:nbptr:
سامي كليب:
هل كان هناك فروق كبيرة بين محمد الخامس والحسن الثاني في معاملتك؟
مليكة أوفقير:
لا، أبداً، ذكرياتي عن الملك محمد الخامس هي ذكريات الطفولة، إذ لم يكن يتجاوز سني الخامسة، وقد كانت وفاته بالنسبة لي حدثاً مفصلياً وصدمة كبيرة، أما من حيث أصول التربية فلا أعتقد بوجود فرق بينهما، ربما كان الملك محمد الخامس أكثر تواجداً من الملك الحسن الثاني.
سامي كليب:
يعني تقولين في الكتاب الذي وضعتيه في فرنسا مع الكاتبة (ميشيل فيترسي) أنه كان أكثر حضوراً بشكل يومي، وأنه كان يأتي إلى الدراسة، ويلعب معكما من وقت إلى آخر أكثر من الحسن الثاني.
مليكة أوفقير:
أجل، كان أكثر تواجداً في حياتنا اليومية، أي أنه كان يوقظنا صباحاً عند السادسة والنصف، كان يتناول معنا الفطور، يغادرنا، ثم يعود عند العاشرة، لكي يحضر أحد الدروس التي لم نكن متقدمين فيها، مثلاً دروس اللغة العربية التي كان يحضرها دوماً، وكان يشاركنا اللعب أيضاً، أما الملك الحسن الثاني فكان متواجداً، ولكن بقدر أقل.
سامي كليب:
سيدة مليكة ألاحظ أنك تفضلين الحديث طبعاً باللغة الفرنسية، هل كنت تتحدثين مع الملك محمد الخامس، ثم مع الملك الحسن الثاني بالفرنسية أم بالعربية؟
مليكة أوفقير:
لا، بالعربية، لأن الفرنسية كانت ممنوعة في القصر، على كل حال أول صفعة تلقيتها كانت بسبب تعليق قلته بالفرنسية، وربما أن الملك كان يعرف.
سامي كليب [مقاطعاً] :
الحسن الثاني.
مليكة أوفقير [مستأنفةً] :
أني أجد صعوبة في التعبير بالعربية، صفعني لأنه كان قد نبهني مراراً إلى ضرورة التحدث بالعربية، صحيح أننا كنا نملك حظ تعلم اللغتين العربية والفرنسية، ولكن بما أننا كنا نمضي معظم أوقاتنا مع مربية ألمانية تفرض علينا التحدث بلغتها، كنا نتكلم غالباً الفرنسية والألمانية.
سامي كليب:
كان أهلك يأتون لزيارتك بشكل يومي، أسبوعي، أم كانوا يتأخرون، وكانوا بالأحرى ممنوعين من المجيء في كل وقت؟
مليكة أوفقير:
ممنوعين لا، لكن كانت والدتي تزورني مرة في الشهر، وتمضي معنا وقت الغداء، غير أن الغداء كان يدور في جو رسمي، وبحضور المربية التي لم تكن تفطن إلى أني أحتاج إلى جلسة حميمة مع والدتي، وأني كنت بحاجة لأن تأخذني في أحضانها، وهذا كان ممنوعاً منعاً باتاً، إذن كنت أراها خلال ساعتي الغداء، أعود من بعدها إلى متابعة الدروس، أخواتي وأخوتي لم أكن أراهم إلا نادراً، مرة واحدة في السنة.
سامي كليب:
هل شعرت في لحظة معينة أن الحسن الثاني وزوجته قد حلا -فعلاً- مكان الوالدين، وأصبحت تشعرين بالنسبة لهما بنفس الحب؟
مليكة أوفقير:
الحديث عن كل هذا الماضي يوقظ مشاعر منسية، ويجعلني أكتشف أني غير قادرة على التخلص من عاطفة الحب التي ربطتني بهذه العائلة، عندما أفكر وأستبق أسئلتك حول المرحلة المؤلمة، أجد صعوبة في فهم أو قبول عاطفة الحب هذه.
سامي كليب:
طبعاً قرأنا في الكتاب الكثير من الأشياء عن الحياة داخل القصر، ولكن من الأشياء الأكثر مثاراً للغرابة هو الانقطاع بين الخارج والداخل، هل كنت تعلمين ما يحصل خارج القصر الملكي؟
مليكة أوفقير:
لا أبداً، أبداً، كنت أحيا داخل بوتقة، على كل حال لم أحتفظ سوى بذكريات الانتقال من قصر إلى قصر، وخلال كل مسافة الانتقال في السيارة كنت أبقى ملتصقة بالنافذة، كي أرى قليلاً كيف هي الحياة في الخارج، أو ما كانت تعنيه الحياة، والحرية خاصة.
سامي كليب:
تقولين الحرية، هل كنت تشعرين فعلاً أنك داخل سجن في القصر؟
مليكة أوفقير:
نعم، كانت لدي حاجة كبيرة إلى الحرية، أي أني كنت أحسد الناس خلال اللحظة القصيرة التي كنت أراهم -عبر النافذة- جالسين في المقاهي، أو متجولين -ببساطة- في الشوارع، بالنسبة لي كانت فرصة الذهاب لشراء الصحف المدنية -مرة في الأسبوع- تمثل فسحة كبيرة، بالرغم من أننا كنا ممنوعين من مغادرة السيارة، والتطلع حولنا، وكنت الوحيدة التي تجرؤ على ذلك، وعندما تعود المربية بالصحف كل هذه الصحف الممنوعة عليَّ، كان مجرد رؤيتها يمثل الحرية بالنسبة لي، لأني كنت أشعر أني منعزلة.
سامي كليب:
بعد القصر الملكي ذهبت إلى وسط العائلة، كيف كانت نظرة الناس إلى مليكة أوفقير الخارجة من القصر، وابنة محمد أوفقير؟
مليكة أوفقير:
عدت إلى منزلي مع شوق كبير لاستعادة حياة طبيعية، واكتشفت تدريجياً أنها ليست الحياة الطبيعية التي أنشدها، أمن مشدد، الكثير من البروتوكول، حراس أمام كل الأبواب، حراس في الداخل، هي تفاصيل ثانوية ربما، لكنها كانت مهمة جداً بالنسبة لي، ولم أكن أحتمل ضرورة المرور ببدالة للاتصال خارج البيت، إذن كان ذلك يمثل لي -مرة أخرى- حاجزاً بيني وبين الخارج، لكن -لحسن الحظ- كانت لدينا حياة عائلية، حيث كانت الأسرة تجتمع حول المائدة بحضور الوالد، والأخوة، والأخوات.