الصابرة المحتسبة
**مشرفة قسم ذوي الإعاقة **
آن الأوان
د.عصام عبداللطيف الفليج
تفاحة ثابت.. واليوم العالمي للتوحد
بينما كان رجل يسير بجانب مزرعة وجد تفاحة ملقاة على الأرض، فتناول التفاحة وأكلها ، ثم حدثته نفسه بأنه أتى على شيء ليس من حقه، فأخذ يلوم نفسه، وقرر أن يذهب الى صاحب هذا المزرعة، فاما أن يسامحه في هذه التفاحة، أو أن يدفع له ثمنها، وبالفعل ذهب الرجل لصاحب المزرعة وحدثه بالأمر، فاندهش صاحب المزرعة لأمانة الرجل، وقال له : ما اسمك؟؟ قال له: ثابت.
قال له: اسمع يا ثابت.. أنا لن أسامحك في هذه التفاحة الا بشرط واحد.. وهو أن تتزوج ابنتي، واعلم أنها خرساء.. عمياء.. صماء.. مشلولة، فاما أن تتزوجها، والا فلن أسامحك في هذه التفاحة!
فوجد ثابت نفسه في حرج.. تفاحة مقابل تلك الفتاة! وأخذ يوازي بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فوجد نفسه مضطراً لأن يوافق على هذه الصفقة حتى يسامحه صاحب المزرعة.
وحين حانت ساعة الزواج، التقى ثابت بتلك العروس الخطيرة.. واذا بها آية في الجمال والعلم والتقى، فاستغرب كثيراً.. لم وصفها أبوها بأنها صماء خرساء عمياء مشلولة؟!
فلما سألها مستغرباً لذلك الوصف، قالت : أنا عمياء عن رؤية الحرام، وخرساء عن قول ما يغضب الله، وصماء عن سماع الغيبة والنميمة، ومشلولة عن السير في طريق الحرام، وقد أعجب أبي بأمانتك، فلم يجد أفضل منك زوجاً لي، فكانت مكافأة رائعة لتلك الأمانة، وكان ثمرة هذا الزواج: الامام أبا حنيفة النعمان بن ثابت.
أذكر هذه القصة لأنه يصادف هذا اليوم، الثاني من ابريل «اليوم العالمي لمرضى التوحد»، ذلك المرض الذي لم يستطع العلم التعرف على أسبابه، وبالتالي لم يستطع معالجته.
يتسم هذا المرض بالغرابة، فهو متعدد الصفات، ومختلف الآثار بحسب الاصابة، ومثله مثل أي مرض.. كلما أمكن اكتشافه من خلال التشخيص المبكر، كلما قلت مشاكله وأمكن التعامل معه بشكل أفضل.
ولا شك أن الأسرة تعاني كثيراً من هذا المرض، لأنه يحتاج عناية خاصة جداً، فهو وان لم يكن اعاقة بدنية بقدر ماهي اعاقة ذهنية، فانه بالغ في الصعوبة لأن المصاب يكون بكامل قواه البدنية، مع شرود وعلامات حزن على الوجه، مقابل ذكاء ودقة في مشاهدة التفاصيل ودقائق الأمور.
وتشرف وزارة التربية على رعاية «مرضى التوحد» في التعليم النوعي، ولكنها تقليدية، حالها حال جميع مدارس التعليم الخاص، مما اضطر العديد من أولياء أمور المعاقين المقتدرين لانشاء مدارس خاصة لرعاية أبنائهم وأبناء المعاقين من نفس الاعاقة. أي أن القطاع الخاص والأهلي هو الذي أنقذ هذه الشريحة من الضياع. مما اضطر الحكومة لانشاء المجلس الأعلى للمعاقين، ودعمه بميزانية مميزة لمساعدة أولياء الأمور في علاج أبنائهم، ودعم تعليمهم في المدارس الخاصة للمعاقين.
وعلى ذلك قامت د0 سميرة السعد مع ثلة من المخلصين بانشاء «مركز الكويت للتوحد» بدعم من الأمانة العامة للأوقاف ليستوعب التوحديين، وبعد النجاح الكبير الذي حققته ونقل تجاربها الى دول أخرى وحصولها على جوائز عالمية، خصصت الدولة أرضاً لانشاء هذا المركز في ضاحية مبارك العبدالله الجابر، وتم بناؤه بدعم من المحسنين الكرام، وأحمد الله أنه تم بناؤه قبل الانهيار الاقتصادي.. والا لتوقفت التبرعات، وآمل أن تستكمل الدولة دعمها لهم.
وبخط مواز تم انشاء «جمعية التوحد الكويتية» بتحرك ودعم من د0 فؤاد العمر، حيث تعمل هذه الجمعية على ربط أولياء الأمور ببعضهم لرفع معنوياتهم وتزويدهم بكافة المستجدات على الساحة، واقامة الأنشطة المنوعة لهم، ولهم دور كبير في ذلك المجال.
ومن الأدوار الايجابية ما قامت به شركة مطاحن ومخابز الدقيق الكويتية بانتاجها خبز (توست) خاص للتوحديين يصنع من الذرة، وهو خالي من مادة «الجلوتن» التي تسبب تزايد النشاط (هايبر) وتقدمه بسعر رمزي، مع توصيل مجاني للمنازل، حيث ان كلفته في السوق عالية جداً، فكل الشكر للأستاذ صلاح الكليب رئيس مجلس الادارة على هذه المبادرة.
«مركز الكويت للتوحد» نموذج ايجابي لتعاون المجتمع.. حكومة وتجاراً لمساعدة هذه الشريحة من التوحديين، لتخفيف معاناة الوالدين شيئاً ما، وليس لي سوى أن أدعو لهم بالشفاء العاجل، وللوالدين بالصبر الجميل، عسى الله أن يأجرهم ويخلف لهم خيراً، كما أخلف على ثابت.
تاريخ النشر 02/04/2009
د.عصام عبداللطيف الفليج
تفاحة ثابت.. واليوم العالمي للتوحد
بينما كان رجل يسير بجانب مزرعة وجد تفاحة ملقاة على الأرض، فتناول التفاحة وأكلها ، ثم حدثته نفسه بأنه أتى على شيء ليس من حقه، فأخذ يلوم نفسه، وقرر أن يذهب الى صاحب هذا المزرعة، فاما أن يسامحه في هذه التفاحة، أو أن يدفع له ثمنها، وبالفعل ذهب الرجل لصاحب المزرعة وحدثه بالأمر، فاندهش صاحب المزرعة لأمانة الرجل، وقال له : ما اسمك؟؟ قال له: ثابت.
قال له: اسمع يا ثابت.. أنا لن أسامحك في هذه التفاحة الا بشرط واحد.. وهو أن تتزوج ابنتي، واعلم أنها خرساء.. عمياء.. صماء.. مشلولة، فاما أن تتزوجها، والا فلن أسامحك في هذه التفاحة!
فوجد ثابت نفسه في حرج.. تفاحة مقابل تلك الفتاة! وأخذ يوازي بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فوجد نفسه مضطراً لأن يوافق على هذه الصفقة حتى يسامحه صاحب المزرعة.
وحين حانت ساعة الزواج، التقى ثابت بتلك العروس الخطيرة.. واذا بها آية في الجمال والعلم والتقى، فاستغرب كثيراً.. لم وصفها أبوها بأنها صماء خرساء عمياء مشلولة؟!
فلما سألها مستغرباً لذلك الوصف، قالت : أنا عمياء عن رؤية الحرام، وخرساء عن قول ما يغضب الله، وصماء عن سماع الغيبة والنميمة، ومشلولة عن السير في طريق الحرام، وقد أعجب أبي بأمانتك، فلم يجد أفضل منك زوجاً لي، فكانت مكافأة رائعة لتلك الأمانة، وكان ثمرة هذا الزواج: الامام أبا حنيفة النعمان بن ثابت.
أذكر هذه القصة لأنه يصادف هذا اليوم، الثاني من ابريل «اليوم العالمي لمرضى التوحد»، ذلك المرض الذي لم يستطع العلم التعرف على أسبابه، وبالتالي لم يستطع معالجته.
يتسم هذا المرض بالغرابة، فهو متعدد الصفات، ومختلف الآثار بحسب الاصابة، ومثله مثل أي مرض.. كلما أمكن اكتشافه من خلال التشخيص المبكر، كلما قلت مشاكله وأمكن التعامل معه بشكل أفضل.
ولا شك أن الأسرة تعاني كثيراً من هذا المرض، لأنه يحتاج عناية خاصة جداً، فهو وان لم يكن اعاقة بدنية بقدر ماهي اعاقة ذهنية، فانه بالغ في الصعوبة لأن المصاب يكون بكامل قواه البدنية، مع شرود وعلامات حزن على الوجه، مقابل ذكاء ودقة في مشاهدة التفاصيل ودقائق الأمور.
وتشرف وزارة التربية على رعاية «مرضى التوحد» في التعليم النوعي، ولكنها تقليدية، حالها حال جميع مدارس التعليم الخاص، مما اضطر العديد من أولياء أمور المعاقين المقتدرين لانشاء مدارس خاصة لرعاية أبنائهم وأبناء المعاقين من نفس الاعاقة. أي أن القطاع الخاص والأهلي هو الذي أنقذ هذه الشريحة من الضياع. مما اضطر الحكومة لانشاء المجلس الأعلى للمعاقين، ودعمه بميزانية مميزة لمساعدة أولياء الأمور في علاج أبنائهم، ودعم تعليمهم في المدارس الخاصة للمعاقين.
وعلى ذلك قامت د0 سميرة السعد مع ثلة من المخلصين بانشاء «مركز الكويت للتوحد» بدعم من الأمانة العامة للأوقاف ليستوعب التوحديين، وبعد النجاح الكبير الذي حققته ونقل تجاربها الى دول أخرى وحصولها على جوائز عالمية، خصصت الدولة أرضاً لانشاء هذا المركز في ضاحية مبارك العبدالله الجابر، وتم بناؤه بدعم من المحسنين الكرام، وأحمد الله أنه تم بناؤه قبل الانهيار الاقتصادي.. والا لتوقفت التبرعات، وآمل أن تستكمل الدولة دعمها لهم.
وبخط مواز تم انشاء «جمعية التوحد الكويتية» بتحرك ودعم من د0 فؤاد العمر، حيث تعمل هذه الجمعية على ربط أولياء الأمور ببعضهم لرفع معنوياتهم وتزويدهم بكافة المستجدات على الساحة، واقامة الأنشطة المنوعة لهم، ولهم دور كبير في ذلك المجال.
ومن الأدوار الايجابية ما قامت به شركة مطاحن ومخابز الدقيق الكويتية بانتاجها خبز (توست) خاص للتوحديين يصنع من الذرة، وهو خالي من مادة «الجلوتن» التي تسبب تزايد النشاط (هايبر) وتقدمه بسعر رمزي، مع توصيل مجاني للمنازل، حيث ان كلفته في السوق عالية جداً، فكل الشكر للأستاذ صلاح الكليب رئيس مجلس الادارة على هذه المبادرة.
«مركز الكويت للتوحد» نموذج ايجابي لتعاون المجتمع.. حكومة وتجاراً لمساعدة هذه الشريحة من التوحديين، لتخفيف معاناة الوالدين شيئاً ما، وليس لي سوى أن أدعو لهم بالشفاء العاجل، وللوالدين بالصبر الجميل، عسى الله أن يأجرهم ويخلف لهم خيراً، كما أخلف على ثابت.
تاريخ النشر 02/04/2009