان للأغنية الشعبية وصل هذا العام إلى محطته الخامسة بمناسبة عيد الأضحى المبارك الذي ودعناه قبل أيام وعرف مشاركة أشهر وأهم فناني الغناء الشعبي في قطر والسعودية واليمن.
فصوت الريان تعتبر خير معبر عن سياسة قطر في المجال الفني والتراثي، وقد نجحت إلى حد الساعة في تحقيق الأهداف المرسومة لها من خلال إعادة توثيق التراث الشعبي وحفظه للأجيال القادمة. وإلى جانبها ترتسم المحلات المتخصصة في بيع الأقراص المدمجة الخاصة بهذه الألوان الشعبية، وكذا المحلات المتخصصة في صناعة وتصليح الآلات الموسيقية خاصة آلة العود التي تعد عماد الجلسات الغنائية داخل مجالس أهل قطر في مختلف المناسبات.
ولأن التأثير الفني لا حدود له، فقد استنسخت المطاعم والمقاهي المقامة داخل السوق هذا الأسلوب، حيث تستقدم مطربين وفرقا موسيقية من أجل ترفيه روادها، فيما يتجمع هواة سماع الموسيقى والأغاني التراثية حولها، رغم أنها لم تعد تقتصر فقط على هذه الألوان الغنائية خاصة بعد أن دخلت أصناف أخرى إلى السوق بحكم توافد الجنسيات العربية، حيث تصدح في بعض الأحيان الموسيقى والأغاني المصرية أو اللبنانية، لكن دون أن تنزع عن المكان أصالته، خاصة أن المحلات التي تلجأ إلى هذه الأنواع الموسيقية تحرص على أن تتمتع أيضا بالأصالة حفاظا على جمالية المكان وإبعاده عن الابتذال الذي قد يسيء إليه
</I>