فهد .. وآنتهت رحلة أمريكآ بسجن آلحائر ...!

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
إنضم
6 سبتمبر 2010
المشاركات
468
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
1

" أنا شخص آنتهيت .. آنتهــيت ! "

هكذآ أجابني عند مقاطعتي له .. " فهد لسى باقي فرصة , ليه أنت كذآ ؟ "

أصر على تكراراها مرارا .. " أفهمني , أنا آنتهيت يآخي .. آنتهــيت ! .. ليه مو رآضي تحس فيني وتكون وآقعي لو مره بحياتك ؟! "

" فهد , كلنا نغلط .. وكلنا نتعلم دروس من الحياة .. حتى وإن كآنت غلطتك فآدحة - على الأقل بنظرك - هذي مهي النهاية يآخي ! .. ليه منت رآضي تكون متفآئل ؟؟ "



...


إنحنى برأسه وأخذ يضغط بكلتا يديه على رأسه معبراً عن إحباط شديد , سألني دون أن ينظر إلي .. " ممكن تخليني لحآلي "
خرجت وألم الحسرة على فهد قد طغى علي ..

إن لفهد قصة غريبة جداً , قد لا يصدقهآ إلآ من كآن شآهداً على أحدآثها بنفسه .. بل إني أعدها ضرباً من ضروب الخيال.

فهد , آسم من ثلاثة أحرف , نآبض بالحياة , ذكي , شهم لآ يرضى بأن يقف مكتوف الآيادي إطلآقاً.
أعرفه منذ أحد عشر عآماً , شخص ذو عقل إبتكآري , فهو مستشآري الخآص ونآصحي الآمين.

بدأت أحدآث قصة فهد تنسج خيوطهآ منذ بدآية صيف 2003 , كنآ آنذآك ندرس في المرحلة الأخيرة من الثآنوية العآمة . وللتو قد ودعنآ المدآرس إلى أحضآن الجآمعآت.

فهد - عآدل - تركي - سعود , كلهم كآنوآ من أغلى مآ خرجت به من التعليم العآم , لكنّي كنت أفضل فهد على البقية , لا أدري لماذآ ؟, علّها أسباب نفسية ..
يتملكني شعور بأنه يفهمني جيداً غير الجميع.

الكل سلك طريقه الخآص وبدأ يبحث عن مكآن منآسب يليق به , ومع ضغط البحث و الإنشغال بأمور الحياه إنقطعنا قليلاً عن بعضنآ البعض.

كآنت النتآئج الأولية تشير بأني سأبتعد عنهم قليلاً إلى جآمعة الملك فهد للبترول والمعادن , لكن سرعآن مآ تلخبطت الآورآق وانضم فهد لبرنامج الإبتعآث الخآرجي.

في أحد أيآم الإجآزة قبل بدء العآم الدرآسي الجديد , اجتمعنآ لآخر مره لنودع فهد.
تردد صدى عبارة " الله يذكر ذيك الأيام بالخير " .. في أرجاء إجتمآعنآ , فقد كآن اجتماعاً يعصف بالذكريآت الجميلة والقصص الطريفة التي حدثت أثنآء درآستنا سوياً.

بعد وجبة دسمة لذيذة جمعتنآ لآخر مره , حآن الجزء الصعب , لحظة الوآدع ..
يحتار المرء أيفرح لأن من يحب ذآهب إلى مستقبل مشرق .. أم يحزن لغيابهم وفقدانهم.
أخفيت في نفسي عبرآت , ترجمتها فقط على شكل إبتسآمة وأنا أتأمل المنظر الودي , فيما بقي الجميع يوصي فهد بشتى أنوآع الوصايآ حيث أن فهد خطف الآضوآء تلك الليلة , لأنه ببسآطة الأبعد.
سعود التحق بكلية الملك خآلد العسكرية , وعآدل التحق بجآمعة الملك سعود ضمن طلاب كلية الحقوق والأنظمة السياسية , وتركي توجه لكلية الطب , أمآ أنا وفهد كنا نحمل نفس التوجه .. الهندسة !.

مآ إن قرب موعد سفره , بآدرني بإتصآل ودآعي , أخبرني فيه بأني أفضل صديق له , وطلب مني الدعوآت بأن يكون التوفيق حليفاً له .
أبيت إلآ أن أكون حآضراً للحظة الأخيرة في المطآر , اتجهت إلى هنآك , كنت على المدخل الزجآجي لمطآر الملك خآلد .. اتصلت به.
خرج لي فآحتضنته بقوه , ثم دمعت عيآني قسراً علي , لم يحتمل بدوره فشآركني الدموع , كآن مشهداً مضحكاً ومبكي في آن وآحد .

أهديته بعض الوصآيآ الأخيرة التي لآ تختلف عن سآبقتهآ فقد حفظهآ من كثرة تكرآرآها عليه " احفظ الله يحفظك يا فهد " .. " الله الله بالصلآة وأنا أخوك " .. " لآ تصير سبك وتقعد تلآحق الشقر .. خلك ثقيل " ..

إنتهت اللحظة واستأذني بلطف أن يرجع إلى أهله , ورجعت أنا كذلك ...

كآن تفكيري منشل تمآمآ أثناء عودتي إلى المنزل , كنت ألوم نفسي كثيراً بأني لم أذهب مع فهد إلى أمريكآ , وتآرة أقول بأن جآمعة الملك فهد بالنسبة لي هي أمريكآ وهي طموح لا ينبغي أن يتسآهل معه كائن من كآن .
عند منتصف الليل اتصلت بفهد فوجدت بأن هآتفه مغلق .. علمت حينهآ أنه على متن طآئرته إلى أمريكآ , من يدري لعله قطع سآعة من أصل ستة عشر ساعة .

انقطعت أخبار فهد عني كما هو الحال مع بقية الزملآء , رأيت أنه من الأفضل لي أنا أغادر إلى المنطقة الشرقية حيث إلى جآمعة الملك فهد للبترول والمعادن ..

وبالفعل توجهت إلى المنطقة الشرقية بعد يومين من سفر فهد ..
كنت قد خرجت من مقر إقامتي في مدينة الخبر في حدود السآعة الرآبعة عصراً , فضلت زيآرة الوآجهة البحرية وحيداً , تذكرت فهد بإشتيآق , فآتصلت به دون أن أراعي فآرق التوقيت ..

لم أحصل على إجآبة , فكررت الإتصآل .. أجآب فهد بصوت مخنوق ..

" هلآ والله "

" hello يا أمريكي "

ضحكة خفيفة للمجآملة تلتهآ

" هلآ أبو عبدالعزيز "

" كيف حآلك يآ فهد وش فيه صوتك كذآ ؟ "

" والله بخير يماللخير .. لا والله كنت نآيم شوي "

" sleep العوآفي .. رآح أكلمك بعدين وآسف على الإزعاج .. "

فضلت أن انهي المكآلمة سريعاً .. حتى لآ يفيق عقله البآطن من نومه الثقيل .

كآنت الكآبة قد تملكتني ذلك اليوم .. عدت إلى سكني والوحدة تكآد أن تقتلني ..

كنت إنتظر صلآة العشاء بفآرغ الصبر , حتى أنهي يومي الحآفل بالوحدة والكآبة , أثناء جلوسي لمتعابة برنآمج تلفزيوني إتصل فهد ..

فرحت وأجبت كالعآدة

" عمر يتحدث .. may I help you ?

" yes please .. two beef combo super size "

" sorry we don't deliver to america "

" from here or here ? "

فقلت : " تقصد منا وإلا منا ؟ " وضحكت كثيراً ..

ضحك ثم أردف .. " وش أخبآرك يا بو عبدالعزيز ؟ "

" أنا بألف صحة , والحين بالخبر .. أنت كيفك وكيف أيام الغربة معك ؟"

" لا أبشرك , فيه سعوديين والنعم فيهم وفيه عرب وفيه أمريكيين "


" سبحآن الله ؟! .. وش جآب الأمريكيين في أمريكا ؟ .. متأكد يآ فهد إن فيه أمريكيين ؟ "

ضحك بصوت مرتفع .. وتابع .. ما تخلي طبعك يا عمر..
أكلمنا تبآدل الأخبار , علمت أن يومه الأول سيكون بعد أسبوع من الآن , وهو في صدد أن يكتشف المدينة ومعآلمهآ مع الطلآب المبتعثين هنآك .

حذرته من العرب هنآك , حيث أن مصدري كآن عم لي عآش في ولاية " مآنيسوتآ " مدة تقآرب الست أعوآم .

فأجآب بأنه قد أخذ كآمل الإحتيآطآت , وأنه على قدر كبير من الوعي ..

إنتهت المكآلمة بيننآ بصآدق الدعوآت مني له .. كمآ شدد على أن أتصل به بين فترة وأخرى فأنا أخوه الرآبع كمآ كآن يقول ...



يتبع ,,,
 
إنضم
6 سبتمبر 2010
المشاركات
468
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
رد : فهد .. وآنتهت رحلة أمريكآ بسجن آلحائر ...!

2
بدأ العآم الدرآسي , وبدأت في دخول كآبوس بترولي شنيع , حيث أن جآمعة البترول تعتمد على نظآم السنة التحضيرية , والتي تعد شرطاً من شروط الإلتحآق بالجآمعة .
كآن التنآفس على أشده ورغبتي في عدم الطرد , جعلتني رفيقاً للكتب بشكل مخيف .
ومما زآد رهآب الطرد في داخلي , هو أن الجآمعة تعتمد في توزيع الدرجآت على نظآم يطلقون عليه نظآم " Average" أي أن درجة أي طالب معين ستحدد مقآرنة بمستوى جميع الطلاب معه !
ممآ يعني إذآ كآن الطلآب متميزين درآسياً , سيصبح وضعي أنا في خطر !.


" في أمريكآ "

لم يفق فهد من سكرة الإنبهآر بمعآلم "سيآتل" , وهذآ شيء طبيعي لشخص لم يخرج طوآل حيآته من أرض الرياض .
كآن فهد قد انضم لمجموعة من السعوديين مكونة من أربعة أشخآص سبقوآ فهد بالقدوم إلى هنآك بأعوآم , ترسخت لديهم أفكآر غريبة جداً , أكآد أجزم بأنهم مثل فهد , خروجهم الآول من أرض المملكة كآن لامريكآ .
ولآ عجب أن يقتحم فهد تلك المجموعة , فكآنوآ هم من يصطحبه إلى أماكن البآرآت والسينمآ والمعآلم السيآحية بشتى أنوآعهآ .
أخبروآ فهد بأن الدرآسة في أمريكآ سهلة , وأن ذلك ديدنهم لأعوآم , ولم يضرهم ذلك شيئاً.
كمآ أخبرني فهد عنهم على لسآنه في أحد المحآدثآت التي تمت بيني وبينه عن طريق برنآمج المآسنجر منتصف الفصل الدرآسي حيث كآن يخرج لي شيئآ كتمه في صدره .

" والله لو أقولك ياعمر, أمس رحت لبآر لأول مره بحيآتي , بس والله مدري حسيت بشي غريب .. حسيت بتآنيب ضمير , جلست بعد مآ رجعت مدري وش أسوي , ضآقت بي الدنيآ .. حتى إني بكيت بعدهآ غصب علي "

" آفآآآآ .. وش دعوة ؟ .. بآر وأنا أخوك ؟! .. أكيد بتحس بشي غريب , هذآ يخآلف فطرتك يآخي .. فهد , تذكر يآخي إن ورآك مستقبل ورآك أبوك وأمك اللي ينتظرونك ترفع روسهم .. اترك عنك البارآت وأمآكن أنت أرفع منهآ بكثير وأرفع من اللي يجونهآ "
عآد فهد لمحآولة تخفيف وطأة تأنيب الضمير ..
"بس ترى والله مآ سويت شي , يآخي الحمدلله أنا أحسن من غيري , طلال ونايف أمس سكروآ ! "

" ما شاء الله وأنت تنتظر لمين تسكر أنت بعد ؟! .. يا فهد من حآم حول الحمى يوشك أن يقع فيه "


" أبو العز تكفى لآ تزيد همي همين "

" شف بصرآحة , أخويآك ذولي مآ حبيتهم أبد .. والصرآحة شكلهم ألعن من العرب اللي كنت أحذرك منهم "

" عمر , أنا ذيب بس دعوآتك إني أمشي بدرآستي "
ثم أردف :

" أبو العز خلنا نغير الموضوع تكفى "

" إلا أقول , وش رآيك تجيني بالصيف الجآي ؟! .. هآه وش قلت ؟"

" والله إنهآ مهيب شينة أبد , بس يبي لهآ فيزآ وقلة حيآ وشكلي بآخذ صيفي "

" أنت فكر فيهآ وترى قدآمك وقت طويل , تعآل يآخي خذ لغة ثلاث شهور بالصيف وأرجع "

" خلهآ بوقتهآ .. "

لآ أنكر بأني أعجبت تمآمآ بفكرة فهد , سرعآن مآ نسيتهآ لحين موعدهآ المنآسب .


إنخرط فهد بدرآسته , كآنت نتآئجه الأولى تبشر بالخير , فهد ذكي وسريع البديهة والتعلم , اندهشت كثيرآ حينمآ رأيت التطور الكبير بطلآقة لسآنه باللغة الإنجليزية .
فقد كآن ذلك تحدٍ بيني وبينه , كنت أغبطه على ذلك , فعآمل اللغة مرتبط بعآمل الممآرسة التي تكآد تكون معدومة هنآ في المملكة .

أخبرني فهد بأنه يفكر جدياً بدعوة العآئلة التي يسكن معهم إلى الإسلآم , شجعته كثيراً على ذلك , لكني طلبت منه التريث , فالأمر ليس سهلاً كمآ كآن يعتقد .

كآن يخبرني كثيرآ وبالتفصيل الممل عنهم .

Smith .. هو الأب , طآعن في السن , لكنه قوي البنية , يستطيع أن يهزم رجلاً في الثلآثين من عمره .

Luise .. هي الأم , طآعنه في السن أيضاً , لطيفة جداً , أحبت فهد كثيراً لأنه غير مزعج , بالإضآفة إلى أنه لآ يستفيد تمآمآ من كآمل حقوقه . كإستخدآم الأجهزة والأكل وغيره ..

Tom.. في العشرينآت من عمره , يدرس في جآمعة أخرى بولآية "L.A" لم يسبق لفهد رؤيته .. لكنه شآهد الألبوم الخآص بالعائلة ومن ضمنهآ الكثير من الصور الخآصة بـ Tom

.. Lindaهي الإبنة , لم يتسنى لهآ دخول الجآمعة ففضلت العمل .

على الرغم من أن فهد أكد أكثر من مره , أن أختلاطه بهم قليل جداً , لكنه بالفعل أخبرني الكثير من القصص التي تبين مدى حبهم له بعد عدة أشهر من إقتحامه لمنزلهم الخشبي.

وهذآ ما دفعه للتفكير جدياً بدعوتهم إلى الإسلام , أو لزيارة المملكة .

عموماً , إنقطعت أخبار فهد عني في أمريكا , مشآغل الحياة كآنت تنسيني حتى نفسي. لآ سيمآ حينمآ تكون فردآ يرتمي بأحضآن جآمعة تعتمد على سياسة " الضغط يولد الإبدآع " .

قل دخولي لعآلم الإنترنت , الفيس بوك , الماسنجر , الهوتميل , وكل مآ يربطني بالعآلم .

وأعتقد أن فهد كآن مثلي , سيآتل مدينة رآئعة , لا يجب أن تجلس في مكآن وآحد كل اليوم , فهنآك الكثير من الأمآكن والأشياء التي يجب عليك أن تنبهر بهآ أكثر .

الآن سأتوقف عن روآية قصة فهد , لأن الأحدآث التي عآيشتها مع فهد قد توقفت , ومن الآن وصآعدآ سأكتب لكم قصة فهد كمآ يرويها هو بنفسه...



يتبع ,,,
 
إنضم
6 سبتمبر 2010
المشاركات
468
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
رد : فهد .. وآنتهت رحلة أمريكآ بسجن آلحائر ...!

القصة واقعية

حزنت جدا عندما قرأت هالقصة هذا حال شباب المسلمين بعد هجمات 11 سبتمبر على امريكا
 
إنضم
6 سبتمبر 2010
المشاركات
468
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
رد : فهد .. وآنتهت رحلة أمريكآ بسجن آلحائر ...!

3

يقول فهد :

" أمريكآ , والحلم يتحقق ! "

قدومي إلى أمريكآ لم يكن بالأمر الهيّن إطلاقاً , كآنت هنآك المئآت من العقبآت , لكن سبحآن من قضا وقدر . أصعب عقبة في طريقي كآنت أمي - رحمهآ الله تعآلى - تنآزلت في سبيل عدم إعترآض رغبتي الجآمحة للدرآسة خآرجاً.

المهم , أني بالفعل تجآوزت كل الظروف المحيطة بي , وأصبحت زيآرتي لأمريكآ وشيكة , البلد الذي طالما حلمت بأن أرآه.

دعوني أخبركم سراً , أنا لم أخرج لأي بلد في حيآتي , أبعد منطقة إستطعت الوصول لهآ هي مكة المكرمة.
شعور مختلط يتصآرع في دآخلي حينما علمت بالموآفقه , فرحة الخروج لأبعد نقطة , وخوف يتملكني من التحليق إلى المجهول .
سأتجآوز كل هذآ , لإقف على مشهد آلمني كثيراً .. مشهد المطآر ...
لحظآت الودآع مريرة , لم أحتملها بنفسي ...

أفتقد كثيراً حضن أمي الدآفىء , شعرت بهآ وهي تبكي وتضمني بقوة .. أحسست بخفقآن قلبهآ الأبيض الطآهر ..

كنت أستمع لوصآيآهآ , وأحس برجفآت قلبهآ .. رأيت دموعهآ فخآرت قوآي .

طلبت منهآ أن لآ تفعل ذلك . وأكدت على أن دمعتها أغلى من جامعات أمريكا بمن فيها.
حتى أبي , ذلك الرمز الرجولي في بيتنآ , فهو أشبه بمثآبة الحآكم .. قوة شخصيته والهيبة التي رسمهآ في بيتنآ تزلزلت بمجرد ودآع ابنه .

لم أرى دمعة أبي في حيآتي سوى مرتين .. إحدآهما حين وفآة أمه رحمهآ الله , والأخرى لحظة ودآعي.
قبلت يده وجيبنه , وقآل لي بصوت لا أجد له وصفآ .. اسمع يآ ولدي :

" أنت عآرف إنك رآيح لمكآن بعيد عنآ , وتقدر تسوي اللي تبيه .. صح يآ ولدي إني كنت أضغط عليك كثيير .. وكنت أمنعك من السفر مع أخويآك وغيرهم ..
بس ترى يآ ولدي هذآ بمصلحتك .. أنت شعرة قلبي يآ فهد , أخآف عليك حتى وأنت طالع للمسجد من أي شي .. وأنا أبوك أبيك ترفع رآسي بين الرجآل هذي أمآنة يآ فهد .. "

كلمآت أبي حملتني شيئاً ثقيلاً .. عبآرة " هذي أمآنة يآ فهد " كآنت تتردد كثيراً علي بين الفينة والأخرى , وهذآ سبب تعذيبي في أمريكآ حآلمآ أقوم بعمل ينآفي مآ أحس به .

أخي مشعل , لم أعلم أن حوآجز الكبيرياء الوهمية ستتطحم وتهوي حينمآ تحن اللحظآت الصآدقة !
كنت على خلآف حآد مع أخي قبل السفر بيومين .
لم تحصل بيننآ أية محآدثة إطلاقاً بعدهآ .. في المطآر , تغير ذلك , رأيت مشعل الأخ الحقيقي !
قبل رأسي وأعتذر , بل ذرف الدموع التي حآول أن يخفيهآ عني .
وبآدر بدعوآت صآدقة , أحسست به .. وكآنه يريد إخبآري أن مآ يحدث بيننآ لآ يمكن أن يفرق بيننآ مهمآ كآن !
تلك الروآبط الأسرية ظهرت على حقيقتهآ في مطآر الملك خآلد ! .. هذآ مآ يجب أن نكون عليه دآئمآ .. لكننآ نخفي تلك المشآعر التي نكنّهآ لبعضنآ البعض لحين حدوث شيئآ مآ !
وأجهل تمآمآ سر هذآ التوفير .. قد أفسره بأننا نعيش كبرياء غريب , مزيف يدعى غآلبآ بـ " الكرآمة " !

نآدى المنآدي , أن بوآبة الطائرة المغادرة لأمريكآ ستفتح آلآن ..
فقلت في نفسي ودآعآ للكبت , ودآعآ للرياض ..
الآن ستفتح لي بوآبة الرجولة والخروج عن سيطرة أهلي و افعل ولا تفعل !
نظرت إلى البوابة .. كآنت أجمل بوآبة رأيتها .. بوآبة المسؤولية , وحلاوة الشعور بالقيآدة الذآتية.
امض يآ فهد , لتجرب ذلك الإحسآس الذي أردته وكآفحت من أجله , وانتصرت له .

اعترآني خوف شديد , لمصير مجهول .. فأنا لا أملك الأدوآت الكآفية من لغة أو حسن تدبير لإنعدآم خبرتي في تلك الأمور .

لكنّي تغلبت ومضيت بخطى متثآقلة أجر بهآ حقيبتي إلى مآ كنت أعتقد بأنه سعآدتي .

توجهت إلى الطآئرة " بوينج " , وقد أصآبني الذعر حينما بدت الأمور أكثر جديّة .. لا رجعه الآن ..

حالمآ أنهيت الإجرآءآت الأخيرة , توجهت إلى مقعدي مبآشرة ... القيت بجسدي المحمل بالهموم على مقعدي " c-13

ثم أخذت نفساًً عميقاً .. وأغمضت عينآي , كنت أرتعد كثيراً .. حآولت أن اتناسى هذآ الشعور القآتل ..

أخذت أطل على عربآت التموين وعربآت شحن الأمتعة من نآفذتي الصغيرة .. إلى أن قطع فكري شخص لا أعرفه ..

كآن وسيماً , وذو ابتسامة رائعة .. بآدرني بالسلام .. فرددت ذلك , ثم استأذن بلطف أن يجلس بجآنبي مع أنه المقعد المخصص له ... وبالمناسبة هذآ تصرف غريب من شخص يحمل الجوآز الأخضر ...
رحبت بذلك .. ثم اعترآني صمت ..لا أدري مآذآ اقول .. لكني أتذكر أني مآ زلت احتفظ بإبتسامة صفراء .
حآول أن يلطف الموقف , فقآل لي مبتعث أكيد ؟ .. هززت رأسي بالإيجآب .. وقلت: مبتعث وأول مره أركب طيآره دولية ..

فأبدى علامآت التعجب .. "آوووه , جديد ؟؟.. على البركة .. معك طلآل أنا مبتعث مثلك .. بس أنا لي سنتين في أمريكآ .. "
أحببت طلآل هذآ .. لأنه كسر حآجز الصمت , وأخرجني من تفكير ورحلة طويلة ستمتد لـ ست عشرة ساعة مع الوسوآس .

قلت له .." مآ شآء الله تبآرك الله , معك فهد.. "

" إلا مآ قلت لي بأي ولاية رآيح تدرس ؟ "

" سيآتل "

" أجل رحلتنا وحده .. أنا رآيح سياتل وأدرس فيها .. يآخي ديرة تفتح النفس "

" الصراحه حمستني كثير .. بس والله إني خآيف , تعرف أول مره "

ابتسم ... " لا مآ عليك يآ فهد .. أنا معك وأعتبرني أخوك , وإن شاء الله ما رآح أقصر معك "

لا أدري لماذآ حينها تذكرت دعوة أمي الأخيرة لي في المطآر

" رح يآ وليدي الله يسخر لك عبيده .. "

سبحآن الله .. أحسست أن طلال أحد الذين سخرهم الله لي , لخدمتي والوقوف معي !
قلت في نفسي حينها .. الله يجزآك خير يآ يمه .. وأقسمت أني سأخبرها بمآ حصل ..

بعد رحلة طويلة , تعرفت فيها على طلال , واستمعت إلى قصص كثيرة عنه وعن أصدقاءه في أمريكا , شعرت بالأرتياح ..
وصلنا إلى " نيويورك " .. كان الجو شديد البرودة , قال لي طلال لنتشمى قليلاً في المطار ريثما يعلنون عن رحلتنا القادمة إلى سياتل ..
شعور رائع جداً , وأنا أمشي بين جنبات مطار نيويورك الكبير .. أحسست بالثقه الكبيرة ..
كان طلال قد تولى مهمة أخباري معلومات شيقة عن المطار وعن قصصه الطريفة التي حدثت له في هذا المطار أثناء رحلاته السابقه ..

توقفنا عند أحد محلات القهوة العالمية , واسترحنا هناك نرتشف القهوة الدافئة اللذيذه ..
سألني طلال ضاحكاً ..
" كيف قهوة أمريكا والله أطلق .. والا ؟؟ "

أكدت ذلك بضحكة خفيفة ..

ثم أخذني طلال في جولة سريعة إلى السوق الحرة في مطار نيويورك .. استطيع القول أن مطاراتنا متخلفة إلى درجة يستحيل معها أن تلحق بالركب !

شيء أخّاذ ولا يمكن أن يوصف .. أخذني الحماس فاشتريت لي بعض القطع الرجالية ..
عدنا إلى صالة الإنتظار , وغفوت قليلاً إلى أن أيقظني طلال , فموعد الرحلة قد حان .

أكملنا طريقنا إلى سياتل ..

بعد أن وصلنا إلى هناك , كانت الرهبة أخف مما هي عليه في نيويورك , أنهيت جميع أجرائاتي بتوجيه مباشر من طلال ..
حيث أنه المتحدث الرسمي بالنيابة عني ..

أتقن التحدث بالانجليزية , لكني لا أدري لماذا حينما أنطق بها .. تكون إجاباتهم بـ " sorry ?? "

فتركت الحديث مع الغرباء لطلال ..

توجهت إلى بوابات المطار لأجد شخصاً عربياً يحمل لافته عليها اسمي .. فأخبرني طلال أن هذي ليست النهاية بيننا .. فنحن ندرس في نفس الجامعة والمؤكد أنه سيراني بالقريب العاجل .
حصلت على جميع أرقامه وأخذ بدوره رقمي ..

اتجهت لذلك العربي وسلمت عليه , فرحب بي كثيرا و أخبرني أنه سيأخذني لمقر إقامتي ..
في الطريق كنت شديد الإنبهار بأمريكا , كنا ذاك العربي ملتحٍ .. وتظهر فيه سمات الدين ..
جائتني وساوس الشيطان في داخلي كصوت مسموع !

" تخيل يمسكونك الحين معه بتهمة إنكم إرهابيين ! .. يا حبيبي من بيفكك وأنت توك جاي ولا تعرف شي .. تخيل تروح للسجن الحين .. يععععع ! "

توترت قليلا .. لكنه كان يقطع حبل أفكاري بأسئلة كثيرة ,

كيف السعودية ؟
وشلون شفت الرحلة ؟
أول مره تجي هنا ؟
أكيد خايف بس شوي حتى تتأقلم وما تقدر تترك أمريكا ..
كنت أجيب تارة , وأستمع له تارة أخرى ..

وصلنا بعد مسافة زمنية تقدر بساعة تقريبا .. إلى حي منظم ومنسق ..
خضرة أخآذه .. وتنظيم رائع , وجو مليء بالسحب اللطيفة , وشمس ذات حرارة منخفضة .
كان نتخطى المنازل بسرعة منخفضة جداً .. كنت التفت يمنة ويسره بشكل ملفت ..
وكنت المح أن العربي يتبسم مؤكداً لي أن أتصرف بسجيتي حتى أعتاد على هذه الأمور..
الأطفال يلعبون هنا بشكل مرتب , وعلى اليسار امراءة شقراء سمينه تحمل الكثير من الأكياس من داخل سيارتها إلى المنزل

وهنا رجل يركض ذو جسم متناسق , يضع في أذنية سماعات صغيرة ..

أدهشني هذا المنظر .. دون أن يلتفت أحد لنا أو يعيرنا أي اهتمام ..
فتذكرت أحيائنا .. رحم الله الحال !
إن سلمت من مياه المجاري لم تسلم من الحفر ..
وإن سلمت من " لقافة " الأطفال , لم تسلم من نظرآت الكبار !

استوقف العربي سيارته أمام منزل خشبي , ابيض اللون , يتوسط أرض خضراء ..

يحيط به سور خشبي أبيض قصير وعلى شكل أسهم إلى الأعلى ..

أطفأ المحرك .. فالتفت إليه مبدياً علامة استفهام .. فبادر .. الحمدلله على السلامة هذا هو البيت المخصص لسكنك ..
فور توقفنا خرجت لنا عجوز طاعنة في السن ...


يتبع ,,,
 
إنضم
6 سبتمبر 2010
المشاركات
468
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
رد : فهد .. وآنتهت رحلة أمريكآ بسجن آلحائر ...!

4


همس لي صاحبي العربي هيا بنا ..
سلم عليها ثم سلمت أنا .. أخبرها صاحبي العربي :
" This is Fahad "
رحبت بي بقولها :
" hello fahad , nice to meet you "
وقلت لها أنا تماما مثل ما قالته لي ...
طلبت مني الدخول , وحاولت حمل حقيبتي الثقيله , لكني منعتها بقولي :
" mam , I can handle this , please "

ابتسمت لي وقالت لي كلاماً لم أفهمه طلبت من صآحبي أن يترجمه .. فأخبرني أنها تقول .. هي بالفعل كبيرة بس , لكن قوية وتستطيع أن تحملك مع الحقيبة

فضحكت لخفة ظلها , مع أن " نكتتها " قد " بردت كثيراً "

دخلت المنزل .. ولا أدري لماذا خطرت ببالي عبارة " البساطة .. سر النجاح "
منزل بسيط لكنه رائع حقاً ..
كان الأب الطاعن قد وقف راسما ابتسامة كبيرة على محياه , وبجانبه فتاة في سني تقريبا .. شقراء فاتنة لمحتها بسرعة , ما إن صرفت نظري إلى الأب وركزت عليه !
أنبني ضميري وردد : أيها الأحمق .. أنت لست في السعودية .. متع ناظريك !
صآفحت الأب , وأخذ يقول لي كلمات الترحيب ..
ثم تقدمت ليندا , وسلمت علي , فكاد يغشى علي !
لأول مره أصافح فتاة .. طراوة يدها جعلتني ممسكاً بها لفترة .. فضحكت وقالت كلاماً لم أفهمه ..
فبادر صاحبي العربي بالترجمة ..
قلت له أن يخبرهم أني أعرف الانجليزية لكني أريد منهم التحدث معي ببطىء وأن يحاولوا فهمي ..
وبعد أن أخبرهم بذلك .. قالوا له بأن ذلك ما سيحدث فهم اعتادوا على الطلاب في بيتهم وخاصة ممن لا يتقنون الانجليزية ..
أخذوني لغرفتي .. كانت في غاية الروعة والترتيب , هناك فرق شاسع بين غرفتي في الرياض وغرفتي في سياتل !
ثم قال لي صاحبي العربي أنه سيذهب الآن وسيأتي في الغد ليأخذني بجولة تعريفية على المدينة ومن بعد غد سيأخذني إلى المعهد والجامعة .. وبهذا تنتهي مهمته وسيتعين علي إعطاءه مبلغاً من المال , فقد اتفقت معه على ذلك من الرياض عن طريق أحد المواقع الشهيرة الخاصة بالمبتعثين..

خرجوا من غرفتي وبقيت أنا .. استلقيت على سريري العريض .. وأدخلت كمية كبيرة من الهواء إلى داخلي .. ثم أخرجته ببطء حتى أزيل التوتر قدر الإمكان ..
لا أدري كيف انخرطت في نوم عميق ..
أثناء نومي دخلت تلك العجوز غرفتي .. ويبدو لي أنها هي من وضعت الغطاء فوقي ..
وهي التي خلعت حذائي أكرمكم الله ..
بل إنها رتبت ملابسي في الأدراج المهيئة لذلك ..
أحلام متداخلة كنت أرها في منامي .. لم يكن نومي مريح ..
كنت استيقظ كل ساعتين ما أن أعود لمتابعة النوم مجددا ..
وبعد ما يقارب الاثني عشر ساعة .. كنت قد اخذت كفايتي من النوم ..
بقيت ممددا على فراشي الوثير .. لمدة طويلة ..
بعدها قررت أن اتحرك ..
كان الوقت ما زال يوحي أننا في الصباح الباكر .. فتحت باب الغرفة فوجدت ورقة صغيرة ملقاة أمام الباب مكتوبة باللغة الانجليزية ..

welcome home fahad .. take your shower and eat your meal dwon stair

استحممت ونزلت أتجول في المنزل .. كنت أقول في نفسي .. ما أجمل هذا المكان ..
أحسست بأني في فيلم أمريكي ...
وبدأت أعيش اللحظة بكامل تفاصيلها .. تخيلت أني ابن لهذه العائلة وأني أتقن الانجليزية .. وبدأت أسرح بخيالات جميلة أقرب ما تكون إلى أحلام اليقظة ..
رأيت وجبتي مغلفة بشكل جيد .. كانت عبارة عن ساندويتشات مصنوعة في المنزل ..
وبجانبها ورقة صغيرة ..
مكتوب في الورقة .. لا تخف أعرف بأنك مسلم وهذا الأكل لا يحتوي على لحم الخنزير ..
سميت وتناولت طعامي كأني لم آكل لمدة شهر من شدة الجوع ..
وبعد انتهائي نظفت المكان وبالمناسبة لم اعتد على ذلك .. لكني احببت أن أنقل لهم صورة جيدة عني ..
عدت إلى غرفتي وأخرجت كتاب أقرأه عن كيفية تعلم الانجليزية ..
لا أخفي عليكم أني شعرت بالملل فقررت الخروج من المنزل ....

يتبع ,,,
 
إنضم
6 سبتمبر 2010
المشاركات
468
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
رد : فهد .. وآنتهت رحلة أمريكآ بسجن آلحائر ...!

5

خرجت من المنزل , لا أدري أين اتجه ..
وقفت على حافة رصيف الحي .. كنت على مفترق طريقين , يمنة أم يسرة ..
من السخرية أن تكون مجبراً على أن تختار بين أمرين لا تدري أي منهما سيأخذك إلى أين !
انتظرت دقيقة لأختار , فتوكلت على الله وسلكت اليسار..
أخذت انظر إلى نور الصباح بإندهاش , سبحان من صنع هذه الأرض ..
هدوء وسكينة , وذهن صافٍ يتأمل ..
تذكرت حيّنا بإشتياق حيث ابن الجار سعد , وهناك خالد , ومنزل العم علي ..
صحيح أن حينا أقل تنظيما بكثير .. لكن الروابط بين جيران الحي كانت كبيرة إلى حدً ما ..
في ظل التبحر والإشتياق قادتني قدمي إلى مركز تسوق للمواد الغذائية مفتوح طوال اليوم ..
ذهبت إلى هناك يدفعني فضول , وخوف .. قد يستاءل المرء لم الخوف ؟
لكن هذا ما كنت أشعر به ...
اشتريت لي مشروباً بارد , وفطيرة صغيرة .. ثم فكرت أن اشتري لمنزلي الجديد شيئاً ما ..
فانا ابنهم وفردا منهم الآن..
حاولت أن اتذكر كيف وصلت إلى هنا فلم استطع .. أصبت برهبة ..
حاولت أن اهدىء من روعي , ثم قلت سأسير حتى تقذفني الطرق إلى منزلي ..
كنت أسير محاولاً التذكر ..
إلى أن رأيت رجلاً كبيراً في السن , فقلت حسناً .. استفسر منه فهو ليس إلا رجل عجوز .. لا داعي للخوف !
توكلت على الله .. وقلت اللهم اكفنيه بما شئت .. ثم قلت له صباح الخير يا سيدي ..
فاجاب صباح الخير ..
" عفواً .. هل تعلم أين منزل السيد smith ? "
" لا لست أعلم "
" سيدي , لديهم ابنة اسمها ليندا "
" نعم نعم لقد عرفت المنزل المنشود .. تقصد منزل لويز التي تؤي الغرباء "

صدمت حالما أجابني , علمت أنه عنصري .. فقلت له .. نعم إنها هي ..
أعطاني الطريق الصحيح ..
ثم شكرته على معروفه .. واتجهت اجر الخطى لبيتي ..
وجدت العمة لويز واقفة على الباب , قد غطت نفسها بغطاء من الصوف .. كانت تنتظرني وهي خائفة ..

حالما وصلت حييتها ..
" صباح الخير سيدة لويز "
" صباح الخير فهد " ثم قالت .. " أين أنت ؟ .. لمَ لم تضع ورقة تخبرني إلى أين وجهتك "

لم أفهم حرفياً كلامها , لكني علمت المقصد منه , فقلت ضاحكاً ..
" سيدة لويز , حينما خرجت لم أكن أعلم أين سأتجه ! "
ثم بينت لي أن هذا خطأ , ويجب أن أضع معلومات كافيه دائما عني ..
اعتذرت لها , وقلت إن هذه الأكياس التي أحملها هدية كي تسامحيني ..

ابتسمت , ارادت أن تضمني إلى صدرها , لكنها امتنعت خوفا مني ..
كثيراً ما يؤمنون هم بالعاطفة , ويزرعون عاطفتهم في ابنائهم , أن تضم ابنك لصدرك هذا قد يحسس ابنك بأهميته لديك ..

دخلت المنزل ورأيت أن الأب قد تناول طعام الإفطار , فحييته وأجاب التحية كما دعاني لا تناول إفطاري الخاص ..
أحضرت لي العمة لويز طعامي .. بيضتين مقلية وكأس من عصير البرتقال المنعش وقطعة من الخبز المحمص اللذيذ ..

كنت أرقب بشوق ليندا .. لا أعلم هل أنا في طور الأعجاب ! ..
لأن هذا ما كنت اخشاه حقاً !
فأنا هنا لست لإعيش مع الفتيات قصص الغرآم ! .. أنا هنا لأدرس ..

سألت مدعياً براءة .. أين ليندا سيد سميث ؟!

أخبرني أنها تناولت طعام الإفطار وذهبت إلى عملها .. فهي تعمل في شركة للتصاميم وفي المساء كنادلة في المطعم القريب ..

أصبت بإحباط .. لن أراها إلا في المساء .. ثم صرخت في دآخلي !
أيها الأحمق !.. ماذا تفعل ؟!
لا شأن لك بـ ليندا ! .. أنت غريب كن فقط مع نفسك !
استعذت بالله من الشيطان .. وحكمت عقلي , وقلت من الآن ليس لي شأن بـ ليندا !

جاءت العمة لويز .. ودعتني بعد الإفطار إلى كوب من الشاي الساخن في غرفة الضيوف ..
أما العم سميث .. فقد ذهب إلى عمله , مقبلاً زوجته أمامي في مشهد لم أعتد عليه إطلاقاً !
جاءني هاجس ذو حس كوميدي .. " تخيل أبوك وأميمتك يسوون هالحركات قدامك كذا "
فضحكت في داخلي بقووة !
كنا نشاهد التلفاز أنا ولويز .. كانت تسألني عن المملكة وعن أهلي .. كم هو ترتيبي بين الأهل ..
وأشياء أخرى عن المجتمع بشكل عام ..
كنت أحياناً استعين بالقاموس الإلكتروني لأوصل لها ما أريد .. أخبرتني أن ذلك طبيعي وأن لا أخجل ..
فقد كانت تساعدني كثيراً في تصحيح قواعد الإنجليزية التي أخطىء بها ..

إلى أن جاء صاحبي العربي في حدود الساعة التاسعة صباحاً .. فاستئذنت من لويز بالمغادرة , وقالت لي إني مهذب بدرجة فوق الوصف .. ثم ضحكت وقالت ليس عليك فعل هذا ..

ركبت مع ياسر في سيارته الفان , كنت مرتحاً جداً .. لأن يآسر كان متديناً وتظهر في سمات الصلاح ..
هذا بالإضافة إلى أنه كان قد أدار شريطاً لأحد المشائخ يتلو القرآن ونحن في الطريق ...
كان يخبرني عن مواقع المستشفيات والمدارس والأسواق وغير ذلك من معالم المدينة ..
مررنا بالقرب من برج كبير .. أخذني الحماس فبدأت بإلتقاط الصور التذكارية ..
امتد تجوالنا لثلاث ساعات مشوقة ..
ثم ذهبنا إلى أحد المطاعم المشهورة , لتناول الغداء ..
أخبرني ياسر حالما أدخل أي مطعم , أقول لهم بأني يهودي !!
استنكرت ذلك في داخلي بشدة .. لكنه أكمل , لأن اليهود لا يأكلون الخنزير ..
فأعجبت بالحيلة .. وعقدت العزم على أن أدعي ذلك حتى اسلم من لحم الخنزير ومشتقاته ..

بعد الغداء ذهبنا إلى أحد مراكز التسوق , فقد طلبت من ياسر ذلك ..
تذكرت الحبيبة أم فهد .. ذهبت لأنتقي لها أجمل هدية في سياتل ...
اشتريت لها وشاحاً رائع , وشنطة نسائية ظننت أنها ستفرح بها ...

مر بي ياسر بأحد المساجد .. فصلينا الظهر بعدما أخرنها كثيراً , ثم أكملنا مشوارنا في التنزه ..
أعجبت بروعة المدينة ..
سكان سياتل طيبون .. لكن ياسر شدد على أن فيهم بعض الخصلات السيئة وينبغي الحذر منهم ..
كنت أثق بياسر .. وآضح جداً حبه للخير وحرصه على أخوانه في الله ...

بعد مشوار طويل ورحلة ممتعة داخل البلد طلبت من ياسر إن استخرج رقم أمريكي ..
فأخبرني أن ذلك سهل للغاية ..
مررنا أحد المراكز التجارية الكبيرة , وحصلت على رقم أمريكي طويل .. دونته في رقمي السعودي ..
كنت قد اشتريت جهازاً خاصاً لذلك من الرياض .. كانت تلك الفكرة هي فكرة والدي حفظه الله ...

عدت إلى المنزل بعد صلاة المغرب .. دخلت مبدياً لهفة لـ " ليندا " ! .. دون شعور ..!
كانت العمة لويز تقرأ في كتاب كبير .. حييتها , ورحبت بي ..
ما إن بدأت أريها ما اشتريته لأمي بلهفة , فأعجبت بتلك الهدايا وروعتها ...
لست أعلم إن كان الشعب الأمريكي يطبق مفهوم المجاملة كما نطبقه نحن .. أم لا ..
لكني رأيت علامة الدهشة ...
سألتني هو عيد ميلاد أمك ؟!
فقلت لها بحكمة .. لا .. دون أن أتطرق لمسألة حرام أم حلال ..
وأردفت, أنه يجب علي أن أهدي أمي لأن الإسلام يأمر بذلك ...
فقالت أعلم !
صدمت بل ذهلت ..
لم أعلم ما سأقوله في الجملة التالية .. فبادرت بدعوتي العشاء ..
ذهبت إلى غرفتي .. رميت الأغراض على سريري , وبدلت ملابسي وأخذت حماماً دافئ وقصير ...
نزلت إلى الأسفل وتناولت عشائي معها ...
سألتها عن العم سميث .. فقالت سيأتي بعد قليل ..
وترددت أن أسأل عن ليندا ...
لكني لم اسأل ...
بعد العشاء حملت معها طبقي إلى المطبخ لأساعدها في الغسيل ... أخبرتني أنه لا أحد من المبتعثين السابقين كان يفعل ذلك ...
وأنها رسمت صورةً سيئة عنهم بهذا الشأن ..!
أخبرتها إني أفعل هذا في منزلي كثيراً .. وأنا أكذب , لكني أردت أن تحب الأسلام بطريقة ما !!

عدت إلى غرفتي بعد يومٍ حافل , استلقيت محدقاً بالسقف ...
أمي , ليندا , أبي , أخوتي , ياسر , هاتفي الجديد , غدائي , ذلك العجوز الذي أرشدني ..

كل تلك الصور كانت تتزاحم في مخيلتي إلى أن ذهبت في نوم عميق ...


يتبع ,,,
 
إنضم
6 سبتمبر 2010
المشاركات
468
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
رد : فهد .. وآنتهت رحلة أمريكآ بسجن آلحائر ...!

6


هذا الصباح الثاني ..
نهضت مسرعاً , فلم يتبقى على موعدي مع ياسر سوى نصف ساعة ..
اليوم هو موعد زيارة المعهد الذي سأرداته لسنة كاملة ..
استحممت ثم أديت الصلاة المكتوبة بعد أن فرطت في ادائها في الوقت المحدد ..
لم يكن هناك متسع من الوقت حتى أتناول طعام الأفطار الذي أعدته لويز ..
وأصرت هي على أن أتناوله في طريقي للمعهد ..
كان ياسر ينتظرني حسب الموعد المتفق عليه .. ركبت معه وانطلقنا للمعهد ..
اطلعت على تفاصيل المبنى بكامل اجزاءه وتعرفت أيضا على جميع الأماكن من حول المعهد في حال الحاجة ..
التقطت الكثير من الصور رغبة مني في إرسالها لأهلي في الرياض ...
لم يكن هناك الكثير من الناس حول المعهد , فالبداية ستكون يوم الأثنين القريب ..
عرض الشيخ ياسر أن يأخذني إلى أماكن أخرى أو يعرفني على مجموعة من المشائخ إن لم يكن لدي مانع ..
في الحقيقة كان هناك مانع .. تملصت منه بلطف و قلت له أننا سنبقى على اتصال ..
طلبت من ياسر أن يعود بي إلى المنزل ..
لم يبدي انزعاجاً .. كان مهذباً حتى أنه شكرني على صراحتي ..
عند منزلي , أثنيت على ياسر عندما أردت الخروج من سيارته العائلية , وأعطيته المبلغ المتفق عليه وزدت له إكرامية ..
لم يكن المال ذات أهمية لدي , أعلم إنني مخطىء , ودائماً ما أقول لنفسي:
أن هذا من تعب وكد أبيك وأنت تهدره بغمضة عين ..
لكن مكره أخاك .. ظننت أني حتى أكسب الناس لابد أن أكون سخياً ..
هذا قد ينطبق على مجتمعنا الذي اعتدت العيش فيه , ليس بمجتمع يعبد المال ويقدسه !
كنت أفتح العيون علي جهلاً ..
المهم دخلت منزل العمة لويز ..
لم يكن هناك أحد وهذه فرصة رائعة لأقوم بالإتصال بأهلي ..
اتصلت مراعياً التوقيت بيننا ..
أجاب على هاتف منزلنا خادمتنا الفلبينية " موزة " ..
اطلقت أمي عليها هذا الأسم لصعوبة اسمها الحقيقي حيث كان " مونوزاهره " أو شيئاً من هذا القبيل..

أهلاً موزة ..
فصرخت وهي فرحة .. مدآآآم ناقلة خبر إتصالي لإمي ...
أجابت أمي بلهفه .. بدأت أطمنها عن الحال .. كانت أمي تندب تلك اللحظة التي وافقتني عليها ..
طلبت منها عدم ذكر ذلك مبدياً بعض السخط ..
" لا يا يمه .. أنتي تبين تشوفيني مبسوط ؟ .. أنا الحين مبسوط "
أقدر قلق أمي , وهي فطرة فطر الله أمهاتنا عليها إني افهم ذلك جيداً ...
التقط والدي الهاتف
" فهد يا عين أبوي وش أخبارك ؟ "
حدثت أبي رجلاً لرجل فأنا أكبر ابناءه ..
تبادل جميع أهلي الدور على الهاتف أقسم أني فرحت لسماع أصواتهم بشكل غريب ..
علمت كما أنا غالٍ عندهم .. هذا وآضح من طريقة تحدثهم معي ..
أغلقت الهاتف وأنا أكن لهم بشوق قاتل ...

بدت الأيام نفسها , استيقظ واجلس في غرفتي ..
أنزل إلى الأسفل لأرى لويز وأعود مرة أخرى إلى الغرفة
اقرأ عن سياتل وأدرس الإنجليزية معتمداً على كتب التعلم الذاتي التي حصلت عليها من الرياض ..
اعتدت على هذا الروتين , حتى حان أول يوم لي كطالب مبتعث ..
ليلة الإثنين اتصلت بطلال صاحبي الأول ...
لم يميز صوتي , قلت له أنا فهد .. فقال : من فهد ؟
ذكرته بأني كنت معه طوال رحلة الذهاب .. أبدى أعتذاراً وخجلاً ...
كانت لدي بعض الإستفسارات عن المعهد أردت طرحها عليه ..
أجاب عنها بكل ود وعرض علي أن نلتقي في مكان عام لأتعرف على بعض الأخوه المبتعثين ...
أخبرته أني أجهل المكان فقال لي بأنه سيصطحبني من المعهد في الغد حالما انتهي ...
شكرت له ذلك ...


نزلت اتفقد العمة لويز .. كنت أود أخذ مشورتها في طريقة لبسي حيث أني أشعر بالحرج نوعاً ما ..
وماهي الملابس المناسبة للمعهد ..

نزلت وبدلا من لويز رأيت محبوبتي " ليندا " ...!
قلت في نفسي بلا وعي :
" oh my god ! " متأثراً بشكل سريع بمن حولي ...
لم أرى ليندا لأسبوع تقريباً ونحن في منزل واحد !
هذه أحد عيوب البيت الأمريكي ...
لويز أحبتني لأنني شخص اجتماعي قليلاً , واعتبرتني كإبنها Tom الغائب ..

قلت لها مرحباً ليندا ..
فأجابت بإبتسامة أهلاً .. ثم أرادت أن تكمل لكنها توقفت ..
فهمت لماذا الوقفه .. قلت لها :
" fahad "
أعتذرت لي بأدب .. وأخبرتني أنها سيئة جداً مع الأسماء ...
ثم ذكرت موقفاً بسيطاً حدث لها مع رئيسها في العمل ...
أكذب إن قلت لكم أني فهمت القصة .. انتظرت لحظة الضحك , فضحكت متصنعاً ...

في الحقيقة لم أكن انظر إلى ليندا مباشرة .. كنت أحاول قدر الإمكان أن أصرف نظري عنها ..
لم تنتبه بطبيعة الحال إلى ذلك ...
دعتني للجلوس معها ... فجاء الشيطان يزين لي هذا العرض المغري ..
أنت لم ترا ليندا مدة طويلة ... هل ستفوت هذه الفرصة ؟!

اقبل اقبل اقبل !

بدأ ضميري يتلو هذه الآية الكريمة من سورة يوسف :

«وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ»

اغمضت عيناني بقوة من شدة الحرب بين ضميري وشيطاني الرجيم ...
فتحت عياني وقلت .. عفوا ليندا , سأخلد إلى النوم ..
علمت هي أن هناك شيئاً ما قد منعني ...
قالت لي لا بأس ... ثم قالت :
" good night fahad "

ذهبت وكنت محرجاً بشده ... تمنيت أن اسقط أو يحدث لي شيئا ما ينسيني هذا الموقف المحرج مع تلك الإنسانة التي أسرتني ...
تجاهلت ذلك ووجهت تركيزي ليوم الغد الحافل ...

...

استيقظت مبكراً جداً ...
قمت بتجهيز حقيبتي الشخصية والتأكد من أن كل شيء على ما يرام ...
القاموس - الأقلام - دفتر الملاحظات - الأوراق المطلوبة للمعهد ...
أديت صلاة الفجر .. ثم بدأت أقرأ في كتاب الله حتى تهدأ نفسي ..
قرأت ما تيسر , ووضعت المصحف الشريف ثم بدأت أمشي في الغرفة بشكل عشوائي من غير شعور ...
كنت انتظر الإشراق بفارغ الصبر حتى تقوم العمة لويز بإعداد وجبتي ...
لحظات مرت سريعاً علي عشت بها أحلاماً سعيدة ..
كنت أُصور نفسي على أنني أذكى طالب في المعهد .. وأن المعلمين دائماً ما يجعلوني مضرب المثل في الفطنة حتى أنني أعيش اللحظة وأتخيل المواقف بكامل تفاصيلها ...
لم أتوقف إلا عندما ابتسمت دون شعور من شدة فرحتي ..
فعدت إلى واقعي ونظرت من النافذة ... فبدت لي أشعة الشمس تبدد غطاء الظلام ...
توكلت على الله ...
ونزلت إلى الأسفل "سميث" قد استيقظ للتو ورأيت " لويز" قد بدأت بإعداد الطعام ...
أخبرني سميث أن الوقت ما زال مبكراً .. لم العجلة ؟
فاجبته بأن اليوم الأول يختلف عن الأيام الأخرى , واعتذرت له عن إزعاجه لأن سميث هو المتعهد بإيصالي من وإلى المعهد ...
تناولت طعام الإفطار معهم كابن لهم .. أثناء ذلك لويز أعطتني نصائح كثيرة ..
وصلت للمعهد في الصباح الباكر ..
شكرت العم سميث وقلت له بأني سأعود مع أحد الأصداقاء...

بدأ أول يوم درآسي .. يملؤني حماسٌ كبير .. قاعة مليئة تعج بالناس من كل أنحاء الأرض ..
كنت متفاعلاً لدرجة كبيرة .. حصل بين الطلاب لقاء تعريفي وبعض الأنشطة الخفيفة المنظمة من قبل المعهد ..
خرجت مبكراً فاتصلت بـ طلال الذي طلب مني الإنتظار لحين وصوله ...
حضر إلي طلال برفقته ثلاثة شبان هم من أعز أصدقائه كما كان يخبرني عنهم في الطائرة ...
طلبت من طلال أن لا يخبرني بأسمائهم كي أختبر نفسي في التخمين ...
قلت للأول أنت نايف فكانت إجابتي صحيحه ...
سبحان الله , تماماً مثل الصورة التي رسمتها عنه فوق ثمانين ألف قدم ...
قاموا بإصطحابي إلى فيلم جديد .. كانت هي المره الأولى لي عندما زرت السينما ...
ظهرت على ملامحي الفرحة والإعجاب لما رأيت .. لكني شعرت أن طلال كان يستهزء بي قليلاً أمام أصحابه ... فتغاضيت.
على الرغم أن من دفع كافة التكاليف هو أنا ..
لم يبد أي منهم مقاومة أو مبادرة في دفع كامل المبلغ ... كما كنت أعتقد
بل قال نايف ملتفتاً إلى طلال .. " وينه من زمان هذا ؟ "
شعرت بأني مفغل !
بعدما انتهى الفيلم طلبت منهم إرجاعي لمنزلي .. أصر نايف على نتناول العشاء سوياً
لكني رفضت , شعرت بمضايقة كبيرة منهم ...
لم أشعر بكامل الراحة ...
هل لأني لم أعتد على ذلك ؟ .. أم أنهم كانوا يفتقرون إلى قليل من التهذيب ؟!
قام طلال مشكوراً بتوصيلي , وقال أن هناك لقاء بيننا قريب ...
لم أشأ أن أرفض مبكراً ... لكن عزمت على أن أرفض مهما كآن الأمر ...
توالت الأيام ....
اتصل طلال , فأجبت ...
ابدى طلال اعتذاره دون أي مقدمات .. وقال أنه يعلم أن ذلك ضايقني كثيراً ..
وأنه شعر بهذا ..
ووعدني بعدم تكرار مثل ذلك وأن يكنوا لي إحتراماً أكثر ...
وكدليل على صدق ما يقول .. أخبرني أنه مع أصدقاءه أقاموا إحتفالاً كبيراً بمناسبة قدومي لأمريكاً
سيحضره غالب الأخوه المبتعثين ...
كما هي العادة .. أكره الإختيارات , أنا بين رافض ومجيب !
لا أدري ...
عموماً قلت له بأن اعتذارك مقبول , وأن الإعتذار من شيم الرجال ...
وقبلت دعوته ...

سأصف لكم الإحتفال ... كنت أعتقد بأنه إحتفال راقٍ , يحمل الكثير من عاداتنا ..
لدرجة أنني خرجت لفهد مرتدياً ثوباً سعودياً أحضرته خصيصاً لمواسم الأعياد ..
عندما خرجت طلب مني فهد تغيير ذلك ..
وأعتذر أن في هذا الإحتفال " أجانب " ..
كانت عبارة عن شقة وآسعة , أغانٍ صآخبة , واختلاط عجيب ..
لا رجعه , فأنا قبلت الدعوة , واقنعت نفسي أن أكون متحضراً واترك ثقافة الرياض للرياض !
في بادىء الأمر لم استطع الإندماج .. سرعان ما بدأت اختلط ..
وجدت نايف وعبدالله ألطف بكثير مما كانا عليه في السابق .
كنت اتكلم مع الأجانب أكثر , يدفعني هدف تطوير اللغة ...
استغرب عدم تحرك مشاعري تجاه أي فتاة في الحفل !
فالقلب عبارة عن مركب يتسع لشخص واحد .. ويبدو أن هناك من حجز قلبي دون أن يدري ...
عدت من ليلة المنكرات قاتلاً ضميري ومقتنعاً بفكرة التحضر الزائفة بعدما رأيت الكثير من بني جنسي يفعل هذا !

دخلت المنزل , فوجدت ليندا جالسة على الأريكة تشاهد برنامجاً تلفزيوني ..
اختفى ضميري الذي يحذنرني كثيراً أن أنجذب لها أو اخاطبها !
وفيما يبدو أني قتلته في الحفله الصاخبه !

قلت لها مرحباً ليندا ...

يتبع ,,,
 
إنضم
6 سبتمبر 2010
المشاركات
468
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
رد : فهد .. وآنتهت رحلة أمريكآ بسجن آلحائر ...!

7


نظرت إلي ليندا بترقب , فهي لا تعرف ردة الفعل القادمة كعادتي معها ...
ابتسمت لي وسألتني ..
هل ستجلس أم أن هناك شيئا ما يمنعك ؟
كانت صريحة كفاية معي مما شجعني أن أتعامل معها بصراحة ..
تقدمت إليها بخطى ثابتة محدقاً بها ..
جلست بجانبها وقلت ليندا يجب أن أعترف لك بشيئاً ما ..
أظهرت لي اهتمامها واعتدلت في جلستها وقالت لي باستغراب شديد :
فهد مالأمر ؟!
ليندا أعتقد بأني املك مشاعر تجاهك لكنها حسب ما اعتقد مشاعر من نوع آخر ..
بدأت تتلاعب بملامحها مظهرةً لي فضول ..
سارعت قائلاً ليندا أعتقد بأني أحبك !
تفاجأت وادارات بوجهها البريء نحو الأرض وابتسمت خجلاً ...
حاولت أن أبرر فقلت :
ليندا , أعلم أن هذا ليس من حقي ..
مؤكد أنك تعلمين أن ذلك خارج عن إرادتي ..
ليندا صدقيني أنا لا أريد أن أتسبب لك بأي مضايقة ..
هزت رأسها بحركة خفيفة إلى الأمام في حين أن بصرها مازال في الأرض وهي منصته ...
أكملت ... ليندا , بالطبع ليس عليك فعل الأمر ذاته معي ...
أنتي جميلة للغاية , في المملكة لم أعتد على أن أرى الفتيات بهذا الشكل كما هنا ..
قد يكون هذا هو السبب لا أنا جازم بأنه هو السبب ..

نظرت إلي مجدداً , وقالت لا عليك , أنا افهمك يا فهد ..
لكن فهد ..
يجب عليك أن تعلم أني أحب شخصاً آخر ...
قلت لا يهم المهم أنك لا تمانعين حبي البريء لك ..

أردت تغيير مجرى الحديث فعرضت عليها شيئاً :
ما رأيك بأن نعد وجبة خفيفة معاً ؟
سألتني هل تعرف ؟
سأجرب هل ترغبين مرافقتي ؟
لن أضيعها !
قمنا معاً إلى المطبخ ...
كنت أسألها كثيراً عن أدوات المطبخ ..
ليندا ماذا تعني هذه ؟
وهذه ؟
وذاك ؟

بدأت ليندا تجاريني الكلام , ثم قالت أريد أن اسمع بعض الكلمات بالعربية مثل:

أحبك ..
أكرهك ..
صباح الخير ..
جميل ..
وردة ..

كلمات في غاية البراءه ..
جعلتني أفتن بها أكثر ...

عدنا إلى غرفة المعيشة نحمل طبقين من صنع أيادينا ...
عشت مع ليندا أجمل ليلة ..
ما أروع أن تكون بجانب من تعشق يستمع لك , ويستمع لمشاعرك حتى إن كان لا يبادلك إيها ...
ليندا أسرتني ليس بجاملها الفتان , بل بأدبها الجم , وطريقة حديثها ..
إن لها كاريزما من نوع آخر ..

تأخر الوقت , واستئذنتها بالخلود إلى النوم ...
قالت لي فهد انتظر ...
قامت من مكانها لتهديني قبلة ناعمة !
وقالت: فهد شكراً لك ..

ذهول حرك وجداني من الداخل , بدأ الدم يسير في عروقي من حيث لا أدري ..
فقلت لها بجرأه غير معتادة , إنها أجمل قبلة حصلت عليها في حياتي !
وأنا لم أكذب بهذآ ..

ذهبت إلى فراشي ينتابني شعور رائع , حاولت المبيت فلم أستطع ..
بدأت أسأل نفسي ..
مآ سر تلك القبلة الناعمه ؟!
هل ليندا بدأت تحبني ؟!
لماذا ذكرت لي إذاً أنها تحب شخصاً آخر ؟!
حيرة كبيرة أفقدتني لذة الشعور بالنوم ...

قبلة ليندا في الحقيقة كانت لأني أخرجتها من الوحدة التي قتلتها وهي كمثابة شكر وامتنان لي ...
فهمت ذلك بعد أيام حينما سألت معلمتي عن هذا الموقف ...
فهذه من عاداتهم حسب ما فهمته من تلك المعلمه ..

مرت خمسة أشهر منذ وصولي إلى سياتل ..
بدأت أعيش حياتي الطبيعية يوماً بعد يوم فأنا أصبحت أكثر خبرة وثقة ...
لدرجة أني كنت أساعد العمة لويز بالذهاب إلى المتجر للتبضع وأحياناً أقوم بذلك بدلاً عنها ...
حتى ليندا بدت أنها تحب الجلوس معي وتكثر من ذلك وأظن أنها ارتاحت لي كثيراً ...

من يصدق أن تلك المدة مرت كأنها لحظة ؟...

ما مضى كان حقاً في غاية الروعة ..
إلى أن توفيت أمي رحمها الله فجأه بعدما أصيبت بتجلط حاد في الدماغ أُدخلت على أثره للمشفى لكن تلك الجلطة القاتلة لم تمهلها الكثير من الوقت فتوفيت قبل وصولها إلى هناك ..


نسيت عالم الرياض ومن فيه ..
اعتدت على أن اتصل كل أسبوع بأمي ...
لا أدري لماذا تأخرت في ذلك الأسبوع المشؤوم ؟
في الأسبوع الذي يليه اتصلت مستعداً لأبدي أعذاراً وهمية عن سبب تأخري في الإتصال ...

هاتفت والدي ..
بدأت بالسؤال عن الأحوال غير أن صوت أبي كان غير المعتاد ...
أحسست بشيء ما ووخزة في قلبي ..
آخر شيء يمكن أن أتوقعه هو وفاة أمي !
لم يفصح عن موت أمي حينما سألته عن صوته المتغير .. وعلل أنه يعاني من برد بسيط ..
سألته بهلفه أثناء الإتصال أين أمي ؟
قال لي بأنها مشغولة سأطلب منها الإتصال بك في وقت لاحق ..
قلت لا بأس ...
أغلقت الهاتف وقد انطلت علي حيلة أبي .
نسيت أمي ولم تتصل هي ..
تذكرت في الغد فاتصلت وهذه المره أجاب والدي مجدداً ..
سلمت عليه وكان يكثر من الأسئلة محاولاً تشتيتي عن هدفي !
طلبت منه وضع أمي على الهاتف ...
علل أبي بأنها نائمة !
قلت خيراً إن شاء الله سأتصل بها في وقت آخر ..
بدأت أفكر بقلق ماهي دوافع والدي من هذا ؟!
أنا لست طفلاً لتنطلي علي مثل تلك التصرفات ..


لالالا ليس الطلاق !
بلى إنه الطلاق !
كانت تحدث بينهم بعض المشادت لكنها طبيعية جداً فكيف يجرؤ أبي على تطليق أمي ؟!
أفي هذا السن وبعد كل هذه العشرة !؟
استعذت بالله من الشيطان الرجيم ومن الوسواس الخنّاس ..

كررت الإتصال في الغد فلا مفر مني اليوم ..
لم يكن أحد ليجيب على اتصالاتي ..
بدأت أشعر بغضب فمالذي يحدث في الرياض الآن ؟!
لم انتظر طويلاً حتى عاد والدي يتصل بي ...

فهد أسمع ياولدي ...
" أنت إنسان مؤمن وتعرف إن الموت حق على كل بني آدم "
كنت أجهل تماماً سر هذه المقدمة لكني تركت والدي يكمل ...
" والمؤمن ياولدي يصبر ويحتسب ولا يسخط صح والا لا وأنا أبوك ؟ "
فأكدت على صواب ما ذكره ...
بعد أن أحس أبي أني منصت بهدوء وسكينة , ظن أن هذا هو الوقت المناسب لإخباري بما حدث ..


" يا ولدي أمـ " , قاطعته قائلاً : لحظة !
أنت تمزح صح لا أنت تمزح لا تقول أن أمي ماتت !!
ياولدي تعوذ من ابليس .. استغفر ربك ..
أمي ماتت ؟؟؟
فلم يجب عن هذا السؤال ...
أمي مااتت ؟!!!
" ياولدي كل من عليها فان "

أصبت بصدمة فصرخت بأعلى صوتي ..
ما زاد ألمي هو أن الأمر كان فجأه فأمي كانت طبيعية جداً ولم تتعرض لأي شيء من هذا القبيل في السابق قط ...
كيف حدث هذا ؟ أبهذه السرعة ؟!
هذا الخبر نزلة بقوة أفقدتني توازني كرجل ...
رميت الهاتف أخذت أصرخ بحالة هيسترية ..
غاب عقلي وزاد صراخي ...
في الرياض كان أبي ما يزال على الهاتف يسمعني بألم وهو مكتوف اليدين ...

قدمت لويز خائفه وجله بعد أن اهتز منزلها من صرآخي ..
لا أتذكر كيف طردتها من غرفتي ...
هل دفعت العمة لويز ؟!
أم اكتفيت بالصراخ وفهمت ذلك ؟؟

امضيت قرابة الثمان ساعات من البكاء المتواصل والألم النفسي العصيب ..
اتلفت جميع أعصابي في ذلك اليوم الأسود من عظم المصيبة ..

اذكر أني كنت مستلقياً على الأرض وأشعر بدوار شديد إلى أن هدأت قليلاً ...
نهضت بصعوبة بالغة من مكاني إلى دورات المياه ( أجلكم الله ) وبدأت بغسل وجهي الذي كان كالجمرة من شدة إحمراره ..
استعذت من الشيطان واستغفرت ربي ...

أدركت أنني سببت لأبي ألما نفسياً مغايراً لما سببه هو لي بمجرد نقله الخبر ...
أجزم بأن مجرد إستماعه لي وأنا أتعذب بهذا الشكل المؤلم كبّده الكثير...

اتصلت به بعدما هدأت , وأخبرته أنني بخير واعتذرت على ما فعلته به ...
قلت له أني سأكون في الرياض في أقرب وقت ..
لكنّه رفض !!
ثارت ثائرتي بمجرد رفضه ..
وبدأت اتحدث معه بعقوق لأني مازلت تحت تأثير الصدمة ..
" هذا مهو شغلك تبي تمنعني من أمي أنت ؟! تمنعني من أمي أنت ؟! "
ثم صابتني نفس الحالة مجدداً !
لم أستطع ضبط نفسي ..
أذكر أني ما زلت ممسكاً بهاتفي رغم محاولات أبي لتهدئتي ...
"ياولدي أمك راحت لمثواها ودفنّاها قبل أسبوع وجيتك يا ولدي ما راح تنفعك ولا تنفع أمك الله يرحمها "
" الحي يا ولدي أبقى من الميت أنت اهتم بدراستك الحين وأدع لأمك "

أصريت على فكرة قدومي , لكنه أقسم علي بأن لا أفعل ...
وأكد لي أنه سيزورني في القريب العاجل ...

كان أبي يحدثني بالعقل وأنا استمع بالعاطفة ...
شتان ما بين الإثنين ؟!
كيف يمكن أن أقبل بهذا ؟!
أسررت في نفسي غضباً شديداً تجاه والدي وبدأت أفكر جدياً بتعدي الخطوط الحمراء رغبة مني بإشعاره بالذنب وعظم غلطته لمجرد رفضه فكرة القدوم للمملكة ...

نظرت إلى هاتفي المحمول بخبث ونية معقودة على الشر, فقمت بالإتصال فوراً بطلال !


يتبع ,,,
 

رضاب 66

New member
إنضم
18 مايو 2006
المشاركات
1,193
مستوى التفاعل
1
النقاط
0
رد : فهد .. وآنتهت رحلة أمريكآ بسجن آلحائر ...!

نبي التكمله ....لا تعلقينا
 
إنضم
6 سبتمبر 2010
المشاركات
468
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
رد : فهد .. وآنتهت رحلة أمريكآ بسجن آلحائر ...!

8




خبر وفاة أمي فجر بركاناً في داخلي ..
زاد هذا البركان قسم والدي الذي منعني فيه من قدومي إلى الرياض ..
أردت الانتقام ممن لا أدري؟ , فسلطت غضبي على قسم أبي ..
واتصلت بطلال كردة فعل غاضبة ..
أخبرت طلال بما حدث وأني أود البقاء عنده على الأقل أسبوعُ واحد حتى أتمكن من تجاوز مصيبتي ..
أبدى تعاوناً وعطفاً لما حدث , وطلب مني أن أتصل به حالما أكون مستعداً للانتقال ...
استرحت قليلاً على سريري قبل أن أقوم بإخبار العمة لويز عما أنوي فعله ..
بدا كل شيء على ما يرام وتم انتقالي مع طلال على أن أقضي معه الإسبوعين القادمين ...
قام نايف بمشاطرة طلال غرفته لإستقل أنا بخصوصية أحتاجها كثيراً ...
كنت جازماً أنه مهما كان و مهما جار الزمن على قيمنا الإنسانية الأصيلة فلا بد أنها باقية ...
مساعدة طلال وتنازل نايف ذلك لم يكن شيئاً عابراً ..
هي جزء لا يتجزأ من قيمنا الإنسانية , هي التضحية من أجل الغير ...

اختلف معهم على الكثير من الأشياء , أولها السكر !
كنت أراهم يشربون بكثرة في بعض الأحيان ...
تسنى لي الحديث مع طلال عن وضعه الدراسي الآن , فسألته بفضول ٍ عن ذلك ؟
فأخبرني بأنه أكثر من رائع , ظن أني لن أصدقه في هذا ...
فقرر أن يريني سجله الأكاديمي , وبالفعل لم يكن طلال يكذب ...
ما جعل طلال مميزاً هو أنه يعرف تماماً متى يجد ومتى يضيع !
عموماً ..كنت أختلط معهم في بعض الأحيان , وفي الأحيان الأخرى أنعزل لأتذكر أمي ...
حتى جاء ذلك اليوم المشؤوم الذي غلبني فيه الشيطان وانتصر ...
كنت في خلوة مع نفسي أبكي بحرقة .. جاء الشيطان ليقترح شيئاً شكّل منعطفاً آخر في حياتي ...
" هل ستجلس طول العمر باكياً ؟ "
" ستتعذب يا فهد ولن ينفعك هذا الألم , جرب نسيانه .. انظر إلى طلال ونايف "
" مالذي يضر ؟ .. كأساً وآحداً فقط .. جربه مجرد كأس لتزيل هذا الحمل الثقيل من على صدرك "
خرجت من غرفتي أو بالأصح غرفة نايف ...
كان في الصالة الصغيرة طلال ونايف ومعهم شخصاً جديداً لم أكن أعرفه من قبل ...
بجانبهم زجاجة خضراء اللون وقد علا صوت التلفاز دون أن يكن منهم أحد محدقاً به ...
دخان كثيف ملأ المكان ...
كانوا يلعبون الورق ...
سلمت عليهم , فأعاروني اهتماماً كبيراً ..
طلبت منهم إكمال لعبهم معتذراً على المقاطعة ...
لم يبدأو بالشرب بعد ... التقطت ذلك الكأس الصغير وقلت بعد تردد :
" طلال ممكن تصب لي كاس ؟ "
أبدى تعجباً ودهشة , نظر إلى الباقين وكأنه يسألهم مالعمل ؟!
ثم نظر إلي وقال اسمع يا فهد ...
لا أريد أن أتسبب لك بهذا لكن هل تعي حقاً ما تريده ؟!
أخبرته أني عازم على ذلك ...
تجرعت أول كأس لي ...
مرارة لاذعة ورائحة كريهه ... كيف يمكن أن يشربوه بإستمرار ؟
طلبت منه كأساً آخر ...
أردت أن أصل حد الثمالة !
لم أستطع تحمل الجرعة الثانية .. قمت راكضاً لدورات المياه أجلكم الله لاستفرغ ذلك المشروب السيء ..
قام طلال باللحاق بي ليتأكد أن كل شيء بخير ...
ذهبت للمطبخ الصغير في نفس الصالة المليئة بالدخان ...
وقمت بشرب كميات كبيرة من الماء ..
شعرت بالدوار والغثيان ...
بدا لي أن الأمر لن يكون على ما يرام , سألني نايف .. فهد فيك شي ؟
لكن صاحبهم علق موجها الخطاب لنايف وطلال ... "طبيعي يا عيال والله طبيعي"
" كلنا مرينا نفس الحالة .. بس لين يشرب أكثر ويتعود جسمه بيبدا يكون الوضع أوكي !"
ثم قام يتذكر ضاحكاً وواصفاً تجربة طلال الأولى ...
تعالت ضحكاتهم ... لكن شعوري بالغثيان والدوخه جعلني انصرف دون استئذان حتى ...
استلقيت على سريري وبدأت أفقد التركيز شيئا فشيئا ....
بدت لي أن الأرض تدور ولا تتوقف ...
أحسست بأن الجاذبية قويةً جداً لدرجة أني لم استطع النهوض حتى ...
تغير لوني وأصبحت شاحباً ... لم يكن أحد منهم ليشعر بي ..
لو كانت أمي على قيد الحياة لسهرت بجانبي طوال الليل ...
رحمك الله أمي ... رحمك الله ...
في الغد ما زلت طريح الفراش .. دخل طلال ليتأكد إني بخير بعدما وصل من الجامعة ...
تظاهرت بأني أفضل بكثير , وأخبرته أني سأشرب الليلة ...
لم يبدي أي ردة فعل , وضع يده على جبيني متفحصاً حرارة جسمي ثم خرج ...
في الليل نحن الثلاثة دون زوّار ...
بدأت أشرب معهم ...
كان الغثيان أخف بكثير ...
ثملت وبعدها لم أعد أذكر شيئاً ..
الأيام تنطوي بسرعة ...
قضيت الآن مع طلال ونايف أسبوعاً بأكمله تجرأت فيه على أحد الخطوط الحمراء العريضة !
الله وحده يعلم مالذي يخفيه لي الأسبوع القادم معهم ؟!
كان في الأسبوع القادم كارثةً أخرى حلت بصاحبكم لكن هذه المرة هو من تسبب بها لنفسه ...
في أحد أيامنا الحمراء وبينما أنا في حالة سكر شديدة لم أصل لها من قبل ظهرت ليندا لي من حيث لا أدري !
قلت لطلال وأنا فاقداً للوعي أن يوصلني إلى منزل العمة لويز في هذا الوقت المتأخر !
كان هو مثلي أو أشد ..
لم تكن هناك معارضة أو سؤال , بل بدأ يترنح قائلاً لو كانت لويز في المريخ سنذهب لها !
ركبنا السيارة , لا أدري كيف استطاع طلال أن يصل بنا بسلام إلى منزل لويز ..
أمرت طلال بالإنصراف , فأدار المحرك قائلاً لو شقتي في المريخ سأذهب لها !!
ضحكت كثيراً وأنا أهم بإدخال المفتاح في باب المنزل ...
دخلت وكأن الأرض تتزلزل من تحتي ...
صعدت إلى غرفة ليندا ..
كانت نائمة , أضئت الغرفة فانتفضت وقالت بإستغراب ..
“Fahad ?”
تكلمت معها بالعربية .. " إيه يا روح فهد "
وكأني أمثل سيناريو أحد المسلسلات الخليجية !
تجاهلت ليندا عدم فهمها لما قلته وبدأت تخبرني أنها متأسفه لما حصل لأمي ... لكني لم أمهلها الكثير من الوقت ..
فقفزت محاولاً الإعتداء عليها ...!
صرخت هي بأعلى صوتها .. حاولت تكميم فاها وفي نفس الوقت السيطرة عليها ...
إلى أن قدم سميث حاملاً مضرب البيسبول !
ضربني سميث إلى أن شج رأسي , ثم قام بلكمي دون أدنى مقاومة مني ..
كانت لكماته قوية جداً لدرجة أني ظننت أن أنفي قد كسر !
بعد أن انتهى من ضربي بقيت مستلقياً على أرضية ليندا ملطخاً بدمائي ...
وقام هو بدوره بأخذ ليندا لغرفته محاولاً تهدأتها ...
بقيت لويز تكبي وهي تراني بهذه الحالة ...
هذا ما حصل ...
بعد أن أفقت في الغد كانت الآلم من أفظع ما يكون ..
كل جزء في جسمي يؤلمني ...
نهضت فوجدت أني في غرفتي ...
قمت أتهادى إلى الباب الذي كان مقفلاً من الخارج ...
طرقت الباب وناديت : لويز .. لويز ؟
سمعت أحدهم يصعد السلالم , لقد كان سميث الذي فتح لي الباب ...
دفعني بقوة فسقطت بعيداً, وقال أنه سيمهلني اليوم فقط لأنتقل إلى الجحيم وأن لا أعود مرة أخرى إلى هنا ...
جلست أفكر مالذي سافعله ؟
اتصلت بطلال طالباً منه الحضور بأقصى سرعة وبدأت بلملمة ما تبقى من الأغراض الخاصة بي ...

نزلت ابحث عن لويز وليندا لأبدي اعتذاري وتبريراتي بعد فعلتي الشنيعة ...
رأيت لويز بجانبها سميث وهي حزينة ...
قلت لهم أني أعتذر عن ما فعلته البارحه , وأقسمت أني كنت بحالة سكر شديدة ...
فأنا لم أفعل هذا طوال الخمسة أشهر حينما كنت أنام في غرفتي جنبا لجنب مع غرفة ليندا !
قال لي سميث بغيظ .. دعنا وشأننا , لا نريد أن نراك ثانيةً !
أبهذه السهولة يريدون رحيلي ؟!
سألت سميث بأدب , سيد سميث أريد أن أعتذر لـ ليندا ...
قام من مكانه مشكلاً يده على شكل قبضة !
فقلت له تفضل , أني استحق ذلك ..
فرد علي بقوله : لو تحدثت مع ليندا بكلمة واحده أقسم لك بأني سأقتلك أيها السافل !
صرفت بصري إلى لويز ..
كانت حزينة ولم تنظر إلي قط ...
عموماً بعدما تم طردي من منزل سميث بلا عودة لجأت لطلال ...
وبدأت حياتي تتعقد أكثر فأكثر ...!


يتبع ,,,
 
إنضم
9 يونيو 2008
المشاركات
145
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
دخلت فضول وماحسيت الا وانا مخلصه لاخر بارت

مره مره تحمس واسلوبك القصصي جميل وسلس



لكن الحين ليندا خلاص بح

حبيت لويز يازينها

طلااااااااال النذل جعله المر يقهررر

متآبعين لك وبليييييييييز لاتطولين علينا
 

kho0okha

New member
إنضم
17 سبتمبر 2009
المشاركات
146
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
واااااااااااااااااااااااي مهوسه والله تحمست مع السالفه تراني متابعه كملي
 
إنضم
6 سبتمبر 2010
المشاركات
468
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
رد : رد: فهد .. وآنتهت رحلة أمريكآ بسجن آلحائر ...!

نسيت اسالك هالقصة واقعية ام لا

هلا ياقلبي معليش النت مش مضبوط معاى

هالقصة واقعية للاحداث اللى حاصله مثل الحميدان واليوسف وغيرهم بس ااهى من الخيال كتبها الكاتب برستيجي مآ يسمح
 
إنضم
6 سبتمبر 2010
المشاركات
468
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
رد : فهد .. وآنتهت رحلة أمريكآ بسجن آلحائر ...!

9


هذه هي الخسارة الثانية لي في أمريكا !
...

عدت مع طلال طلباً اللجوء بعدما شردني سميث من منزله ...
في نفسي , كنت أحمّل طلال الجزء الأكبر من الذنب !
لكن الأمر انتهى ولم يعد هذآ في صالحي ...
عشت مع طلال ونايف في جو من الضياع بالنسبة لي , أما بالنسبة لهم فالأمر مختلف ...
يوماً عن يوم بدأت أعتاد على بيئة الحفلات الصاخبة والمشروبات الروحية القاتلة ...
لم أرتاد المعهد منذ خبر وفاة أمي ...
أفضل الهروب من واقعي كثيراً , وأحاول نسيانه إلى أن بدأت تدب الخلافات بيني وبين طلال بعد شهرين من إنتقالي لشقته !
هذآ بالفعل مالم أتوقعه ...
في الحقيقة كان طلال يستغلني في كل شيء .. كل شيء ! , خصوصاً في الأمور المادية ..
أصبحت الممول الرئيس لحفلاتهم - مصاريف الأكل والشرب - مشروباتهم الكحولية !

أعتد على القيام بشراء المواد الغذائية لشقتنا الصغيرة في بادىء الأمر رغبة مني في المساهمة بشيء ما ..
لكن ما إن تحول ذلك سلباً علي وما لا أطيقه حقاً هو الإستغلال والطمع ...

كشر لي طلالُ عن أنيابه وبدأ يطلب المال مني صرآحةً وبجرأة غريبة , مظهراً لي عظيم معروفه بإبقائي في شقته وأنه لم يتركني للشوارع والكلاب على حد تعبيره !
رفضت ذلك الجشع بعدما طفح الكيل كثيراً , لكني فضلت أن أكون مبتعداً عن الإصطدامات معه ...

بعد كل مشادة بيننا أعود لأعتذر طالباً العفو ومقدماً له ما كان يريده مني حتى لا أخسره فأنا بحاجة له ولنايف وأما بالنسبة لنايف فقد كان يحاول قدر الإمكان أن لا يتدخل بأي أمر بيني وبين طلال ...
شخصية نايف عديمة الرأي , جعلت صاحبه يتمادى معي بشكل غريب ..

فيما يبدو أنّ طلال بدأ يتعمد إحداث المشاكل بيننا حينما قررت رفض دفع مصاريف الترفيه الخاصة به في عندما كنا في السينما !
استخدمت حلاً آخر لأتجنب طلال بأي شكل ممكن فقررت الخروج من شقته معظم الوقت مقنعاً نفسي بأني بحاجة مآسة للتغيير من الجلوس في مكان واحد ...

عموماً , عدت في أحد الأيام إلى شقة طلال الصغيرة في ساعة متأخرة نسبياً ...
وجدته محتضناً لحاسوبه ...
سلمت عليه فرد السلام دون أن يرفع طرفه إلي لحظة !
وقفت صامتاً لدقيقة مقلباً بصري بين المجلات المبعثرة على الطاولة ثم مضيت إلى غرفتي في سكون بعدما وجدت تجاهلاً وآضح ...

اعتد على أن أسحب كامل المبلغ الذي يخصصه والدي لي واحتفظ به حتى لا أكثر من إستخدام بطاقة الصراف الآلي لأن في ذلك رسوماً إضافية علي ..
وضعت أغراضي الشخصية على طاولة صغيرة بجانب سريري ثم فتحت أحد الأدراج التي وضعت فيها مالي لأضع مبلغاً بسيطاً جداً في محفظتي بعد أن صرفت كل ما لدي ...
فكانت الطامة ...
لا أثر للمال , فأيقنت مباشرة بأن طلال هو من قام بهذه الفعلة الشنيعة وهو الذي سرق المال ...
خرجت غاضباً وقلت بصوتٍ مرتفع :
" طلال وين الفلوس ؟! "
فرد ببرود وبطريقة تظهر لي تحدٍ يمازجه غرور :
" ما عندي لك شي , ولا ترفع صوتك لأقص لسانك "
لم أتمالك نفسي فهجمت عليه بكل ما أوتيت من قوة ...
استقيظ نايف وخرج مسرعاً ليفض الإشتباك بعدما كدت أن اقتله بين يدي ...

صدمت حقاً بهم !
قلت له بنبرة حزينة : " أسرقني يا طلال "
" اسرقني وأنا أخوك , وخل الفلوس لك ما عاد أبيها منك "
اتجهت إلى غرفتي وقد انسابت دمعة من عيني بسبب تلك الصدمة ...
دمعتي لم تكن من أجله , بل إنها من الغيظ الذي اتلف ما في دآخلي ...

كنت أعتقد أن الدم والأرض ووحدة الجنسية كفيلة لأن تجعلني أثق بمن يحملهم !
لكن هذا لم يعد صحيحاً بعد الآن , فمن تربطني به قواسم متشابهه مشتركة , أصبح عدوٌ لدود ...


بدأت بجمع حقائبي , فأنا لم يعد لي مكاناً بين أعداء يحملون نفس الهوية التي أحملها ...
وخرجت إلى مصيرٍ مجهول لا مال ولا ملجأ ...
لم يكلف طلال نفسه بطلب الجلوس حتى يوم الغد على الأقل !
مؤكدٌ هذا , كيف أرجو ذلك من شخص قام للتو بسرقتي ؟!
أما نايف فأنا لم يعد بإمكاني التفريق بينه وبين أي جماد في الغرفة ..

أمضيت تلك الليلة في الشوارع أجر حقائبي يحيط بي خوف شديد من أن أكون عرضة للسرقة ...
ما أفضع سياتل في الليل !
كأنها مدينة للإشباح , ترتجف كثيراً عندما تسمع هدير محرك قادم !
أو حتى يفاجئك نباح كلب رأك وأنت تمشي وأراد أن يبث الخوف فيك ليمنعك من الإقترآب ...

خطر لي أن أتصل بالشيخ ياسر حالما تبدأ الشمس بالإشراق ...
لا مآذن ترفع صوت الحق هنا ...
تذكرت كم أنا مفرط في صلاتي ...
لم أقم بأدائها منذ ذلك اليوم المشؤم حينما بدأت بشرب السم !
حتى ذلك الصوت في داخلي الذي كان يشعرني بالذنب لمجرد تأخير الصلاة , لم يعد موجوداً ...
لقد سلكت طريق الهلاك بإرادة مني وبقيادة من طلال ونايف ...
وها أنا أعود من طريق آخر , هو طريق الندم على ما مضى !

اتكئت برأسي على جدار مبنىً قديم بني من الطوب رافعاً رأسي لأتأمل عامود الإنارة ...
فتذكرت قول الرب جلّ وعلا :

وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ{55} أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ{56} أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{57} أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ{58} بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ{59} وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ{60} وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ{61}

وقفت كثيراً عند هذه الآية وبدأت بترديدها في دآخلي :
{ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ }

غفوت لكن ذلك لم يدم طويلاً إلى أن مر أحدهم بسيارته ففزعت !
أطل فجر جديد يخفي لي مفآجأت لا أدركها ...
فاتصلت بالشيخ يآسر ...

أجاب على هاتفه مبدياً شوقاً لي ...
أخبرته بأني أحتاجه كثيراً في أقرب وقت ممكن , فأعطاني وقتاً ومكاناً لنلتقي به بعدما أحس بأن هناك أمراً أخفيه ...

الساعة التاسعة عند المنتزه القريب من شقة طلال ...
بدأت أجر حقائبي إلى هناك , حتى لا أتأخر على الشيخ ياسر , فأنا مفلس وليس لدي ما أملكه ثمناً لسيارة الأجرة ...

وصلت بعد تعبٍ وجهد قبل الموعد بساعة ونصف فاسترحت على الأرض الخضراء جالساً على حقيبتي الكبيرة ذات العجلتين ...

ساعتين مضت ببطء شديد جداً , فكرت مالذي سأقوله لياسر ؟
كيف أبدأ ..
هل سيقبلني ضيفاً عنده ؟!

رأيت ياسر مقبلاً من بعيد يمشي بخطواتٍ متباعدة وظاهره إبتسامةً عريضة بعدما رأني قبل أن أراه ...
فأظهرت إستعداداً لسلامٍ حآر ....

ما أجمله من شعور حينما تكون بشوق إلى أي شخص تحس بأنه ملاذك الأخير ...
تشعر أنك ما زلت قوياً كفاية لا لشيء لمجرد حضوره فقط ...
احتظنته بقوه بينما كان ظاهره علامة تعجبٍ كبيرة عن سر هذه المحبة !

سألني بغرابة حينما أدرك وجود حقائبي بإستغراب شديد .." فهد ايش القصة ؟!!"


يتبع ,,,
 
إنضم
6 سبتمبر 2010
المشاركات
468
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
رد : فهد .. وآنتهت رحلة أمريكآ بسجن آلحائر ...!

10

أخبرت ياسر بما حصل معي منذ آخر مرة رأني فيها , بعدما دعاني إلى كوبٍ من القهوة الدافئة ..
لم يكن يصدق أن كل هذا حدث في مدة قصيرة كهذه ...
ثم طلبت منه بخجل أن أقيم عنده بضعة أيامٍ لحين تمكني من تدبر الأمر , قال لي بأني مرحب بي دائماً وأبداً ...

شعر بأني منهك جداً , فأنا لم أنم منذ فجر يوم الامس ! انهكني الجوع ..
نهض وقالي لي هيا لا نريد إضاعة الوقت أمسكني بيد وحقيبتي بيده الآخرى وبدآ يشدني مازحاً إلى حيث سيارته العائلية ..

لله ما أجملها من سيارة , إن لها ذكريات عظيمة في ذاكرتي ...
طوال الطريق كنت مبتسماً فرحاً وهادىء ... لا يمكن أن لكم أصف مدى طمأنينتي ..
ما أجملها من لحظات حينما استمعت لنفس الشيخ الذي كان يقرأ القرأن حين وصولي لأرض سياتل ..

وصلنا للمنزل ...
صغير جداً في حي متواضع نسبياً , أخذ الشيخ ياسر يخبرني عن الجيران قبل أن ندخل منزله الصغير ..
" صاحب تلك الكورلا الحمراء هو الشيخ محمد علي " وهذا منزل الشيخ لطيف يعمل طبيباً في عيادة خاصة ..
شرح موجز لأناس اظن أنهم أفضل بكثير من بني جنسي بعد صدمة قاتلة!

قام ياسر مشكوراً بواجب الضيافة , رأيت ابنه محمد وابنته ليلى ..
عصفورين طغت عليهم التربية الإسلامية في لبسهم وطريقة حديثهم ..
داعبتهم قليلاً ... فتذكرت أخي زياد بشوق .. هو في سن محمد كما يبدو لي ..

جهّز لي الشيخ ياسر غرفة متواضعة , تمتلىء بالكتب والمجلدات ...
أخبرني أنها ستكون لي معتذرا عن صغر حجمها ... فلم يزدني ذلك إلا إحتراماً لياسر ...

تموت أمك ثم تطرد من منزلك ثم يغدر بك أصحابك ثم تجد شخصاً ينتشلك من غياهب الضياع أخيراً ..
ألا يدعوني ذلك لأن أكن إحتراماً بالغاً للشيخ ياسر ؟!

ما أجمل هذا البيت وبيئته النظيفة الطاهره التي تعج بروائح طيبة جداً ...
استرحت بعد عناء على فراشٍ امتد على الأرض فكانت أجمل نومة لي منذ قدومي لهذه المدينة التي حملت لي مصائب الدنيا !

استيقظت في ساعة متأخرة , سمعت صوتاً خفيفاً يصدر من الغرفة المجاورة ...
دفعني الفضول لأن أعرف ما هية هذا الصوت ...
كان صوت الشيخ ياسر يقرأ القرآن بليلٍ مظلم , رق قلبي كثيراً , تركت الصلاة لمدة طويلة فتبلد إحساسي ...
قربت أذني إلى الحائط اسمع , بينما عيوني تفيض من الدمع ...
تشهدت مجدداً ...!
فتحت الباب ذاهباً لدروة المياه أجلكم الله , فتوضأت بتأنٍ , أحس بي ياسر عندما سمع صوت الباب يفتح ...
جائني وألقى السلام ...
أخبرته أني أريد أن أصلي ركعتين لله الواحد القهّار , أرشدني لإتجاه القبله وهو فرح وقال لي بأننا سنصلي جماعةً في المسجد ...
يالله منذ متى وأنا لم أدخل في المسجد جماعة ؟!
قلت بحماس خيراً إن شاء الله ...
صليت ركعتين دعوت الله كثيراً فيها وحمدته على فضله العظيم ونعمه التي لا تعد ولا تحصى ...
سبحان من تكفل بنا من فوق سبع سموات عظام ..

انهيت صلاتي وانتظرت الشيخ ياسر ليأخذني للمسجد ...
وصلنا للمسجد قبل دخول الوقت بقليل , ظننت أنه لن يكون أحد في المسجد سوانا معتاداً بذلك على مسجد حينا في الرياض ...
منظر يبهج أي مسلم .. المسجد يكتظ بالمصلين .. وأصواتٍ ندية تنطق بقول الحق تشابكت كانها دويُ لخلية نحل ...
صلينا الفجر في جماعة شعورُ يجعلك فرح ومبتهج , وبعد أن أنهيت صلاتي قام الشيخ ياسر بتقديمي لجماعة المسجد ..
رحبوا بي كثيراً , حتى أنهم بدأو يتخالفون فيما بينهم عن من هو الشخص الذي سيدعوني لطعام الإفطار عنده !
استقر الأمر عند الشيخ محمد , ركبت مع ياسر بينما كان الشيخ محمد يتقدمنا بسيارته الكورلا ..
بيئة إيمانية سامية يتمتع بها ياسر في حيّه المتواضع ...
في منزل الشيخ محمد كنا نتبادل الأحاديث عن مواضيع مختلفة , لم يكن ياسر يرغب إخبار قصتي أحداً من الجيران ...
حتى لا يظنون بي ظن السوء لا سيما أني كنت مدمناً سابق على الكحول ...

عدت مع ياسر إلى منزله لننام قليلاً قبل أن يجد هو بطلب رزقه , فهو لا يمتلك وظيفة ..
بل يحاول كسب العيش عن طريق المشاوير الخاصة والسعي في العقارات وغيرها ...

نام ياسر ولم أنم أنا , كنت افكر مالذي سأقوله لوالدي عندما أطلب منه مالاً إضافياً ...
فمرتب الإبتعاث قد أوقف عني بسبب خطاب المعهد للسفارة , الذي كان فيه عرضاً لوضعي وعن عدم قدومي لمدة فاقت أربعة أشهر وعن سبب حصولي على الفصل !

أجلت الإتصال بأبي حتى الليل ليتوافق مع التوقيت الزمني للمملكة ...
استيقظ ياسر وعرض علي مرافقته في طلب رزقه حتى نتسلى في الطريق سوياً ...
وافقت ...
جميلٌ أن تكون مع صاحبٌ خيّر , يذكرك بالله , وينصحك ... وهذا ما كان ياسر يفعله معي ...
حيث أصر بشدة على أن أرجع مجدداً لمقاعد الدراسة لكني رفضت ذلك مبرراً أني لم أستعد لذلك الآن ...
ما مضى يتطلب مني فترة نقاهة طويلة !

المهم عدنا من طلب الرزق إلى المنزل في المساء , كنا قد تناولنا طعام الغداء في السيارة بعد أن أعدت لنا زوجة ياسر غداءً شهياً ...

أمرت الشيخ ياسر أن يدخل لأهله وأنا سأتحدث مع والدي ثم أنام ...
لكنه طلب مني التريث حتى أن ناكل طعام العشاء سوياً فأقسمت عليه أن يأكله مع أهله .. فإن لهم حقاً كبيراً عليه لا أريد أن أكون المتسبب في ضياعه ...

اتصلت بوالدي , حنيني إليه في هذه المره لم يكن كما في السابق , وددت أن أقبل كلتا يديه وجبينه ...
صوته يجعلني أحس برجولتي , خاصةً عندما يناديني بكنيتي كعادته كيف حالك يا بو سعود !

أخبرت والدي أن المال قد سرق مني , فقد سطا أحد السارقين على منزل لويز , وكنت من ضمن الضحايا !
كانت كذبة محبوكة ,لكن أبي لم يكن يهمه المال بقدر سلامتي !
قال لي في الحال يا بني سأقوم بتحويل لك المتوفر , وأرجوا أن تمهلني يومين لأتدبر لك الباقي ...
وبالفعل وصل المبلغ , لم يكن كبيراً كما كنت أتوقع , يبدو أن والدي يعيش تحت ظروفٍ مادية , لأن أبي لم يبخل في حياته علي !
انتظرت ليومين لحين أن يتم تحويل المبلغ المتبقي فأنا أريد أن أستقل بسكنٍ خاص ٌ بي ...
خلال هذه اليومين كنت أتردد في الصباح على المسجد مشياً على الأقدام ...
أجلس هناك حتى لا أضايق زوجة الشيخ يآسر ...
قراءة القرآن والتدبر في معانية جعلتني أدمنه ... لله ما أجمله من إدمان !
قد تكون الظروف المحيطة من حولي هي السبب ..
ترا أناساً لا يتوالون عن قراءة القرآن , تحتقر نفسك كثيراً إن لم تلحق بالركب وتكن منهم ...

أندهش لقوة وعظم القرآن فمثلاً في قوله تعالى :

{ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ } [الذاريات:21]

أفكر كثيراً في جسدي ! ... الدم , القلب , الكبد , الكلى , كلها تعمل وفق نظام دقيق ومعقد ...
سبحان الله , لماذا يوجد في أجسادنا دم ؟!
لماذا لم يكن ماء أو زيت أو بدون دم حتى؟!
بل لا لماذا يتوافق الدم الذي يحمل فصيلة معينه إلا مع أنواعاً محدده من الأجساد ؟!
تشعر بالعجز لتعرف الإجابة على تلك الأسئلة فتدرك عظمة الخالق وأن الله على كل شيء قدير ...


المهم أنني حصلت بعد يومين على مبلغ جيد , يؤمني لي سكناً متواضع كما أخبرني ياسر ...
وبدأت بالبحث عن شقة صغيره مع ياسر ...

في يوم جميل كنت عائداً فيه من المسجد بعد صلاة الظهر , اتصل بي ياسر يخبرني بأنه استطاع الحصول على سكنٍ مناسب وبسعر منخفض ...
فرحت , وذهبت شوقاً للمكان ..إنها شقة صغيرة لشخص واحد تحتاج لإعادة صبغ وبعض التعديلات البسيطة لكن لا بأس ...
لم تكن لدي الخيارات الكثيرة , فجلوسي عند ياسر قارب العشرة أيام لذا قبلت فوراً ...

انتقلت بعد يومين إلى سكني الجديد بعد دفعي للمبلغ المتفق عليه , والحمدلله تبقى لدي القليل من المال لكنه يكفي ...
أجبرت نفسي على أن أتعلم مهارة الإقتصاد بشكل قاسٍ , لحين قدوم الشهر القادم , أو أن أتدبر لي عملاً ينقذني من الهلاك ...

بدأت أبحث في الصحف عن إعلانات للعمل , وجدت الكثير منها ... فاخترت الأقرب والأسهل ...
كان عبارة عن مكان لإرتشاف القهوة ...
تقدمت إليهم ومن حسن الحظ أنهم كانوا بحاجة ماسة لأي شخص يقبل بهذا العمل ...
كانت راتبي قليل جداً , لكن الحمدلله , سيفي بالغرض ...
أحتاج لشهرين تقريباً حتى أتمكن من العودة للرياض ... فالإجازة الصيفية ستكون بعد هذه المدة ...

بدأت العمل هناك , المكان مزدحم .. مهمتي هي التنظيف بناءً على طلبي ...
فأنا لا أحبذ الإحتكاك بالناس كثيراً ...
الحمدلله العمل جيد , وقريب من سكني , ثلاثة عشر دقيقة مشياً على الأقدام ..
بدأت اتفائل بالحياة مجدداً ... ياسر ما زال على اتصالٍ بي فأنا أزوره مرتين أسبوعياً..

اسيقظت في أحد الأيام على صلاة الفجر .. قلت في نفسي يوم رائع وجديد , صليت وبحماس إنطلقت إلى المحل ...
فطبيعة عملي تفرض علي أن أكون أول المتواجدين وآخر المغادرين ...
لم أكن أتوقع بأن هذا اليوم يحمل لي مفاجأة من العيار الثقيل ...
فتحت الباب وبدأت بترتيب الطاولات وأماكن الجلوس ...
الشطف والغسيل - تنظيف الزجاج .. أظن أنه عمل ممتع على شخص يأس من الحياة .. ويأمل مغادرة هذا المكان إلى الأبد ...
اكتظ الناس , الكل يريد الحصول على كوبٍ من القهوة قبيل الذهاب لأعمالهم ...


لكن ما لم اتوقعه هو روؤية ليندا مجدداً .. إنها في المحل !


يتبع ,,,
 
إنضم
6 سبتمبر 2010
المشاركات
468
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
رد : فهد .. وآنتهت رحلة أمريكآ بسجن آلحائر ...!

11

كنت في المحل أقوم بعملي المعتاد إلى أن دخلت ليندا !
تواريت عندما رأيتها بسرعة كبيرة مبتعداً عن الأنظار وخافضاً رأسي وجسمي أرقبها من مكانٍ خاص بنا نحن بالعاملين ...
استدرت صارفاً نظري عنها وجلست أفكر مالذي سأفعله الآن ...
مجدداً أكره الخيارات , أكرهها بشدة ! ...
سألت نفسي : هل أقوم بالسلام عليها لأبدي إعتذاري عن فعلتي القديمة ؟!
أم أدعها ترحل إلى عالم النسيان الذي يبدو أنه لن يفتح أبوابه في وجه ليندا بالذات !
ماذا ستكون ردة فعلها فيما لو رأتني ؟!


تشجعت فرفعت رأسي لأحدد مكانها بين الزحام ...
وجدتها قد أخذت زآوية صغيره محاولةً الإنعزال وتقرأ في كتاب ذو غلاف أبيض وبجانبها كوب قهوتها الساخنة الذي تصاعدت منه أبخرةً بيضاء ..

لا بد من أن أبدي إعتذاري لها لكن ما إن عدت أفكر للمرة الأخيرة ...

بالكاد , تغلبت على حبي لها.. هل أعيد الكرّة مرتين ؟!
أخيراً عقدت العزم وأخذت أنظر مرة أخرى إلى مكانها , فمازالت تقرأ ويبدو عليها الإنسجام ...
نفس عميق ثم نهضت بحماس , اتجهت إليها مباشرة متجاهلاً شخصاً كان يناديني لأقوم بخدمته ...

وقفت أمامها مبتسماً ...

ليندا .. مرحباً !

رفعت ناظرها إلي فارتجفت بشكلٍ مفاجىء لا شعوري .. وكأنها رأت شبحاً مخيف !

لم تنطق بحرفاً واحداً ... بل قامت فوراً بترتيب أوراقها على عجل مقفلةً كتابها الأبيض متجاهلةً وجودي ...

قلت لها وأنا أشاهدها تهم بالخروج :
ليندا لا أريد شيئاً منك .. كل ما أريده هو أن أعتذر لك عما بدر مني , تعلمين تماماً بأني لم أكن أحمل عقلاً حينها ..
أخرجت من حقيبتها قيمة القهوة ووضعته على الطاولة ثم إتجهت للباب دون أن تعيرني اهتماماً ..


لحقت بها .. ليندا توقفي كانت أسرع مني في المشي , فركضت لأتمكن من الوصول لها !
تمكنت من مجاراتها وأنا أقول لها ليندا أرجوك أريد فرصة لأبرر .. ليندا من فضلك ..

أمسكت بيدها لا شعورياً لأجبرها على الوقوف , فصرخت بغضب !
" ماذا تريد مني ؟! "
تغير لونها إلى إحمرارشديد .. وأصبح جسدها يرتجف بشكل ٍ وآضح ...

تركت يدها بعدما صرخت , وأنزلت رأسي ثم قلت بعد لحظة صمت وبصوت تحطم كثيراً قد خرج مني غصبا :
" أنا آسف ليندا .. إني آسف "
واستدرت عائداً لعملي وهي واقفة قد انسابت منها الدموع ...

عدت للعمل بضجر أحمل روحاً منكسرة , امشي بجسدٍ هزيل منهك ..
طلبت من زميل لي أن يمسك عنّي عملي هذا اليوم وسأقوم بالتعويض له في يوم العطلة ...

صدآع شديد في رأسي أصابني جراء هذا الموقف ...
الحب لا يعرف طعم الرحمة أبداً , لم أكن على قناعة يوماً ما بأن هناك حب أو محب قد يتعذب لأجل حبيبه ...
اليوم أمثل دور المحب المصدوم بشدة ...
تتغير قناعاتنا دائما بعد التجارب ..!
خرجت من المحل بقلبٍ يرتجف بقوة .. ولم يهدأ بعد ..
كنت أمشي أبحث عن الأمل في أي شيء , قد كآن هناك أمل بـ ليندآ ... وللأسف مآت.

عدت إلى سكنيٍ محبط الهمة لأنام وأهرب من نفسي والواقع مجدداً ...
النوم بالنسبة لي أصبح حل بديل لأن أكون خارج مدينة المصائب " سياتل " !
لم أتمكن من الذهاب للعمل من الغد ... جلوسي أفضل .
اتصلت بالشيخ يآسر طوال اليوم الذي اعطيت لنفسي فيه إجازة ... كان هاتفه مغلق ... فلم يعد لي أحد غير ياسر هنا ...
أخطأت كثيراً بحق نفسي هذا اليوم , نظرت للمصحف الشريف فقمت لأقرأ في وقت متأخر جداً من الليل ...

كنت أقرأ في سورة التوبة إلى أن وصلت للآية رقم ( 40 ) :

{إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة40

ما أجمل القرآن الكريم ... هدأت نفسي كثيراً بعد أن قرأت تلك الآية الشريفة ...

قررت الذهاب إلى العمل تاركاً ما حدث قبل البارحة خلف ظهري ..
وصلت إلى المحل قبل الوقت المعتاد بكثير , وانهمكت في عملي بجد حتى أقطع فرصة التفكير بـ ليندا !
نظرت إلى الزاوية التي جلست فيها ليندا , ذهبت لأنظفها ...
يالسخرية ! .. كم تمنيت وأنا أمسح تلك الطاولات , ممسحةً خاصة بعقولنا , نمسح بها ماضينا الأسود وذكريتنا السيئة ...
بدأ زملائي بالتوافد شخصاً فشخص ...
حتى جاء شاب يدعى " باول " .. الذي قال لي بأن هناك شخصاً ما قد وضع لي هذه ..
كانت ورقة صغيرة ... ظننت أن باول هذا مخطىء ...
من يريد ترك رسالة لي إلا أن تكون شكوى او ملاحظة من قبل أحد الزبائن ...
فتحتها بفضول لأرى محتواها ... لقد كانت رسالة من ليندآ ...!

" أهلآ فهد ... أعتذر عن تصرفي معك البارحة , لقد طلب مني والدي بعدم التحدث إليك أبداً ...
أعلم أنك لن تفعل شيئاً يؤذيني لكن ما حدث أفقدني الثقة بك كثيراً ...
أنا أسامحك يا فهد ...
ليندآ "

كانت الورقة تحمل تاريخ الأمس ... ليندا كانت هنا يوم الأمس !
هذه الدنيا غريبة حقاً .. لقد ظننت أنها ستقاطع شركة القهوة بأكملها من أجلي ..

بدأت اتناسى ليندا حتى أنعم بحياة طبيعية كباقي البشر .. أحب التفاؤل , فالنهوض من المصائب يجعلك إنساناً ناجحاً بلا شك ...
لا بد أن امضي بحياتي ... صحيحٌ أن الظروف تمنع ذلك , بدءً من الفصل الذي حصلت عليه من المعهد ...
لكن الأمل ما زال يكبر في داخلي فعودتي للرياض أصحبت وشيكة جداً ...
شهرين فقط ... شهرين حتى أودع سياتل بلا عودة ...
ليندآ , طلال وكل ما تحتضنه سيآتل سيكون من الماضي بالنسبة لي بعد شهرين من الآن ...

اتصلت بوآلدي لآخبره بكذبة أخرى ... " أبي لقد فشلت في المعهد وحصلت على رسوب !"
حاول والدي أن يخفف عني مصيبة الفشل التي ظنّ أنها هي الشيء الوحيد مما وآجهني ...
رحمك الله يا والدي , فأنت معذور .. لا تدري عن جميع أحدآث تلك السنة المرعبة !
نعم , إن الفشل أحدها وهو شيء يسير جداً مقارنة بما حصل ..
طلبت من والدي أن لا يخبر أحداً بقدومي فأنا أريده سراً ... وعآرضت فكرة الوليمة حتى للأقارب الخاصين جداً مدعياً أنني لن أقبلها احتراماً فقط لأمي ...

قاربت المدة على النهاية ... انتظر بشوق يوم السفر وكأنني أعيش في سجنٍ كبير ! ...
بدأت استعد للسفر .. انهيت موعد الحجز واشتريت التذاكر مبكراً حتى تكون بسعرٍ أقل ...
كنت أحمل التذاكر معي في كل مكان , لقد كانت تشعرني بسعادة غامرة ...
بدأت أقضي وقتاً ممتعاً .. ارتاد فيه السينما , الأسواق والمطاعم كسائح للتو وصل إلى المدينة ...

وحآن وقت السفر إلى الرياض ... فرق كبير بين الرياض وسياتل ...
تباً لسياتل ! ... لم أدرك كم أن الرياض جميلة في حياتي بقدر هذه المرة ...

لم أنم ليلة السفر من شدة شوقي ليس للرياض .. بل لأن أهرب من مدينة الضياع ...
اتصلت بياسر قبيل الفجر فأنا أعلم بأنه يقوم الليل في مثل هذا الوقت المتأخر ..
طلبت منه الدعوات الصادقة , فأنا مغادر بلا رجعة ..!
قلت له بأن الشقة مازآلت بإسمي .. لدرجة أني لم أفكر حتى بإنهاء إجرائتها ...
كل ما اهتم له هو الرحيل ...
أخبرته بأني سأضع له المفتاح تحت السجاد الصغير خارج الشقة ...
لم أفعل ذلك إلا محاولة لردٍ الجميل لياسر بأي طريقة , ظننت أنه قد يحتاجها ..
بدأ يآسر بعرض خدماته علي بإصطحابي للمطار , فأقسمت بألا يفعل ذلك ... طلبت منه أن يقّبل محمد وليلى من أجلي ... ووادعته .

رحلتي في الساعة التاسعة ونصف .. مازال الوقت مبكراً لأخرج ...
لم احتمل الجلوس فطلبت سيارة أجرة للمطار وخرجت ...

وصلت للمطار مبكراً وقد اشرقت الشمس بينما نحن في الطريق ..
جلست منتظراً في أحد الصالات الكبيرة في المطار , محدقاً بلوحة القدوم ...
أجهل ما ينتظر هؤلاء القادمين من المصائب في هذه المدينة .. كان الله في عونهم ..!

قبل الرحلة بساعتين , بدأت في إنهاء إجراءات سفري ...الحماس كبير جداً ...
لن أرتاح إلا عندما أحس أنني في الجو !

وبعد ساعات أخيراً قرروا فتح بوابة الطائرة , أقسم أنها كانت أجمل من بوابة مطار الرياض تلك بألف مره !
كنت أول شخص يصعد على متن الطائرة .. أخذت مكاني وبدأت أحرك ساقي لأتخلص من التوتر ...
تجمع المسافرون في الطائرة وما كادو ! ... المحطة القادمة هي نيويورك ...

كنت أحمد الله كثيراً حينما بدأت طائرتنا بالإقلاع ... أخيراً تركت هذه الأرض القبيحة !
لم يتبقى الكثير .. نيويورك أخف بكثير من سياتل وإن كانت هي أختها ...

وصلنا إلى هناك في الموعد المحدد تماماً ... تعجبني فيهم دقة الموآعيد ..
جلست في مطار نيويورك في نفس القهوة التي أخذني لها سيء الذكر طلال !
هذا هو نفس المكان الذي جلسنا فيه نتحدث حينما ظننت أنه أروع شخص قد أحصل عليه في أمريكا !
أعود لنفس المكان مع قناعتي بأنه أسوأ شخص رأيته في أمريكا !

أعلنوا عن فتح بوابة الطائرة .. ركضت إلى هناك ركضاً
وكالعادة , كنت أول شخص يصعد على متن الطائرة ...
جلست منتظرا الإقلاع بفارغ الصبر ... إلى أن جاء شخص من المملكة ليجلس بجانبي !

لا .. لا أريد المفاجئات في الطائرة أيضا !!
سألني بعد اشتباه ... أنت سعودي ؟!
فقلت له " اسمع ياخي , أنا سعودي لكن مريض نفسي , الله يخليك خلني في حالي !! "

أعلم أن تصرفي كان في قمة الوقاحة , لكني لم ارغب بمعرفة أحد في هذا الوقت , جلّ ما أريده هو الوصول للرياض ...

بعد فترة طويلة جداً بالنسبة لي , إنطلقت طائرتنا في الجو ..
أجمل وأروع شعور يمكن لإنسان أن يحس به على الإطلاق !
العودة للوطن بعد العذاب في الغربة ....

وصلت إلى مطار الملك خالد يحدني شوقاً لأرضه , كنت من أول الوآقفين بعد إعلان قائد الطائرة سلامة الوصول ..
فتحوا لي البوابة ... تنفست رائحة المطار بفرحة بالغة ...

أنهيت الإجراءات اللازمة ... وهناك كآن أبي ..
لقاء حار حضره أخي مشعل .. لقد بكيت كالطفل ! ... لا أحد يعلم ما كنت أعانيه هناك ..
لم يتوقع أبي أن أكون ضعيفاً لمجرد أني وصلت بعد سنة في الغربة !!
احتضنت مشعل بقوة كبيرة الذي انكر علي تلك الدموع ؟..
هي دموع الفرح يا مشعل .. ليتك كنت تدري !

تذكرت كلمات الشاعر بدر بن عبدالمحسن في طريق العودة المنزل .. " آهـ ما أرق الرياض .. تالي الليل !"
فعلاً كم هي رقيقة وجميلة ...
وصلت للمنزل بعد سنة كاملة ... البيت لم يكن إلا مكاناً يفتح لي ذكرياتي القديمة مع أمي ..
ذهبت إلى غرفتها يدفعني شوق وألم .. رائحة أمي ما زالت هنا ...
أحن كثيراً لأمي ...
انهكني التعب فنمت على فراشها الطاهر طويلاً ...!


يتبع ,,,


الكثير من التغيرات والأحداث المفاجئة ستكون قادمة !
لم تنتهي القصة بعد !
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.